المقاومة العراقية وشرط استعادة الحاضنة الشعبية 2 / 2
كاتب الموضوع
رسالة
Dr.Hannani Maya المشرف العام
الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 61342مزاجي : تاريخ التسجيل : 21/09/2009الابراج : العمل/الترفيه : الأنترنيت والرياضة والكتابة والمطالعة
موضوع: المقاومة العراقية وشرط استعادة الحاضنة الشعبية 2 / 2 الأحد 16 مايو 2010 - 5:08
التفجيرات العبثية لا تخدم المقاومة بل تحيّد الشعب ما يجعلها وحيدة في مواجهة الاحتلال
</TD>
المقاومة العراقية وشرط استعادة الحاضنة الشعبية (2/2)
بغداد- العرب أونلاين- د. خالد المعيني: في وسط المعاناة تتجلى أهم مفاتيح الحاضنة الشعبية، فبمجرد أن يتم عكس المعادلة بمعنى أن "تخدم المقاومة الناس بدون مقابل وتتفادى الأخذ منهم" ويمكن هنا الإشارة لبعض من هذه المفاتيح: أولا- تقديم الخدمات لهم وتامين حياتهم وحماية أرزاقهم، وعدم تحويل مناطقهم إلى مناطق إفقار ومدن أشباح.
ثالثا- السعي إلى رفع مستوى معيشة الفقراء وتفقد أحوالهم دوريا والابتعاد عن ابتزازهم والتعالي عليهم، وإشاعة وتثبيت واجب تفقد المرضى والمشاركة في مآتم وأفراح الناس.
رابعا- تخفيف الحساسيات وحل المنازعات قبل ان تتطور من خلال الوجهاء والمتخصصين وإشاعة روح التسامح والتواصل.
خامسا- العمل وفق مبدأ التكافل الاجتماعي وتأسيس جمعيات لهذا الغرض لإعانة المعوزين والمعدمين ورعاية عوائلهم.
سادسا- تدعيم وتأسيس مراكز صحية مجانية خاصة في القرى والأرياف البعيدة وتشجيع المتطوعين من الأطباء والطبيبات الشباب للخدمة فيها تحت الوازع الإنساني أو الوطني أو الديني
سابعا- الاهتمام بقضية التعليم وحماية المدارس، والحرص على كوادرها وخاصة الشابة وتشجيعهم على تطوير أنفسهم وبذل مزيد من الجهود، وتوفير كل ما يلزم لاستمرار وظيفتها التربوية الوطنية.
سابعا - الاعتماد على نماذج مشرفة ومتعلمة من الوسط النسوي للإشراف على رعاية المرأة والمساعدة في حل مشاكلها وتقديم المشورة والنصح، ويجب عدم إغفال هذا القطاع لأنه يمثل نصف طاقة المجتمع.
عندئذ ستكتشف المقاومة أن عواطف هؤلاء الناس البسطاء المتفجرة عبارة عن قوة نفسية هائلة من الممكن أن تتحول إذا ما أجيد تعبئتها وقيادتها إلى قوة جبارة تدفع مشروع المقاومة بمراحل متقدمة إلى الأمام.
لقد حرث رجال المقاومة الفيتنامية الأرض مع الفلاحين البسطاء لمساعدتهم، وكانت لديهم تعليمات صارمة من قياداتهم بعدم تقبل شيء منهم دون دفع ثمنه، فكانوا يكفون أنفسهم بأنفسهم، لذا حارب السكان إلى جانبهم، وحملوا طوعا وقناعة كافة المساعدات الممكنة والمعقولة، ونقلوا التجهيزات وزودوا المقاومين بالماء والطعام، واعتنوا بالجرحى وساعدوا في تهيئة مراكز الهجوم وأخفوا المقاومين، وحفرت المقاومة الكمائن وزرعت العبوات ضد الجيش الأمريكي تحت أنظارهم، ولم يكن ذلك ليتحقق لولا جهود مضنية وطويلة في كسب الحاضنة وبسبب عمل سياسي دؤوب وخلاق.
إن روح المقاومة وفكرها لا يمكن أن تنبت أو تتجذر إلا في مناخ يتقبلها وبيئة مؤاتية وليست مجافية لها، ولكي تنطلق أية مقاومة وتضمن ديمومتها ومطاولتها، ينبغي التأكد من خلال الدراسة العميقة للميول والاتجاهات أن الشعب بات يراها ضرورة وحاجة لحل معاناته ووضع نهاية لمأساته، لان شعبا يرفض مقاومته يعني أن هناك خللا في هذه المقاومة وليست في الشعب، فالمقاومة عندما تنتصر في مكان ما ذلك يعني أن الشعب هو من انتصر وليس المقاومة ككيان مجتزأ، فهي جزء من هذا الشعب وهي إرادته الحية وليس العكس.
