يرفض عبد الرضا حتى الآن تصديق خبر إلغاء "الحصة" كما يسميها، أي التموينية، ويصرخ قائلا بلهجته "عمّي كل شي ولا الحصّة، :هذا الشيء الوحيد اللي ساتر علينا"، وسرعان ما يلتفت موجها حديثه للمحيطين به مؤكدا يلهجة واثقة "لا .. لا ..ما أعتقد يسووها.. هاي شغلة ماتصير ولا راح تصير".
ويتابع محمد عبد الرضا (31 عاماً) "إلغاء البطاقة التموينية نتائجه سلبية ويضر بمصالح الناس"، قبل أن يستدرك ويؤكد "ولو هي حصة قليلة ونوعيتها رديئة، لكن هي وباعتراف الجميع مصدر عيش للملايين".
ثم يوجه عبد الرضا حديثه للحكومة قائلا إن "عليها أن تلفت إلى الشعب العراقي وأن تُحسن مفردات البطاقة بدلاً من إلغائها الذي سيفرغ جيوب الفقراء ويملأ قاصات الأغنياء"، حسب قوله.
القرار سيزيد من نسب الفقر ولن يملأ إلا بطون التجار
بدوره يقول المواطن يوسف نايف (48 عاماً) إن "قرار الإلغاء من عدمه لا يؤثر على المواطن العراقي"، لافتا إلى إن "البطاقة ملغية أصلاً وهي لا توزع بالشكل الصحيح".
ويوضح نايف، قائلا "العراق بلد نفطي وبالتالي يجب أن يشعر المواطن بقيمته وكرامته كما هو الحال في دول العالم النفطية"، مؤكداً أن "القرار سيزيد من نسب الفقر، ولن يملأ إلا بطون التجار، وقد يدفع المتضررين الذين يعتبرون التموينية شريانهم الأبهر إلى التظاهر"، حسب تعبيره.
ويضيف مازحا "بالنسبة لي، لا أعتبر أن حياتنا ستكون طبيعية، بدون وجود الحصة التموينية"، على حد قوله.
وفي وقت يرجح خبراء اقتصاديون أن يكون قرار الحكومة العراقية بإلغاء البطاقة التموينية منسجماً مع شروط صندوق النقد الدولي، فإنه شكل صدمةً كبيرة للمواطنين، بخاصة للعاطلين عن العمل وأصحاب الدخل المحدود.
وبينما ترى الحكومة، من جانبها أن القرار جاء للمصلحة العامة، ولاختصار الطريق والتخلص من مشاكل توزيع مفردات التموينية والفساد المرافق لها، إلا إن هذا الرأي لا يبدو مُقنعاً لشرائح واسعة من المواطنين، والذين هدد بعضهم بالتظاهر في حال لم تعدل الحكومة عن قرارها.
الحكومة ستواجه صعوبات في تطبيق القرار
ويصف رئيس لجنة التخطيط في مجلس محافظة بغداد محمد الربيعي في حديث لـ"السومرية نيوز"، قرار إلغاء بـ"المتسرع وغير الصحيح"، مشيرا إلى إن "البلد في الوقت الحالي لا يتحمل مثل هذه القرارات، خاصة مع أزمة البطالة التي تصل إلى 23 بالمائة، ما يعني إن ربع السكان تقريباً يعاني من الفقر".
ويدعو الربيعي "الحكومة العراقية إلى أن تطلق مشاريع ضخمة لتطوير البنى التحتية، وتحقيق نهضة عمرانية تجذب شركات عالمية من شأنها توفير حركة اقتصادية وفرص عمل للمواطنين، الذين سيحصلون على بدائل عيش مناسبة وتسد حاجتهم وتمكنهم من الاستغناء عن البطاقة التموينية".
ويعتقد الربيعي أن "الحكومة العراقية ستواجه صعوبات بالتأكيد إذا تم بالفعل إلغاء البطاقة، خاصة وإنها لا تستطيع حالياً، السيطرة على التجار مع وجود ضعف في الرقابة"، مرجحاً أن "تصل حاجة المواطن إلى 25 ألف دينار لتغطية حاجته من مواد التموينية التي ستنقطع عنه".
95 بالمائة من السكان ترفض القرار
من جهته يقول الخبير الاقتصادي ماجد الصوري إن "القرار لم يكن مدروساً ومعمقا، ولا ينسجم مع متطلبات الشعب العراقي"، لافتاً إلى إن "الاستفتاء الذي أُجري في عهد نائب رئيس الوزراء السابق برهم صالح بيّن إن نسبة 95 بالمائة من السكان ترفض إلغاء البطاقة التموينية والتعويض ببدل نقدي".
ويضيف الصوري أن "الحلول المطروحة هي نفس الخيارات السابقة، وتتمثل بتخصيص خمسة مليارات دولار سنوياً"، مشيراً إلى "غياب الآليات الواضحة لتوزيع مبالغ التعويض مما سيؤدي إلى حدوث فساد مالي"، مؤكدا أن" شروط صندوق النقد الدولي تنص على أن المساعدة في تخفيف مستويات الفقر وتخفيض البطالة لن تتم قبل أن ترفع الحكومة الدعم عن البطاقة التموينية والمشتقات النفطية".
وكان العراق قد أبرم اتفاقاً مع صندوق النقد الدولي في شهر تشرين الثاني من عام 2004 يقضي بموجبه إلغاء 80% من الديون المترتبة بذمة العراق البالغة 120 مليار دولار من قبل دول نادي باريس مقابل التزام العراق بالإصلاحات الاقتصادية ومنها رفع الدعم على المشتقات النفطية والبطاقة التموينية وتحسين نوعية إحصاءاته المالية وتأمين الشفافية في توفير الموارد للبنك المركزي.
