الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 24429مزاجي : تاريخ التسجيل : 31/01/2010الابراج :
موضوع: بولس ..... حياة مكرسة ... السبت 30 يونيو 2012 - 10:01
بولُس.. حياة مكرّسة
بقلم: بيير دوبيرجيه (ترجمة: سـلام سـيدة)
[justify]
ما من شكٍّ في أنّ لقاء المسيح على طريق دمشق قد قلب حياة بولس. فقد اكتشف بولس من خلال المسيح الّذي اضطهده، ثمّ كرّس نفسه له، الوجه الحقيقيّ للإله الّذي طالما بحثَ عنه. فعندما وجدَ نفسه محبوباً ومُخلَّصاً من قبل الّذي اضطهده، اختبرَ كما لم يختبر أحدٌ سواه نعمة الله. إنّ إحدى الرسائل المسمّاة «رعائيّة» والمكتوبة حوالى نهاية القرن الأوّل، تذكر الاندهاش بهذه النعمة الّتي نالها (1طيم 1،12-14).
وسينجم عن هذه الخبرة تعلّق بولس الاستثنائيّ بشخص المسيح وتغيّر جذريّ في حياته. هو، الفرّيسيّ المتحمّس، ومضطهد الإيمان المسيحيّ، سيتخلّى عن قناعاته وبحثه لكي يستولي على مَن استولى عليه يوماً: يسوع المسيح. فلا شيء آخر بعد الآن له أهميّة بالنسبة إليه (را. فل 3، 8-9). ولأنّ حبّ الله المخلِّص أدركه في مسيرته (غل 2، 20)، اكتشفَ بولس أنّ كلّ ما كان يعتبره حتّى الآن ميزة (ولادة في شعب الوعد، انتماء إلى تيّار الفرّيسيّين، معرفة الشريعة وحفظها، إلخ) لم يكن كلّ هذا بشيءٍ قياساً إلى معرفة يسوع المسيح المائت والقائم من بين الأموات. وبينما كان يسعى وراء خلاصٍ غير أكيد، بحسب جهوده، فهمَ أنّ شريعة موسى لا تستطيع أن تكون المرجع الأوّل لوجوده. وفهمَ أيضاً أنّ الله، بإقامته ليسوع من بين الأموات، أبطل طريقة ممارسة الشريعة. باختصار، إنّ الإله الّذي اختبرَه على طريق دمشق لم يعد إله الشريعة بل إله المصلوب.
إنّ هذا الانقلاب في صورة الإله أنار فهم بولس للصليب كواحدٍ من أعظم مصادر الوحي الإلهيّ (1قو 1،18-31). وسيفهم بولس في نور الصليب أنّ قدرة الله تظهر في أقصى حدود الضعف. وسيفهم أكثر أنّ الله، بعيداً عن أن يكون مُستبدّاً ومنفرداً، جعلَ نفسه مؤازراً لكلّ كائنٍ بشريّ، باستقباله وبحبّه كما هو، بمعزلٍ عن استحقاقاته أو خطيئته، انتمائه العرقيّ أو جنسه، دوره في المجتمع أو في الجماعة الدينيّة. وكما سنرى، يمكن لهذا الاكتشاف، الّذي في قلب الإنجيل الّذي بشّر به بولس، أن يفسّر اجتهاده في القيام بعملين معاً: العمل التبشيريّ والعمل اليدويّ، كما يفسّر الطريقة الّتي واجهَ بها الفشل والمحن الّتي ارتبطت برسالته.
انقلبَ على طريق دمشق
إعتبرَ بولس أنّ لقاءه مع المسيح على طريق دمشق هو الحدث الأساسيّ من بين كلّ أحداث حياته المتقلّبة. وكان يعود دوماً إلى هذا اللقاء الّذي يُعتبر بحقٍّ «نواة حياته وتجربته الروحيّة وفكره اللاهوتيّ (Ch. Reynier). مَن يريد أن يفهم أساس مسار بولس الروحيّ والرسوليّ والراعويّ، عليه أن يعود دوماً إلى هذا الحدث.
