هو صاحب «إضراب الحرامية» التي وضعت اسمه في الصفوف الأولى لحداثة المسرح اللبناني. النص الذي قدّمه روجيه عساف ونضال الأشقر عام 1971، تحول إلى إحدى العلامات الفارقة للمدينة التي كانت تعيش عصرها الذهبي في المسرح والشعر والصحافة والسياسة. ظلّ اسم أسامة العارف الذي رحل قبل يومين، مرتبطاً بنصه الأول، وظل نصه محكوماً باسمه. كتب خمس مسرحيات أخرى، ولكن تلك المسرحية واظبت على حراسة اسمه الذي صُنع في زمن غير هذا الزمن الذي يشهد غيابه. أخرج له جلال خوري «بنسيون الست نعيمة»، ويعقوب الشدراوي «يا اسكندرية بحرك عجايب»، بينما قدمت بتي توتل آخر أعماله «أيام بتسوى فرانكو» قبل ثلاثة أعوام. لكن تلك العروض قُدمت في الظلال القوية لباكورته التي توجّتها المؤسسة الدولية للمسرح بالجائزة الثانية، ووضعت صاحبها أمام خيارات صعبة بين المحاماة والكتابة. هكذا، بدا أنه عاش حياتين: واحدة داخل مهنته التي دافع فيها عن العدالة والحرية، وأخرى ملاصقة للحياة المسرحية في المدينة التي ولد فيها، وأخذت شخصيته الكثير من انفتاحها وتعدديتها.
من صداقة المسرحيين، ربح صاحب «آخ يا بطل» التخفف من ثقل الجملة الأدبية لصالح الحركة والفعل والأداء على الخشبة. ومن عمله القانوني، اكتسب قوة الحوار والجدل. بطريقة ما، كان العارف حاضراً وغائباً في الوقت نفسه. كنا نسمع في السنوات الأخيرة أخباراً عن مرضه وانزوائه، ونعرف أنه لا يزال واحداً من فريق «مسرح المدينة» الذي نعاه أول من أمس. تكريمه إلى جوار أسماء أخرى في مهرجان «ملتقى الشباب» في «مسرح المدينة» في أيلول (سبتمبر) الماضي، كانت آخر إطلالاته العامة التي بدا فيها وديعاً ومتعباً وهو يلقي كلمته القصيرة. كأن التكريم كان تذكيراً بحقبة أخرى لم يعد أبناؤها يجدون أمكنة لائقة بهم في الزمن الراهن. اكتفى اسامة العارف بالكتابة للمسرح، وحتى في ذلك كان مقلاً. تغير المسرح. لم يعد المسرحيون الجدد يعتمدون على نصوص جاهزة ومكتوبة مسبقاً. صارت الكتابة المسرحية ممارسة محكومة بالارتجال والبروفات. كأنّ تقدم الزمن والتجريب المسرحي تعاونا على إبعاد الراحل إلى الهامش الذي أقام فيه مع أقرانه الذين ينعونه اليوم ويتقبلون التعزية به، بينما ينتظر بعضهم رحيلاً مماثلاً. لعلها تراجيديا قدرية أن تغيب أيقونات الماضي في قسوة الحاضر.