تتعالى أصوات الانتقادات لسيل الفتاوى وازدحامها في
الأعلام، ليتنادى كثيرون الى وضع حد لهذه المنابر التي يعتبرها البعض ملزِمة لهم،
فيتصرفون على ضوئها، باعتبارها ركنا اساسيا من اركان عقيدة يؤمنون بها. والطامة
الكبرى ان بعض الفتاوى التي تُنشر عبر وسائل الإعلام المرئية، و المقروءة، أو
الإنترنت، تكون على الضد بالكامل مع فتاوى أخرى مسموعة لدى كثيرين، حتى صار الجدل
بين فريقين حواراً لا ينتهي وصراعاً وخصومة ابدية، إذ يؤمن كل فريق بفتوى تناقض
الاخرى وتدحضها.الفتاوى والمنطق السويبل وصل الامر الى تداول
فتاوى هي اقرب الى النكتة منها الى المنطق السوي رغم انها - أي الفتوى - ليست رأياً
او فكرة، او مزاجاً، بل ( واجباً) و( أمراً) دينياً، تترتب على هديها سلوكيات
دنيوية، ويقرَّر بموجبها عقاب أخروي.
وينبري الكاتب تركي الدخيل
الى فضح دور فتاوى ( على شكل نكات) على تشويه صورة الاسلام، من مثل فتاوى " قتل
الفأر، هدم الحرم، قتل أصحاب القنوات الفضائية، قتل المختلطين
والمختلطات".
يقول الدخيل حول ذلك:"
شطحات عجيبة، و أسفنا على زمن كانت الفتاوى مقدّرة مصونة". بل ويخشى الدخيل من اننا
وصلنا الى زمن يكون فيه "لكل مواطن مفتٍ خاص به".
وحفلت الاسابيع الماضية
بجدل واسع حول فتوى مفتي سوريا ورئيس مجلس الإفتاء الشيخ حسون، تُوجِب "الدفاع عن
سورية باعتباره فرض عين على جميع الدول العربية والإسلامية".
ودعا حسون، عبر وسائل
الاعلام أبناء الشعب السوري إلى "القيام بواجبهم الشرعي، وأداء فريضتهم في الدفاع
عن وحدة سورية". وتضمنت الفتوى " الوقوف في وجه جيش النظام يعد خيانة، واستهدافا
للصمود والمقاومة التي أعدت للمعركة الفاصلة ضد الصهاينة".
وقبل ذلك، افتى الشيخ
البوطي من على المنبر الأموي " بالجهاد" تحت قيادة بشار الاسد. وردا على هذه
الفتوى، افتى علماء دين سوريون معارضون للنظام ب "النفير العام والجهاد ضد النظام
".
الشيخان
.. حسون و البوطي
إن جدل الفتاوى هذه كما
يراها علاء ناجي في مقال له نشرته صحيفة الوطن السعودية، تعبر عن "أفكار متعارضة حد
التناقض، لم ينس الطرفان أن يكيل كل منهما التُهم للأشخاص بذواتهم بدلا من التوقف
عند حد الفتوى في مضمونها، ففي الجانب المعارض وجدنا من يتحدث في خلفية الشيخ حسون
العلمية ومرجعيته الدينية، ويشير صراحة إلى ولائه لإيران، وكذلك فعل من قبل مع
الشيخ البوطي عندما أبدى تأييده لنظام الأسد، وفي جانب الفريق الموالي للأسد وجدنا
من يشير إلى القرضاوي بحكم رئاسته للاتحاد العالمي للعلماء المسلمين أنه شيخ فتنة
وأنه من المحرضين على الفتن، ووجدنا من يشير إلى بعض العلماء المستقلين الذين أبدوا
رأيهم ـ عبر الإعلام ـ ضد فتوى الحسون فوصفهم الإعلام السوري بأنهم علماء
الناتو".
ويعتبر ناجي " التراشقات في
الفتاوى بين الجانبين تجعل الحليم حيران، وتفقد ذا اللب لبه، لا يدري أين يتجه وكيف
يفعل ومن يتبع".
ويزيد في القول :" إنها
تذكرني بمسارات التاريخ القديم التي ركب فيها بعض الساسة موجة الفتوى والكرامات
ودعوات الأولياء الصالحين بالسداد والنصر والتمكين لسادتهم، والدعوات بالويل
والثبور والخسران لمن خالفهم وعارضهم، فتجد الناس قد أخذتهم الحماسة وينضمون
بسيوفهم وأموالهم لهذه الدعوات حتى يكتشفوا حقيقتها في آخر المطاف، فينتهي بهم
الأمر إلى السعادة أو الندامة".
الذهاب
للعراق
وكانت صحيفة (الوطن)
السعودية نشرت الاسبوع الماضي إفادات أدلى بها اعضاء في "القاعدة" ويخضعون للمحاكمة
في الرياض، بيّنت استناد عدد منهم لفتاوى ظهرت في قناة دينية معروفة، أجازت الذهاب
للعراق بنيّة الجهاد.
واستدرك أحد المتهمين خلال
مثوله أمام المحكمة الجزائية، أنه عاد إلى البلاد من تلقاء نفسه بعد أن تبين له بأن
"الصورة بدت غير التي نقلت له وأن القتال الدائر في العراق غير واضح".