وخلافاً للوقا، فإنّ بولس كثير التكتّم حول الظروف المحدّدة لهذا اللقاء مع المسيح (را. أع 9؛ 22؛ 26). إنّه يذكر في 1قو 15، 8-10 ظهور القائم من بين الأموات لشخصه، ولكنّه لا يذكر الرواية إلاّ في الرسالة الوحيدة إلى أهل غلاطية. وقد أرسل بولس هذه الرسالة في حوالى السنة 56 أو 57. فقد سمعَ أنّ الغلاطيّين، وهم شعب من آسية الصغرى، تخلّوا عن الإنجيل الّذي بشّرهم به، وعادوا إلى ممارساتهم السابقة. والأسوأ من ذلك، يبدو أنّهم يشكّكون بسلطتهم الرسوليّة وذلك بتحريضٍ من متهوّدين. فكتب بولس بسبب خطورة هذا الوضع. إنّه يروي كيف أنّه تحوّل على طريق دمشق من فرّيسيٍّ مضطهدٍ للكنيسة إلى تلميذٍ للمسيح: «فقد سمعتم بسيرتي الماضية في ملّة اليهود إذ كنتُ اضطهد كنيسة الله غاية الاضطهاد وأحاول تدميرها وأتقدّم في ملّة اليهود كثيراً من أترابي من بني قومي فأفوقهم حميّةً على سنن آبائي. ولكن، لمّا حسُنَ لدى الله الّذي أفردني مذ كنتُ في بطن أمّي، ودعاني بنعمته، أن يكشف لي ابنه لأبشِّر به بين الوثنيّين، لم أستشر اللحم والدم ولا صعدتُ إلى أورشليم قاصداً مَن هم رسل قبلي، بل ذهبتُ من ساعتي إلى ديار العرب» (غل 1، 13-17).
«لقد رأى حسناً أن يكشف ابنه فيَّ»
ينبغي التشديد على كلمة كشف. إنّها تلخّص، أكثر من كلمة اهتداء، الطبيعة العميقة للقاء بولس مع المسيح: إنّه كشف صادر عن اختيارٍ حرٍّ لله. فبالنسبة إليه، «نزع الربّ الستار الّذي كان يمنعه عن رؤية مجده في وجه المسيح يسوع» (P. Bony). وأعطاه أن يفهم أنّ مَن كان يضطهده لم يكن كما كان يظنّ، ملعوناً من الله، بل كان ابنه، ابناً مطيعاً بالكامل وقد رفعه إلى مرتبة سيّد العالم (فل 2، 8-11).
في لقاء المسيح على طريق دمشق، انكشفَ لبولس المعنى العميق للصليب كمصدرٍ لمحبّة الله الفائقة، وإظهارٍ لفائق قدرته. في هذا اللقاء مع الّذي «أحبّني وجاد بنفسه من أجلي» (غل 2، 20)، فهم أنّ شريعة موسى لا تستطيع أن تعطيه الخلاص الّذي يتوق إليه بكلّ قواه. لقد وعىَ خواء كلّ ما بحث عنه حتّى الآن «إلاّ أنّ ما كان في كلّ ذلك من ربحٍ لي عددتُه خسراناً من أجل المسيح، بل أعدّ كلّ شيءٍ خسراناً من أجل المعرفة السامية معرفة يسوع المسيح ربّي» (فل 3، 7-. وأخيراً، ولأنّه كُشِفَ له هو أنّ الألم هو التعبير الكامل عن محبّة المسيح لأبيه وللإنسانيّة، أراد أن لا يتوقّف أبداً عن البحث من خلاله: «فإنّي لم أشأ أن أعرف شيئاً وأنا بينكم غير يسوع المسيح، بل يسوع المسيح المصلوب» (1قو 2، 2).
