العاصفة الثلجية
من عشر سنوات خلال شهر فبراير هبت عاصفة ثلجية عنيفة علي الساحل الشرقي للولايات المتحدة الأمريكية وتجمدت مياه الأنهار وأعلنت حالة طوارئ في جميع المطارات ...وكانت احدي الطائرات تقلع من المطار الدولي بمدينة واشنطن و مع انه تم رش اجنحتها بمادة خاصة لأذابة الثلوج التي تراكمت عليها الا انه بمجرد اقلاعها لم تستطع الصعود و سقطت في النهر المتجمد الملاصق للمطار و انشطرت الي نصفين وغاصت في الاعماق بكل ركابها ما عدا خمسة اشخاص وجدوا انفسهم وسط الماء المتجمد فأمسكوا ببعض الحطام المتبقي من الطائرة و هم في حالة رعب و خوف ليس من هول الصدمة
فقط بل لانهم عرفوا ان اجسامهم ستتجمد خلال دقائق !
وتعالوا لنعرف بقية القصة من احد الناجين ، الذين تم انتشالهم في اللحظات الاخيرة ... كان يتكلم امام عدسات التليفزيون و هو يبكي ...
لقد احسست انها النهاية ...! لم يكن هناك امل ... كانت اطرافي تتجمد بسرعة ... تملكني يأس شديد ... وفجأة سمعت صوتاً خافي هادئأ ..واثقاً ! ! ! !
فنظرت إليه ووجدته احد الناجيين معنا ... قال لنا بهدوء ... قد نتجمد الان قبل ان تأتي النجدة فهل تعرفون الي اين ستذهبون ؟؟؟ !
وفوجئنا بهذا السؤال الذي لم يكن احد منا يفكر فيه ... ولكن عندما نظرنا الي حالتنا وواجهنا حقيقة موقفنا ... استسلمنا ! ! و لم نستطع الرد عليه ... لأننا لم نكن نملك اجابة واضحة .... اجابة حاسمة ! ! و حاول الرجل ان يتكلم معنا و لكننا لم نتجاوب معه ...
وابتدأنا نفقد الوعي ...
وفجأة جاءت طائرة مروحية ... وانزلت حبل به طوق نجاه و فوجئت بالرجل الغريب ..العجيب.. يأخذ طوق النجاه الذي سقط بجانبه و يعطيه لأحدنا ! و جذب مساعد الطيار الحبل بسرعة ثم قذفه مرة اخري وتكرر نفس المشهد اخذ الرجل الطوق و اعطاه لأخر ! !
ولم يتبق احد الا انا و هذا الرجل ...وكانت قوانا قد خارت تماماً وبدأت اجسامنا تتجمد...وجاء الطوق من فوق ... ووجدت الرجل يعطيه لي ! ولم امانع ... فقد كنت اتشبث بالحياه ...وابتدأ مساعد الطيار يرفعني
فنظرت الي الرجل و سألته :
لماذا ؟ لماذا تفعل هذا ؟ ! ! !
فأجابني بكلمات ...... هزتني ... رجتني .... حيرتني ....كلمات لن انساها مدي عمري ... قال لي بكل هدوء وثقة :
" لأني أعرف الي اين اذهب ... أعرف ان احضانه في انتظاري " .
لماذا انت متأكد وواثق هكذا ؟
فأجابني بكلمة ... كلمة واحدة .... كلمة قلبت حياتي..... كلمة غيرت حالي ... كلمة زعزعت كياني... كلمة لم اسمعها من قبل... لم اعرفها من قبل ... هتف بها من اعماق قلبه قائلا :
" لأنـــــــــــــــــــــه أبـــــــــــــــــــــــــــــــي "
وعندما نزل الطوق مرة اخري. . رجع فارغاً !!
لأن الرجل لم يكن هناك ... كان جسده متجمداً هناك ... و لكن روحه لم تكن هناك ... كانت في مكان اخر ..كانت في حضن أباه .
وفي اليوم التالي و اثناء مراثم دفن جسده وقفنا نحن الاربعة الذين كنا معه في الماء ...كنا مثله مسيحيين .. نذهب الي كنائسنا ..نحترم فرائضنا ..نمارس طقوسنا ..نصوم اصوامنا ..كانت مسيحيتنا جزء من روتين حياتنا..
كان مسيحنا الذي نحمل اسمه يجري طول الوقت ورائنا !
يلهث خلفنا .. يعيش علي هامش حياتنا .. خارج قلوبنا ! ! ولكن مسيحه كان يعيش ... بداخله !!
أه... لم نكن مثله ... كان مختلفاً عنا ... كنا نعرف مسيحنا بالجسد أما هو فكان يعرف مسيحاً بالروح .
ومن خلال دموعنا طلبنا من الذي حملنا اسمه طول عمرنا نتيجة ولادتناامن عائلات مسيحية بدون ارادتنا ! وظننا اننا علي هذا الاساس سندخل السماء ... بالوراثة
طلبنا من الذي مات علي الصليب من اجلنا ..واعطانا دمه ليطهر قلوبنا ..ولكن في زحمة حياتنا واهتمامنا بأجسادنا و اعمالنا و اموالنا و روتين عبادتنا ..نسيناه !!!
ا ه ه نسينا انه مكتوب ان ليس بأحد غيره الخلاص (أعمال 4)
أه نسينا انه مكتوب ليس احد يأتي الي الاب الا بي (يوحنا 14 )
اه نسينا انه مكتوب ان كثيرون يدعون و قليلين ينتخبون ( متي 22 )
وامام القبر سمعنا الصوت و فتحنا ابوابنا .. فتحنا قلوبنا ... و طلبنا منه ان يدخل ! طلبنا منه بكلمات بسيطة ... ضعيفة .. لم نكن نملك غيرها ... لم نكن نعرف ان نقول غيرها .. ولكن عنده كانت تكفي وتزيد لأنه لم يكن يريد غيرها...
فهو يريدك كما انت لأنه يعرف قلبك و ما في داخلك و عرفنا معني ما هو مكتوب ...
" وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً ان يصيروا اولاد الله الذين ولدوا ليس من دم ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل لكن من الله ولدوا
(يو 1 : 12 – 13 ) "
أه ما اروع ان نكون اولاده و نناديه قائلين ... يا أبــــــــــي...
ستعرف معني الفرح الذي لا يستطيع احد ان ينزعه منك .
ستختبر معني السلام الذي لا يستطيع احد ان يأخذه منك
سيذهب القلق .. و لن يكون هناك مكان للخوف او المرض ..
لأن الذي سيكون بروحه في داخلك لن يسمح للعالم ان يمس شعرة من رأسك ( لوقا 21 )
ولن يستطيع احد ان يؤذيك لأن من يمسكم يمس حدقة عيني ( زك 2 )
وستعرف الي اين ستذهب و ستعرف الطريق لأن يسوع هو الطريق والحياه ومن امن بي ولو مات فسيحيا (يوحنا 14 : 11 )
فتعال الان الي أحضانه .
ألأب جبرائيل شمامي
jibraelshamami@yahoo.com