الآثنين 3 أيار \ مايو 2010
ماذا حققت المقاومة العراقية ؟1-3صلاح المختاركل الظلام الذي في الدنيا لا يستطيع أن يخفي ضوء شمعةمثلحينما تحتدم حروب المخابرات وتتصاعد ، مع تعقد حروب الاحقاد والدعاية السوداء والثأرات الايديولوجية والسياسية ، فان ذلك يشير الى اقتراب الحسم بدليل ان الاطراف المعادية تبدأ باخراج كل ( سلاح ) عزيز لديها – سواء كان مشروعا او مدانا - اخفته ليوم صعب . ومنذ عام 2006 بدأ احتدام حرب المخابرات واخذ هذا النوع من الحرب يحتل في الحسم مكان القوات المسلحة لدى الولايات المتحدة الامريكية ، التي تراجع دورها واصبح عاملا مساعدا في حسم الحرب ، وذلك موقف اعلنته وتبنته الحكومة الامريكية رسميا بعد ان اعترفت بفشل الحسم العسكري مع المقاومة العراقية .
وحروب المخابرات ، كما هو معروف ، هي حروب التزوير والتضليل الذكية وتنفيذ عمليات اختراق مدروس ونسف العدو من داخله ، او استخدام بعض امكاناته لتحطيمه ودحره دون ان يعلم ، واذا علم فرغما عنه ، الامر الذي يجعلها اكثر خطورة من عمليات الاجتثاث بالقتل والابادة والعزل الجماعي . ومن بين اهم اشكال حروب المخابرات محاولة فرض نطاق من الشك والتشكيك بطبيعة المقاومة العراقية ، ومنّ نظمها واطلقها ومن قادها او يشارك فيها حقا ، وما هو دوره الحقيقي : هل هو العمل من اجل التحرير حقا ؟ ام انه محاولة قتل الطبيعة التحررية للمقاومة من داخلها وجعلها عبارة عن عنف طائفي مدمر لابد ان ينتهي بتنفير الناس منها ، وهو الهدف الاهم للمخابرات الامريكية ومنافستها في العراق المخابرات الايرانية ؟
وفي هذا الاطار المخابراتي ثمة احاديث متنوعة عن المقاومة العراقية ودورها الحالي مقارنة بدورها حتى عام 2006 ، تدار بطريقة منظمة غالبا ، من اجل الوصول الى هدف محدد وهو
التقليل من شأنها بنظر الجماهير العراقية والعربية خصوصا القول بانها لم تحقق شيئا جوهريا وانها فشلت في اخراج الاحتلال ، مع ان طرد الاحتلال هو الهدف الرئيسي للمقاومة ، والهدف من ذلك التشكيك هو جعله المدخل الطبيعي الافضل للتخلص من تأثيراتها على الجماهير وتقليص دعم هذه الجماهير لها ان لم يكن زواله تحت غطاء فشل المقاومة وعدم قدرتها على طرد الاحتلال ، وبما ان الدعم الجماهيري هو الشرط الحاسم الذي جعل المقاومة تستمر وتتنامى ، رغم كل وسائل القهر التي تعرضت لها ورغم شدة العوز المادي لفصائلها الرئيسية ورغم غياب الدعم الاعلامي العربي والدولي لها مع انه مهم جدا في تعريف الراي العام الخارجي بها وبدورها وقدرتها ، نقول بما ان الدعم الجماهيري هو البحر الذي تسبح اسماك المقاومة فيه وبفضله تعيش وبدونه تموت فان عزل المقاومة عن الجماهير وتقليل دعمها لها هو الضمانة الاساسية لبد عملية احتواء ناجحة للمقاومة . ولذلك فان من الضروري تسليط الضوء على دور المقاومة الواقعي والفعلي منذ الغزو وحتى الان وما حققته من انجازات تاريخية وستراتيجية وسياسية واقتصادية وغير ذلك تثبت انها لم تفشل وانما حققت نتائج مذهلة وفريدة في سياق صراع ستراتيجي جبار ومعقد لاشك انه الاصعب في العصر الحديث .
