هل يسحب النفط الأفريقي البساط من تحت نفط الشرق الأوسط
أفريقيا الشرقية: العملاق النفطي القادم
كتب أليكس فينس أوبي مقالا يتحدث فيه عن الاكتشافات النفطية والغازية الجديدة في أفريقيا الشرقية والآفاق التي تفتحها أمام مستقبل التنمية في المنطقة. لكن في نفس الوقت ينبه إلى إمكانية أن تصبح هذه النعمة نقمة فتأجج الصراع على السلطة والثروة في ظل ضعف مؤسسات الدولة وعدم الاستثمار العادل في التنمية.
منصف الخروبي
يشير الكاتب في تقديم الموضوع إلى حدوث تغيير في جغرافية التنقيب عن النفط في أفريقيا في السنوات الأخيرة إذ انتقل التركيز من أفريقيا الغربية إلى أفريقيا الشرقية "وخاصة موزمبيق وتنزانيا" بعد أن كانت منطقة لا تكاد تذكر في مؤتمرات الطاقة الدولية. ويأتي ذلك في الإطار الأشمل لتزايد اكتشافات الطاقة في القارة السمراء في العشرين سنة الماضية إذ ارتفعت أرقام الاحتياطات النفطية بأكثر من 25 بالمئة واحتياطات الغاز بنسبة تتجاوز 150 بالمئة. وتتميز أفريقيا الشرقية بضعف استكشافات النفط إلى حد الآن -500 بئر- مقارنة بأفريقيا الغربية -15000 بئر.
تغير الأسواق النفطية
كان لتغير الأسواق كذلك أثر على الثروات الأفريقية فمنذ نهاية الحرب الباردة اتجهت الولايات المتحدة والصين وغيرهما إلى النفط الأفريقي لتخفيض التبعية لنفط الشرق الأوسط. لكن أيضا كان لارتفاع الطلب الآسيوي –خاصة الهند والصين- على النفط في العشرية الأخيرة تأثير على نظرة الحكومات الأفريقية لأسواق صادرات النفط والغاز.
وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن الصين ستصبح أكبر مستورد للنفط بحلول سنة 2020 وهي الآن تستقبل ثلث وارداتها النفطية من أفريقيا. وتحتل أنغولا المرتبة الثانية بعد السعودية في تزويد الصين بالنفط، كما أن الهند تستورد 12 بالمئة من حاجاتها النفطية من نيجيريا.
تغير أدوار شركات النفط الوطنية الآسيوية
مازالت الشركات النفطية العالمية الغربية تهيمن على أسواق النفط الأفريقي بالاعتماد على الخبرة الطويلة والتقدم التكنولوجي. لكن هذا الوضع سيتغير في العقود القادمة في ظل سعي الدول الأفريقية لتنويع علاقاتها والحصول على صفقات أفضل.
وقد بدأ التغيير بعد بقيام الشركات الحكومية الصينية بشراء الشركات الغربية وتشجيع حكومة بيجينغ لها على الدخول في شراكات. وهناك دلائل على سعي الشركات الصينية مثل 'سينوباك' للحصول على أحسن الممارسات الدولية في المجال لزيادة إنتاجها. وفي حين فشلت الصين في الحصول على امتيازات نفطية بالجملة في أنغولا، وتمكنت من ضمان التزويد بالنفط عبر صفقات 'النفط مقابل البنية التحتية' مدعومة بقروض بمليارات الدولارات. خلال سنة 2011 أصدرت أنغولا 250 ألف تأشيرة عمل للوافدين الصينيين أغلبهم عمال بناء في هذه المشاريع الرسمية.
تغير جغرافية الطاقة في أفريقيا
بعيدا عن السياسة هناك تغيرات كبيرة في جغرافية النفط الأفريقي. لقد كان لظهور النفط والغاز الصخري دور كبير في تغير اللعبة إذ كان من المنتظر أن تكون الولايات المتحدة مستوردا مهما للغاز الطبيعي المسال لكن الآن قطر والنرويج وروسيا وأفريقيا الغربية لم يعد بإمكانها افتراض الحصول على السوق الأميركية. كما أن أوروبا والصين واستراليا يمكن أن تصبح من المنتجين الكبار للغاز الصخري وذلك يمكن أن يبدل السوق العالمية للغاز الطبيعي المسال. لذلك على أنغولا وغينيا الاستوائية ونيجيريا وغيرها من الدول الأفريقية أن تعيد التفكير في مخططاتها النفطية بعد أن فقدت الأسواق التي خططت لها منذ خمس سنوات.
