لماذا اجتاحت المسلسلات التركية شاشاتنا العربية؟ـ
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]لو
تأملنا واقع البث الفضائي العربي الذي اخذ مدا تصاعديا نتيجة تزايد عدد
القنوات وحاجتها الى برامج لتغطية ساعات العرض لوجدنا إن المسلسلات
التركية المدبلجة سواء باللغة العربية الفصحى أو باللهجات المحلية العربية
المختلفة تهيمن على مساحات كبيرة من اوقات البث، فقد استطاعت هذه الاعمال
اجتذاب فئات عديدة من المشاهدين، الشباب منهم وكذلك الكبار حيث ازداد
الاقبال بشكل غير مسبوق، ونستطيع تشخيص هذا الاقبال باسباب عديدة لعل من
ابرزها توفر المسلسلات التركية على عوامل الاثارة والتشويق من خلال تنوع
الموضوعات سواء الاجتماعية منها او التأريخية، القديمة او المعاصرة تلك
التي تتعرض للمجتمع التركي او ما يتم اختلاقه "ميلودراميا" ليتم تحويل
الواقع الى مايشبه الحلم والتفكير في كيفية التأثير في المشاهد وبالتالي
اشباع الحاجات وتلبية متطلبات السوق.
ان معظم هذه الاعمال وجدت طريقها
الى الشاشات العربية دون منافسة فمعظم هذه الاعمال لاتعرض في القنوات
الغربية ولا القنوات التركية ذاتها بل انها صارت تنتج خصيصا للمشاهد
العربي.
وقد تضاعف هذا الانتاج سنة بعد اخرى وتحتشد قائمة الاعمال بسيل
من العناوين التي صارت معروفة لدى القراء امثال مسلسلات "العشق الممنوع،
نور، نبض الحياة، وادي الذئاب، الانتقام، انت في قلبي، زهرة الحب، اسميتها
فريحة، نساء حائرات، الاوراق المتساقطة، دموع الورد، سنوات الضياع، الحلم
الضائع، حريم السلطان" والقائمة تطول وتستمر....
الاثارة والتشويق
لقد
اجاد كتاب سيناريو المسلسلات التركية العزف على اوتار الاثارة والتشويق
وادراك كيفية التأثير على المشاهد من خلال العمل على توفير عناصر النجاح
المطلوبة لاسيما وهم يعرفون اي نوع من الجمهور يستهدفون، لذا نجد ان الغالب
على الاعمال الدرامية هي السمة الرومانسية وبناء شبكة من العلاقات
الغرامية والصداقات الحميمية بين الجنسين تلك التي تكون بديلا عن العلاقات
الشرعية التي ينجم عنها مشاكل ومفارقات وتصعيدا في الصراع كون ما يجري من
احداث يخل بالعلاقات الاجتماعية والتقاليد السائدة، لكن الهدف هو خلق
الاثارة وتلبية رغبات الجمهور ومحاكاته غرائزيا عبر جرعات رومانسية غير
مألوفة في الواقع لكنها تخلق عالما افتراضيا، ما تجعله يتماهى مع شخصيات
المسلسل وهي تعيش ازمتها المتداعية ضمن حبكة دائرية تجعل الاحداث اكثر
تشعبا وانبثاق حبكات ثانوية وهامشية لا ضرورة لها ضمن البناء الدرامي
وشروطه المعروفة لكن من اجل التطويل ومط الاحداث كسبا لمزيد من الحلقات
والربح.
عصابات المافيا
السمة الاخرى التي تسود المسلسلات التركية هي
استخدام اسلوب العنف وتواجد عصابات المافيا التي تمتلك سطوة القوة
وممارسة الجريمة حيث القتل والانتقام وهذا النمط له اثاره السلبية ومخاطره
على المشاهد حيث يساهم هذا الفعل في ترسيخ النزعة الفردية والانانية واشاعة
الفوضى والسلوك العدواني وتجاوز سيادة النظام والقانون، حيث ان ما ينبغي
ان تلعبه وسائل الاعلام هو خلاف ذلك تماما من خلال دورها في عمليات بناء
المعنى وتشكيل الحقائق الاجتماعية والتعلم من التجارب التي يمر بها
الاخرون، و أن قوة التلفزيون تتمثل في الصور الرمزية التي يقدمها في محتواه
الدرامي عن الحياة الحقيقية التي يشاهدها الأفراد لفترات طويلة. و التأثير
في هذا المجال ليس تأثيرا مباشرا حيث يقوم أولا على التعلم ثم بناء وجهات
النظر حول الحقائق الاجتماعية بحيث يمكن النظر إلى أنها عملية تفاعل بين
الرسائل والمتلقين.
