الأزمة الاقتصادية في
أوروبا تهدّد شبكة الأمان الاجتماعي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]أحرار
ينفق المتقاعد غريغوريس
ليمونيس (73 سنة) المقيم في أثينا، معاشه التقاعدي البالغ 580 يورو شهرياً على
إعالة زوجته وأسرة ابنه الطباخ العاطل من العمل والذي لديه طفلان صغيران وزوجة تعمل
أحياناً في الخدمة المنزلية. وتتزايد أعداد الأسر التي تضم ثلاثة أجيال تعيش على
دخل واحد في جنوب أوروبا، حيث تؤثر البطالة المنتشرة على نطاق واسع على المجتمعات
المترابطة ذات النسيج المحكم.
وبدأت آليات امتصاص الصدمات
الاجتماعية في القارة تئن تحت وطأة الأزمة الاقتصادية التي بدأت عام 2008 وأدخلت
منطقة اليورو في أزمة ديون سيادية منذ العام 2010. فحال الرفاهة التي صنعها
الأوروبيون بعد الحرب العالمية الثانية، ويعتبرها كثيرون انجازاً كبيراً لحضارتهم،
كانت من الأسباب التي حالت دون تحول الكساد الكبير إلى ثورة أو اضطرابات اجتماعية
حادة حتى الآن. وقال ليمونيس، وهو عامل دهانات سابق في قطاع الإنشاءات ويملك المنزل
الذي يقيم فيه «الحياة اليومية أصبحت بؤساً حقيقياً، فالفواتير تتراكم وبعد تسديدها
لا يتبقى ما يكفي لحياة كريمة».
ومع وجود أكثر من 26 مليون
عاطل من العمل في دول الاتحاد الأوروبي الـ27، ستة ملايين منهم في مقتبل العمر،
يواجه النظام صعوبات ويفشل في مجاراة الوضع القائم في بعض الأحيان، كما أن عدداً
منهم استنفد الميزات المتاحة له.
وأكد مفوض الاتحاد الأوروبي
للشؤون الاجتماعية والتوظيف لازلو اندور أن «في كثير من الدول يزداد الفقراء فقراً،
مع وجود تباين متزايد بين الشمال والجنوب... النسيج الاجتماعي الأوروبي يتعرض إلى
ضغوط واضحة ويجب اتخاذ إجراء قوي على مستوى الاتحاد الأوروبي والدول».
وارتفــع الإنفاق الحكومي
في القارة خلال المرحلة الأولى من الأزمة، لكن دولاً مثل اليـــونان والبرتـــغال
وإرلندا واسبـــانيا وايطاليــا، الأكثر تضرراً، أجبرت على خفض إنفاقها على معاشات
التقاعد والرعاية الصحية والتعليم ومساعدات البطالة.
وأوضح أندور في تصريح الى
وكالة «رويترز»، أن الدول التي توجه الإنفاق الاجتماعي إلى تقديم خدمات مثل رعاية
الأطفال والتدريب المهني والمساعدة في إيجاد وظائف وتوفير الرعاية الصحية تحقق
نتائج أفضل من تلك التي توجهه نحو مدفوعات نقدية لأرباب المعاشات والعاطلين من
العمل. وفي حين أنفق كل من النمسا واسبانيا نحو 15 في المئة من الناتج المحلي على
الرعاية الاجتماعية بخلاف معاشات التقاعد، تراجع معدل الفقر في النمسا 55 في المئة
وفي إسبانيا 28 في المئة فقط.
وشدّد على أن دولاً أخرى
مثل ايطاليا وبولندا التي تنفق نسبة أكبر من موازنتها الاجتماعية على معاشات
التقاعد، تبدو أقل كفاءة في مكافحة الفقر لأن السكان من الفئة العمرية القادرة على
العمل هم الأكثر تضرراً من الأزمة والأقل تغطية بهذا الإنفاق. ولكن نظم الرعاية
الاجتماعية تخدم جماعات المصلحة الخاصة بها ويصعب تغييرها.
