تشكيل المرجعيات المذهبية إصلاح أم إفصاح لما أفسده الساسة في العراق؟
كاتب الموضوع
رسالة
البيت الارامي العراقي الادارة
الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 10384تاريخ التسجيل : 07/10/2009
موضوع: تشكيل المرجعيات المذهبية إصلاح أم إفصاح لما أفسده الساسة في العراق؟ السبت 30 يونيو 2012 - 9:36
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تشكيل المرجعيات المذهبية إصلاح أم إفصاح لما أفسده الساسة في العراق؟
شبكة البصرة
د. عمر الكبيسي
سنَّة الله في حياة الشعوب والأمم منذ بدء الخليقة ارتكز امتدادها على جهد موجات بعثات السماء للأنبياء والرسل لتبليغ الخلق بالنهج السليم والطريق القويم للنهوض والبقاء كلما وأينما احتاجت الخليقة والمجاميع البشرية للإصلاح والنهوض وفقا لتعاقب ظهور الرسالات والأديان والتي اختتمت برسالة النبي الأمين خاتم الأنبياء والمرسلين وكتابه القرآن الكريم للعالمين، مما يثبت عمومية هذه الرسالة وشمولية هذا القرآن لكل زمان ومكان حتى قيام الساعة. وعلى ضوء ما تواتر في الحديث النبوي الشريف فإن خاتمية الرسالة المحمدية تؤكد ان ظهور المصلحين والمجددين في الأمة بتعاقب القرون يعد امتدادا وسنة سماوية في تاريخ الأمم.
يكاد النبي محمد صلى الله عليه وسلم يكون النبي الوحيد الذي اختص بنجاح فائق في إبلاغ الرسالة بفترة ثلاث وعشرين عاما من إنجاز المهمة وتحقيق الانتصار والاستجابة للدعوة في مهبط الرسالة قبل أن يتوفاه الله، و بدت معالم انتشار الإسلام في الجزيرة ومن ثم في مواطن العرب الأخرى ليكون العرب حملة الرسالة ودعاتها بين الأمم والشعوب التي دخلت في الإسلام.
لم يشر الرسول (ص) عند وفاته ولم يوص بمن سيخلفه ولا عن طبيعة المرجعية الدينية التي ستختار الخليفة من بعده، كما لم يوص أي من الخلفاء الراشدين بمن سيخلفه، والأمام على عليه السلام لم يوص للحسن قبل وفاته، إذ قيل له (ألا تستخلف علينا، قال ما استخلف رسول الله فأستخلف ولكن إن يرد الله بالناس خيرا سيجمعهم بعدي على خيرهم كما جمعهم بعد نبيهم على خيرهم).
ومن المؤكد أن القرآن الكريم والموثوق من الحديث الشريف لا يحويان نصاً صريحا ولا حتى أشارة واضحة لمن سيعقب النبي أو يخلفه كمرجعية دينية سياسية أو شرعية. وتم تعاقب الخلفاء الراشدين وفقا لمنهجية التصويت في المدينة بين نخبة المسلمين الأوائل (أهل الشوكة على رأي ابن تيميه) وليس بالضرورة أن يحصل الخليفة على الإجماع واختلفت بيعة الخلفاء الراشدين الأربعة في صيغ تحقيقها ولم تكن وفق صيغة واحدة ولا وفق مرجعية واحدة.
كانت حادثة اغتيال الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه بسبب فتنة كبيرة أسست لمعارك لاحقة وأحدثت شرخا كبيرا وتمت البيعة بعد مقتله الى الإمام علي (رض) دون منافس ومن ثم آلت الى الإمام الحسن بالرغم من تردده ومن ثم تنازله لمعاوية بن أبي سفيان بما اصطلح عليه ب (صلح الحسن) وما ترتب على قضية الخلافة بعدها من خلافات وثورات لتأخذ قضية الخلافة موقع السلطة الحاكمة بمذاهب ما اصطلح عليه لاحقاً ب (أهل السنة) وما تفتق عنها من مذاهب ومدارس فيما بعد كما أثمر التشيع لآل البيت ومناصرة الإمام علي للتأسيس لاحقا لفرق (الشيعة) المتعددة الى أن صار التمسك بقضية الإئمة الإثنى عشر ومن ثم قضية الغيبة الصغرى والكبرى للإمام المهدي المنتظر ركيزة عقيدة الشيعة الجعفرية الإثنى عشرية السائدة من فرق الشيعة اليوم أيضا كمرجعيات دينية.
