ملاحظات عامة حول خطط "استبدال العاصمة بغداد" بعاصمة أخرى؟
كاتب الموضوع
رسالة
Dr.Hannani Maya المشرف العام
الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 61340مزاجي : تاريخ التسجيل : 21/09/2009الابراج : العمل/الترفيه : الأنترنيت والرياضة والكتابة والمطالعة
موضوع: ملاحظات عامة حول خطط "استبدال العاصمة بغداد" بعاصمة أخرى؟ الأربعاء 5 مايو 2010 - 0:36
ملاحظات عامة حول خطط"استبدال العاصمة بغداد"بعاصمة أخرى؟
فاضلالربيعي
التاريخ: 14/5/1431 الموافق 28-04-2010
المختصر / إذا كانت مدينة الصدر «الشيعية» في قلب بغداد، شُطرت طولياً إلى منطقتين شبه معزولتين، يفصل بينهما جدار عملاق، مماثل لجدار الأعظمية «السنية»؛ فهذا يعني أن استراتيجية بناء الجدران في بغداد ليست ذات طابع طائفي، وأن أهدافها بعيدة المدى، هي أبعد ما تكون عن هذا الجانب من مسألة تغيير الطابع المعماري لبغداد.
إن الكشف عن طبيعة هذا التلاعب وحدوده ووظائفه، سوف يبيّن أن مخطط استبدال العاصمة بعاصمة أخرى -وهو يجري تحت غطاء كثيف من السرية- قد يؤدي إلى ظهور «محافظة جديدة» متاخمة للعاصمة، ولكنها ستكون امتداداً مذهبياً للإقليم الشيعي في الجنوب؟ ومن المهم للغاية ملاحظة أن التلاعب في جغرافية العاصمة، يجري في ظل ترويج واسع النطاق لفكرة «فيدرالية بغداد» التي سبق لجماعة الحكيم طرحها في أكثر من مناسبة، وفي سياق هذا الترويج جرى الحديث عن أسباب بناء الجدران وحصرها في جانب واحد، يتعلق بالأغراض الأمنية وحسب، وأنها ضرورية فقط لمواجهة العمليات الإرهابية وحماية السكان، لكن تفكيك بغداد سيؤدي -لا محالة- لا إلى ظهور محافظة جديدة؛ بل وإلى محو محافظة أخرى، سيتم توزيع أقضيتها ونواحيها وبلداتها وقراها على المحافظات المجاورة؟ ولعل ما يجري في الفلوجة البعيدة لا يبدو شاذاً عن سياق عمليات التفكيك، فهي الأخرى باتت مطوّقة بجدار «كونكريتي» هائل ومرعب، وبتدابير وإجراءات أمنية صارمة لا يسمح فيها للمواطنين بالدخول والخروج من المدينة إلا باستخدام البطاقة الإلكترونية. وعلى غرار هذا الجدار، هناك اليوم عشرات الجدران العملاقة التي تفصل أحياءً بأكملها عن بعضها في العاصمة وبعض المدن غرب العراق، ودون أن يتحدث أحد من السياسيين والبرلمانيين وأرباب العملية السياسية عنها وما الغرض الحقيقي منها؟ قد يبدو هذا الكلام ضرباً من الخيال، بالنسبة للمتفائلين بالعملية السياسية والمراهنين على تحوّل جذري بفضل الانتخابات، ولكنه الواقع المرير الذي يبدو أغرب من الخيال.
فهل التلاعب في جغرافية بغداد عملٌ منفصل عن التلاعب في جغرافية العراق؟ إن مخطط استبدال العاصمة، والتخلص منها نهائياً لصالح عاصمة فيدرالية جديدة، تستوعب «حجم التغيير في جغرافية العراق الجديد» ليس عملاً طارئاً أو عرضياً فرضته ظروف حماية السكان من العمليات الإرهابية؛ بل هو عمل مصمم لتنفيذ رؤية أميركية للتقسيم المذهبي والعرقي، تسمح بضّم الأماكن الدينية «الشيعية» المبعثرة إلى الحدود الإدارية لمحافظة جديدة مقدسة، تبدأ من أطراف بغداد وترتبط بشبكة طرق مع محافظات النجف وكربلاء.
