معذرة أشرف! فتلك العذرة ليست من صنعينا علي الكاش كاتب ومفكر عراقي
إذا طهرت نفسك من الكذب فأنت ذكي وإن لم تقربه فأن مؤمن. وإن تمسكت دائما بحبل الحقيقة فأنت عبقري وسيرفعك للأعلى وأن تمسكت بحبل الباطل فسينقطع بك ويرميك للأسفل. وأن نظرت إلى نفسك في المرآة لتراقب أفعالها فأنت مثقف، وأن نظرت إلى الآخرين بمرآة غيرها فإنت جاهل. إن إعترفت بأخطائك وهفواتك وصححتها فإنت سليم وأن إنكرتها وبررتها وأصررت عليها فأنت سقيم. إن أتحذت موقف ما في زمن ومكان ما وتبين أنك كنت على ضلال ولم تعترف به وتصححه فأنت في غاية الحمق والبلادة. وإن كنت إنسانا عاديا فذلك خطأ وأن كنت واعيا فتلك لعمري خطيئة. أن كنت فردا فتلك مشكلة، وان كنت مجتمعا فتلك مصيبة! وان كنت حكومة فتلك كارثة.
لم تلتئم بعد الجراح التي خلفتها حكومة الإحتلال ضد المدنيين في معسكر أشرف خلال تموز الماضي ولم تغرب بعد الذكريات المؤلمة من سماء الرأي العام التي رافقت تلك العمليات الوحشية بقيادة الحرس الثوري الإيراني المطعم بالقوات العراقية التي تركت حماية الوطن وحدوده جانبا وإنشغلت بعدد من المدنيين الإبرياء لتستعرض عضلاتها المنفلته أمامهم. حتى اطلت علينا غمامة سوداء أخرى لتترك انطباعا راسخا في الذاكرة بأن الحثالات التي تحكم العراق ليسوا اكثر من خدم وماسحوا احذية الولي الفقيه واحمدي نجادي.
ليست الأعمال العدوانية من سجايا العراقيين الأصلاء ومعاذ الله ان تكون من صفاتهم فالشعب العراقي أبعد ما يكون عنها. هذا الشعب عرف عنه دائما وأبدا كرم الضيافة ومرعاة الواجب والإحسان للغير. وسكان أشرف أدرى بغيرهم بتلك الخصال فقد عاشوا أكثر من ربع قرن في العراق شهدوا خلاله مع مضيفيهم العراقيين حلو الحياة ومرها. وكانوا بحق ظهير قوي لهم وقت الأزمات والمحن وعواصف الفتن الصفراء الهابة من إيران الملالي. في الوقت الذي كان العديد من الحكام الحاليين المحسوبين على العراق ظلما، ينهشون بوطنهم وشعبهم بشراهة ونكران جميل، فشتان بين الإثنين! بين الأبن الذي يطعنك من الخلف والغريب الذي يضمد جراحك. بين من يسبب لك البكاء وبين من يمسح دموعك.
لكن حكومة الملالي التي تدعي الإسلام وهي الأبعد عن جوهر الإسلام لم تترك هذه القلة المؤمنة بعدالة قضيتها بأمان سيما بعد أن أصبح العراق ضيعة خربة تابعة لإيران. حيث ضحى البعض الخائن والجاهل بالوطن قربانا لصالح المذهب في مقايضة تافهة وخاسرة لا يعقلها لبيب ولا يقبلها نجيب. سكان أشرف كما هو معروف جلهم من النساء والأطفال وهم مدنيون يحظون بالحماية والرعاية الدولية وفقا للقانون الدولي وإتفاقيات جنيف والمعاهدة التي عقدوها مع إدارة الإحتلال. فبعد الغزو تمت مصادرة أسلحتهم وغادر الكثير من نشطاء المنظمة إلى خارج العراق ولم يبقى سوى الناس العاديين البسطاء. وكفلت إدراة الإحتلال ضمان أمنهم وسلامتهم مقابل ذلك! ولكنها سرعان ما تخلت عنهم وهذا ديدن الإحتلال. فالأخلاق والإلتزام بالوعود والعهود لا يتناسب مع الوجه القبيح للإحتلال. وقد شهدنا في تموز الماضي العمليات الوحشية التي ارتكبت ضد السكان المدنيين في معسكر أشرف في ظل غض نظر الإحتلال عنها كأن الأمر لا يعنيها البته. والسكوت عن الجريمة هو جريمة بحد ذاته. ذلك السلوك الأمريكي المنحرف شجع حكومة الإحتلال والحرس الثوري الإيراني على التمادي في عدوانهم المؤذي على السكان الإبرياء دون مسوغ.