ان اهم ما حققته المقاومة العراقية من انجازات تاريخية وستراتيجية وسياسية يمكن تلخيصه فيما يلي : أسقاط المشروع الكوني الامريكي على صعيد عالمي يمكن القول بثقة تامة ، ووضوح اتم ، بان اهم تغيير ستراتيجي في العالم كله حصل منذ سقوط الكتلة الشيوعية هو الذي حققته المقاومة العراقية ، حيث انها اسقطت بنجاح تام وكفاءة عالية اخطر مشروع امبريالي واستعماري ، في ان واحد ، واجه البشرية منذ صار الانسان سيد الكرة الارضية ، وهو المشروع الذي اطلقت عليه الجماعة الامريكية المسماة ب( المحافظون الجدد ) اسما موحيا وواضحا وهو ( القرن الامريكي ) في نهاية التسعينيات ، وما اعقبه من ظهور مصطلحات وتيارات عاصفة ظن العالم انها حقيقة واقعة فرضت نفسها ولا يمكن الغاءها او تجنبها او عدم الانحناء لها مثل ( الامركة ) و( العولمة ) ، او حلول مفاهيم مثل ( حروب الحضارات ) لهنتنغتون ، وهي حروب مفتعلة ، محل حروب الراسمالية مع الاشتراكية وحركات التحرر وهي الحروب الحقيقية ذات الاسباب الواقعية ، او نظرية بائسة وساذجة نسفنا جوهرها حال صدورها بنقد تفصيلي لها وهي نظرية ( نهاية التاريخ ) لفوكوياما التي بشرت بانتهاء الصراع في العالم بانتصار الليبرالية الامريكية ...الخ . هذا المشروع الكوني الامريكي التوتاليتاري ، الشامل لكل مظاهر الحياة المادية والفكرية ، وبعد فترة تفاؤل امريكي مطلق وثقة تامة بنجاحه ، منذ قال بوش الاب في نهاية عام 1989 بعد بدء انهيار الكتلة الشيوعية ب( ان القرن القادم سيكون قرنا امريكيا ) – يقصد القرن الحادي والعشرين - وحتى بدء عملية استعمار العالم انطلاقا من غزو العراق ، هذا المشروع واجه عراقا مقاوما لا يقهر اوقف اهم مكونات المشروع وهو عنصر تعاقب خطوات المسلسل الامبريالي العالمي الامريكي عند ( بوابات بغداد ) ، حيث تناثرت جثث المشروع الامريكي مع تناثر جثث عشرات الالاف من الشهداء من المقاتلين العراقيين ، لان عنصر التعاقب الناجح في اي مخطط ستراتيجي اذا اوقف ومنع من تواصل تنفيذ خطواته الحاسمة الاخرى ينهار المخطط بكامله ، او على الاقل يتحول الى مغامرة غير محمودة العواقب وعبء ستراتيجي قد يكون مميتا . وهذا هو حال الامبريالية الامريكية في العام الثامن لغزو العراق .نكرر ونؤكد ولدينا كل ما يثبت ذلك : لقد تفجرت اعظم مقاومة مسلحة في التاريخ الانساني ستراتيجيا وواقعيا ، وكانت هي وحدها من كشفت للعالم بصورة عملية وليس نظرية عيوب ونواقص ونقاط ضعف النظام الراسمالي الامريكي ، التي كانت مغطاة باثواب القوة المطلقة والساحقة والتي لا ترد او تقهر ، وبتحديد المقاومة العراقية اين يجب ضرب الثور الامريكي الهائج والخطير لجعله ينهار ، او تصبح نطحاته القاتلة عبارة عن عمليات استنزاف مدمرة له ، انتهت عملية تغطية العيوب البنيوية الامريكية وانكشف الجسد الامريكي ورأه العالم وهو يرقد في غرفة انعاش ضخمة على قدر العالم لا يستطيع العيش من دون اوكسيجينها ، اي نهب العالم ، كما اكدنا في كتاباتنا منذ عام 1991 . في العام الثالث للغزو – وفي معركتي الفلوجة الاولى والثانية في عام 2004 تحديدا - بدأ العالم يرى امريكا على حقيقتها المجردة من الرتوش والمكياج وهي انها عملاق ضخم نقطة ضعفه في كعب قدمه – وهو ازمة النظام الراسمالي البنوية وليس الاقتصادية - كضعف اخيل في الاسطورة اليونانية ، الذي عندما يضرب على كعب قدمه يفقد توازنه وينهار اذا لم يهرب من ساحة المعركة باي طريقة ، والمقاومة العراقية ، وبعد ان حددت نقاط الضعف البنيوية في امريكا ، شرعت في تركيز الضربات عليها .