الحكومات العراقية منذ 1921 حتى 1968 لم تمارس تمييزاً ضد أي طائفة
في النص الآتي تسجيل لحوار عميق في المسألة العراقية بين الوزير العراقي الأسبق صبحي عبد الحميد وأحد الوجوه السياسية العراقية المخضرمة والسياسي العراقي زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني جلال الطالباني، يسلط فيه الضوء على إشكالية السلطة والتنوع العرقي والإثني في العراق..
أشكر الأخ جلال الطالباني على فتح باب هذا الحوار الموضوعي والجاد عن قضية أساسية تهم الشعب العراقي بعربه وأكراده. وكنت أود أن ينحصر هذا الحوار في موضوع الفيدرالية (الاتحادية) الذي هو محور الخلاف بيننا إلا أن الأخ جلال خرج عن الموضوعية وتطرق إلى مواضيع شتي لا صلة لها بالموضوع الأصلي بعضها يفرق ولا يوحد أبناء الشعب العراقي وفي حواره تحديات لا بد من الإجابة عنها وبذلك سنخوض في أمور ما كنت أود الخوض فيها. بداية أود أن أؤكد للأخ جلال إننا نقر بأن الأكراد يعيشون في كردستان العراق منذ ألاف السنين ولا ننكر حقهم في أرضهم وجبالهم. وسكن العرب قبل الإسلام في المناطق السهلة من أرض العراق في محافظة نينوى وامتدوا حتى ديار بكر التي سميت باسم بكر بن وائل رئيس عشيرة بكر كما كانت عشيرة تغلب تسكن هذه المناطق ولقد اعتنقت الدين المسيحي ولا يزال نصارى الموصل يفتخرون بأنهم تغلبيون وعرب أصلاء. وكانت علاقة الكرد سكان الجبل مع العرب سكان السهل علاقة ود ومحبة وتبادلوا التجارة. والأكراد دخلوا الإسلام طواعية من دون حرب أو قتال حيث صعد لهم الدعاة المسلمون وأقنعوهم بدخول الدين الإسلامي. وكان الأكراد ولا يزالون اشد الأقوام تمسكا بالدين الإسلامي. ويكفي أن البطل ص لاح الدين الأيوبي الذي وحد مصر وسوريا والموصل من أصل كردي وهو الذي حرر فلسطين وبيت المقدس من الصليبيين. وكم نحن الآن بحاجة إلى صلاح الدين جديد ليحرر فلسطين وبيت المقدس من الصهاينة المجرمين. أعود الآن إلى صلب الموضوع: إننا نرفض الفيدرالية لا كرها بالأكراد بل حبا وتمسكا بعراقيتنا التي تجمعنا وحرصا على وحدة العراق جباله وسهوله وأن كان الأخ جلال يصر على أن حدود العراق القديم لا تتجاوز هيت ــ تكريت ، إن العراق في زمن الدول الإسلامية الأموية العباسية يضم هذه الأراضي التي تقع جنوب حدود الدولة البيزنطية التي كانت قائمة في العهد العباسي لذلك تكون جبال كردستان العراق جزءاً من الأرض العراقية منذ ذلك التاريخ مع اعترافنا بوجود الأكراد في إيران وتركيا وسوريا المجاورة لنا. وإننا نؤمن بأن من حق الأكراد أن يتمتعوا بالحكم الذاتي الذي أعلن في آذار سنة 1970 ويقر الأخ جلال في كتابه كردستان والحركة القومية الكردية ص 190 ذلك حين يقول في المادة (1): (تحقيق الحكم الذاتي لكردستان ضمن عراق ديمقراطي شعبي أي إقامة نظام شعبي فيه). إني اعرف أن كثيرا من الأكراد لا يقرون الفيدرالية وخاصة هناك عدد كبير من الأحزاب الكردية ومنها الإسلامية ترحب بعراق مستقل وموحد وخال من قوات الاحتلال يكون للأكراد فيه حكم ذاتي ديمقراطي وأن الحزبين الكبيرين الاتحاد الوطني والديمقراطي الوطني مع عناصر