النموذج
الاجتماعي
ويشعر الساسة الأوروبيون
بالقلق من قدرة النموذج الاجتماعي الأوروبي على الاستمرار في عهد الدين العام
المرتفع والنمو المنخفض وارتفاع عدد كبار السن. وأكدت المستشارة الألمانية انغيلا
مركل لصحيفة «فاينانشال تايمز» في كانون الأول (ديسمبر) الماضي أن «إذا كانت أوروبا
اليوم تضم ما يزيد قليلاً على سبعة في المئة من سكان العالم وتستحوذ على نحو 25 في
المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وعليها تمويل 50 في المئة من الإنفاق
الاجتماعي العالمي، فمن الواضح أن عليها العمل جاهدة للحفاظ على ازدهارها وأسلوب
الحياة فيها».
وأشار خبير التوظيف والعمل
والرعاية الاجتماعية في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية» ويلم أديما، الى أن
معظم حكومات الاتحاد الأوروبي استغل الأزمة لرفع سن التقاعد ليتماشى أكثر مع ارتفاع
متوسط الأعمار.
ويميز خبراء علم الاجتماع
بين ثلاثة نماذج للرعاية الاجتماعية، هي الإسكندنافي والأوروبي والأنغلوساكسوني.
وتقدم دول الشمال الإسكندنافية مستوى مرتفعاً من الرعاية الاجتماعية مع التركيز على
رعاية الأطفال قبل سن الدراسة وإبقاء النساء وكبار السن في سوق العمل. أما النموذج
الأوروبي فيتميز بنظم تأمينات اجتماعية تتضمن مساهمة العاملين فيه وتقدم حماية قوية
للمشتركين، في حين يواصل هذا النموذج تنظيم اليد العاملة وسوق العمل. ويميل النموذج
الانغلوساكسوني إلى جعل مدفوعات الرعاية الصحية أقل وأكثر انتقائية ويشجع الإقبال
على نظم الرعاية الصحية والتعليم والمعاشات الخاصة للميسورين.
وبدا أن النظام الاسكندنافي
أثبت أنه الأفضل في خفض معدلات الفقر من دون إبعاد الناس عن العمل، إلا أنه يأتي مع
أعلى مستويات ضريبية.
وأضاف أديما «إدخال الناس
في سوق العمل أكثر منطقية من التركيز على دفع أموال لهم للبقاء في المنازل... ولكن
الغريب أن بعض الدول يخفض الإنفاق على رعاية الأطفال قبل سن الدراسة».
ووجدت الحكومات الأوروبية
أن خفض الإنفاق على مجالات معينة في نظم الرعاية الصحية القائمة أسهل من إجراء
إصلاحات جذرية على النظام بأكمله. وإنفاق المزيد على الأطفال وعلى الذين أنهوا
تعليمهم لتعزيز العمل والمهارات، وأقل على كبار السن، يُعتبر مسألة صعبة سياسياً،
فكبار السن يصوتون في الانتخابات بنسب أكبر من الصغار.
وأكد المحللان السياسيان
باتريك دايموند وجي لودج في ورقة بحثية لمركز دراسات «بوليسي نتورك»، أن «الطبقة
الوسطى في كثير من الدول تكون المستفيد المباشر من التأمينات الاجتماعية... وذلك
يحصن معاشات التقاعد ومدفوعات الرعاية الاجتماعية لكبار السن». وتعد هولندا، حيث
يتمتع المتقاعدون بأعلى قوة شرائية في أوروبا، مثالاً على ذلك. فحزب «50+» المؤسس
حديثاً والذي دافع عن حقوق أرباب المعاشات حصل على مقعدين من أصل 150 في البرلمان
للمرة الأولى العام الماضي.
ومنذ أن وافق ائتلاف يمين
الوسط ويسار الوسط على رفع سن التقاعد إلى 67 عاماً اعتباراً من عام 2021، تصاعد
الدعم لكبار السن وأظهر استطلاع أجري هذا الشهر أن حزب «50+» يمكن أن يحصل على 18
مقعداً إذا أجريت الانتخابات الآن، ليصبح ثالث أكبر حزب.
وقد يدافـــع كبــار السن
عن مصالحهم السياسيـــة ولكــــن عليهم إدراك الحاجة لترك موارد للإنفاق الاجتماعي
على الصغار.