قد ينجح الاحتلال في مراحل متقدمة كما حصل في تجربة الاحتلال الفرنسي لفيتنام عندما قسم البلاد إلى ثلاث مقاطعات، أو كما حصل لاحقا عندما قسم الاحتلال الأمريكي فيتنام إلى دولتين وحرض سكان الجبال بعد أن خدعهم بوعود الاستقلال، ضد سكان السهول، ودأبوا على إثارة الشقاق بين الجماعات القبلية وحتى بين القبائل نفسها، وهكذا تقاتل البوذيون ضد الكاثوليك، ولم يكتفي الفرنسيون بذلك بل قاموا بإنشاء ثلاث طوائف جديدة في المجتمع، تناوئ الطوائف الموجودة أصلا، وتشجيع ومساعدة كل طائفة على تشكيل جيش خاص بها.
نفس التكتيك أستخدم في الجزائر حيث قام الفرنسيون بتقسيم البلاد إلى "مناطق معزولة" كانتونات، وإثارة البربر ضد بقية السكان.
في العراق حاول الاحتلال الأمريكي في السنوات الأولى من عمره، بالترغيب أو الترهيب لاسيما بعد أن أستشعر خطورة التصدي له في البداية بشكل موحد. من تمزيق النسيج الاجتماعي الوطني وتقسيم البلاد على أساس المحاصصة ** والعرقية إلى ثلاث مناطق، وتحفيز طوائف وأعراق جديدة للظهور تعميقا للانقسام والتناحر، و زراعة المخاوف وإيقاع الشكوك بين شرائح المجتمع العراقي، فأصبح أبناء كل مدينة أو محافظة لا يكترثون ولا يعرفون ما يجري في المدن أو المحافظات الأخرى.
مقابل ذلك تستدعي إستراتيجية المقاومة في الصفحة الاجتماعية السعي إلى مد الجسور وتقليص الفجوات بين أبناء الشعب الواحد وربط الشمال بالجنوب والوسط، عبر فعاليات مدروسة ذات طابع اجتماعي ووطني، فقد ينجح الاحتلال في تجنيد قوات حكومية ومحلية موالية ومتحالفة معه، ولكن ما لا يجب أن تسمح به المقاومة في أي حال من الأحوال، أن يحظى هذا الاحتلال، لفترة طويلة بدعم قطاعات معينة من الشعب، بعد خداعها وتخويفها والنفاذ من خلال ذلك لتمزيق النسيج الاجتماعي الوطني.
وعلى مستوى أداء الدور الاجتماعي يقع على عاتق شريحة الوجهاء وشيوخ العشائر وأمراء القبائل مسؤولية التصدي في هذا المضمار، وقيادة الجهود الحثيثة لرأب الصدع والشرخ الذي يسعى الاحتلال تعميقه والنفاذ من خلاله لإطالة أمد تواجده، وعلى قيادات المقاومة أن تولي هذه الشريحة اهتماما خاصا من خلال استمالة أكبر عدد منهم وتحييدهم.
ولنا أن نتذكر إن الرسول "ص" عندما دخل مكة فاتحا أعطى "أبو سفيان" أرجحية خاصة لمكانته الاجتماعية في قومه رغم إنه كان من أشد أعداء الإسلام "كل من دخل بيت أبو سفيان فهو آمن"، ويجب عدم خسارة هذه الشريحة في كل الأحوال لان من شأن ذلك ظهور نتائج عكسية وعواقب وخيمة في المجتمعات ذات الأغلبية العشائرية والقبلية، خاصة إذا ما ترك أمر التعامل مع هذه الشريحة والحاضنة الاجتماعية لأفراد قليلي الخبرة، ويجهلون الأبعاد النفسية وخصوصية العامل الاجتماعي وأبعاده ومدى أهميته.