مستقلة تصر على الفيدرالية. إن الأخ جلال يعتز بقوميته وهذا من حقه ولا ادري لماذا ينتقد اعتزازنا بقوميتنا العربية ويصفها بالبالية والشوفينية والتقليدية وهي تجسيد للعقلية القديمة وإننا لا زلنا نسكن الكهوف ولن نتطور. إن الأخ جلال يعلم أن القومية عندنا تعني تحقيق الوحدة العربية، فالقومية إذا ثابتة لا تتغير أما أسلوب تحقيق الوحدة العربية فهو الذي يتغير حسب الظروف العربية والإقليمية والدولية فكنا ننادي في الخمسينات والستينات من القرن الماضي بالوحدة الاندماجية ثم الوحدة الفيدرالية والآن ننادي بالوحدة على الطريقة الأوروبية ولقد جاء في البيان السياسي لحركة التيار القومي العربي الذي أتشرف أن أكون من قادته ما يلي: (والحركة تؤمن بالوحدة العربية على أن تقوم وفق الأسس التي قامت عليها الوحدة الأوروبية. لأننا نعيش في عصر التكتلات الكبرى حيث لا وزن للدول الصغيرة فيه). وهذه الوحدة تقدمية ومتطورة لا تذيب الكيانات القائمة ولا تسلب الاستقلال والسيادة الوطنية ولا تنهي الظروف الاقتصادية والاجتماعية كما يدعي الأخ جلال وبالعكس من ذلك ستنعش الاقتصاد والصناعة وتطور الحياة الاجتماعية وتقف سدا منيعا بوجه التكتلات الدولية الكبرى. وإننا نفضل أن نعيش في الكهف الذي اختاره لنا الأخ جلال لتحقيق استقلال العراق وإنهاء الاحتلال ومن ثم العمل لتحقيق الوحدة بالشكل الذي ذكرته ونبقي قوميين تقليدين ولا نفضل أن نعيش في القصور الأمريكية ونستجدي حبهم ودعمهم. ونبقي في هذا الكهف ننادي بالقومية العربية والحفاظ على هوية العراق العربية. ونحن نؤكد أن القومية الكردية لن تذوب في هذا التجمع الكبير بل ستنمو وتزدهر. أما من يسميهم بالقوميين والناصريين الذين يؤيدون الفيدرالية والقومية الأشورية التي لا وجود لها في العرق فهو يعرف سبب تبينهم هذا الشعار أكثر مني. أشار الأخ جلال إلى أننا كنا نسكن في عمارة واحدة في القاهرة وكنت أزوره ويزورني وتكلمنا كثيرا عن القضايا العراقية والعربية والدولية وكانت وجهات النظر بيننا متطابقة في كثير من القضايا، وسألت يوما الأخ جلال عن سبب تركه كردستان واختيار القاهرة كممثل للحركة الكردية فيها وهو العضو القيادي المهم بعد أن تصالح مع الملا مصطفي بعد حرب ضروس بينهما في سنة 1964 استمرت أشهر. فقال لي إني فضلت ترك المنطقة لأني لا اتفق مع باقي القيادة في التعاون مع شاه إيران ولا اقبل وجود الضباط الإسرائيليين في كردستان ولا اقبل التعاون مع الامبريالية الأمريكية. حيث اتفق السيد بابا علي مع الولايات المتحدة على أن تعاون الملا مصطفي في ثورته ماديا ومعنويا وقررت تخصيص مبلغ (350) ألف دولار لغرض إدامة الثورة. وأكد الأخ جلال هذه الثوابت الثلاثة في كتابة كردستان والحركة القومية الكردية في ص 370 حيث يقول: (إن المناضلين الأكراد الوطنيين يعلمون جيدا أن الشعب الكردي لن ينال حقوقه القومية بمساعدات من الشاه وأسياد الشاه من الامبرياليين الأمريكان وحلفائه الصهيونيين لان هؤلاء هم الأعداء الألداء للشعب الكردي وهم الذين يبيتون له الدسائس لإدامة استعباده وإدامة تقسيم وطنه كردستان).