فماذا اختارت المقاومة ليكون كعب اخيل امريكا ؟ لقد اعتمدت المقاومة العراقية في الحاق الهزيمة الستراتيجية بامريكا على ركيزتين رئيسيتين هما الاستنزاف المالي والاستنزاف البشري :
اولا : الاستنزاف المالي لامريكا : بما ان امريكا عبارة عن شركة كبرى عابرة للقيم العليا والقانون وادمية الانسان هدفها الربح والنهب ، نؤكد ونكرر بلا ملل ان هدف امريكا ( الاسمى ) في العالم هو النهب ، فان الاستنزاف المادي لها يقلب حساباتها رأسا على عقب ، فهو وحده القادر على فتح بوابات جهنم بوجهها باجبارها على تحمل الخسارة بدل النهب من خلال الصرف من مواردها وليس تغطية نفقات غزو العراق بموارد النفط العراقي ، كما وعد الكونغرس قبل الغزو بول ولفووتز وكيل وزير الحرب الامريكي واحد مجرمي الحرب الاصليين ومخططيها ، وهذا ما قامت به المقاومة العراقية عندما كانت تعمل بنشاط على عدم السماح بتحقيق استقرار يسمح باستثمار النفط واعادة بناء صناعته ليكون مصدر تمويل الغزو الاساسي وتحرير امريكا من خطورة الصرف على الحرب من ضرائب المواطنين الامريكيين .
ولاجل تحقيق النهب وعدم الصرف من الموارد الامريكية وقعت قوات الاحتلال اتفاقية مع رجل اعمال عراقي ودفعت له ملايين الدولارات من اجل حماية انابيب النفط العراقي من هجمات المقاومة وهي قصة معروفة وموثقة لكن هذه الخطة فشلت لان المقاومة كانت قادرة على مهاجمة انابيب النفط ،
ولذلك اضطرت امريكا الى الصرف من خزينتها لتغطية نفقات حرب هي الاكثر تكلفة ماليا منذ الحرب العالمية الثانية ، وهذا الاضطرار كشف عن خطورته الرئيس الامريكي الاسبق بيل كلنتون حينما قال ان امريكا تمول حرب العراق بالدين ! وهنا يجب ان نسأل هل تلك مبالغة ؟ كلا ان الارقام التالية تثبت ذلك .
كان الدين العام الامريكي قبل غزو العراق هو 4,5 تريليون دولار واصبح الان رسميا اكثر من 13 تريليون دولار وتعترف الاوساط الامريكية والاكاديمية بان السبب الرئيسي في تضاعف حجم الدين العام هو غزو العراق والاستنزاف الذي تتعرض له القوات الامريكية فيه وما ينتج عنه من تكاليف غير منظورة . اما العجز في الميزانية الامريكية فانه كان قبل بدء الحرب وفي زمن بيل كلنتون حوالي 190 مليار دولار اما الان فقد قفز الى تريليون و300 الف مليار دولار ، ومرة اخرى يجب التنبيه الى انه لا يوجد سبب رئيسي لهذا الارتفاع في العجز سوى الاستنزاف في العراق . وهذا الدين العام يجعل كل مواطن امريكي مديون بحوالي 20 الف دولار وهو عبء يصعب تحمله لفترة طويلة . وتلك الارقام وحدها تكفي لاظهار دور المقاومة العراقية في ايصال امريكا الى الانهيار المالي في عام 2009 ، والذي كان ومازال مقدمة للانهيار العام والشامل وتفكك الدولة الامريكية اذا لم تعيد السلطة التي تحكمها النظر في سياسات التوسع الامبريالي .
