السماح بالشر ! يتساءل البعض : ـ لو كان الله قادراً .. لغلب الشر ومنعه ؛ فإما أن الله غير صالح .. أو إما أن الله غير قادر ؟؟ * أولاً... ما هو الشر؟ هل الشر له كيان حقيقي في ذاته ؟ إن الشر هو غياب الخير .. كما أن الظلمة هي غياب النور ... والشر هو كسر نظام صحيح .. فكلمة خطأ أو خطيئة .. لا تفهم إلا على خلفية الصح والحق . الشر يشبه العطب الذي يصيب أي جهاز .. أو التسوس الذي يصيب الأسنان السليمة .. أو الصدأ الذي يأتي في سيارة مفيدة . إذاً لا وجود للشر بذاته ، ولا وجود له بمعزل عن الخليقة الحسنة أو عن الخير . الشر هو إضطراب في طبيعة الأمور الجيدة أو السليمة وليس له كيان حقيقي في ذاته . * ثانياً ... كيف يتفق على اعتبار الشر أنه شر؟ بأي معيار أو مقياس يجمع البشر على سلوك أنه شر؟ حين يسافر الإنسان في أي مكان في العالم يجد أن هناك أموراً ثابته تدعى شراً .. أو مرفوضة .. أو يحاكم عليها الإنسان أياً كانت عقيدته أو ديانته أو حتى علمه . فالقتل والسرقة والغش .. يجمع البشر عليها أنها شر، معنى هذا أن هناك مرجع أخلاقي واحد ، أو خلفية موحدة أجمع الكل عليها مهما أختلفت ثقافاتهم . وكأن وجود الشر نفسه شهادة لوجود الله .. وهو دليل على وجود مصدر واحد للمعرفة الإنسانية وتحديد الخير والشر .. أو ما نسميه الضمير الإنساني الذي مرجعه الله الخالق . * ثالثاً ... كيف يوجد الشر؟ الشر أساساً هو صناعة الإنسان بتأثير قوى الشر ( الشيطان ) ، وهذا هو الإعلان المسيحي من البداية .. أن الشر دخل إلى العالم بحسد إبليس وبتواطئ حواء وآدم مع الحية ... وهنا لا يجب أن يتهم الله أنه مصدر الشر .. لأن الله مصدر الخير والنور والجمال والحق .. ولكنه بسبب إرادة الإنسان الحرة سمح الله بوجود الشر . وقصة سفر التكوين .. تظهر الشر أنه كسر لوصية الله .. أو خروج عن خطة ومشيئة الله .. وهذا ما يحدث إلى الآن في حياة البشر . وقد يتساءل البعض .. أما كان من الأفضل أن يخلق الله بشراً لا يخطئون ؟ والإجابة .. ما أسهل هذا، ولكنهم لن يكونوا بشراً .. لأن ما يميز الإنسان هو الإرادة الحرة العاقلة .. وإذا حرم الإنسان من إرادته .. فما أشبه بإنسان آلي يتحكم فيه صاحبه .. أو عرائس يحركها بأصبعه .. هل تستطيع هذه الأشياء أن تبادل الله الحب ؟ّ ! الله خلق الإنسان على صورته ومثاله ليتمتع بالحب ويبادله الحب ، ولا يأتي الحب بدون إرادة حرة واختيار شخصي. فهل هناك علاقة حقيقية بين إنسان ... وآلة .. أو لعبة ؟ ! أما عن الكوارث الطبيعية والحروب والمجاعات فكثير منها أيضاً هو نتاج قسوة الإنسان وأنانيته أو إهماله وتحديه للقوانين الطبيعية . فالحروب .. هي تسلط البشر على البشر ... وطغيان الإنسان وكبرياؤه ومحاولته إستغلال الآخرين . والمجاعات .. قد يسهل التعامل معها لو أتحد العالم كله ووزع الخير على الكل سواسية .. فالعالم بما فيه من خيرات يكفي فقراءه أضعافاً ويفيض . وقد تكون الإختراعات الحديثة وتلويث البيئة هي التي تتسبب في ثورة الطبيعة وإختلال نظامها المحكم . أن عالمنا الحاضر .. ليس هو أجمل عالم نعيش فيه .. ولا هو منتهى الأمل .. وإنما هو الطريق الضيق للعبور إلى العالم الأجمل الباقي .. عالم بلا شر .. هو الحياة الأبدية . الشر الذي صنعه إخوة يوسف الصديق بيوسف .. كان سبباً في خير عميم له ولأسرته وللعالم كله حينئذ . " أنتم قصدتم لي شراً أما الله فقصد به خيراً لكي يفعل كما اليوم ليحيي شعباً كثيراً " ( تك 50: 20 ) . · الظلم الذي قاساه المسيح .. صار خيراً لكل البشرية عبر كل العصور .. وخلاصاً وأبدية لكل من يؤمن به . " لأنى لست أستحي بإنجيل المسيح لأنه قوة الله للخلاص لكل من يؤمن " ( رو1: 16) . ظلم اليهود والرومان لبولس الرسول وسجنه في القرن الأول كان سبباً لكتابة عدد من الرسائل التي صارت ثروة للكنيسة لكل الأجيال . والسؤال الأخير : ـ لماذا لا يكون الشر مجرد خدعة أو وهماً .. وليس حقيقياً ؟ بعض الناس يعتقدون أن الشر والألم والموت ليس إلا مجموعة أوهام بعيد عن الحقيقة ... ولمثل هؤلاء الناس نقول : ألا تحتاجون إلى أطباء عند المرض .. ألا تلبسون نظارات طبية ؟ ألا يغلق مثل هؤلاء الناس بيوتهم بحكمة عند سفرهم..تفادياً للسرقة ؟ ألا يحذرون أطفالهم بالبعد عن الكهرباء والنار والأشياء الساخنة أو المضرة .. ؟ أن إنكار وجود الشر والألم هو ضرب من الخيال والفلسفة البعيدة عن الواقع ... لأننا نشعر بالألم ونراه ممثلاً في جراحات البشر ودموعهم .. كما نصطدم بالشر ونخاف منه ونحاربه .. في حياتنا وأولادنا ومن حولنا .. فلا يمكن أن يكون الشر وهماً .. * إذاً ... الله صالح ... والشر موجود .. إلى حين .. حتى يلجأ الإنسان لله دائماً .. الله قادر .. والشر موجود .. إلى حين .. حتى يزيله الله تماماً . .الله محب البشر .. والشر موجود .. إلى حين .. حتى ينتصر الله ويخلص الإنسان .. ** إذاً .. وجود الشر لا يتعارض مع الله القادر الصالح محب البشر .. * مـن طرف الأخ الشّماس فريد يوسف *