لم تتشكل على مسيرة اثنى عشر قرنا من الزمان الذي هيمنت فيها الدولة الاسلامية على بقاع أرض الإسلام أرضية لمرجعية واحدة منفردة التقليد والتأثير بعد الخلافة الراشدة التي انتهت بعد ثلاثين عاما من وفاة الرسول(ص) مع اختلاف هوية المذهب الحاكم هنا أو هناك وعندما كانت مدارس الفقه والمنطق والكلام والاجتهاد والرأي ناشطة في المدينة المنورة وبغداد والكوفة والري وفي زمن تبلور فيه الفكر الشيعي وفكر أهل السنة وفقه المذاهب وفي عصر الأئمة الباقر والصادق وأبو حنيفة ومالك والشافعي أبن حنبل ظهرت فرق وأراء تتناقض بالرؤى وترعرعت مذاهب واجتهادات متباينة تحت قاعدة(اختلاف الأمة فقهيا رحمة) ما زالت هذه المذاهب تحظى بالتقليد الى يومنا هذا، كان للناس مطلق الحرية في تقليد من يشاءون من الفقهاء والمجتهدين وفق قناعاتهم في أمور الدين والدنيا فيما كانت سلطة الدولة تتبنى مذهب ورأي هذا المجتهد والمذهب أو ذاك في تبني القضاء والإفتاء والأحكام الشرعية وظل هذا الآمر قائما لغاية سقوط الدولة العثمانية.
لم يشهد أهل السنة في تاريخهم سواء كانوا حاكمين أو محكومين ولا مدارس الفقه والاجتهاد والمذاهب المتفرعة عنهم مرجعية واحدة لها القول الفصل في أمور الدين والدولة على امتداد تاريخ اهل السنة. وحتى الفرق والطرق الإسلامية التي سادت كالأشعرية والمعتزلة والمرجئة والسلفية والوهابية ومدارس الكلام والفقه والتصوف لم تكن لها مرجعية موحدة او قطب متفرد ضمن الفرقه والطريق الواحدة في نفس العصر.
في المذهب الأثنى عشري الشيعي أعطى الامتداد التاريخي والارتباط بقضية الإمامة وعصمة الأئمة للمرجعية الفقهية والدينية مضمونا واسعا وشموليا يتسع للفتوى والسياسة والجوانب الاقتصادية والحربية وفق ما يوجه به الأئمة المعصومون وبعد وفاة الأمام الحسن العسكري عام 260 هجري والغيبة الصغرى للإمام المهدي كان السفراء الأربعة هم مصدر الإفتاء والتوجيه وفقا لقول الإمام الغائب (أما الحوادث الواقعة فارجعوا بها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم).وبعد وفاة آخر السفراء علي السمري عام 329 تابع أداء المهمة المرجعية الفقهاء ويكاد يكون ابن قولويه والشيخ الصدوق والشيخ المفيد والسيد المرتضى والإمام الطوسي هم أعمدة ودعائم التأسيس لمرجعيات متعاقبة حتى يومنا هذا حيث ترعرعت مدارس وحوزات الفكر الشيعي في بغداد والكوفة والحلة والنجف وقم وجبل عامل والبحرين وتفاوتت بالتأثير والأهمية وفقا لعلمية وفقهية المرجع من عصر إلى آخر، ومع ذلك تم تجاوز واختراق قضية التوريث والعصمة وظهرت فرق شيعية قبل ان يكون للشيعة الجعفرية الأثنى عشرية النصيب الأكبر بين المقلدين والتي أحدثت قضية غيبة الامام المهدي (عليه السلام) ونصية الوكلاء كمستجدة تاريخية تتبنى فرضية الإنابة عن الإمام المنتظر في زمن الغيبة الكبرى ليكون المجتهد بمثابة موقع النائب وأصبح تعاقب المراجع للتوجيه وتشكيل الحوزات للتدريس والبحث في المذهب الشيعي مستلزمة إيمانية و فقهية للحفاظ على الإثنى عشرية من ظاهرة الاختلاف والانقسام لحين ظهور الامام المهدي الموعودة الأمة بانتشالها بظهوره من حالة التردي التي تنتابها وفقا لعقيدة الشيعة الجعفرية. لكن قضية تقليد المراجع ضمن المذهب بقيت قضية شخصية خاضعة لقناعة المقلد بمن يقلده كما اصبح تعدد الحوزات والنظريات وتباين وسائل البحث من حوزة الى اخرى ومن مرجع الى اخر ومن هوية جغرافية اوعرقية الى اخرى مصدر اختلاف وتباين يتجاوز احيانا إطار رحمة الخلاف الى إطار العنف والتشظي والنزاع.
