الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 21916مزاجي : تاريخ التسجيل : 25/01/2010الابراج :
موضوع: ♱ رســـائل القدّيس پولـس ♱ الجمعة 8 مارس 2013 - 21:39
رسائل القديس پولس : كان من الممكن أن نلقي ضوءاً على شخصية پولس ، إنطلاقاً من الأوساط المختلفة التي تأثّر بها : عالم الشتات ، الفريسيون ، الجماعة المسيحية يا إنطاكية ... ولكننا سنتوقّف عند عالم الكنائس التي أسّسها پولس في العالم الوثني . أخذنا بهذا الخيار لأننا تحدّثنا سابقاً عن الأوساط التي ساعدت على تكوين شخصية پولس ، ولأننا سنعود إلى بعض منها حين نورد سيرة الرسول. أما الآن ، فنحصر حديثنا في نشاطه داخل حياة الجماعات . أ - معلومات أعطاها پولس : توزّعت هذه المعلومات في رسائله . فپولس يكتب لا ليعطينا معلومات ، بل ليردّ على أسئلة خاصة طرحها عليه المسيحيون ، أو ليواجه أحداثاً هامّة تبلبل الجماعة ( اضطهادات، خلافات ) . أما والأمر هو هكذا ، فإننا نجمع المعلومات المتفرّقة في أربعة مقاطع : أين غرست هذه المجموعات ؟ كيف نمت هذه الكنائس ؟ كيف بدت هذه الكنائس ؟ ما كانت آهتماماتها ؟ 1 - أين غرست هذه الكنائس ؟ غُرست أول ما غرست في الحواضر الكبرى ، في المدن . حين يوجّه پولس كلامه إلى جماعة فهو يتحدّث عن حاضرة . يتكلّم عن كنيسة كورنتوس (1 كور 1: 2؛ 2 كور 1: 1) ، عن كنيسة تسالونيكي ( 1 تس 1: 1) ، عين كنخرية ( روم 16: 1 ) . وحين يوسّع نظره ليمتد إلى مقاطعة ، يستعمل صيغة الجمع . يتحدّث عن كنائس غلاطية ( غل 1: 2 ) ، عن كنائس آسية ( 1كور 19:16 ) . ماذا نفهم من كل هذا ؟ إن الجماعات الپولسية الواقعة في القسم الشرقي من الأمبراطورية الرومانية ( تركيا الحالية ، اليونان ) ، هي كنائس مدينة . واسم هذه المدينة أفسس أو تسالونيكي أو فيلبي أو أثينة ، أو كورنتوس . صارت هذه المدن عواصم مقاطعات الامبراطورية فضمّت شعباً كثيراً ( نصف مليون في كل من كورنتوس وأفسس ) . وعرفت حياة من البذخ والرخاء وامتلأت بالأبنية الجميلة مثل الهيكل والمسرح والقصر. كما كانت مراكز ثقافية فعرفت المدارس والجامعات . وهكذا اجتذبت عدداً من السكان طالبوا بشرف المواطنية . عاش المسيحيون في هذا المناخ ، فافتخروا لا بمواطنية أرضية ، بل لأنهم ينتمون إلى كنيسة كورنتوس أو أفسس ... أما المقاطعة فهي جزء من إدارة الأمبراطورية . هي تجمع بشكل متراخٍ عدداً من الحواضر المهتمة باستقلالها وسيطرتها على الأرض التي تخصّها . هذا ما يعبرّ عنه پولس حين يتحدّث عن كنائس آسية أو مكدونية أو أخائية . 2- كيف نمت هذه الكنائس ؟ يبقى الجواب على هذا السؤال دقيقاً . فپولس لا يعطينا أرقاماً ولا أعداداً . غير أن هذه الجماعات لا تبدو كبيرة . فبعضها يجتمع في منزل خاص . في بيت غايس تجتمع كنيسة كورنتوس ( روم 23:16 ) . وفي بيت اكيلا وبرسكلة تجتمع كنيسة أفسس ( 1كور 16: 19 ) . وفي بيت فيلمون تجتمع كنيسة كولسي ( فلم 2 ) . وإن افترضنا أن هناك عدداً من البيوت يلتقي فيها المسيحيون ، لن يكون في المدينة أكثر من مئة شخص . فإذا قابلنا هذا العدد بسكان مدينة كورنتوس مثلاً ، كان نقطة ماء في البحر . ومع ذلك، فهذه الجماعات تهتم بالرسالة . بعثت بالمرسلين إلى العالم المجاور. أرسلت پولس وبرنابا ( أع 13: 1- 7 ) . أرسلت أبلوس وسيلا وتيموتاوس ، فغرسوا الإنجيل في حواضر جديدة . يستعمل هؤلاء المرسلون المجمع كمنبر يطلقون منه كلامهم ( أع 5:13، 14؛ 14: 1؛ 17: 10؛ 18: 4 ) ، ويجدون لدى اليهود أوّل المرتدين . حينئذ أظهر اليهود عداءهم للمسيحية ، فعملوا كل وسعهم ليمنعوا هؤلاء الواعظين من متابعة " دعاوتهم " . في أنطاكية بسيدية ( حرّضوا وجهاء المدينة والنساء الشريفات " ( أع 13: 50 ) . في لسترة " رجموا پولس وجرّوه إلى خارج المدينة " ( أع 14: 19 ) ، في تسالونيكي " ساقوا ياسون وبعض الأخوة إلى حكّام المدينة ( أع 17: 13 ) . ولكن هؤلاء المرتدّين الأوّلين فتحوا أمام الرسل الباب ليصلوا إلى الوثنيين . عاشت الجماعات في أمان خلال نشاط پولس الرسولي ( 45- 60 ) . وتركّزت ألإضطهادات على الواعظين المتنقّلين ، ولا سيّما على پولس ( 2 كور 6: 1- 13 ) . ما يدهشنا هو شجاعتهم وجرأتهم التي جعلتهم لا يخافون الصعاب : خطر الأنهر واللصوص ، خطر في المدن ، خطر في البراري ، خطر في البحر ( 2 كور 11: 26 ) . وما ساعد هذه الرسالات هو سهولة الاتصالات في البحر والبر داخل الأمبراطورية الرومانية . وما كان المسيحيون يعملون وحدهم . فقد قام وعّاظ وثنيون ويهود بتكوين جماعات . وهكذا لم تكن الجماعات الپولسية وحدها في حواضر العالم الروماني في القرن الأول المسيحي ، فوجب عليها أن تحارب لتبرز إسم المسيح عالياً . 3 - كيف بدت هذه الكنائس ضمّت هذه الكنائس اليهود والوثنيين ، الأحرار والعبيد ، الأغنياء والفقراء . قال پولس في 1 كور 12: 13 : " فنحن كلّنا ، أيهوداً كنّا أم وثنيين ، عبيداً أم أحراراً ، تعمّدنا بروح واحد " ( رج غل 3: 27- 28 ) . وحدث الكورنثيين في الرسالة الأولى ( 1: 26 ) : " ما كان فيكم كثير من الحكماء بحكمة البشر ولا من الأقوياء أو الوجهاء " . وانصبّت اهتمامات پولس على الخلافات بين المسيحيين الآتين من العالم اليهودي وأولئك الآتين من العالم الوثني . فپولس ، رسول الأمم ( غل 1: 15- 16؛ 7:2 ) لم يطلب من المرتدين الجدد أن يحفظوا الفرائض اليهودية مثل الختان والسبت وشرائع الطهارة . وهذه الجرأة التي هدّدت خصائص العالم اليهودي وامتيازاته ، قد حاربها يهود الشتات وحاربها أيضاً المتهوّدون أي المسيحيون المرتدون من العالم اليهودي . وهناك التمييز بين الأحرار والعبيد . يؤكد پولس أنهم كلّهم متساوون في المسيح ( 1 كور 13:12؛ غل 28:3 ) . ولكنه لا يستخرج النتائج . فينصح العبيد بالبقاء في الوضع الذي يعيشون فيه (1 كور 7: 21- 24 : إن كنت عبداً حين دعاك الله فلا تهتمّ ) . وكتب إلى فيلمون