وأفاد أحد المدّعى عليهم
بأنه" ذهب للعراق بناءً على فتوى دينية بنية الجهاد من شيخ لا أذكر اسمه، إضافة إلى
فتوى سمعتها من أبناء عمي من شيخين آخرين".
واستدرك قائلا " عدت من
العراق بعد أن رأيت صورة مغايرة لما كان يقص علينا، حيث وجدت الراية عمياء لا ندري
نقتل من أو نقاتل لأجل من، ولقد رجعت بطوعي واختياري".
وتشير اعترافات المنتمي إلى
القاعدة، الدور الكبير للفتوى في تحديد مسلك من يؤمن بها، حتى وان دفعه ذلك الى
القتل والموت.
فتوى (
النووي)
وتعدّت الفتاوى حدود
الافراد، لتسهم في تحديد سياسات واستراتيجيات دول، ففي خضم البحث عن حل للصراع بين
الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة، وإيران حول الملف النووي، يقترح حسين
موسويان المتحدث السابق باسم المفاوض الإيراني في الملف النووي،ويقطن الان في
الولايات المتحدة ويعمل باحثا في جامعة برينستون أن "يقبل الغرب بفتوى آية الله
المرشد الأعلى في إيران خامنئي التي تعتبر أسلحة الدمار الشامل (حرام) شرعا، وتمثل
خطيئة دينية".
ان هذه الفتوى من شأنها أن "تحفظ ماء الوجه في حل الأزمة
المستعصية عبر تحويلها إلى قانون يتبناه البرلمان الإيراني ويقدم في شكل ضمانات
للغرب والمجتمع الدولي". بحسب يوسف الديني في مقال له في صحيفة (الشرق
الاوسط).
لكن الديني يرى ان الجديد
على لسان موسويان هو ان هذه " الفتوى النووية تبدو مثيرة للسخرية حيث يتم استخدام
الدين هذه المرة ليس للضحك على الشعوب أو محاولة ترحيل المشكلة بشعارات برّاقة،
وإنما لإقناع المجتمع الدولي أن تضخم الشعارات المؤدلجة وصل إلى مجال العلاقات
الدولية".
وعلى غرار فتاوى ( السياسات
)، فاجأ الرئيس السوداني عمر البشير لدى افتتاحه القمة العربية الرأي العام بإعلانه
"فتوى دينية تنهاه عن السفر إلى القمة العربية المقبلة في الدوحة".
(فتوى)
البشير
يقول عبد الرحمن الراشد في
خضم تعليقه على (فتوى) البشير :" لا ندري ما الذي جعله يخترع رواية الفتوى، فهذه
أول فتوى في العالم تمنع رئيس دولة من السفر. فالفتاوى تحض عادة على السفر والجهاد
والدعوة ونحوها لا الامتناع عن المشاركة في قمة عربية ممثلا عن بلاده كرئيس
للجمهورية".
لكن الامر، بحسب الراشد، لا
يحتاج الى توضيح " فالجميع يعلم أن الفتوى لم تأت من علماء دين بل من علماء الأمن،
أو ربما نصيحة من الدولة المضيفة بأنها لا تستطيع تأمين سلامته، وأن لا ينتهي به
الحال مثل الرئيس الموريتاني المخلوع معاوية ولد الطايع، الذي حضر في زيارة إلى
الرياض ولم يعد".
لقد اتاح التدفق الاعلامي
الهائل لأصحاب الفتاوى تسويق بضاعتهم ، وبسبب ذلك طغى تأثيرهم على الرأي العام، حتى
أدمن البعض قنوات فضائية تسوق الفتاوى بالجملة.
ان الحل لهذه الظاهرة كما
يراه الكاتب السعودي يوسف الكويليت يكمن في "تحديد الفتوى بأشخاص على درجة عالية من
الإدراك والفهم وتقدير الصواب من الخطأ".
اذ ان ذلك، بحسب الكاتب، "
يجنبنا الإحراج، ويدفع عنا تصادم الفتاوى، وحصرها بمن يتحمل مسؤولياتها الشرعية
والأدبية، وهو تنظيم منطقي بحيث يبقى المواطن ملتزماً بمن يُكلّفون بالفتوى من خلال
تخصصهم وعلمهم، ولا يلتفت للآخرين".
سلفيون و
إصلاحيون
غير ان الكاتب مأمون فندي،
بدا متشائما من اسلامويين يصدرون فتاوى اينما شاؤوا فيقول مخاطباً اياهم:" ليكتب
الإسلاميون ما يشاؤون من دساتير فهي لن تقدم او تؤخر ليس لأننا سنثور عليهم ولكن
العالم سيلفظهم مع الوقت لأنهم لم ولن يقدموا للحضارة الانسانية شيئا سوى فتاوى
مريضة ".
ان اشكاليات الفتوى بين
فريقين، يلخصها رضوان السيد في " سلفيون يريدون العودة المباشرة الى النصوص وتجاهل
أكثر التاريخ الفقهي، إضافة طبعاً الى انحرافات الحاضر وغرائبه. بينما يريد
الإصلاحيون تغليب مشكلات الواقع الحاضر".
وبين هذين الفريقين، يتدفّق
تيار فتاوى جارف، ينهل منه جمهور، بعضه ينهل منه عن وعي، والآخر عن جهل مطبق،
لتختلط تطبيقات الشريعة على ارض الواقع، وتتشعب المسالك وتتعزز
الخلافات.
elaph.com