نحن بصدد قَوْلَبَة القداس؟! / زاهر عبد اللطيف جمي

هل نحن بصدد قَوْلَبَة القداس؟!


زاهر عبد اللطيف جميل (شماس رسائلي)

ما حَذته كنيستنا المقدسة في ابرشية الموصل الكلدانية بخصوص توحيد طقس القداس الالهي، كان بمثابة الخطوة الاولى على طريق وحدتها في تعبيرها الايماني واحتفالها الطقسي بعيداً عن اي تفّرد قد يتطور الى بدعة لا يُحمد عقباها من جهة، وإشراك المؤمن البسيط (باعتباره شاهداً ومدعُّواً الى الوليمة المقدسة) في فقرات القداس تجّنياً لانزوائه- اي المؤمن- في زاوية بعيدة قد تفصله عن فهم وعيش الدالة التي يبتغيها الله له، وهي القداسة، وبنفس الكلمات والحركات والرُتب من اجل تجديد وحدة المؤمنين بالجسد الواحد الذي رأسه الرب يسوع المسيح من جهة اخرى.



بطبيعة الحال لستُ بصدد الكشف عن سلبيات الواقع بقدر ما ارغبه فعلاً في الوقوف على ما قد يؤثر فعلاً بعملية تقّبل المؤمن البسيط (وحتى المُنزّوي لخدمة الكنيسة) لسير مراحل القداس بنحوٍ جامد غير روحي. وكثيرة هي الانتقادات بهذا الخصوص رغم محاولة الكنيسة لتفسير ما يتركب منه الطقس المتّبع للقداس الالهي من رُتَبٍ وتبسيطها، لا بل وإشراك المؤمنين بمجريات احداث القداس منذ بدايته حينما يبشر الملائكة الرعاة بميلاد المسيح (المجد لله في العُلى...) ولغاية الوعد بالروح القدس والدعوة الى تلمَذة العالم باسم الاب والابن والروح القدس. وكيما لا تنحصر الرتبة بين الكاهن المحتفل والشماس وكأننا في نزال او تسابق للأصوات والمقامات وما الى ذلك من فنون.
ولان القداس بمجمله انما هو سرد لحياة المسيح من مولده ولغاية موته على الصليب وقيامته، لذا وجب على "المؤمن" ان يُرافق المسيح في مراحل حياته وصولاً الى تحّول الشخص من مجرد خاطئٍ يائس الى مؤمنٍ، لا بل الى رسولٍٍ مبّشِر. وعلى الكاهن المحتفل ان يَعي بأيمان كامل هذه الحقيقة المبتغاة من اقامة الذبيحة الالهية.
قد يكون الواقع مائلاً الى درجةٍ ما عن ما يُفترض به ان يكون وبكل اسف. فالصلوات والرُتب والرموز والحركات الموجودة في ثنايا القداس لم تكن وليدة الصدف او الترتيب المقصود. بأعتقادي البسيط انها كانت تلقائية نابعة من قلب وروح جماعة العُلِّية الملتئمين بفرحٍِ وشوق لصنع ذِكر يسوع حول وكيله (الاسقف او الكاهن).. فكان ما يتلوه من كلماتٍ بسيطة تحملُ كمٍ من الحب والإيمان الصادق، هذه الكلمات التي لربما بعد زمنٍ ما تم كتابتها وتدوينها وصياغتها وجمعها وتلحينها ومن ثم ترتيبها لتصبح جاهزة لنا نحن اولاد اليوم، اذ ان توالى الاجيال وسوء تسليمها اثَّر في روحانيتها على يد وأفواه بعض خُدّام المذبح، فلم تُعّد تُتلى بتلك الصبغة الاصيلة التي اصطبغت بها عندما كان آباؤنا يصدحون بتضرعاتهم في ديجور دياميس الارض وكهوف جبالها خوفاً من الاضطهاد والقمع.
ان القداس ليس مجرد حضور وقضاء وقتٍ محسوبةٍ دقائقُه. فالقداس هو استعداد وتأمل ويَقَظة وعمل ومعصرة وتكليل. وكما ان على الكاهن المحتفل والشماس والجوق تقع مسؤولية انعاش هذه الرُتبة المقدسة، على المؤمن ان يتحلى بالحرارة والروحية وجاهزية المشاركة.
بالتأكيد حضور القداس الذي يسبقه يومٍ من العمل والجهد وعدم الراحة وكثرة المشاكل، لن يأتي على اي احدٍ بالفائدة المرجوّة... وهي بالمحصلة معاينة ومرافقة يسوع المسيح.
بالحقيقة، باتت مسؤولية التوضيح التي كانت ملقاة على عاتق الكاهن المحتفل واعتقاده ضمنياً ان الجميع قد فهموا حقيقة القداس- باتت- تتضاءل نسبياً سيما مع محاولات الكنيسة الحثيثة وتوصياتها بهذا الخصوص، وهذا امرٌ ايجابيٌ وبنّاء.
فكنيسة اليوم تقُر بأن ليس الجميع قد فهموا او ادركوا حقيقة القداس وباقي الاسرار، وهذا ما يجعل كنيستنا ان تكون محط اهل البدع والحركات المحاولين كسب الانسان البسيط بأيمانه.
ختاماً، أُلفت نظر مَن يهمه الامر الى مسألة التجديد- لا التغيير- في ما طلبه يسوع من تلاميذه في العشاء الاخير حينما قال "اصنعوا هذا لذكري"