بأن يعفو عن عبده أونسيموس الذي هرب ، ولا يطلب منه أن يحرّره ( فلم 8- 21 ) . وهناك الأغنياء والفقراء في الجماعات . يرفض پولس ممارسات تشدّد على الاختلافات بين الفئتين ( 1 كور 11: 21- 22 : يجوع بعضكم ويسكر آخرون ) . ثم يدعو إلى المشاركة في اللمة من أجل كنيسة أورشليم ( 2 كور 8- 9 ) . وحين يذكّر بعض الكورنثيين بأنهم كانوا يوم ارتدادهم ضعفاء ومحتقرين ، فلا يطلب منهم أن يثوروا ، بل أن يبقوا بسطاء متواضعين في تصرفهم مع الشرف الكبير الذي نالوه (1 كور 1: 26- 31 ) . إذن ، ضمّت الجماعات البولسية مسيحيين مختلفين يتواجهون . نحن نفهمهم ولا ننسى خلافاتنا داخل الكنيسة المحلية وداخل الكنيسة الجامعة . لا يزال المؤمنون بعيدين عن الوحدة التي صلىّ المسيح من أجلها . 4- آهتمامات هذه الكنائس : نجمل اهتماماتهم الظاهرة بإثنين : الحياة الدينية، طريقة الحياة . إذا عدنا إلى الرسالتين إلى كورنتوس ، نجد المواضيع المطروحة : مجموعات تبحث عن " حكمة موحاة " وعن انخطاف روحي. وهي تنقسم حوله سلوك أخلاقي ، وتجادل حول سلطة هذا الرسول أو ذاك . لا نرى اهتمامات هؤلاء المسيحيين بالسياسة أو بمشاكل المجتمع . إنهم جماعات صغيرة تهتم بتنظيمها الداخلي . وسيأتي يوم تواجه فيه مشاكل العالم الذي يحيط بها . ب - عالم مختلف : حين ندرس صراعات پولس وآهتمامات جماعاته ، نراها مختلفة عن المسائل التي نطرحها اليوم . فالعالم الذي يعيش فيه المسيحيون الأولون يختلف عن عالمنا . كما يختلف عن عالم فلسطين . إنه عالم المدن الكبرى لا عالم القرى الريفية . 1 - السلطة في هذه المدن : كانت هذه المدن جزءاً لا يتجزّأ من الأمبراطورية الرومانية ، ومع ذلك احتفظت ببناها السياسية . فانتخبت " نواباً أو " شيوخاً " يمارسون وظائف مختلفة : العدالة ، الإدارة ، التنظيم .. ولكن جرت العادة أن ينتخبَ الناس نوابهم بين المواطنين الأغنياء . فهم يمارسون وظائفهم مجاناً . بل يدفعون من جيبهم فيسندون مدارس المدينة أو ينظمون الألعاب أو يصلحون الأبنية العامة كالمعابد والمسارح ، أو يشيدون أبنية جديدة ، أو يشترون الحنطة والزيت للمواطنين الفقراء . هذا " السخاء " يفرضه الفقراء الذين يهدّدون الأغنياء حين يدلون بأصواتهم ، أو حين يقومون بثورة عليهم ، ويقبل الأغنياء بهذا النظام : صاروا وحدهم جديرين بإدارة المدينة فنالوا الشرف والكرامة ، وكانت لهم الوسائل العديدة ليزيدوا غنانهم غنى . يدير هؤلاء الوجهاء المدن وكأنها مدن حرة . ولا ينسون عظمة سلطان الأمبراطور المؤلَّه . هم يتملّقونه لينالوا من رضاه وضعاً مميّزاً لمدينتهم . ولكن هذا يبقى أمراً مؤقتاً . وإن هؤلاء الوجهاء لا يستطيعون إلاّ أن يرضوا الأمبراطور أو مبعوثه وإلاّ صودرت أملاكهم وراحوا هم إلى المنفى أو إلى الموت . نحن هنا أمام ازدواجية : من جهة ، يحتاج الرومان إلى هؤلاء الوجهاء ليجمعوا الضرائب ويحافظوا على الأمن . ومن جهة ثانية ، يحتاج الوجهاء