وهناك عامل اخر ساهم في جعل المسلسلات التركية تحقق
حضورها المستمر ويكمن في الجانبين الشكلي والجمالي ابتداء من اختيار
الممثلين الذين لهم قدرات احترافية في الاداء والوقوف امام الكاميرا حيث
يسود التمثيل نوعا من البساطة والابتعاد عن الانفعال والمبالغة التي غلبت
على اداء معظم الممثلين العرب، كما ان جودة التصوير الخارجي قد ساهمت في
اضفاء نوعا من الجاذبية حيث اختيار المناظر الطبيعية الساحرة والمواقع
الحديثة والقديمة الى جانب توفر الوجوه النسائية الجميلة والمؤثرات
الموسيقية والاصوات الغنائية والاضاءة المعبرة كلها تحاكي دواخل النفس
وتمنح المشاهد قدرا من التعويض لما يفتقده في عالم الواقع ليندمج في عالم
الوهم والحلم، ويبدو ان هذا الاختيار مدورس تماما لكي يستعرض المناطق
السياحية التركية التي صارت معروفة بل انها اصبحت تجتذب الملايين من السواح
الذين تأثروا بما شاهدوه عبر الاعمال التلفزيونية.
عمليات الدوبلاج
ولا
يمكن اغفال عنصر مهم ايضا الا وهو عمليات الدوبلاج في هذه المسلسلات التي
تقوم على اختيار الاصوات لممثلات وممثلين من الوطن العربي بدقة متناهية
توحي وكأن هذه الاصوات اصلية لشخصيات العمل وليست دخيلة عليها ما يكسبها
طابعا من الاصالة والنجاح.
اما بالنسبة للمونتاج فأستخدام اساليب القطع
السريع تساهم في القضاء على الممل نتيجة التخلص من اللقطات والمشاهد
الحوارية الطويلة تلك التي اعتدنا عليها في اعمالنا العربية.
بقي ان
نشير الى ان العامل الاهم في هيمنة المسلسلات التركية في قنواتنا العربية
يعود الى ضعف بل تراجع الانتاج الدرامي العربي حيث وجدت هذه الدراما فراغا
واضحا ومستوى تقليديا فيما ينتج ما جعلها تتصدر واجهة الشاشات وتعلن عن
حضورها المستمر وكسبها للمشاهد العربي بل التأثير على افكاره وسلوكه لان
التعود التراكمي لمشاهدة هذه الاعمال التي تحمل بين مشاهدها المثيرة نوعا
من الثقافة الدخيلة والغريبة على مجتمعاتنا وسلوكياتنا، لكن مع مرور الوقت
والتكرار في التعرض لمشاهد معينة يصبح من الصعب الفصل بين الجانب الدرامي
رغم غرائبيته والواقع الاجتماعي لان هذه المسلسلات تنقل لنا افكارا ومفاهيم
ورؤى ثقافية سرعان ما تتحول الى ممارسات وسلوك آني للمتلقي، وأن جيل
الاطفال الشباب هم الاكثر عرضة للتأثر والقناعة اللاشعورية بما يمارسه
ابطال هذه المسلسلات.
أن ما يمكن ان ندعو به القائمين على ادارة البرامج
في قنواتنا العربية هو دقة الاختيار لمثل هذه الاعمال ولو على صعيد المدى
القريب اما على المدى البعيد فنأمل ان يكون هناك انتاج عربي واسلامي مشترك
ينافس الانتاج الوافد ويساهم في ترسيخ ثقافة جادة وزرع قيم تربوية وانسانية
تحترم مشاعر الانسان وترتقي بالفكر والعقول بعيدا عن الاستغراق في وهم
المشاهدة الاستهلاكية والانجراف في متاهات الوهم الافتراضي.
د.حسين الانصاري