حياة شارع النهر حكايات ذهب وفضّة وغزل يشتهي الزغاريد
كاتب الموضوع
رسالة
Dr.Hannani Maya المشرف العام
الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 61370مزاجي : تاريخ التسجيل : 21/09/2009الابراج : العمل/الترفيه : الأنترنيت والرياضة والكتابة والمطالعة
موضوع: رد: حياة شارع النهر حكايات ذهب وفضّة وغزل يشتهي الزغاريد الثلاثاء 12 يونيو 2012 - 4:27
حياة شارع النهر حكايات ذهب وفضّة وغزل يشتهي الزغاريد
الأحد, 03 حزيران/يونيو 2012 10:01
بغداد/ يوسف المحمداوي لكل شارع حياة عاشها، تميزه عن الشوارع الأخرى بنكهة خاصة وتاريخ يروي حكايات العقود التي مر بها وينشد للناس أغاني الأجيال الماضية ، محال تجارية ، قصص العرائس ترويها المحكمة التي أبرمت عقود الزواج ، الصاغة .. الروافون ، صانعو الأحذية والحقائب ..
كل شيء في شارع النهر يمد لك يدا من ماض مترف لم يعد موجودا ، غادرنا إلى سجل الذكريات ، فما أجمل ماضينا وما أتعس حاضرنا ، والقلق ديدننا حين نفكر بمستقبلنا المجهول . بين جسرين دخلنا شارع النهر من جهة الجنوب متجهين صوب شماله ، فالشارع يقع بين جسرين ، هما جسرا الشهداء والأحرار . محال لبيع الملابس بالجملة، علما أن الشارع كان لبيع المفرد .. وكان يعج بالنساء والعشاق ، وله دور معروف بالعديد من الزيجات، حتى سمي بشارع العرائس، لأن شراء جميع مستلزمات العرس من محاله التجارية ، فالملابس أو ما يسمى بالنيشان هو من هناك ، وكذلك الحلي الذهبية أو الفضية أيضاً منه .. يقول محمد مجيد صاحب محل كماليات، النهر كان يسمى أيضا بشارع الفرح، لأنه يعج بالعشاق او ما يسمون (بالعشقية) ، مضيفا أن الزغاريد التي يطلقها أهل العرسان في المحكمة أو عند شراء الذهب كانت عنوانا للشارع ، وكانت الأغاني تصدح من المحال مثل "نيشان الخطوبة اليوم جابولي ، ومحبس من ذهب وكلادة صاغولي" ، وما أجملها يقول محمد حين كانت تغنى بصوت المطربة لميعة توفيق، ويضيف أن الأهازيج البغدادية كانت تردد أيضا بعد انتهاء مراسيم العقد مثل " شايف خير ومستاهلها " وغيرها من الأهازيج البغدادية المعروفة ، وأحيانا يجلب أهل العريس فرقاً موسيقية تقوم بالعزف بعد انتهاء عقد القران في المحكمة .
شارع الذهب.. ذهب
في أول دخولك للشارع تشدك حتما محال الذهب وما أكثرها بمسمياتها الجميلة وبضاعتها التي اختفت عنها العرائس بسبب اختفاء ظاهرة البيع بالمفرد، وتخصصت تلك المحال ببيع الجملة .. مثل مجوهرات الزهراء، المبارك الملوك، الياقوت، ملاك .. وغيرها ، دخلنا أحد المحال المتخصصة ببيع الأحجار الكريمة، حيث يقول صاحب محل فيروز حميد لطيف: إن الأحجار التي عليها طلب هي الفيروز والزاركون ، والعقيق والفيروز الهندي واللؤلؤ ، مضيفا أن سعر البيع 750 ديناراً للغرام الواحد ، وهو يبيع بالجملة ، ويقول أن اغلب الزبائن هم من المحافظات ، وعن مناشئ تلك الأحجار بيّن حميد ان المنشأ الآن هو من الهند وتايلند ، ويرى أن الحركة الآن غير مشجعة ولا يمكن مقارنتها بأيام زمان ، حيث كان يعج بالنساء الجميلات ومن عوائل بغدادية معروفة