إن هذه الشريحة في المناطق الريفية من الممكن أن تلعب دور محوري كصمام أمان للوحدة الوطنية وتماسك نسيجها الاجتماعي، والتخفيف من حدة الاحتقان والشحن الطائفي والعرقي الذي يؤججه بعض السياسيين الطائفيين لأغراض تخدم مشروع الاحتلال، وكذلك تستطيع هذه الشريحة في ظل ظاهرة الاحتلال وغياب سلطة الدولة من تصفية ومحاصرة آثار القتولات الكثيرة التي تحصل جراء الفتنة والانفلات وحالة الفوضى، وذلك عبر آليات وعادات وأعراف وتقاليد عميقة تعود جذورها لمئات السنين، هذه العادات والتقاليد التي تستقر عادة في الذاكرة الوطنية للشعوب وتعبر عن الوجدان الشعبي، تمثل خزين لا يمكن الاستغناء عنه في تمتين وتقوية النسيج الاجتماعي بما في ذلك إشاعة وتشجيع التراث الشعبي و "الفولكلور"، وتأسيس منظومة قيم وطنية شعبية تحتقر منظومة القيم الطارئة وأدواتها في المجتمع التي يحاول من خلالها الاحتلال مسخ وتشويه هوية الشعوب.
يمثل العقاب والتعسف والترهيب مفردات تشكل بمجموعها سلاحا خطيرا ذو حدين، يحاول كل من طرفي الصراع، المقاومة والاحتلال، توظيفه بالاتجاه المعاكس في معادلة الشد والجذب بينهما، لكسب الحاضنة الشعبية أو تحييدها على الأقل، وتعد هذه الآليات من الخطورة والحساسية بمكان بحيث يجب توخي الحذر وأن لا تترك بيد المبتدئين أو المنفذين أو رجال الدين، من دون الاستناد الى دراسة معمقة وتحليل، فالفقر يشكل أسوا أنواع العنف، ففي الوقت الذي تشكل فيه قسوة الاحتلال وظلمه وانتهاكات حقوق الإنسان وتشريد المواطنين، وقطع أرزاقهم أعظم محرك لروح الممانعة والمقاومة، فمقابل كل ضحية للاحتلال أو معتقل برئ، ستكون هناك عائلة مقاومة تكره الاحتلال وترغب في الانتقام منه.
وإذا كان الاحتلال يستخدم القوة العسكرية والقهر والقسوة والبطش والاعتقالات كأدوات للسيطرة والهيمنة على الشعوب وهي أدوات كثيرا ما تنتج ردود أفعال تعمل في صالح المقاومة، فإنه في المقابل لا تقل قضية التعامل مع هذا الملف خطورة في ضفة المقاومة وتأثيرا في مقدار رضا وقبول الحاضنة الشعبية أو نفورها، فهناك فرق كبير بين أن يحب الناس المقاومة فيحترمونها قناعة ويرونها حاجة، وبين أن يخافون منها تحت الخوف والقسر.
إن المبالغة في إنزال العقوبات بالآخرين وابتزازهم تحت مختلف الذرائع في المناطق الخاضعة للمقاومة، سيؤدي بما لا يقبل الشك وبالتراكم إلى تنامي الشعور بالكره والرفض وعدم الارتياح في هذه المناطق، ويقلل من التعاطف، وقد يحفز مع الزمن على تنامي مشاعر سلبية مكبوتة تهيأ فيما بعد لنوع من "الردة المضادة" ضد المقاومة، كما إن ردود أفعال المعاقبين قتلا أو من خلال إقامة الحد بالجلد أو الاهانة على يد شباب أحداث وصبية ضد وجهاء القوم سيكون له أسوأ العواقب، ولا يمكن التحكم بالنتائج النفسية لذلك وكثيرا ما تخلف رغبة في الانتقام والثأر، قد يعبر عنها بأقرب فرصة سانحة بالتعاون مع الاحتلال، أو تقديم المعلومات له عن تحركات المقاومة مما يشكل خرقا كبيرا في الحاضنة الشعبية.
وفي التاريخ الإسلامي لنا أن نستفيد من درس مهم في هذا السياق، ونرى كيف تصرف الرسول محمد "ص" في مثل هذه الحالات، كيف تصرف مع "إبن سلول" الذي أسهب القرآن في ذكر نفاقه وخذلانه المسلمين في معركة أحد، وغير ذلك مما يستوجب أشد العقوبات على هذه الأفعال وفي مقدمتها القتل، فكيف تصرف الرسول "ص" وماذا قال: "لا، حتى لا تقول العرب إن محمدا يقتل أصحابه".