ليست هذه المحافظة الجديدة سوى محافظة سامراء ؟ ويلاحظ خبراء أن المرحلة الأخطر من هذا المخطط بدأت فعلياً من خلال تقطيع أوصال سامراء وتقسيمها إلى «منطقة شيعية» تحيط بالمرقدين العسكريين (وهما تعرضا عام 2006 إلى تفجير وحشي إجرامي) وأخرى «منطقة سنية» بعيدة عنهما. بكلام آخر، أدّى التلاعب في جغرافية بغداد إلى التلاعب تلقائياً في جغرافية مناطق أخرى تقع على تخومها الإدارية. ويبدو من المعطيات المتوفرة أن هذه المرحلة شهدت بعض الخطوات العملية، كان أولها شراء وتمّلك المنطقة المحيطة بالمرقدين المقدسيين (الإمامين العسكريين) في سامراء ، وتحويل ملكيتها إلى «أشخاص شيعة مستقدمين من خارج المدينة» من أجل ضمان استقرار كتلة سكانية جديدة من لون مذهبي . وفي هذا النطاق يتحدث أهالي سامراء عن دفع مبالغ مالية عالية لشراء العقارات المحيطة بالمرقدين.
وفي 7-12-2008 صدرت أوامر من رئاسة مجلس الوزراء ، تقضي بتسهيل عمليات التمليك هذه ، مرفقة بخارطة توضح حدود المنطقة المستهدفة.
أما الخطوة الثانية فتتطلب كما يبدو إبعاد وتهجير كتلة «سنية» كبيرة عن المنطقة . وهذا يعني أن عمليات القتل والتهجير التي أعقبت تفجير المرقدين عام 2006 لم تكن سوى «البروفة» الأولى في سلسلة أعمال تهجير طائفي قادمة ومتوقعة، الغرض منها استكمال «تمزيق جغرافية» بغداد عبر تمزيق جغرافية قضاء سامراء، تمهيداً إلى تحويله إلى محافظة «شيعية» جديدة، يجري ضمها إلى أقاليم الجنوب الشيعية.
وكما تقول المعطيات المتوفرة فقد جرى في البداية إغلاق منطقة المرقدين والمدرسة الدينية والمسجد الكبير الملاصق للمرقد في وجه المواطنين، بحجة أعمال الترميم. وهذه المناطق هي من بين أهم ثلاث مناطق يقصدها الناس في سامراء، وتقع داخل منطقة التمليك. كما قامت الحكومة وتحت غطاء «أعمال ترميم المرقدين» هذه بخداع المواطنين، والادعاء بأنها تعيد بناء المدينة ومنشآتها الحكومية والخدمية، لكنها في الواقع كانت تقوم بنقل المؤسسات الحكومية القريبة من المرقدين إلى مناطق أخرى، في سياق تغيير طابع المدينة، وكان الدعم الحكومي لمخطط التغيير الجغرافي هذا، يستهدف وبشكل مباشر فصل سامراء عن محيطها السني ، ودمجها مع المدن ذات الأغلبية الشيعية . ويمكن ملاحظة طبيعة هذا التغيير من خلال تحليل مضمون الكثير من التغييرات الإدارية ، مثلاً جرى فصل القيادة الأمنية في سامراء عن القيادة الأمنية في محافظة صلاح الدين، وإنشاء ما يدعى بقيادة عمليات سامراء التي ترتبط بمجلس الوزراء وتشمل مناطق مثل (بلد والدجيل والتاجي) حتى إن المسؤولين في صلاح الدين لم يعودوا قادرين على التنقل في هذه المناطق من دون الحصول على إذن رسمي من القيادة الأمنية الجديدة شرط أن يكونوا دون سلاح .
وفي هذا الإطار قام رئيس الوقف السني بفصل أوقاف سامراء وبلد والدجيل والتاجي عن أوقاف صلاح الدين وأنشأ مديرية أوقاف سامراء . فهل باتت بغداد على أعتاب عصر «نهايتها» كعاصمة تاريخية؟
المصدر: صحيفة العرب القطرية
ملاحظات عامة حول خطط "استبدال العاصمة بغداد" بعاصمة أخرى؟