اخطر واشر فتوى حدثت في العصر الحديث هي في بداية تسعينات القرن الماضي بعد الغزو العراقي للكويت، وما تلاه من أحداث مؤلمة موجعة للمسلمين عامة وفي الخليج العربي خاصة، حيث انقسم العالم بين مؤيد ومعارض للعراق واختلف المعارضون في كيفية إخراج العراق من الكويت فبعضهم قال بتشكيل جيش إسلامي من مختلف الدول الإسلامية لمقاتلة الجيش العراقي وإخراجه من الكويت وبعضهم ذهب إلى الاستعانة بالكفار وجلبهم إلى ارض الخليج لقتال الجيش العراقي وإخراجه من الكويت متذرعين بحجج واهية وعلل عقيمة ومع الأسف استند هذا القول إلى فتوى كبار العلماء والتي أصبحت مرجعا شرعيا لشرعنة الاستعانة بالكفار لقتال المسلمين في كل زمان ومكان. ولما لهذه الفتوى من خطر كبير وضرر جسيم على العباد والبلاد انبرى العقلاء والعلماء لبيان خطأها وخطرها وكان على رأس هؤلاء العلماء العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني، رحمه الله تعالى، حيث رد على من أفتاها ردا علميا دقيقا وفند أدلتهم وحججهم بالعلم والبرهان، فغاية ما استدل به من أجاز الاستعانة بالكفار هو فعل النبي صلى الله عليه وسلم عندما هاجر مع أبو بكر فقد استعانا برجل مشرك ليرشدهما إلى الطريق الصحيح، واستدلوا أيضا بفعل النبي صلى الله عليه وسلم عندما استعار من صفوان بن أمية دروعا في إحدى الغزوات وكان صفوان يومها مشركا، فأقول ان الدليل الأول لا حجة لهم فيه لأنه استعانة جماعة بفرد وفي الغالب أن الجماعة تتمكن من الفرد إذا أراد أن يغدر ويمكر بها، ثم أن هذا كان في بداية البعثة وكذلك الدليل الثاني لا حجة لهم فيه فهو استعانة دولة بفرد ومن المقطوع به علما أن الفرد لا يستطيع ان يمكر بدولة لها قوتها وأمنها واستقرارها فكيف يصح الاستدلال به على ما ذهبوا اليه، وخلاصة القول ان الدليل الأول هو استعانة جماعة بفرد ليرشدهم على الطريق وليس استعانة به على قتال المشركين، والدليل الثاني هو استعانة دولة بفرد، ليس بذاته، وإنما بإمكانياته وهذا بمثابة شراء السلاح من الكفار وليس استعانة به بذاته على قتال المشركين. وفي كلا المثالين لا يجوز القياس بهما على استعانة دولة صغيرة في العدد ضعيفة في القوة والتسليح بدولة كبيرة في العدد عظيمة في القوة والتسليح على قتال المسلمين، وخاصة بعد ثبوت هذا الحديث الصحيح وهو أن رجلا مشركا جاء إلى رسول الله، وطلب أن يقاتل المشركين مع رسول الله فقال له رسول الله: أتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فقال المشرك لا فقال رسول الله (ارْجِعْ فإنَّا لَا نَسْتَعِينُ بمشرك) رواه أبو داود، وفي رواية ( إنا لا نستعين بالمشركين على المشركين) الصحيحة، فرسول الله لم يستعن بمشرك كافر على قتال الكفار المشركين فكيف يجوز لمسلم عاقل عالم أن يستعين بكافر على قتال اخوانه المسلمين، وخاصة أن هذه الفتوى قد ظهر ضررها وخطرها بعد سنوات وما تجرأ الكفار على احتلال أفغانستان والعراق، وما حدث في البلاد العربية أخيرا وكان آخرها الاحتلال الفرنسي لمالي فما كان هذا ليحدث لولا تمهيد تلك الفتوى لهم وشرعنة إقامتهم وبقائهم في البلاد الإسلامية، وخاصة في جزيرة العرب، وقد أمرنا الرسول الكريم بإخراج المشركين من جزيرة العرب كما في هذا الحديث الصحيح (أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ) متفق علية، غفر الله لمن أفتى بجواز الاستعانة بالكفار على قتال اخوانهم المسلمين ولو كانوا فساقا وفجارا، فرحم الله الميتين منهم وادعو الأحياء منهم إلى مراجعة تلك الفتوى وأن يستغفروا الله ويتوبوا منها، فما نراهم إلا شركاء المحتل في غزو بلادنا واحتلالها وسفك دمائنا وسلب ونهب أموالنا وهتك أعراضنا. ورحم الله العلامة الألباني فقد رد فأبدع ونصح فأوفى، وإذا كنتــــم تكفــــرون صـــدام وحزبه فما ذنب الملايين من المسلمين وفيهم أخوة لكم في العقيدة والمنهج؟! عقيل حامد