ثانيا : الاستنزاف البشري : ورغم ان امريكا لا تهتهم بالبشر الا بصفتهم مجرد براغي في الة تدر الربح عليها الا ان كثرة القتلى والمعوقين من جراء الحرب تؤدي في لحظة معينة الى جعل كارثة الحرب التي تشنها امريكا على شعب اخر تنتقل الى داخل المجتمع الامريكي عندما تصل الخسائر البشرية الى حد يجعل من كل عائلة متأثرة بالحرب ، هي او اقربائها او جيرانها ، مما يجعل الحرب مشكلة امريكية داخلية ، وتلك هي نقطة البداية الصحيحة في اجبار امريكا على الانسحاب وايقاف الحرب .
باندماج الخسائر المالية الضخمة والتي يدفعها المواطن الامريكي ، مع الخسائر البشرية تصبح هناك قوة ضغط هائلة ، من المستحيل ان ترد او تقهر او تقمع ، على صناع القرار تجرهم جرا الى الانسحاب وانهاء الحرب في لحظة ما حتى لو كان الوضع العسكري يبدو قويا . وهذا هو ما حققته المقاومة العراقية بجعل اكثر من مليون امريكي يعانون من امراض نفسية وعاهات جسدية وقتلت عددا من الامريكيين يتراوح بين 30 الف و40 الف امريكي حسب احصاءات امريكية غير حكومية مع ان الرقم الرسمي للقتلى لم يصل بعد الى الالف .بنجاح المقاومة العراقية بتحقيق ذلك اصبحت قادرة على تهديم ركائز الاستمرارية في الحرب واجبرت امريكا على الاختيار بين التراجع عن غزواتها او الانهيار من الداخل نتيجة ازماتها ، لذلك فالمقاومة العراقية انقذت العالم من عصر استعماري بغيض كان سيعم العالم بعد حروب وازمات مدمرة لكافة الشعوب . وهذا بحد ذاته نصر اكتسب سمتين بارزتين اولهما انه نصر ستراتيجي عراقي لانه منع واسقط اكبر واخطر مخطط استعماري في التاريخ ، وثانيهما انه عمل تاريخي من طراز نادر لانه اجبر على كتابة تاريخ العالم على النقيض من الخطة الامريكية وسجل انه لولا المقاومة العراقية لكتب التاريخ كل احداثه ب( لغة امريكية صرفة ) ولصارت ابعد نقطة في الارض ترقص على نغمات الهيب هوب الامريكية بما في ذلك اشد المعممين وقارا ، ولفقد اطفال الصين القدرة على تناول الطعام بعودتين ، ولمحيت من قاموس لغة اطفالنا أسماء اكلات عربية معروفة مثل ( الباجة ) و( الدولمة ) و( القوزي ) و( المسكوف ) العراقية ، و( المنسف ) الاردني و( الكسكسي ) المغربي وغيرها وحلت محلها اكلات الهمبرغر وكنتاكي فراي جكن رغم انها أكلات امريكية توصف طبيا بانها زبالة !هذه حقيقة معاشة وعيانية ولا يمكن انكارها على الاطلاق وهي وحدها تكفي لمنح المقاومة العراقية صفة منقذ العالم كله من عصر استعماري بغيض .
دفن عصر القطب الاوحد سيذكر التاريخ ، رغم انف جلادي امريكا ومزوري التاريخ في هولي وود ، باننا قلنا مباشرة بعد بدء الحرب الشاملة على العراق في عام 1991 بان عمر الامبراطورية الامريكية سيكون الاقصر في تاريخ كل الامبراطوريات في العالم الحديث والقديم ، وكان ما قاله القائد الشهيد صدام حسين بوضوح وبلاغة في عام 1991 حينما قال بان امريكا بدأت تتدحرج من السفح الى القعر حالما ضربت بغداد ، وهذا ما تحقق بالفعل فنحن الان نرى بوضوح كامل وبلا غموض بان الامبراطورية الامريكية ما ان صعدت بقوة وتحد حتى بدأت بالتراجع ثم الانهيار عند ( بوابات بغداد ) ، حدث ذلك رغم انها اكثر الامبراطوريات في التاريخ قوة وثراء وتقدما ، والسبب هو انها واجهت ثقبا اخضرا – وليس اسودا - عربيا امتص طاقاتها ودفعها التعري ورؤية جسدها على حقيقته مريضا شائخا فاوصلها العراق الى حافة الانهيار . ان انجازات المقاومة العراقية ، منذ بدأت عام 1991 ردا مباشرا على انطلاق الحرب على العراق التي مازالت مستمرة حتى الان دون توقف ، لم تقتصر على اسقاط مخطط امركة العالم واستعماره بل هي نسفت القاعدة المادية لبقاء امريكا كقوة عظمى وحيدة او متفوقة على بقية القوى ، فغزو العراق الذي كان مطلوبا منه توفير شرطين حاسمين لاغنى عنهما ، شرط استخدام امريكا لنفط العراق وبقية النفوط كاداة ابتزاز خطيرة لكل العالم من جهة ، وتقديم دليل حاسم ونهائي على ان امريكا تملك طاقات متجددة لا تنضب تستطيع بها تركيع العالم مهما خسرت من جهة ثانية ، لكن الاستنزاف البشري والمادي في العراق كشف حقيقة خطيرة وهي ان امريكا تقف على حافة انهيار داخلي شامل وان الحرب وغزو العراق كانا احدى اهم وسائل تلافي ذلك الانهيار .