كذلك نجد في التجربة الفيتنامية، حرصا شديدا من قيادتها على تفادى السماح أو التساهل في معاقبة المخالفين بما في ذلك الرافضين لنهج المقاومة، بل حتى الجواسيس إلا في الحالات القصوى وفي أضيق الحدود ووفق ضوابط معقدة، فقد تعاقب جاسوسا لإخافة وتحييد مئة جاسوس، وكانت لا تبالغ في العقوبات وتعتبر دماء الناس خطا أحمرا، فالأصل هو كسب ود الناس وقلوبهم من خلال التضحية في سبيلهم وخدمتهم والتسامح معهم.
هذه المقاومة التي توج جهدها التحرري بالنصر المؤزر على الاحتلال الأمريكي نتيجة حكمة قيادتها وشدة انضباط أفرادها ووضوح خطها السياسي، أدركت في وقت مبكر أهمية الحفاظ على الحاضنة الشعبية، وكانت تعتبر عمل الإقناع والنصح والتوجيه لا يقل خطورة عن تأثير ونتائج العمل المسلح، إلى الحد الذي كانت تسمح في بادرة جديرة بالاهتمام والدراسة لضباط ومراتب القوات الحكومية الموالية للاحتلال بزيارة عوائلهم داخل المناطق الخاضعة لسيطرة المقاومة عند الإجازات والأعياد كمواطنين، وتمكنت بفضل ذلك كما تشير المصادر الأمريكية من كسب وتحييد ما يقارب "160 ألف" عسكري، ما بين متعاون معها أو هارب من الخدمة، حصل ذلك نتيجة تأمين عوائل هؤلاء العسكريين وعدم الانتقام منها، ونتيجة المعاملة الحسنة التي تلقتها هذه العوائل، الأمر الذي انعكس إيجابيا على نفوسهم وفي طريقة تعاملهم ونظرتهم إلى المقاومة وأهدافها وسلوكياتها النبيلة.
لذا تأتي أهمية التدقيق والتأني في انضمام العديد من الأفراد إلى صفوف المقاومة وخاصة أولئك الذين يفتقرون إلى الحد الأدنى من الوعي السياسي لأهمية عمل المقاومة وأهدافها السياسية التي تكمن خلفها، فتفقد المقاومة عندئذ أهم ميزة لها وهي ميزة القدرة بالمناورة النوعية القليلة المؤثرة مقابل العد الكبير المترهل للعدو، كما إن هذه الأعداد غير الواعية وأحيانا النماذج السيئة والطاردة لا يمكن ضمان ولائها وعدم انقلابها على طول الخط، وقد تستدعي الحاجة في بعض المراحل الاستعانة بهذا النوع من الأفراد المقاتلين بمهام محددة على أن تكون حصرا في العمليات العسكرية ضد الاحتلال.
إن حقل التعامل مع الحاضنة الشعبية لا يحتمل أية مجازفات أو تجارب فاشلة، فالتعامل في الوسط الشعبي أمرا بالغ الخطورة والحساسية، ويتطلب الاستعانة بخيرة الشخصيات في المجتمع ليكونوا بمثابة سفراء للمقاومة يحظون بالاحترام والتقدير على أن يكونوا ممن يتصفون برقة المشاعر، ونقاء الضمائر، وصفاء القلوب، وبخلق رفيع، وطاقة في تحمل الآخرين، وتواضع جم. تتكامل هذه الشريحة من حيث النتائج مع العمل العسكري، ولكن لا توجد لها أي علاقة مباشرة به.
وكلما كان العمل العسكري غير مرئيا ومستترا بعيدا عن مظاهر الاستعراض والظهور كلما كان أكثر ردعا وتهديدا وهيبة.
خلاصة القول إن كسب الحاضنة الشعبية وتحصينها تعد شرطا لا غنى عنه في التحضير للعمل السياسي وتبلور الخط السياسي الواضح، الذي يعد بدوره شرطا لانطلاق العمل العسكري للمقاومة والذي يعتبر محصلة ونتيجة، وقد يحصل تداخل ما بين هذه المراحل أو تعاون وتبادل أدوار في بعض المراحل، إلا إن حصول أي خطا في تسلسلها، قد ينتج عنه عملا عسكريا هنا أو عملا سياسيا هناك، ولكنه حتما لن يكون عملا منظما قائما على الاستمرارية والمطاولة والنفس الطويل وهي أهم ركائز تحقيق النصر.
Alarab Online. All rights reserved.
المقاومة العراقية وشرط استعادة الحاضنة الشعبية 2 / 2