على مر العصور لم يشكل وجود المرجعيات الدينية عند الشيعة الجعفرية ولا فقهاء ومراكز إفتاء أهل السنة حواجز منيعة ولا مواقف عصية حالت دون تجاوز رموز السلطة المتمثلة بالخليفة او السلطان او الوالي على الحدود الفقهية وشؤون العامة وتسخير هذه المراجع لصالح السلطة على مر الأزمنة ويكاد وجود لمعات مضيئة فقهية في التصدي للسلطة يحسب من النوادر كمواقف الامام الحسين وعبد الله بن الزبير والإمام الكاظم وابو حنيفة والمالكي وأحمد ابن حنبل والعز بن عبد السلام وابن تيمية بوجه الحاكمين.
لقد وثق التاريخ لحالات تكاد تكون شبه مستديمة تم فيها استلاب مواقف مرجعيات معروفة وفقهاء و واجهات إفتاء بل مذاهب (مراجع ومقلدين) لصالح حكام وخلفاء وسلاطين خالفوا النصوص والأحكام وترسخَّت وتوارثت ثقافة التقيَّة وعدم جواز مخالفة السلطان والخليفة الجائر والظالم والخارج عن الدين بفتاوى عديدة لمجتهدين كبار وبعصور متعاقبة بل ان هناك مجتهدين وفقهاء وأقطاب تمَّ تجيير آراءهم وفتاويهم لصالح غزاة ومحتلين في أحرج ظروف الأمة تأزما كما حدث في سقوط ودمار بغداد بجيوش هولاكو حين أفتى الفقيه ابن طاووس عام 656 هجرية، (وليس هو طاووس ابن كيسان التابعي المعروف)، بأفضلية الحاكم الكافر العادل على الحاكم المسلم الظالم وذلك ما لم يجرؤ عليه اي فقيه من قبله لستة قرون على قوله في تاريخ الأمة بتفضيل العدل على الإيمان!. ولم يكن للفقهاء والمراجع دوراً بناءً في الصراع على السلطة بين الأمين والمأمون وتبين بوضوح دور الخطاب الديني المتناقض إبان التهيئة لثورة العشرين في العراق وما لابسها من شراء ذمم لرأي موحد لمقارعة المحتلين وأصبح من المعتاد أن تتم معظم حملات الغزو والاجتياح لأمصار الأمة بمباركة فتاوى ورسائل المراجع ورجال الإفتاء والإجتهاد باستثناء من تحصن بموقف شرعي، او وطني واضح وصريح حيث امتنع وتردد بعضهم كالمرجع الشيعي المعروف محمد كاظم اليزدي بإعطاء فتوى بشرعية القتال والجهاد ضد الإنكليز في مرحلة الإعداد لثورة العشرين قبل ان يحسم الموقف المرجع الشيرازي ومن ثم المرجع شريعة الاسلام ابو الحسن الأصفهاني، والشيخ امجد الزهاوي والشيخ اخمد الداود، وأخيرا تمَّ تدمير العراق عام 2003ميلادية (1424هجرية) بقوات غازية أجنبية محتلة لإسقاط نظام وحاكم مسلم على افتراض انه دكتاتور بمباركة أحزاب اسلامية شيعية وسنية لها مرجعياتها ومجالسها الشورية التي تظم أعلام الفقهاء المعاصرين دون وجل من الله وتعزير من فقه او شريعة واحتسب هؤلاء العلماء المسيسون ان هذه القوات الغازية هي قوات حليفة!اليوم وبعد مرور تسعة أعوام على احتلال العراق يتباكى العديد من إسلامويي العراق (علماء وساسة) على الحال التي تحيط بأهل السنَّة من تهميش وتنكيل وانتقام بعد ان توطدت فيه قوة سلطة طائفية متفردة بالمال والسلاح بدعم من اميركا وإيران، وبذريعة إنقاذ السنَّة تبنى هؤلاء الساسة والعلماء المتطيفون دون تخويل من احد سياسات خرقاء ألحقت أذىً بأهلهم أكثر من أذى غيرهم علما أن المعاناة والمكابدة والدمار ظاهرة شاملة وعامة تطول جميع العراقيين، سياسات لف ودوران وفساد تحكمت فيها المكاسب الشخصية بدلا من الثوابت الوطنية وبدوافع لا يقرها شرع ولا دين وأصبحت سمة الطائفية