إلغاء البطاقة لا علاقة له بشروط صندوق النقد الدولي
ويقول المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء علي الموسوي ، إن "القرار لا علاقة له بشروط صندوق النقد الدولي"، مبيناً إنه "جاء بعد دراسة مستفيضة لواقع البطاقة التموينية".
ويوضح الموسوي إن "القرار جاء تفاقم مشاكل في عملية توزيع المفردات، والتي لا تصل أحيانا إلى مستحقيها أو تصل بشكل ناقص أو متأخر"، لافتاً إلى إن" الإلغاء اختصار لطريق محاربة الفساد من خلال عدم التلاعب في المفردات وتوزيع المبالغ لمستحقيها".
ويشير الموسوي إلى أن "المبالغ التعويضية البالغة 15 ألف دينار للفرد الواحد قيمت بشكل دقيق عن طريق وزارة التجارة"، مبيناً إن "حصة الفرد الواحد من البطاقة التموينية، في حال وصلت بشكل كامل وبنفس الجودة، تبلغ 12 ألف دينار شهرياً للفرد الواحد".
ويؤكد الموسوي إن "مجلس الوزراء شكل لجنة لدراسة أساليب التطبيق".
سنقترح رفع مبلغ بدل الحصة إلى 50 ألف دينار
ويؤكد عضو اللجنة المالية في مجلس النواب حسن أوزمن أن "توزيع مفردات البطاقة غير مفيد للحكومة وللمواطن على حد سواء، لوجود عمليات فساد فيها، إضافة إلى عدم توزيع هذه المفردات بشكل منتظم"، داعياً إلى "توزيع المفردات على المستحقين وفق معايير محددة، ويتم استثمار المتبقي من الأموال في مشاريع التنمية".
ويرى حسن أوزمن، إن "مشاريع التنمية سوف تشجع القطاع الخاص العراقي للعمل بشكل واسع في البلاد"، لافتاً إلى أن "اللجنة المالية ستجتمع لوضع مقترحات لرفع مبلغ التعويض إلى 50 ألف دينار للفرد الواحد".
من جانبه، طالب عضو اللجنة الاقتصادية في مجلس النواب حسين المرعبي الحكومة بالسيطرة على الأسعار والسوق للحيلولة دون الوقوع في فخ الاحتكار وجشع ذوي النفوس الضعيفة.
ودعا حسين المرعبي، الحكومة إلى "توفير الدعم لزراعة وخصوصا مادتي الحنطة والشلب"، مشدداً على ضرورة "رفع البدل النقدي إلى 25 ألف دينار بدلا من 15 ألف دينار".
وكانت وزارة التجارة أكدت، في (29 آيار 2011) إن البطاقة التموينية سيتم إلغائها عام 2014 وتركيزها بين الأسر الفقيرة فقط.
وكان مجلس الوزراء قرر في جلسته الثامنة والأربعين، التي عقدت أمس الثلاثاء (6 تشرين الثاني 2012)، استبدال البطاقة التموينية المطبقة حالياً بمبالغ نقدية توزع على المشمولين بالنظام المذكور بواقع (15) ألف دينار لكل فرد.
ولاقى القرار ردود فعل لافتة، أبرزها ما أعلنته كتلة الأحرار التابعة للتيار الصدري، عن رفضها للقرار في حال عدم توفير البدائل المناسبة لحصة المواطن الغذائية، مؤكدة في الوقت نفسه أن التطبيق الصحيح لهذا القرار سيوفر الكثير من الأموال المهدورة على شراء مواد غذائية فاسدة.
كما اعتبر نائب عن القائمة العراقية في كركوك، أن قرار إلغاء البطاقة التموينية مستعجل وغير صائب وأزمة جديدة تضاف إلى أزمات البلاد، مرجحاً وجود "لوبي ضاغط" من التجار المنتفعين وراء قرار إلغاءها، فيما اعتبرها "آخر القلاع الآمنة للمواطن".
فيما أعلن المرجع الديني بشير النجفي، رفضه لقرار مجلس الوزراء الخاص بإلغاء البطاقة التموينية، محذراً في الوقت نفسه من نتائج سلبية كبيرة من تطبيق القرار.
وكانت وزارة التجارة العراقية أكدت، في (29 أيار 2011) إن البطاقة التموينية سيتم إلغائها عام 2014 وتركيزها بين الأسر الفقيرة فقط.
وقلصت الوزارة في 2010، مفردات البطاقة إلى خمس مواد أساسية هي مادة الطحين، والرز، والسكر، والزيت، وحليب الأطفال، وأكدت أن باقي مفردات البطاقة التموينية التي يمكن شراؤها من الأسواق المحلية كالبقوليات والشاي ومسحوق الغسيل وحليب الكبار سيتم إلغاؤها.
يذكر أن غالبية العراقيين يعتمدون على ما تزوده بهم البطاقة التموينية في حياتهم اليومية منذ بدء الحصار الدولي على العراق في العام 1991 بعد حرب الكويت، وتشمل مفردات الحصة التموينية للفرد الواحد الرز، والطحين، والزيت النباتي، والسكر، والشاي، ومسحوق الغسيل، والصابون، والحليب المجفف(للكبار)، والحليب المجفف (للصغار)، والبقوليات كالعدس و الفاصوليا و الحمص، وتقدر قيمة هذه المواد بالنسبة للفرد الواحد في السوق المحلية بنحو عشرة دولارات من دون احتساب حليب الأطفال، في حين يتم الحصول عليها عن طريق البطاقة التموينية بمبلغ 500 دينار فقط. بابنيوز - وكالات