فلماذا غير اليوم رأيه وهو يتعاون منذ مدة مع الولايات المتحدة وحضر جميع مؤتمرات المعارضة التي حضرها مندوب أمريكا والآن وبعد الاحتلال تسرح الموساد الإسرائيلية في أرض العراق كله بضمنها كردستان؟
أنا انصح الأخ جلال أن لا يثق بالولايات المتحدة فقد سبق أن باعتهم سنة 1963 في عهد الرئيس كندي وأرسلت إلى العراق (1000) قنبلة نابالم لحرق القرى الكردية بدون مقابل وتبرعا منها وذلك في شهر تموز (يوليو) أو آب (أغسطس) سنة 963 في زمن حكم البعث الأول وجري الاتفاق على ذلك بين وزير الدفاع العراقي والسفير الأمريكي في بغداد. ولكن رئيس أركان الجيش الفريق طاهر محي اصدر أوامره إلى القوة الجوية والقطاعات المقاتلة أن لا تستهدف هذه النابالم القرى الكردية حتى لو تأكد وجود مقاتلين فيها واستخدامها ضد الأحراش التي قد يتواجد فيها المقاتلون. تكلم الأخ جلال عن الطائفية والعنصرية التي مارستها الحكومات المتعاقبة على الأكراد والشيعة منذ انبثاق الحكم الوطني في العراق وأنا سأتكلم عن فترة الحكم من سنة 1921 حتى 17 تموز (يوليو) 1968 حيث لم تمارس فيها العنصرية و** مطلقا وكل ما يقال عن ذلك هو دس من جهات أجنبية لإشعال نار الفتنة وزع الكراهية بين أبناء الشعب الواحد...ا والأخ جلال يعترف بأن الأكراد شغلوا مناصب مهمة في الدولة فاثنان منهم تقلدا منصب رئيس الوزراء وهما نور الدين محمود واحمد مختار بابان وتقلد أكثر من اثنين منصب وزارة الدفاع ومنهم محمد أمين زكي وجمال بابان وهو يقول أن وزارة الداخلية مخصصة للكرد تقريبا منذ الأربعينات بدءاً بالمرحوم عمر نظمي وانتهاء بالمرحوم سعيد قزاز ويقول كان العديد من رؤساء الأركان أكرادا. وأضيف إليه كان العديد من قواد الفرق أكرادا والعديد من المدراء العامين أكرادا وكان أو رئيس مجلس خدمة كرديا وهو المرحوم عبد الجليل برتو وكان منهم السفراء وشغلوا العديد من الوزارات فأين هي العنصرية ولماذا كانت ثوراتهم المتعاقبة وهم يتمتعون بهذه المناصب الهامة والحساسة وأبواب الجامعات كانت مفتوحة لطلابهم وأبواب الوظائف كلها مفتوحة لهم؟ أنا لم اسلك سلوكا طائفيا لأني لا أؤمن بالطائفية ولقد شغلت مناصب هامة ويشهد الجميع إني لم أمارس ** أو العنصرية قط. وكانت نظرتي للمواطنين متساوية لا افرق بين هذا أو ذاك. يبدو أن الأخ جلال غضب من ردي على مقال كردي مطلع حيث قلت: (يركز المقال على تقسيم العرب إلى سنة وشيعة لخلق فتنة طائفية ناسيا أن السنة والشيعة لا ينسون أن العروبة تجمعهم بطوق من حديد قوي لا يمكن كسره وان مصيرهم واحد ولا تفرقهم الاجتهادات المذهبية). إني هنا أشير إلى السنة والشيعة العرب، فعلى أي أساس ضُم إليهم السنة والشيعة من الكرد والتركمان فليتمعن بالفقرة جيدا، فسيجد إني اقصد السنة والشيعة العرب فقط، ولا يطلق الكلام على عواهنه وتفسيره مثل ما يريد ليزيد نار الفتنة واني أبرئك منها لسمو أخلاقك...