اثارت تصريحات عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية حاكم الزاملي، والتي تحدث فيها عن امكانية ان يكون خبر وجود الأمين العام لحزب البعث عزة الدوري في بغداد صحيحاً، بسبب ضعف الأجهزة الاستخبارية، الهلع في الاوساط السياسية الحاكمة، وخاصة في الائتلاف الشيعي ودولة القانون.
في حين أعرب مواطنون من سكنة حي البتاوين عن امتعاضهم نتيجة حالة الهلع التي يعيشونها جراء تحليق المروحيات بشكلٍ منخفض في منطقتهم وخوفهم من حملات دهم متوقعة قد تطال منطقتهم، بعد تردد انباء عن وجود عزة الدوري في منطقتهم.
وكان عزة الدوري المطلوب الأول للاجهزة الامنية التابعة لرئيس الحكومة نوري المالكي، قد قال في بيان أصدره في الخامس من الشهر الحالي، انه اجتمع في بغداد بعدد من أعضاء الحزب وألقى فيهم كلمة أكد فيها أن الحزب سيمضي قدماً لإقامة حكم الشعب التعددي الحر الديمقراطي المستقل.
وسبق أن دعا الدوري في 7 نيسان 2012، في أول بيان تلفزيوني له منذ الاحتلال الامريكي للعراق، ( المقاومة والمعارضة إلى مواجهة المشروع الفارسي في البلاد ) ، وهو البيان الذي إضطر رئيس الحكومة نوري المالكي الى الذهاب الى طهران، وبحث تداعيات هذا الموضوع مع المسؤولين الايرانيين.
خطاب عزة الدوري الاخير الذي ظهر فيه وهو يتوعد حزب الدعوة ورئيسه نوري المالكي بمصير اسود، ان عزة الدوري اشعل نارا في جسد النظام الشيعي الصفوي الذي يقود الحكومة العراقية الحالية وارعب رئيسها الذي هرع إلى طهران يستنجد بنجاد وخامنئي وفيلق قدس واطلاعات وحرس خميني للوقوف معه ويستجدي مقتدى الصدر المقيم في قم للدراسة والتجارة واشياء اخر ان ينصره بعد أن عاش أياماً عصيبة، لا نهاره نهار ولا ليله ليل، ومازال يئن من وطأة تلك الكلمات التي قالها نائب صدام حسين المُطارد والمُلاحق والمختفي الذي دوَّخ الامريكان والايرانيين طوال السنوات التسع الماضية من دون ان يجدوا أثراً له.
ولان نوري المالكي عنده ( فزّة ) من عزة الدوري وكم تمنى على اسياده الامريكان وخصوصا الرئيس السابق جورج دبليو بوش ان يخلصوه من هذه ( البلوة ) كما يصفه في جلساته ولقاءاته، وهم لم يُقصروا أبداً في بحثهم عنه واستخدموا أحدث تقنياتهم بما فيها طائرات الرصد والاستطلاع وأقمار التجسس ومعدات الاستشعار عن بعد في تعقبه ومتابعته ولكنهم اخفقوا في مهمتهم واثبت ( الحجّي ) كما يحلو للبعثيين تسميته، أنه رجل شجاع سواءٌ اتفقنا معه او اختلفنا، فقد نجح في البقاء حياً يتنقل بين منطقة ومنطقة وبين محافظة واخرى بلا خوف رغم أنه مريض ونصحه الاطباء قبل اكثر من عشر سنوات بالراحة وعدم الاجهاد، ولكن كما ظهر مؤخراً بفيلم خطابه الحي، تبدو هيئته وكأنه يستعد لمعركة باتت قريبة، وهذه الهيئة برصانتها وصوته الهادر وحديثه القوي ووقفة التحدي اجتمعت وأدخلت الفزع في نفس المالكي الخائفة أصلاً والقلقة دوما وجعلته يشدّ الرحال إلى أعمامه الايرانيين يناشدهم حمايته ويحرّضهم في الوقت نفسه على دول الخليج العربي وتركيا التي يتوهّم انها تدعم البعثيين وتساعدهم على القيام بانقلاب يُطيح بسلطته المنخورة بالفساد واللصوصية من قمتها إلى ذيولها.
وحسنا فعل الدوري فقد اختار التوقيت المناسب ليوجه لكْمَةً من الوزن الثقيل يرج بها رأس المالكي المثقل بالوساوس والاوهام، وخطابه في مجمله رسالة وجهها إلى اكثر من طرف وجهة ولعل ابرز ما فيها ان حزب البعث لم يمت رغم الضربات الموجعة التي وجهت اليه وإن البعثيين واقفون على أرجلهم ولم يستسلموا أو ينبطحوا على بطونهم، كما فعلها اصحاب الصوت العالي والعمل الواطي وعلى رأسهم ( ابن طويريج ) وحلفاؤه وقيادات حزبه وشيعته الصفوية .