صائغ السلاطين والملوك
يسمى بالأصفر لزحمة محال الذهب ،وتجد واجهات المحال تزهو بالقلائد والأساور والأقراط . وذكر أقدم صاحب محل لصياغة الفضة في الشارع أن المكان غابت عنه النساء في الوقت الحالي ، في زمن كان فيه هو عين المرأة العراقية على القفزات التي تمر بها الموضة في العالم ، لكونه يزدحم بمحال لأحدث موديلات الملابس والإكسسوارات والمصوغات الذهبية والفضية ، وكذلك أرقى أنواع العطور والماكياج ، ويضيف حسام سبتي زهرون الذي جلسنا في محله البالغ من العمر مئة عام: أنا ورثت المحل أباً عن جد ، وكان جدي الصائغ المعروف زهرون عمارة - لكونه ينحدر من مدينة العمارة - يلقب بصائغ الملك ، وقد قام بصياغة الناركيلة الخاصة بالسلطان عبد الحميد ، وعندما كان العراق مستعمرا من القوات البريطانية ، كلفته الحكومة آنذاك بصياغة علبة سيكار لرئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل ، وهي محفوظة الآن في المتحف البريطاني من ضمن مقتنيات تشرشل ، وقد نقش جدي صورته على الوجه الأول وهو رافعا يده ويرتدي قبعته، وفي الوجه الثاني نقش صورة المدمرة البريطانية فكتوريا ، ويضيف حسام أن تشرشل بعث بكتاب شكر إلى جدي لإعجابه بالعلبة .
زهرون ملك النقش
يقول حفيد زهرون إن الكثير من هدايا المملكة العراقية السابقة من حلي وتحف فضية إلى المملكة البريطانية سواء لملكها أو رؤساء حكوماتها كان جدي هو من يقوم بصياغتها، وفي عام 1922 أرسل له الملك أدور كتاب شكر ، وأثناء الاحتلال البريطاني للعراق زاره الجنرال مود في محله هذا، وقد أعطى لجدي شهرة في سائر بلدان العالم، وهذا ما دفع الحكومة الفرنسية آنذاك الى دعوته لفرنسا ، والمشاركة في معرض باريس للصياغة عام 1932 ، وما تزال إلى الآن أعماله محفوظة في متحف اللوفر ، ويؤكد أن العديد من مقتنياته التي كانت لدى الشخصيات الفرنسية ، هي من مقتنيات المتحف ، وبيّن أن الحكومة الفرنسية آنذاك حاولت إغراءه في البقاء هناك ، لكنه رفض ذلك وعاد إلى الوطن ، وكذلك عمل العديد من الأعمال لشخصيات بولونية ، وفي أيام الحصار عمل والدي أساور من ذهب لإحدى المفتشات الانكليزيات ، فقامت بعد رؤيتها تلك الأساور بتقبيل يد والدي، وفي عام 2003 فوجئنا بدخول احد قادة قوات الجيش الأميركي الى المحل وطلب مني العديد من المصوغات الفضية.
ويضيف حسام: إنه فضلا عن الملوك والرؤساء فقد زار المحل أثناء تمثيله لأحد الأفلام في العراق الممثل انطوني كوين حيث عمل له والدي قوبجة حزام فضية موردة، وكذلك في أحد المهرجانات دخل علينا الفنان نور الشريف وزوجته بوسي وابنته مي التي هي الآن مخرجة معروفة، وعملنا له خاتم نقشنا عليه لفظ الجلالة وكان يرتديه في إحدى المسلسلات التلفزيونية، وقمنا بصياغة أقراط اسمها صباح الخير لبوسي وابنتها مي. كان حسام يتحدث إلينا وعلى رأسه تقف العدسات المكبرة وبين الحين والآخر يستذكر الشارع القديم بحسرة وألم، نادبا حظ ذلك الشارع الثري في كل شيء ، وقد ودعنا بودٍ بعد أن قام الزميل المصور محمود بتصويره أثناء انشغاله بالعمل .
