تتنوع الأساليب السياسية لكل حزب، أو تنظيم، أو زعيم في العالم؛ تبعاً لفكره، أو أهدافه، فالساسة الذين يثقون بأنفسهم وبسياساتهم الواضحة العادلة يتبعون الأساليب الناعمة، أو الشفافة لقيادة شعوبهم، أما الساسة الذين يشكون بقدراتهم الشخصية، الذاتية والفكرية في قيادة الناس؛ تجدهم يتجهون نحو الخطط والمناهج الظالمة والقاتمة، بل، وحتى الدموية القاتلة لحكم بلدانهم. الأسلوب الذي تُدار به العجلة السياسية في العراق اليوم، هو نهج الدكتاتورية العملية والديمقراطية القولية، فالدكتاتورية تهدف لتقزيم المعارضين، أما الديمقراطية فهي للتسويق الإعلامي الخارجي، وهذا الأسلوب لم يعد مجدياً في دنيا الاتصالات الهائلة اليوم؛ حيث صار العالم قرية صغيرة! العصا الغليظة التي يقود بها رئيس الحكومة الحالية (نوري المالكي) الدولة العراقية، هو سياسة ممنهجة تهدف لتحقيق جملة من الأهداف المرسومة مسبقاً، ففي الوقت الذي يدعي فيه المالكي أنه نفذ مطالب المتظاهرين، وهذا الكلام لا يمت للواقع بصلة، تقوم أجهزته القمعية باعتقال قرابة (700) شخصاً خلال شهر شباط الماضي؛ وذلك وفقاً للبيانات الصادرة عن وزارتي الدفاع والداخلية، مما يعني أن سياسة الاعتقالات لم– ولن- تُشطب من أجندة هذه الحكومة، ومما لا شك فيه أن هذه الأرقام لا تشمل الاعتقالات السرية التي تنفذها معظم أجهزة أمن المالكي! ومنذ انطلاق المظاهرات الشعبية السلمية في أكثر من ست محافظات عراقية، قبل أكثر من شهرين، ونحن نتابع النهج السقيم الذي تنتهجه حكومة المنطقة الخضراء في تعاطيها مع المتظاهرين ومطالبهم المشروعة، البداية كانت عبر الاستخفاف بالمتظاهرين ثم انتهجت الحكومة أسلوب التهديد الذي وجهته بطريقة مباشرة وواضحة للمتظاهرين، حيث أكد المالكي على ضرورة فضها بالقوة، وتهديدات المالكي للمتظاهرين كانت ممزوجة بالاتهامات التي يريد من ورائها القول إن هؤلاء ينفذون أجندات خارجية، وأن الحكومة قادرة على أن تتخذ اجراءً ضدهم وان تنهي المظاهرات، وختم كلامه بالقول: " لقد صبرنا عليكم كثيراً، لكن لا تتوقعوا أن المسألة مفتوحة ولا تتوقعوا.. التمرد على الدولة". هذا النهج "الديمقراطي المتخلف" في التعامل مع المتظاهرين لا يمكن أن يكون الحل الأمثل لحالة الغليان الشعبي المستمر؛ لأن هذا الأسلوب سيزيد الطين بلة، ولن ينهي جذور المشكلة، وأسلوب التخويف الحكومي لم يتوقف عند الاعتقالات، بل تعدى ذلك إلى الاغتيالات بالأسلحة الكاتمة، وهذه الاتهامات لم تكن من طرف المتظاهرين فقط، بل حتى من شركاء المالكي أنفسهم، ففي الثالث من شهر آذار الحالي، قال زعيم القائمة العراقية إياد علاوي، إن نحو أربعين عراقياً اغتيلوا في الأسبوعين الماضيين في بغداد بأسلحة كاتمة للصوت! وبأن الضوء لم يسلط على سلسلة الاغتيالات في بغداد! علاوي أكد – أيضاً- أن حكومة المالكي تعمل على " تسريب أسلحة ومتفجرات من إيران"، وأن لديه معلومات مؤكدة ودقيقة عن أسلحة ومتفجرات تهرب من إيران إلى العراق، وأنه أبلغ السلطات العراقية قبل وقوع الانفجارات الأخيرة في مناطق متعددة من العراق، وأن الهدف من تهريب تلك الأسلحة والمتفجرات إحداث فتنة طائفية"! تصريحات علاوي تأتي بعد خمسة أيام من تصريح المالكي الذي أكد فيه على أن انتصار المعارضة في سوريا سيفجر حرباً أهلية في العراق ولبنان! كل هذه المعطيات تؤكد أن حكومة المالكي عازمة على التمترس بما تملكه من مال وسلاح وأكثر من مليون مقاتل من أجل القضاء على ما تعتبره تمرداً عليها، أقصد المظاهرات الحالية في غرب وشمال البلاد، وهذا يعني أن الحكومة ستدخل العراق في نفق لا نعرف نهايته! عموماً، المشكلة العراقية تتعلق بالظلم والانتهاكات المستمرة لكرامة وحقوق المواطن، ولن يتغير الحال، ولن تسكت الأصوات الصادحة بالحق إلا باحترام كرامة الانسان ونشر العدل والأمن. ومقابل هذا الاصرار الجماهيري العراقي نلاحظ أن حكومة المنطقة الخضراء تنشر الذل والظلم وسط التفجيرات المستمرة، وكل تلك الجرائم الحكومية تتم بأسلوب "ديمقراطي حضاري"!