المقيتة ميزة الأحزاب الدينية الحاكمة، باسم الطائفة تتم مناصرة جيوش المحتلين بالتصدي لفصائل المقاومة الوطنية بذريعة التصدي لعناصر القاعدة تحت مظلة الصحوات ومجالس الإسناد! ويتم الترويج لإقامة الأقاليم بين السنة والشيعة كردة فعل للصراع على السلطة ويبرر شرعيتها علماء متفيقهون بكل وسائل الخديعة مع انهم يدركون جيدا انها تؤسس للتقسيم وأنها فتنة تشظوية نتنة! وآخر ابتداع هو إثارة الدعوة والنداء لتشكيل مرجعية للسنَّة يبدو انها من طبيعة الخطاب يراد بها ترصين الوضع السياسي للطائفة اكثر من عنايتها بالبحث والتدريس والإفتاء والقضايا الشرعية لتكون واجهة معروضة لشراء المواقف والذمم. وهي بدعة يراد بها حشر مسائل الفقه الديني بقضايا السياسة وإدارة البلاد مع أن كل المؤشرات تشير الى أن الخطاب الديني المذهبي في أحداث العراق والأمة السياسية يزيد المشهد تعقيداَ وانقساما وعنفا حتى بين أبناء المذهب الواحد ناهيك عن الأحزاب الدينية الطائفية والطائفة على سطح العملية السياسية الخائبة ونتاجات الغزاة والمحتلين والأغرب والأدهى أن يتم ترويج هذه الخطابات من قبل كتل وأفراد لا يخفون عزمهم في الاستمرار بالمشاركة بعملية سياسية من نسج الاحتلال في ظل دستور أخرق بان زيفه وهوانه في أن يوحد ثلة من الساسة لا أمة أو دولة كالعراق الزاخر بتاريخه وحضاراته!. كما يبدو أن المنادين بتشكيل مرجعية لأهل السنة ينطلقون من افتراض أن المرجعية الشيعية لعبت دورا فاعلا في إصلاح أوضاع الشيعة في العراق بعد الاحتلال فيما يعرف الجميع إن هذا لم يحصل وان ساسة الاحتلال منهم قد أسهموا منذ وصولهم لسدة الحكم في تشويه صورة المرجعية التي اصبحت اليوم عرضة لانتقاد الكثير من الشيعة لعدم وضوح مواقفها في كثير من القضايا التي ينبغي ان يكون لها موقف صريح وواضح فيها، كموضوع احتلال العراق وموضوع التصفيات الطائفية التي جرت وكذلك الفساد المالي والاداري، وانتهاكات حقوق الانسان الجارية اليوم في العراق.
لقد ألهمتنا قضية احتلال العراق كيف ان الإسلام كدين وشرع يؤسس لقاعدة العدل والحرية يتم تلويثه من قبل الساسة لصالحهم ويتبنوا بذريعته الطائفية وسياسات التقسيم والتكفير والتبرير!
لقد بان فساد الخطاب الديني والطائفي الميسيس في العراق وبانت مثالبه وفساد قياداته عبر الفساد المستحكم والتفرد المتسلط والتشبث بالمنافع الشخصية وشراء الذمم وإثارة العنف والإنتقام!
من يفكر بإنقاذ العراق من محنته بعد طول استفحال واعتلال وقسوة نخر وتهجير وانقسام لا يرى في الأفق من سبيل للنجاة إلا بوحدة الجهد الوطني المناهض لكل ظواهر التردي السائدة دون تمييز بسبب دين أو طائفة أو مذهب أو قومية بعزيمة عراقية يكون فيها العراق الواحد وهويته الوطنية هو الشعار للتحرير والإنعتاق.
بالمعايير الوطنية لقد نخر الاحتلال ونتاجاته والعملية السياسية الخائبة ورجالاتها وقيادتها العراق دولة وكيانا واقتصادا وأساءوا لشعبه وتاريخه وهويته و وحدته ولن ينالوا جزاء هذا الفعل الشنيع إلا الذل
والهوان قصر الزمن بهم أو طال وفقا لإرادة الله وسنن الحياة وإصرار الشعوب.
شبكة البصرة
الجمعة 9 شعبان 1433 / 29 حزيران 2012
تشكيل المرجعيات المذهبية إصلاح أم إفصاح لما أفسده الساسة في العراق؟