مركز الموضة العالمية يروي لنا حسين فاضل وهو صاحب محل لبيع الكماليات بالجملة أن الشارع كان نسائياً وليس ذكورياً كما تراه الآن ، وكان الشباب يأتون الى هنا لغرض رؤية الجمال والتغزل به ، وتصدف الكثير من الحالات التي يتم بها الزواج بعد التعارف وهذا يعني أن الشباب لم يأت للتبضع وإنما ليعيشوا اجواء الأغنية المعروفة (مالي شغل بالسوك مريت أشوفك) ، ويضيف حسين أن الشارع كان مركزا للموضة العالمية لان الاستيراد يكون من أرقى المناشئ العالمية بكل شيء، سواء بالكماليات او الأزياء او الإكسسوارات، فكان الشارع هو عين المرأة على القفزات التي تمر بها الموضة، وكانت المرأة البغدادية ترتاد الشارع بأحلى واحدث الملابس العالمية، ولا وجود لأية جهة تفرض عليها زيا محددا فتجد السافرة تسير بجنبها امرأة ترتدي العباءة .فيما يرى احمد نور صاحب محل لبيع الملابس النسائية أن الشارع فقد بريقه بغياب المرأة عنه التي كانت زينته الحقيقية، فضلا عن الزينات الأخرى ، وقد خصصت للمرأة العديد من المقاهي التي ترتادها بعد نهاية عملية التبضع وتقدم في تلك المقاهي القهوة والمرطبات، فضلا عن المشروبات الغازية اعتقد أن المرأة اليوم لو تواجدت في مقهى ما لكانت حصتها رصاصات من كاتم الصوت لا ترحم ، لان حصتها اليوم المزيد التحريمات والتهميش وطقوس وأوامر ما انزل الله بها من سلطان ،المهم لا يهم ما دام الإصغاء أبكم.
حمّام حيدر والبانيو الفضي
في الشارع كان هناك أقدم حمامات بغداد وهو حمام حيدر حيث الحمام الخاص للخلفاء العباسيين ولزوجاتهم وحاشيتهم ، وكانت صفريات هذا الحمام مصنوعة من الفضة وكذلك بقية الأواني وكانت الصفرية هي بحجم البانيو الغربي حيث يجلس فيه الخليفة أو الأمير ، ثم تحول الحمام بعد ذلك إلى عامة الناس ، لكنه اندثر وأصبح عبارة عن مخازن، وشهدت طارمة هذا الحمام عملية شواء الشلغم الذي قدمه احد وجهاء بغداد لأم كلثوم أثناء زيارتها للشارع . وفي الشارع العديد من المعالم التاريخية كالجوامع والمخازن وكذلك تقع في بدايته من الجهة الجنوبية غرفة تجارة بغداد التي تأسست عام 1926 وقد صممت واجهتها لتكون مطلة على الشارع ،أما خلفيتها فتقع على نهر دجلة، وسوق النهر سمي بهذا الاسم لمحاذاته لدجلة أما الاسم الرسمي له فهو شارع المستنصر .يقول ماجد علوان صاحب محل لبيع العباءة الرجالية في سوق الخفافين... إن الشارع في بداياته كان يعج بالعديد من الجوامع والخانات التي هي عبارة عن مبيت للمسافرين ،ومن تلك الجوامع؛ التكية الخالدية وجامع العادلية الكبير ، فضلا عن أقدم جوامعه وهو الخفافين وسمي بهذا الاسم كونه يقع في سوق صناعة الخفاف وهي جمع خف وتعني الحذاء . وكذلك هناك جامع الباجة جي الذي بني في ثلاثينات القرن الماضي ، ومن الخانات التي فيه الباججي والنملة ودلة نسبة إلى بائع ذهب بالجملة وهو من أصل يهودي والنبكة، وجميعها تحولت إلى محال أو مخازن للبضائع . رائحة القمامة بديلا عن العطور فوزي أبو زينب صاحب محل أحذية وحقائب قال بحرقة وهو يشير بيديه الى العربات الخشبية التي تملأ المكان: العربات دمرت الشارع .... انظر إليها فالحمالون أكثر من الزبائن ، في حين انه أيام زمان ليس فيه غير حمالين اثنين هما المرحومان أبو داود ولطيف ، وكانا بمنتهى الأمانة والحرص ، أما اليوم فأنت تذهب مع الحمال في سبيل التأمين على