اذن المقاومة العراقية ، وليس الاتحاد السوفيتي السابق وروسيا بعده ولا الصين ولا اوربا ولا الهند ولا غزو من المريخ ، هي من دحرت المشروع الامريكي الكوني وحررت العالم من عصر عبودية كان يمكن ان يستمر قرونا طويلة ، وهي من اجبرت امريكا على التخلي عن مشروعها الامبراطوري العتيق والراسخ ، وهو ما اعترف به زبجنيو بريجنسكي ، مستشار الامن القومي الامريكي الاسبق بقوله يجب التخلي عن وهم السيطرة المنفردة على العالم لاننا عاجزون عن تحقيق ذلك . ما معنى هذا ؟ بكل وضوح انه يعني ان المقاومة العراقية لها الفضل كل الفضل في تمزيق الحلم الامريكي الاجمل والاهم وهو استعمار العالم ، مما يضع العراق في طليعة القوى التي تقرر شكل العالم وتطوره . هل هذا الانجاز لا يكفي وحده لجعل المقاومة العراقية اعظم صانع للتاريخ والوقائع في العصر الحديث ؟ زرع عوامل تفكك امريكا وتقسيمها من اهم الحقائق البارزة والخطيرة التي تعد مفارقة تاريخية وستراتيجية كبرى بلورتها وفرضتها قدرة المقاومة العراقية على أيصال المشروع الكوني الامريكي الى نقطة ميتة ، اي الى طريق مسدود تماما ، هي الحقيقية التالية :
جاءت امريكا لتقسيم العراق فوجدت انها هي وليس العراق اصبحت عرضة للتقسيم ، كيف ذلك ؟ ثمة قانون مطلق يتحكم بتطور امريكا ومستقبلها يؤكد بانها تعيش موحدة وقوية بقدر ما توفر لمواطنيها مجتمعا استهلاكيا فيه فرص كثيرة وحريات فردية قوية ومضمونة ومخاطر قليلة او معدومة ، هذا هو القانون الاساسي المتحكم بامريكا اكثر من اي دولة اخرى لان امريكا ليست دولة امة بل هي دولة شركة عظمى ما يربط موظفيها ببعضهم هو توفر فرص العمل وحماية المصلحة الفردية الصرفة والاستقرار والامن وعدم التعرض للموت او الاضطهاد . والسبب في هذه الميزة الامريكية هو كون الامريكيين عبارة عن مهاجرين جدد ، تشكلوا من مجرمين تم نفيهم من بريطانيا الى القارة الجديدة للتخلص منهم لكثرتهم ومن فقراء معدمين قرروا الهجرة للمجهول من اجل لقمة العيش ومن مضطهدين دينيا لم يجدوا غير الهرب الى عالم جديد لعله يوفر لهم حرية المعتقد ، مازالوا محافظين حتى الان على جذورهم القومية والثقافية والدينية والاجتماعية المختلفة وهي تؤثر فيهم بشدة تختلف تبعا لحالات معينة ، ولم ينصهروا بعد في بوتقة ( امة امريكية ) حقيقية ، لان الامم تصنع عبر الاف السنين وليس عبر عقود ، وهذا هو السبب العلمي والعملي والتاريخي في غياب الشخصية الامريكية الموحدة على المستوى الشعبي العام والذي يكّون الشرط المسبق لنشوء امة ، بهوية الامة المميزة سايكولوجيا وثقافيا واجتماعيا بشكل خاص .