إلى السلام الروماني من أجل ازدهار أعمالهم . مثل هذه البُنى تنزع من قلب المواطنين حب السياسة . يفتخر الوجهاء بسلطتهم . ولكنهم ما يعتّمون أن يحتقروا هذا السلطة " المسخ " فيلجأون إلى اللامبالاة واحتقار العالم . هناك أناس يمكن أن ينتخبوا ولكن امكانياتهم ضعيفة إن لم تكن معدومة . ثم إن الغرباء والعبيد المحرّرين والرقيق لا يحق لهم بالانتخاب . كل هذا يجعل الناس لا يهتمون بالسياسة وأمور المدينة . وهكذا فعل المسيحيون الذين رأوا أن السياسة تفلت منهم. فسعوا إلى بناء عالم مسيحي في حياتهم المشتركة . قد يكون هناك انغلاق ، ولكن هذاهو الوضع . 2 - عالم لا يعرف المساواة : نتحدّث اليوم عن الناس المتساوين أمام الشريعة ، أقلّه بصورة نظرية . ولكن الأمر لم يكن كذلك في مجتمع القرن الأول المسيحي . هاك فئات مختلفة : العبيد ، المحرّرون ، الرجال الأحرار سواء كانوا مواطنين أم غرباء . وليس لهم كلّهم الحقوق عينها والواجبات عينها . فالعبد هو " شيء " يملكه سيّده . والمحرّر يرتبط بمولاه . والغريب لا يملك حقاً البتة . للمواطنين مبدأياً كل الحقوق ، ولكن الهوة ما زالت واسعة بين الفقراء والأغنياء . مثل هذا النظام يقسم المجتمع إلى طبقات . هناك من يفرض عليه العمل ( العبيد ، الفلاحون ) وهناك من يُعفى منه . هناك من يُوزَّع عليه القمح والزيت ( المواطنون ) وهناك من لا يحق له بذلك . في مثل هذا النظام يشدّد الفرد على اختلافه عن الآخر . وكل عضو في مجموعة يدافع عن امتيازات منحه الشرع إيّاها . فيهود الشتات حصلوا على وضع مميّز ، وهم يحاولون أن يحافظوا عليه حتى بعد ارتدادهم إلى المسيحية . وهكذا فالحرب بين المتهوّدين وسائر المسيحيين ليست حرباً دينية وجسب ، بل اجتماعية وسياسية . حين نفهم هذه البنية الإجتماعية ، نتقبّل بصورة أفضل اهتمامات الجماعات الأولى . فالناس لا يأملون في تبديل وضعهم ، لأن كل تبديل يفترض تبديلاً في القوانين . وهذه الاستحالة دفعتهم إلى البحث عن عالم تزول فيه الفوارق ويكون فيه جميع البشر أخوة متساوين . 3 - مدن تستهلك ولا تُنتج : ضمّت هذه المدن السكان العديدين . ولكنها لم تنتج ما تطعمهم، فاستندت إلى الفلاّحين . كانت الغلال ضعيفة ولكنّها كانت ضرورية لتحمي الناس من المجاعة . وما كانت تغني إلا الملاّكين الكبار الذين يخزنون الغلال ويرفعون الأسعار. من هنا توسّعت الحياة الاقتصادية ، ففرض الرومان عملة واحدة وصار الوجهاء أصحاب البنوك ومالكي السفن .. فئتان من الناس كانتا تعملان : العبد لأن الشرع يفرض عليه العمل، وصاحب الصنعة لأن الحاجة الإقتصادية تدفعه إلى ذلك ، وإلاّ مات جوعاً . فالعمل يحقّر الإنسان ، ولهذا كانوا يهربون منه قدر المستاطع . هذا هو المحيط الذي توجَّه إليه پولس ورفاقه في عمل الرسالة . فمن هو پولس الذي ملأ آسمه نصف أعمال الرسل ، واحتلّت رسائله حيّزا كبيراً من العهد الجديد ؟ المصدر / موقع الأب پولس الفغالي .