بضاعتك، مضيفا أن الشارع الذي عبّد بالمقرنص الإسمنتي في ثمانينات القرن الماضي اخذ بالتخسف نتيجة تلك العربات التي لا تعد ، ويعاني الإهمال من ناحية النظافة، ومحاله التي كانت تفوح بالعطور والروائح الزكية تجدها اليوم تعاني تراكمات القاذورات والبرك الآسنة حسب قول ابو زينب الذي ترك محله وذهب معنا لتصوير المعبد اليهودي والذي هو عبارة عن دار زينته الشناشيل كما هي حال بيوت وأبنية الشارع ، ولكن وللأسف توسدت بابه المغلق مكبات القاذورات وأثناء عودتنا قال أبو زينب: أتمنى أن تنقلوا شكوى جميع أصحاب المحال التجارية ، فالقدرة على البيع ليست كما كانت قبل التغيير فهي شبه معدومة ومع ذلك أصحاب الملك رفعوا الإيجارات علينا من مبلغ 500 ألف دينار الى خمسة ملايين دينار سنويا ونحن لا نقوى على ذلك .حمام حيدر تحول في أربعينات القرن الماضي إلى اورزدي كما يقول رضا نوري صاحب محل كماليات، مضيفا انه بالإضافة الى وجود بناية البنك المركزي في الشارع المجاور لجامع العادلية الكبير، هناك فرعان لمصرفي الرافدين والرشيد وأيضا تتواجد فيها محال للصيرفة وهذا ما جعل بورصة الدولار تتخذ الشارع موقعا لها، وبين نوري أن التحول من مهنة الى أخرى أصبح صفة عامة في الشارع، فالشارع الذي كان يعج بمعامل الأحذية والحقائب ، أصبح شبه معدوم وتحولت تلك المعامل الى مخازن وبالتالي فقد العاملون فيها مصدر رزقهم الوحيد .
ومن أسواقه المهمة سوق دانيال وهو اسم لرجل يهودي ومتخصص ببيع لوازم الخياطة ، ثم يليه سوق القبلانية الذي يوجد فيه مرقد الشيخ علي بن محمد السمري وهو احد سفراء الإمام المهدي، والذي يزوره الكثير من الناس وهناك محال الروافين للعباءات والملابس الممزقة، ومحل الأفراح للسجاد بأنواعه وكذلك عالم الأطفال كوكو ،حيث اندثرت جميعها ، وصلنا نهاية الشارع حيث المدرسة المستنصرية التي بناها الخليفة العباسي المستنصر بالله عام 1227 ميلادي ... وبهذا نغادر حياة شارع النساء . ,
. هذا الشارع كان من اهم الشوارع الاقتصادية في بغداد وللاسف الشديد وصل به الحال الى هذا المستوى من الاهمال والركود رغم تنوع نشاطاته الاقتصادية وعدم اقتصارها على مهنة واحدة . واذكر من المحلات المشهورة كاهي المصبغة اللذيذ جدا وموقعه كما اذكر قرب سوق الاقمشة بين شارع النهر وسوق الصفافير والذي لم يصل طعم الكاهي فيه اي محل اخر رغم انتشار صناعة الكاهي في كل مكان في بغداد . واذكر الحاج ابو احمد رحمه الله (اعتقد كان هذا اسمه) صاحب ركن تصليح وشحن القداحات وقد علق يافطة صغيرة مكتوب فيها (وبدرهم شحن القداحه) وحاج اخر كان يمتلك ركنا يبيع فيه الطرشي المحشي قرب سوق دانيال وسوق الساعاتيين واذكر فيه الحاج فخري الساعاتي رحمه الله وغيرهم من التجار الطيبين الذين لا يعرفون الغش او الكذب في تعاملهم مع الناس . بل كانت سمعتهم اعز واهم مايملكونه. ...
..شارع النهر شارع عزيز على قلوب البغداديين وفيه من الذكريات الكثير .. ومن اهم المعالم التي كانت في شارع النهر (المحكمه الشرعيه ) التي كان لها اثر خاص في نفوس الكثيرين وهناك ايضا اكبر محلات لبيع مستلزمات الاعراس (مغازه) وهو (الافراح) الذي كان قبلة العرسان والتسوق منه كان تتباهى به العروسه . واليوم هذا الشارع اضحى منزلا مستوحشا حين غابت عنه اقمار
حياة شارع النهر حكايات ذهب وفضّة وغزل يشتهي الزغاريد