فهل يشكل سكان أشرف فعلا بعبعا مخيفا لولاية الفقيه النووية؟ إن كان الجواب إيجابا فأي نظام ضعبف هذه الذي يدعي المضي في المجال النووي ويثير إزعاج الدول الكبرى ويضايق دول الجوار ويتدخل في شئون الدول الأخرى! وان كان الجواب كلا! فعلام كل هذه الضجة بشأن ثلاثة آلاف مواطن جلهم من النساء والأطفال؟ ولماذا تنفرد إيران في الساحة العراقية تصول وتجول كيفما تشاء دون أن تعترض إدارة الإحتلال أو على الأقل تضع حدا لهذه التصرفات الرعناء؟ ولماذا يسكت الشيطان الأكبر عن إرهاب الشيطان الأصغر والاعيبه المكشوفة ولا يردعه؟ الم تعتبر إدارة العم سام الحرس الثوري الإيراني خلايا إرهابية وهذا يعني دخولها كطرف كما يفترض في الحرب على الإرهاب؟ فعلام تسكت إدرة الإحتلال عن الجرائم الإرهابية للحرس الثوري التي طالت العراقيين وسكان أشرف؟ هل سمع احد بأن قوات الإحتلال ألقت القبض على عناصر إرهابية من الحرس الثوري الإيراني في العراق أو لبنان أو اليمن أو فلسطين أو غيرها من الدول؟ إنهم يتحركون بحرية في كل أصقاع العالم وبتسهيلات مريبة تثير العجب! اليسوا بإرهابيين وفق القانون الأمريكي لمكافحة الإرهاب أم ماذا؟
حتى الإرهاببين الخمسة الذين القي القبض عليهم في كردستان وأدعت إدارة الإحتلال بأنهم ليسوا دبلوماسيين وإنما إرهابيين من الحرس الثوري الإيراني حسبما عثر بحوزتهم من متفجرات وخرائط! قامت إدارة الإحتلال بأطلاق سراحهم بصفقة وسلمتهم بأمان لحليفها المالكي قبل أن يسلمهم هذا بدوره إلى السفارة الإيرانية ضمن أرقى واجبات الكرم والضيافة العربية التي لم نعهدها منه طوال حكمه المزري! ولسان حال سكان اشرف يردد قول الشاعر" لحى الله دنيا ألجأتنا لمعسر *** فراقهم أشهى الأمور إلى قلبي" فيجيبهم لسان حال الشعب العراقي " صروف الليالي أحوجتكم إليهم *** كما احتاج صياد إلى صحبة الكلب".
منذ شهرين أرسلت حكومة عمائم الشر والدجل عناصر من فيلق القدس والحرس الثوري ليرابطوا كالحمير أمام بوابة المعسكر لأغراض إستفزازية بحته منها التحرش بالسكان وإطلاق الشائم البذيئة التي تعافها ألسن العاهرات، والتهديدات بالقتل والحرق وغيرها. وما أن يرخي الليل سدولة حتى يبدأ الإزعاج الليلي كما يطلق عليه في المفاهيم العسكرية عبر مكبرات الصوت المتطورة (Loud Speaker with jumbo sound ) التي ينطلق منها انكر الأصوات فتخدش الحياء والضمير والمشاعر الإنسانية. والغريب أن هذا النهيق يستمر من صلاة الليل حتى صلاة الفجر ولا يأبه بإحترام أذان المساجد فيتوقف لبرهة من الوقت إحتراما لشعائر الدين الحنيف. لكن من لا يحترم شعائر الاسلام فهو بالنتيجة لا يحترم مشاعر المسلمين. ومن يؤذي الله لا يهمه إذاء البشر. مما أضطر سكان أشرف أن يخففوا قليلا من نهيق المرابطين على بواباتهم، بأن يشغلوا هم أيضا مكبرات صوت عسى أن تساعد شيوخهم وأطفالهم ونسائهم ومرضاهم على النوم بهدوء في الأجواء الديمقراطية الملوثة بالفضائح والنجاسة التي تعم العراق بجهاته الأربع! النوم براحة وهدوء من أبسط الحاجات الإنسانية ولا يحتاج إلى تشريعات سماوية أووضعية لإحقاقه أو لتنظيمه. ولكن نهيق حكومة الإحتلال والحرس الثوري يعلو ولا يعلى عليه! فمن يوقفه في ظل الفوضى الخلاقة؟
ثم بدأ الفصل الثاني من العاب السيرك فقد أرسلت الحكومة بهلوانين إلى المعسكر لإجبارهم على إسكات مكبرات الصوت التي أخذت تكدر صفوا بال المرابطين أمام بوابة المعسكر, فإطلاق الشتائم والتهديدات من قبل المرابطين أمر محمود! لكن الموسيقى فيها مفسدة للنفس وإيذاء لمشاعر المسلمين! هكذا المنطق الأعوج للأحزاب الإسلامية الحاكمة! وعندما وافق سكان المعسكر على الأذعان لأمرهم خشية من إثارة متاعب لا جدوى منها، شريطة ان تصمت كذلك أبواق الشاتمين سيما ليلا. رفض البهلوانان ذلك وذكرا بأن الحكومة وافقت على أنغام الشتائم والتهديد ولكنها لم توافق على أنغام الموسيقى. وهددا بأنهما سيوعزا للقوات المدرعة المتجحفلة معهم بالهجوم الكاسح على المعسكر، وأن كفة النصر مرجحة للقوات المدرعة في مواجهة أطفال ونساء عزل. إنها النخوة العالية للقوات العراقية التي جعلتهم بدلا من توجيه فوهات مدافعهم الذليلة إلى وجوه من اغتصب أرضهم في جنوب العراق يديرونها إلى وجوه الأطفال والنساء والعزل! فيا للعز! ويا للكرامة! ويا للبطولة! فقد افحمتنا قواتنا البطلة المرابطة على بوابة أشرف والتاركة سور الوطن مفتوحا كبيوت البغاء أمام الإرهابيين والمجرمين يدخلون ويخرجون كيفما يشاءوا.
