يحاول المخرج البصري بهاء الكاظمي في فيلمه السينمائي القصير الثالث بعد فيلميه الاخيرين "الموت شرقا، و"أقدام تشنق الورد"، ان يسلط اضواء كاشفة على معاناة المرأة المشتغلة في مجال الفن، من الحيف الذكوري في مجتمع محافظ ومغلق كجنوب العراق، مستعينا ببيئة مدينة البصرة التي تردى حالها اجتماعيا من حاضرة مدنية الى واحدة من المدن المختطفة الى سجن "العقال" و"العمامة"، عبر فيلمه التي يتم تصويره الان استديو مغلق تحت العنوان الاستفزازي لـ"الرجال فقط".
تجربة الكاظمي تأتي في سياق تجارب السينما العراقية الجديدة، والتي تبشر بولادة تيارين بارزين فيها، هما تيارا بغداد الاكثر انفتاحا وانتاجا ومشاركة، وتيار البصرة الذي يعاني عقدة الهامش المغيب بفعل عوامل اخطبوطية تضرب قريبا وبعيدا في خاصرة الخروج من المحلية المناطقية، فالتيار السينمائي البغدادي صار له مخرجين وافلام ومشاركات وجوائز، فيما ظل التيار البصري يراوح على اسم واحد يتيم هو الكاظمي وفريق عمله المكرر في كل عمل، لقلة المشتغلين سينمائيا في المدينة.
"للرجاء فقط"، والذي يصفه الكاظمي بـ"الفيلم التجريبي" يجمع ما بين "تقنيات السينما والمسرح و... الواقع"، في انه يوظف اساليب السينما بدمجها بتقنيات العرض المسرحي من حيث الاداء والسينوغرافيا، لينتقل في مفصل اخير الى الحياة الواقعية.
وعلى طول الفيلم الذي تجري صناعته الان، يناور الكاظمي كما يقول في حديث لـ"العالم"، على "فكرة الانقلاب وتهديمها"، ويلفت الى ان "ادوار النساء الخمس، ما هي الا ادوار مرسومة وضعها رجل ما، كسيناريو مسرحي لعمل يتضاد مع الحياة الحقيقية التي تعيشها تلكم الممثلاث".
الفيلم يتمحور على محاولة خمس نساء ممثلاث يعملن في مجال "المسرح" يتخذن من فرصة غياب مخرج العمل "الرجل" فرصة للقيام بأنقلاب صغيرعلى سلطته، كتعبير عن حلمهن بإنقلاب "كبير" تقوده المرأة ضد الهيمنة الذكورية.
تحاول الممثلات الخمس، بعضهن يقف للمرة الاولى امام الكاميرا، التخلص من هيمنة "المخرج – الرجل" واقصاءه وتهميشه لطاقاتهن، وابراز شخصياتهن المختلفة عن بعضهن والتي تغيب تماما في نص الرجل خلال "المسرحية".
وفي سياق الفيلم، تحرض اكثرهن حماسا لضرورة التحرر على "الرجل المخرج"، لتدفع بالاخريات الى ذات الخيار الصعب "الانقلاب" على مضض، ليطالبن بحقوقهن بجلسة مغلقة سرية في كواليس المسرح، فتبرز خلفهن سينوغرافيا صممت للمسرح يوظفها الكاظمي لصالح عمله السينمائي.
اداء الممثلاث، يحافظ على نمطية تفكيرهن، واسلوبية التعبير المكرورة، والتي يقول عنها الكاظمي انها "عبارة عن خطابات رنانة، ومرة اخرى غناء ورقص، ومرة يلجأن الى البكاء".
يريد الكاظمي في عمله، ان يبتعد عن فخ نمطية تمثيل الذكورية بـ "الصنم"، لكنه لا يجد بدا من توظيف "مانيكان" – دمية عرض الازياء – كخصم لدود للنساء الخمس، اللواتي يتخيلنه رجلا حقيقيا يمثل الذكورة بالاطار الرمزي العام، و"الرجل المخرج" في الاطار الرمزي الخاص، فيواجهنه بغضبهن، وثورتهن عبر محادثة افتراضية في جلسة اجتماع او استجواب اشبه بالرسمي، وكانهن في "برلمان نسائي مصغر"، ليصلن بنهاية فورتهن "الكاذبة" الى قرار "الانقلاب" الذي يسقط فورا برنة هاتف صاحبة الفكرة الثورية المتحمسة، ومحادثة حقيقية مع زوجها الذي يوبخها على جانب الاخر من الحياة الواقعية، فيقمع "الانقلاب".