وفي أفريقيا الشرقية اكتشفت كميات هائلة من النفط والغاز تجعل منها إحدى مناطق استكشاف النفط والغاز الأكثر نشاطا في العالم. لكن يبقى مستقبل هذه الاكتشافات رهين اقتصاديات السوق في المستقبل. كما يُحتاج إلى استثمارات هائلة في مشاريع البنية التحتية بمليارات الدولارات يستوجب جمعها من الأسواق العالمية لتمويل هذه المشاريع. لكن الحقيقة الصعبة تتمثل في شبه استحالة توقع كلفة المشاريع لأنها تعتمد على توقعات سعر السوق العالمية المتقلبة، وهذه الضبابية في تحديد الأسعار يمكن أن تزيد في تأخير تطوير الاستكشافات النفطية والغازية الجديدة.
الآفاق بالنسبة إلى الاقتصاد الإقليمي
إن أفريقيا الشرقية في مرحلة تحول ومن المفيد إعداد مخطط لاقتصاد إقليمي في المستقبل. وأحد التغيرات المهمة تتمثل في تزايد عدد السكان إذ من المتوقع أن يتجاوز سكان كل من أوغاندا وتنزانيا عدد سكان كينيا. وحسب تكهنات الأمم المتحدة ستكون تنزانيا خامس أكبر بلد في العالم "البلد الرابع هو الولايات المتحدة".
أما كينيا فهي تعد دولة مستقرة في المنطقة وذلك بفضل تنامي حجم الطبقة الوسطى وبروز مجموعة أعمال ناجحة. لكن أعمال العنف التي عقبت الانتخابات الرئاسية لسنة 2008 أضرت كثيرا بتلك الصورة. وباكتشاف كميات مهمة من النفط مؤخرا "سنة 2012" زاد الرهان على الانتخابات القادمة في السنة المقبلة ويوجد تهديد بعودة أعمال العنف. وهنا تبرز الأهمية الحاسمة لقدرة المؤسسات الكينية وسياسييها على قبول الهزيمة بصدر رحب.
الهاجس الأكبر هو إمكانية أن يزيد النفط من إفساد الطبقة السياسية الفاسدة أصلا إذ تعاني كينيا من سمعة سيئة مرتبطة بالفساد. وكان المناضل السابق ضد الفساد جون جيثونغو قد هرب من البلاد خوفا على حياته في سنة 2005 ثم عاد إليها سنة 2008 وأسس حملة 'كينيا لنا' تهدف إلى تعبئة الناس العاديين للوقوف في وجه الفساد والظلم والإفلات من العقوبة. وإذا أرادت كينيا أن تستفيد من النفط بشكل فعال وتتفادى اللعنة من هذا المورد الطبيعي التي جربها غيرها من المنتجين في القارة الأفريقية عليها أن تتعلم من أخطائها.
بتحقق النمو الاقتصادي في أفريقيا ما وراء الصحراء ومنها شرق أفريقيا، على الساسة في هذه البلدان أن ينظروا في كيفية إدماج الاكتشافات النفطية والغازية الجديدة في اقتصادياتها الإقليمية بشكل أفضل ولا يقتصرون على التركيز على إيجاد أسواق خارجية لمواد الطاقة. هناك حاجة لربط الصلة مع الاقتصاد المحلي لتكملة مسار النمو الحالي. كما توجد حاجة لبناء مصافي جديدة لتلبية الحاجات المحلية في شرق أفريقيا، لكن هناك إمكانية أن يصبح ذلك علامة على الشرف الوطني –مثلما كانت شركات الطيران الوطنية سابقا- فيسعى كل بلد لامتلاك مصفاته الخاصة به.
الدروس المستخلصة
الدروس التي يجب أن تعتبر بها الدول النفطية الجديدة بأفريقيا الشرقية واضحة. يجب تعزيز المؤسسات المستقلة والمراقبة ويجب نشر سجلات كل الضرائب وعائدات النفط ويجب تجنب المشاريع الافتخارية والاستهلاك المفرط وعلى السلطات عدم التفريط في فرص إيجاد مواطن عمل كافية. إن الأفارقة في حاجة لفرص العمل لكن الصناعة النفطية والغازية لا تشغل العدد الكافي، والحل هو استعمال الأموال النفطية لبناء اقتصاد قادر على المنافسة.
والأهم من ذلك أن الحكومات التي التحقت مؤخرا بنادي النفط والغاز يجب أن تحسن إدارة الانتظارات، فعليها توقع تأخيرات مطولة قبل الوصول إلى مرحلة الإنتاج وتكاليف عالية. كما يجب على المستثمرين الدوليين ألا يسيئوا تقدير التأخيرات المتوقعة والكلفة المرتبطة ببناء القدرات.
لدى أفريقيا الشرقية الفرصة لاستعمال موارد النفط والغاز الجديدة لتعزيز التنمية والاندماج الإقليميين وعدم تكرار أخطاء الآخرين. وعلى القيادة السياسية في المنطقة أن تظهر وضوح الرؤية وبُعد النظر عبر استخدام هذه الموارد بشكل استراتيجي لتحسين البنية التحتية بالمنطقة وزيادة تنويع اقتصادياتها والاستثمار في التعليم لتقليص الفقر وخلق اقتصاديات قادرة على المنافسة عالميا.