كانت الليلة الليلاء في الخامس عشر من نيسان الجاري لطخة عار ثانية في جبيني إدارة الإحتلال وحكومة الإحتلال. فقد أوعز بهلوانا السلطة للقوات المدرعة الرابضة على بوابة أشرف بأنه حانت ساعة الصفر وأعلنا الحرب المقدسة بلا هوادة ضد الضيوف المسلمين المسلحين بقوة الإرادة وعدالة القضية والإيمان بالله؟ فلمن ستكون الغلبة للمؤمنين الصابرين أم للكفار المعتدين؟ معاذ الله ان ينتصر الباطل على الحق مهما كانت قوة الباطل ومهما ضعف الحق. وهذا ما جرى فقد رجعت فلول العار متخاذلة تجر أذيال المهانة أمام أصرار النساء والأطفال على التمسك بحقهم المشروع والدفاع عن أنفسهم بالصمود المثير والأيادي المتذرعة إلى الله تسأله الغوث والرحمة. وإنهارت مدرعات الهاموي الحديدية أمام النساء المدرعات بالصبر والإيمان. وقهرت أصابع الأطفال سواعد أشباه الرجال، وتفوق سلاح الإيمان على سلاح الزعران. خيبة جديدة تضاف إلى خيبات الحكومة المتتالية.
إنتهت معركة (مكبرات الصوت) بحصيلة خمسة جرحى من سكان المعسكر مقابل جرح جميع القوى الحكومية والميليشياوية المهاجمة جروحا بليغة في كرامتهم إن بقي لهم شيء منها. وسيخلد التأريخ جرحى المعسكر كريم كماساي ومهدي الرحيمي وعظيم ميشمست ورحيم سهرابي وخالد شاه كرمي. يخلدوا ليس كمظلومين دافعوا بكرامة عن حقهم المشروع ضد قوى البغي والشر، وإنما لأنهم أصحاب غيرة وشرف وكبرياء. فقد منعوا المهاجمين الأوغاد من خطف أحد نسائهم! وخطف النساء إحدى فنون قتال قوى الشر.
لكن يا ترى هل هذا الهجوم الغادر من شأنه أن يوقظ الأمين العام للأمم المتحدة من غفوته العميقة فيصدر قرار أو تصريحا على الاقل يدين هذا العدوان ويدعو حكومة العراق لأحترام إتفاقيات جنيف وكذلك حكومة الملالي في إيران للكف عن أذاها لمواطنيها؟ وهل سيرفع هذا العدوان القطن عن أذان إدارة أوباما فتضع حدا لتلك الإنتهاكات الجسيمة وتلتزم بإتفاقها مع منظمة مجاهدي خلق بتأمين الحماية للسكان المدنيين؟ وهل سيحك هذا العدوان ظهر الإتحاد الأوربي فيدعم سكان أشرف ويفتح أبوابه الموصدة و ينقذهم من جهنم الملالي وعبيدهم العراقيين؟ وهل سيزيل هذا العدوان الغمامة السوداء الدائمة في سماء منظمات حقوق الإنسان والمنظمات الإنسانية لتشعر بوطأة معاناة سكان أشرف؟ وهل سيلتفت المرجع الكبير إلى مأساة مواطنيه الإيرانيين وهم على مقربة منهم يعانون الويلات من الحكومات التي دعمها وباركها سماحته دون أن يحرك ساكنا ولو من الناحية الإنسانية وليس الشرعية لأيقاف المأساة المريعة؟ أم على الأحوط أن يتركهم لشأنهم ومصيرهم فتكليفه الشرعي يخص العراقيين فقط؟ وهل سيوخز هذا العدوان ضمير العراقيين الشرفاء ليضغطوا على حكومة الإحتلال للكف عن إذاء ضيوفهم الملتزمين بكل مراسيم وضوابط وأخلاقيات الضيافة؟