هؤلاء كلهم وجدوا في امريكا المنقذ لهم وتغيرت احوالهم من سيء الى جيد او ممتاز او رائع ، فشكل ذلك رابطا خاصا لا هو رابط الامة ولا هو رابط الثقافة بل هو رابط المصلحة الخاصة والفردية ، وقننت تلك الرابطة النفعية الخالصة وفرزت فلسفتها وهي الفلسفة البراغماتية التي ازدهرت في امريكا اكثر مما ازدهرت في بلد اخر بسبب الطابع الشخصي للهوية الامريكية .
ان السؤال الواجب طرحه هو : ماذا يحصل حين يواجه المواطن في دولة الرفاهية والاستهلاك تحديات في العيش وتهديد للحياة مثلما كان هو او والده الذي هاجر الى امريكا يواجهه في بلده الاصلي فهاجر تهربا من ذلك ؟ الجواب الحاسم هو بدء تفكك صلته بالشركة الكبرى المسماة امريكا او نزوعه للانفصال عن الامريكي المجاور الفقير والذي كان يدعمه في مرحلة الرفاهية والبحبوحة وتوفر فائض لديه يجعله لا يشعر بالضرر اذا اعطى لشريكه في ( العمل ) لكنه الان وبعد ان بدأ عصر التقشف وتراجع الموارد لا يستطيع التضحية من اجل اي عامل اخر في الشركة الكبرى امريكا بل تستيقظ لديه كل عناصر الانانية السائدة في التفكير الامريكي . لاول مرة في تاريخ امريكا القصير جدا – اكثر بقليل من 200 عام – تواجه امريكا ، بعد غزو العراق وليس قبله وتعرضها لاسوا استنزاف مادي ونفسي نتيجة له ، مسألة بروز تيارات تطالب بانفصال الولايات الغنية عن الولايات الفقيرة بعد حصول عجوزات في موازين بعض الولايات الغنية التي كانت تدعم الولايات الفقيرة ! وكانت اول ولاية تطالب بالانفصال من اجل ايقاف دعم الولايات الاخرى هي ولاية كاليفورنيا ، وتبعتها عدة ولايات وصلت العشرة في ظرف اقل من عام على تفجر الازمة المالية واصبح الحديث عن الانفصال واضحا ومقبولا .
هل المعنى الكبير والخطير جدا لهذه الظاهرة واضح ؟ المعنى الكبير والخطير ، والذي ترك وسيترك اثارا مدمرة على مستقبل امريكا ، هو انه لولا صمود العراق في الحرب المستمرة منذ عام 1991 وانتقاله لمرحلة المقاومة الشعبية في عام 2003 وفشل المشروع الامريكي في العراق ، رغم انه صرف مبالغ خيالية لم يصرف مثلها حتى في حرب فيتنام قدرت بثلاثة تريليون دولار ، لولا ذلك لما تراجعت قدرة امريكا على مواصلة توفير نمط الحياة الامريكية الاستهلاكية والسهلة ، ولما اضطرت لتقييد حياة موطنيها وتنامي شبح الدولة البوليسية في امريكا – تحت غطاء مواجهة *** - والتي هرب الاباء المؤسسون لامريكا منها ، ولما انتهى عصر البحبوحة ودخول امريكا عصر التحديات اليومية المؤلمة للمواطن العادي في رزقه وامنه وصحته . ان تزايد احتمالات تقسيم امريكا هو نتاج طبيعي لمغامرة غزو العراق ووقوعها في فخ مميت وقاتل اسمه فخ المقاومة العراقية . هل يفهم من ينكر دور المقاومة الفعال هذه الحقيقة ؟ وهل يفهمها كما هي بكامل اثارها وتأثيراتها ؟ والا يكفي هذا وحده ايضا للقول بان المقاومة تنتصر وتتقدم وتحقق اهدافا ستراتيجية اكبر مما توقعت او خططت ؟ يتبع كتبت في نيسان – ابريل 2010