في الشام صوت نسائي رائع لا زال حبيس الانتشار الضيّق، يمتلك مواصفات تؤهله لتبوؤ منصة الغناء الاصيل. ميدل ايست اونلاين بقلم: زيد الحلي
ماتت ام كلثوم قبل اكثر من ثلاثة عقود ونيّف...ومات معها صوت الطرب الذي آلفه العرب واستذاقوه وطربوا له ومنّه، لأكثر من خمسين عاما...!
ماتت "ثومة" وبموتها، انفتحت الستارة لنشاهد ونستمع للمئات من الاصوات التي حاولت ان "تدجّن" الآذان العربية على سماع "التقليد"..وبعضها حاول السعي لإيجاد مكان، يصطف فيه، دون جدوى، حتى دبّ فينا اليأس..والحق معنا في ذلك فصوت ام كلثوم لا يعوّض..هو جوهرة عثر عليها الزمن لمرة واحدة وإكتفى!
واستمر الحال، واكتفينا مرغمين، بإعادة سماع ام كلثوم من خلال تسجيلاتها، وآمنّا أن هذا الصوت لن يتكرر وهو إيمان صادق.
غير أنني، سمعت، مؤخراً إن هناك صوتاً، حباه الله بانسيابية قريبة من صوت ام كلثوم...ولم أعر اهتماما، لهذا السماع.
لكني في جلسة، صفاء اعتدت عليها مع صديقي الفنان "جواد الشكرجي".. وأثناء طقوس المبدع الشكرجي المتمثلة في إلقائه المتميز الرائع للشعر وخصوصاًً أشعار الجواهري والسياب وعبد الرزاق عبد الواحد والتي نعتبرها "ملح" جلسات الصفاء تلك، قال الشكرجي في معرض نقاشنا حول أهمية الإلقاء في إيصال الالق الشعري، إن للصوت شأناً عالياً في هذا المجال، ثم عرج للحديث عن الاصوات التي غيّبها الموت، واستطراداً ذكر أن في الشام صوتاً نسائياً رائعاً لا زال حبيس الانتشار الضيّق، يمتلك مواصفات تؤهله لتبوؤ منصة الغناء الاصيل..صاحبته تحمل اسم "لميس خوري".
وانتهى حديث الصديق، لكن طلباتنا منه بالمزيد من إلقاء الشعر...لم تنته!
وتدور الايام...وفي لقاء أخر، أبلغني الشكرجي، بأن الصوت الذي كان قد أشار اليه في حديثه السابق، حظي بإعجاب المختصين بالتخت الشرقي وبالغناء العربي الاصيل في تونس وتثمينهم.
وقد دعيت "لميس خوري "على أساس ذلك الى تونس وقدمت فقرات وقصائد كلثومية، نالت الاعجاب ونالت شرف الغناء في "قرطاج" وغيرها من المسارح واشادت بها الصحافة في القطر الشقيق.
وعندما استوضحت من صديقي الشكرجي عن إمكانية سماع هذا الصوت، وانا يائس من إمكانية وجود ما يوازي ما تربّت عليه ذائقتي الفنية منذ سنوات صباي وحتى الان، قال مبتسماً: ستسمعها قريبا جداً.
ولم يطل الوعد، حتى كانت "لميس خوري "ضيفة أمسية غنائية راقية، أقامها المنتدى الثقافي العراقي في دمشق. غنت وأطربت للحد التي ذرفت فيه دموع معظم الحاضرين...صوت فيه إحساس عال في النغمات وفي القرارات والجوابات..هي تغني لنفسها حتى تطرب ذاتها...تماماً مثلما نشاهد ام كلثوم في حفلاتها المسجلة تلفزيونياً.
ربما، يزعل البعض من هذا التشبيه، ولهم الحق في ذلك، فقد كنت مثلهم تماماً، قبل ان أسمع..."لميس خوري" وأؤمن بأن مشيئة الله قادرة على خلق الأعاجيب.
لقد كان، أساي في أعلى درجاته قبل أن اسمع الصوت الكلثومي لأنني، قبل ان أسمعها كنت مقتنعاً بأن أصوات الزمن الجميل لن تعود..وكنت اردد ما قرأته لابن خلدون يوما: ان اول مظاهر انحدار حضارة هو انحدار أغانيها.
شكراً للمنتدى الثقافي العراقي بدمشق الذي أسمعنا..لميس خوري!
لكن، آذاننا لم تشبع من هذا الصوت، فعقدنا العزم على سماعها من جديد وكان حكمنا في تقييم صوت "لميس خوري" الشاعر الكبير عبد الرزاق عبد الواحد.
وفي مساء دمشقي بارد، توجهنا الى حيث تشدو "لميس" كان شرط محكمنا الشاعر الكبير ان يمضي ساعة واحدة او أقل في الاستماع، كون السيدة حرمه "ام خالد "كانت ترافقه، وافق الجميع على الشرط...وبدأت المطربة بغناء "الاطلال" ثم "الحلم" وبعد ذلك "الامل" و"سلوا كؤوس الطلى" و"ليلة العيد" و..و..حتى أزفت ساعة الفجر والمحكمان يطالبان بالمزيد!
وفي لفتة حضارية، قام الشاعر الكبير من مكانه ليصافح المطربة الشامية، مهنئاً ومباركا الصوت الكلثومي وسط تصفيق حار أعقبه بيت شعري نظمه من وحي صوت "لميس خوري "وسط اندهاش السيدة!