إن قصة صمود وثبات عزة الدوري باتت أشبه بالاسطورة، فهذا الرجل الذي عُرف بالبساطة والتديّن والتواضع، أثار ومازال الكثير من الاهتمام والاحترام معا، وكان أقرب الناس إليه يتوقع أن يسقط في قبضة الامريكيين في الايام الاولى من الاحتلال نظراً لضعف بنيته وحالته المرضية وكثرة امراضه، وحدثني احد رفاقه السابقين في صيف عام ٢٠٠٨ وهو يعرض علاقاته الوثيقة وصلاته الحميمة معه سابقا انه التقاه عقب شهرين من الاحتلال حاملاً اليه رسالة من الرئيس صدام حسين المختفي يومها ودُهش هذا الشخص عندما وجد ( ابو احمد ) كما يسميه في موضع لا يُمكن ان يثير انتباه احد على الاطلاق، ولما ألححت على الشخص المذكور وسألته كيف وصلت إلى الدوري في تلك الظروف القاسية واجتمعت به؟ قال ليس المهم كيف وصلت وما عانيت حتى التقيته ولكن المهم المكان الذي كان فيه والهيئة التي كان عليها، وأحجم عن ذكر المكان ولكنه قال انه كان بهيئة فلاح يسكن كوخا وبالقرب منه مضخة ماء حتى يخيل لمن يمر به او يشاهده لا يخطر على باله ان هذا الفلاح او حارس المضخة هو عزة الدوري بلحمه وشحمه، وبكيت ـ قالها ذلك الشخص ـ من شدة فرحي بلقائه وفخري بصبره، وهذا الحديث الذي جرى امام قياديين بعثيين مازالوا أحياء .
ولان عزة الدوري انسان مؤمن وملتزم فانه يتحرك بثقة وينشط من دون خوف، وقد نقل عن أحد مرافقيه السابقين ان ابا أحمد طلب منه بمودة ان يترك مرافقته ويغادر العراق إلى دولة مجاورة بعد ان لاحظ عليه الهلع خلال جولة حزبية رافقه فيها إلى إحدى المحافظات، حيث اوقفت دورية من الجيش الامريكي وقوات أمنية وحكومية مشتركة السيارة ( البيكاب ) التي كان يستقلها، ويقول المرافق لقد بدا السيد النائب وكأنه في نزهة او رحلة سياحية من دون ان يرفّ له جفن خوفاً من مطارديه، كل الذي فعله وهو ينتظر دوره للتفتيش انه كان يتلو آيات من القرآن الكريم وأدعية يتضرّع بها إلى رب العرش سبحانه ان يعمي بصر وبصيرة المحتلين وعملائهم ومر بسيارته المتهالكة بسلام.
وعلى الرغم من ان الدوري مطلوب إلى الامريكان والايرانيين والاحزاب والمليشيات الشيعية وفرق الموت الطائفية ويفترض به ان يكون حذرا في تنقلاته وتحركاته، فانه في كثير من الحالات والاحيان يظهر فجأة وسط الناس، ففي عام ٢٠٠٩ شوهد وهو يدلف إلى خيمة عزاء في منطقة تقع في اطراف قضاء الخالص بمحافظة ديالى ويجلس ويقرأ سورة الفاتحة على روح الفقيد وهو شيخ عشيرة عرف بمقاومته للاحتلال، ويشرب قدحا من الماء وفنجان قهوة ويغادر المكان بهدوء، وشاع الخبر بسرعة واقبلت طائرات الهيليكوبتر الامريكية والمدرعات الحكومية ومشطت المنطقة بكاملها وسدت شوارع وطرقات واقامت حواجز وموانع ولكن عزة الدوري ( فص ملح وذاب ) حتى قيل ان قائمقام الخالص المدعو عدي خدران وهو جاسوس ايراني معروف وقاتل مأجور لم ينم في بيته في تلك الليلة وغادر القضاء مع حمايته ومرافقيه إلى مقر لحزب ابراهيم الجعفري في مدينة الشعب ببغداد وهو يرتجف من الخوف ولم يعد إلى مقر عمله الا في اليوم التالي.
ان شبح عزة الدوري يقضّ مضاجع نوري المالكي بدليل انه ارسل وفدا من حزبه برئاسة عضو المكتب السياسي حسن السنيد الملقب ( ابو عرّوجة ) لعوق في ساقيه، إلى اربيل قبل شهور واللقاء مع مسعود بارزاني والاستفسار منه عن كيفية وصول برقية تعزية من الدوري اليه لمناسبة وفاة والدته يرحمها الله، وكان ابو عروجة يلح في ما إذا كان الدوري قد حضر بنفسه مجلس الفاتحة شخصيا او بعث بمندوب حمل البرقية، ويقال إن مسعود رغم حزنه على رحيل والدته، لم يتمالك نفسه إلا وضحك من شدة خوف أعضاء وفد المالكي وقال لهم: والله لا اعرف ان جاء عزة او ارسل ممثلا عنه لان الالاف حضروا الفاتحة ولكني لم اشاهده شخصيا ولم اتسلم برقية مكتوبة منه.
وختاماً أخاطبك يا عزة الدوري: ِزدْ في خطاباتك وأكثر من تهديداتك لنوري المالكي وعصابته... شرط ان تظل مرتدي ( الخاكي ) ورتبة المهيب على كتفيك - رغم علمنا بانها رتبة فخرية او رمزية - ولكنها تفعل فعلها في قلب المالكي الذي ما زال يخفق من الخوف ولم تنفعه المهدئات ول ( الترياق ) الايراني الذي يبدو انه قد أدمن عليه، وبارك الله فيك وفي جهدك ومثابرتك واقتدارك وايضا بصوتك الذي يُلعلع ويهّد ( حيل ) المالكي الذي فقد ظله وكذلك عقله بخطاب واحد منك.
شَبَحُ عِزّة الدوُريّ يَقُضّ مَضاجِعَهُمْ : هارون محمد