الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 436تاريخ التسجيل : 16/12/2010الابراج :
موضوع: البصرة قبل الف عام الإثنين 22 أكتوبر 2012 - 11:32
Message markiert 5:11 Samstag, 6.Oktober 2012
... اخوان الصفا موضوع شيق وجدير بالمطالعة للكاتب الباحث العراقي المتخصص صديق الطائفة الدكتور رشيد الخيون استمتعوا بمطالعته مع التحيات جبار ياسر الحيدر
----------------------------------
بقلم : د. رشيد الخيّون التاريخ: : الجمعة, 5 أكتوبر, 2012 إخوان الصَّفا.. البصرة قبل ألف عام!؟
رسائل اخوان الصفا جماعة ظهرت بين نخيل البصرة، في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي)، تسمَّوا بإخوان الصفا، وكتبوا اثنتين وخمسين رسالة، فيها مِمّا نحتاج إليه هذه الأيام، مِن انفتاح لنا أن نسميه “ليبرالية”، ونظرة في الطبيعة والمجتمع لنا أن نسميه “علم”، لهذا صنفت فيهم كتاباً تحت عنوان “إخوان الصَّفا.. إعجاب وعجب” (تحت الطبع). حارت في رسائلهم الأذهان واختلفت في وجودهم الروايات، شتموا كثيراً ولم يشتموا أحداً. إنهم فكروا وكتبوا بالبصرة، لكن قبل ألف عام. فتأمل خزي الحاضر. ليس بالضرورة أن تكون ليبرالية إخوان الصفا رسالة كاملة مِن رسائلهم، لأنهم عاشوا في زمن غير زماننا، ولا نطلب ممَن عاش المائة الرابعة أو الخامسة، مِن بعد الهجرة، ليبرالية تغطي رسالة أو كتاباً، فهم لم يعرفوا آنذاك مفردة الحرية، ولا ورد في لغة عصرهم مفهوم ليبرالية، إنما يكفنا منهم عبارة أو إشارة أو إيماءة، فهي تُعادل في مئتنا ما تعادله، وأعني الخامسة عشرة بعد الهجرة، أو الواحدة والعشرين بعد الميلاد، وظهر مصلحون في القول والفعل، وكم ظهرت علوم وكم برزت فنون، وتقدمت تكنولوجيا، ومع ذلك ففي مئتنا مَن هو ما زال أقل تحضراً وأقل ليبراليةً مِن إخوان الصَّفا وخِلان الوفا، بل لا يرقى إلى عشر ما فكروا وصنفوا. قالوا: “وبالجملة، ينبغي لإخواننا أيدهم الله تعالى، أن لا يُعادوا علماً مِن العلوم، أو يهجروا كتاباً مِن الكُتب، ولا يتعصبوا على مذهب مِن المذاهب. لأن رأينا ومذهبنا يستغرق المذاهب كلَّها، ويجمع العلوم جميعاً، وذلك أنه هو النظر في جميع الموجودات بأسرها، الحسية والعقلية، مِن أولها إلى آخرها”(الرسائل، رسالة عشرة إخوان الصَّفا). يسند هذه المقالة ما ضمنه إخوان الصَّفا، وهم يخوضون في منافع الاختلاف في رسالة من رسائلهم، الواحدة والخمسين، وهي «في الآراء والدِّيانات»: «مِن أجل هذا قيل: اخْتِلَافُ العُلماء رَحْمَةٌ»(الرسالة الأُولى في الآراء والدِّيانات). ذكر الإخوان فائدة الاختلاف قائلين: “يكون سبباً لغوص النّفوس في طلب المعاني الدَّقيقة، والنَّظر إلى الأسرار الخفية، ووضع القياسات، واستخراج النَّتائج، واتساعاً في المعارف .. إلى جانب قراءتهم للكتب كافة، انشغل إخوان الصفا في شؤون الطبيعة، وحاولوا محاولات ناجحة، قياساً بعلوم عصرهم، فقد حددوا ارتقاء الكائنات الطبيعي في أكثر مِن رسالة كالآتي: “أن أول مرتبة النباتية وأدونها مما يلي التراب هي خضراء الدمِنْ، وآخرها وأشرفها مما يلي الحيوانية النَّخل.. وأما النَّخل فهو آخر مرتبة النباتية مما يلي الحيوانية، وذلك أن النخل نبات حيواني لأن بعض أحواله وأفعاله مبائن لأحوال النبات وإن كان جسمه نباتياً.. فإن النخل إذا قطعت رؤوس أشخاصه جفت وبطل نموه ونشوه، كما أن الحيوان إذا ضربت أعناقها بطلت وماتت، فبهذا الاعتبار بأن النخل نبات بالجسم حيوان بالنفس ألتزم إخوان الصَّفاء النزاهة العلمية فحصروا مصادر رسائلهم بأربعة مجاميع: الكتب المصنفة على ألسنة الحكماء والفلاسفة مِن الرياضيات والطبيعيات، والكتب المنزلة: التوراة والإنجيل والفرقان، وكتب الطبيعة، وهي صور أشكال الموجودات، والكتب الإلهية، وهي غير الكتب المنزلة، ويصفونها بقولهم: «هي بيد سفرة كرام بررة، وهي جواهر النفوس وأجناسها وأنواعها وجزوياتها وتصاريفها للأجسام وتحريكها وتدبيرها إياها». أما في شأن السِّياسة والاجتماع، فقد كان لهم السّبق، بالنِّسبة للعلماء المسلمين، وهذا ما توسع فيه في ما بعد كتاب ومؤرخون، فاعتبروا الدَّولة كائناً يولد وينمو ويشب ويشيخ، وهي محددة بزمنها. قالوا: “اعلموا أن كلَّ دولة لها وقت، منه تبتدئ، ولها غاية إليها ترتقي، وحد إليه تنتهي، وإذا بلغت أقصى مدى غاياتها، ومنتهى نهاياتها أخذت في الانحطاط والنُّقصان، وبدأ في أهلها الشُّؤم والخذلان.. “. بطبيعة الحال لسنا بصدد صحة هذا الرَّأي أو خطئه لكنهم، أو مَن سبقوهم، نظروا إلى تاريخ الدُّول عبر الأزمان فكانت النتيجة ما قالوا وفطنوا. ليس هذا كلّ ما لدى إخوان الصَّفا وما في رسائلهم مِن آراء وإيماءآت ناضجة في شتى المجالات، فلهم آراء في الرِّياضيات والهندسة والصَّنائع والموسيقى، في علاج الأمراض، والإنسان والفنون وحركة الأرض والجدل حول شكلها إلى غير ذلك. تذكروا أنهم كتبوا ما تقدم قبل ألف عام وانظروا بصرة اليوم وبصرة الأمس.
د. رشيد الخيّون
باحث عراقي متخصص في الفلسفة الإسلامية. من كتبه "100 عام من الإسلام السياسي بالعراق".