«لكي أبشّر به بين الوثنيّين»
تُضاف نعمة أخرى إلى نعمة الكشف على طريق دمشق: إنّها نعمة البشارة. ويعترف بولس نفسه بها: بنعمته، فرزه الله وهو في بطن أمّه وأرسله ليبشّر بابنه (غل 1، 15-16). لقد أصبح بولس مؤمناً ورسولاً بفضل مبادرة الله المجّانيّة الصرفة، هو الّذي كشف له ابنه ودعاه إلى الشهادة، وهو «السقط» (1قو 15، «أصغر صغار القدّيسين جميعاً» (أف 3، . ولا ترتبط المهمّة الّتي أوكِلَت إليه بقرارٍ شخصيٍّ ولا بمبادرةٍ بشريّةٍ ما، ولا إلى تكوينه أو تصرّفاته. إنّها هِبة مجّانيّة من الله. ولا يتوقّف بولس عن الاندهاش من هذه الهِبة: «ذلك بأنّي أصغر الرسل، ولستُ أهلاً لأن أدعى رسولاً لأنّي اضطهدتُ كنيسة الله، وبنعمة الله ما أنا عليه، ونعمته عليَّ لم تذهب سدىً، فقد جاهدتُ أكثر منهم جميعاً، وما أنا جاهدتُ، بل نعمة الله الّتي هي معي» (1قو 15، 9-10).
يجب أن نذكر مرّةً أخرى تأكيد بولس على النعمة الّتي وردت ثلاث مرّاتٍ في الآيتين السابقتين. لأنّ هذه الخبرة المؤسِّسة للنعمة الإلهيّة غير المستحقّة هي أصل الطريقة الّتي سيفهم بها بولس عمله الرسوليّ. إنّها هبة من الله حيث القدرة الإلهيّة – وهي نفسها الّتي أقامت يسوع المسيح – تجلّت، بمنحه قوّةً تجعله قادراً من الآن على مختلف أنواع الجرأة، وسينتاب بولس، طوال حياته، هذا التوتّر بين عظمة الرسالة الموكلة إليه وبين ضعفه الّذي لا يكفّ عن الشعور به، بين الكنز الثمين الّذي حصل عليه وحالته الّتي هي «آنية الخزف» (2قو 4، 7).
إنّ هذا التوتّر، كما سيكتب مراراً، سيجنّبه التكبّر. وسيقوده إلى التعمّق في سرّ قدرة الله الّذي يظهر كلّ قوّته في ضعف وكلائه: «فقال لي: «حسبك نعمتي، فإنّ القدرة تبلغ الكمال في الضعف» فإنّي بالأحرى أفتخر راضياً بحالات ضعفي لتحلّ بي قدرة المسيح» (2قو 12، 9).
عاش بولس انقلاباً كاملاً بلقائه القائم من بين الأموات على طريق دمشق. فقد انتقل من الأولويّة الّتي كان يوليها إلى قيمته واستحقاقاته الشخصيّة (عائلة، تربية، ثقافة، إلخ) إلى قبول هبة ودعوة مجّانيّة. لقد انتقل من إلهٍ يريد الإمساك به وامتلاكه إلى نور إلهٍ استحوذ عليه. وعرف في هذا الإله، الإله الّذي لم يكفّ عن التفتيش عنه في حضن اليهوديّة. إنّ هذا الإله يفوق كلّ ما عرفه وتصوّره؛ إنّ له وجه الّذي كان يضطهده، وهو يدعوه ليكون رسول ابنه.
عن كتاب بولس الراعي
حبيب حنا حبيب عضو فعال جداً
الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 21916مزاجي : تاريخ التسجيل : 25/01/2010الابراج :
موضوع: رد: بولس ..... حياة مكرسة ... الخميس 19 يوليو 2012 - 18:26
بسم الآب والأبن والروح القدس ♱ الإلــــه الواحـد آميـــــــن
موضوع روحاني ممتاز !
عاشت ايايديكم اختي العزيزة ☀ كريمــة ☀
لرفدنا بهذا الموضوع للأخ جزيل الإحترام ☘ بييـر دوبرجيــــــه ☘
ربنا يسوع يبارك حياتكــــم آميــــــــــن .
مسعود هرمز النوفلي عضو فعال جداً
الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 606تاريخ التسجيل : 12/03/2010الابراج :
موضوع: رد: بولس ..... حياة مكرسة ... الخميس 19 يوليو 2012 - 22:02
شكرا لكِ اختنا المُباركة لكي نستفاد من تاريخ الرسول العظيم الرب يحفظكِ الى الأبد آمين