فكرة توظيف المانيكان التي حاول الكاظمي ابرازها كواحدة من ادوات المسرح الذي تعمل فيه الممثلاث الخامسة، ربما كررت خلال العامين الماضيين، في مسرحية "مانكيان" لفرقة ابراهيم جلال البصرية والتي اخرجها المبدع خالد السلطان، ومسرحية "مطر صيف" والتي قدمها المخرج كاظم النصّار على خشبة المسرح الوطني، كما ان فكرة الممثلاث الخمس، تتقارب مع فكرة رواية للروائية العراقية الهام عبد الكريم والتي عنونتها بـ"اخصاء".
تقنيا، وبحسب الكاظمي، فان فيلمه "للرجال فقط" سيكون اول فيلم محلي يتم تصويره بمواصفات فنية عالمية، بكاميرا سينمائيةfull HD ، full frameوكذلك الصوت الذي تم تسجيله بمعزل عن الصورة بطريقة احترافية عن طريق شركة متخصصة، اضافة الى اسلوب الاضاءة المبتكر في هذا الفيلم.
ويكشف الكاظمي ان "عملية تدريب الممثلاث استمرت لاكثر من 45 يوما، فيما استغرقت فترة الاعداد للفيلم اكثر من 90 يوما"، مبينا ان "الفيلم ضم اكثر من 35 فنيا وتقنيا واداريا، اغلبهم من المحترفين واساتذة الجامعة".
ويشدد على ان "كادر الفيلم جميعهم من البصرة باستثناء مدير التصوير علي جاسم من بغداد، اضافة الى ان الكاميرا والعدسات وبعض اجهزة الاضاءة استؤجرت ايضا من بغداد"، موضحا ان "الموسيقى التصويرية الخاصة بالفيلم وضعت من قبل شركة متخصصة وكوادر فنية محترفة ابرزهم مهند الكطراني وعلي هاشم وحسين عبد الباقي وعلي الشلش واخرون".
وينوه الى ان "السينوغرافيا الخاصة بالعرض المسرحي المفترض في الفيلم تم تصميمه بعناية فائفة وفق روئ فنية عالية للفنان المسرحي الدكتور ماهر الكتيباني والفنان التشكيلي الاكاديمي وصفي فالح".
وينفذ العمل كاست اخراج محترف الى جانب بهاء الكاظمي مؤلفا ومخرجا، ومساعد مخرج اول، ومساعد مخرج ثان، ومساعد مخرج ثالث، ومخرج منفذ، ومن المؤمل المشاركة في الفيلم في المحافل العربية والدولية ابتداء من نيسان المقبل.
الفيلم من انتاج جامعة البصرة، متمثلة بقسم الاعلام والعلاقات العامة، فيما الجهة المنفذة ستكون كلية الفنون الجميلة بالتعاون مع مديرية التربية الرياضية والفنية.
وفي تفصيل سيرة الكاظمي، هو من مواليد البصرة 1979، يعمل في مجال التلفزيون منذ عام 2005، دخل الى عالم السينما عن طريق الافلام الوثائقية ابرزها فيلم "النوخذة" وفيلم "هنا يرقد المطر"، ومن ثم الى الافلام الروائية عن طريق فيلمه القصير "الموت شرقا" الذي تم انتاجه عام 2010 وحصل على عدة مشاركات عربية ودولية ابرزها مهرجان الخليج السينمائي في دبي، ومهرجان بنك السينمائي في بريطانيا.
البصرة تصنع أفلامها.. المخرج بهاء الكاظمي فـي ثالث تجاربه السينمائية «للرجال فقط»
من هنا 
من هنا 
من هنا 
الإثنين 18 فبراير 2013 - 9:55