ا انكَ تنكر على الشيعة العرب تمسكهم بعروبتهم، وهم عرب أصلاء، ينتمون إلى عشائر عربية أصيلة لاشك في عروبتها وهذا مفهوم عند الجميع ولا يحتاج إلى برهان، تم تعود وتناقض نفسك وتقول: إن معظم قادة الأحزاب والحركات القومية من الشيعة من أمثال محمد مهدي كبة وفؤاد الركابي واحمد ألحبوبي وناجي طالب. وأضيف إليهم سلام احمد وعبد الإله نصراوي وهاشم على محسن، وهم كانوا زملائي في الاتحاد الاشتراكي وفي الحركة الاشتراكية العربية التي كنت أمين سرها العام...ا والآن أعود إلى التحدي حيث ادعي الأخ جلال: إن الشيعة حُرموا من بعض المناصب وهذا خلاف الواقع...ا بدءا أقول لم تـُمارس ** في التوظيف والإستئزار، أو القبول في الكلية العسكرية، وكلية الأركان، والجامعات قط. واني سأتكلم عن الفترة 1921 ــ 1968...ا 1 ــ أصبح أربعة من إخواننا الشيعة في العهد الملكي رؤساء وزراء وأصبح الأخ الكريم ناجي طالب رئيس وزراء في عهد عبد الرحمن عارف والأربعة هم صالح جبر ــ محمد الصدر ــ فاضل الجمالي الذي شكل الوزارة مرتين ــ عبد الوهاب مرجان...ا 2 ــ تقلد صالح جبر منصب وزير الداخلية ثلاث مرات...ا تقلد سعد صالح وزارة الداخلية في وزارة توفيق السويدي الثانية...ا 3 ــ تقلد صادق البصَّام وزارة الدفاع في وزارة مزاحم الباجه جي...ا تقلد اللواء الركن محسن حسين الحبيب وزارة الدفاع في وزارة طاهر يحيي الثالثة في عهد عبد السلام عارف...ا 4 ــ لقد ادعيت في مقالكَ انه لم يكن في الجيش في العهد الملكي إلا ضابط ركن واحد من الشيعة هو اللواء الركن ناجي طالب، وهذا مجاف للحقيقة، فضباط الركن من العرب الشيعة في العهد الملكي كثيرون تخرج سبعة منهم بدرجة (أ) ونالوا قـِدم سنتين وشغل كثير منهم منصب معلم في كلية الأركان فأرجو أن تراجع مجلة الركن التي صدرت بمناسبة اليوبيل الذهبي لكلية الأركان سنة 1978...ا واليك الأسماء ضباط الركن الدرجة (أ) من إخواننا الشعية 1 ــ اللواء الركن حميد عبد المجيد دورة الأركان رقم 5.ا 2 ــ العميد الركن محمود المهدي دورة الأركان رقم 5.ا 3 ــ الرائد الركن محمد حسن ألطريحي دورة الأركان رقم 6.ا 4 ــ العقيد الركن محيسن محمد على دورة الأركان رقم 7. وأصبح معلما في كلية الأركان 5 ــ النقيب الركن عبد الرسول منصور دورة الأركان رقم 9.استشهد في حادث طائرة 6 ــ اللواء الركن ناجي طالب دورة الأركان رقم 11. ثم تخرج في كلية أركان كامبرلي وأصبح معلما في كلية الأركان.ا 7 ــ المقدم الركن محمد رشيد الجنابي دورة الأركان رقم 14.ا ضباط الركن الدرجة (ب) الذين منحوا سنة واحدة قدماً 8 ــ اللواء الركن محسن حسين الحبيب دورة 12 وتخرج أيضا في كامبرلي وأصبح بعد ذلك معلما في كلية الأركان ولقد درّسني فيها...ا 9 ــ العقيد الركن ناجي محمد 10 ــ المقدم الركن محمد علي كاظم 11 ــ العميد الركن جاسم كاظم العزاوي 12 ــ اللواء الركن حسين صادق 13 ــ اللواء الركن عبد الجبار رحيم 14 ــ اللواء الركن عبد اللطيف عبد الرضا 15 ــ الرائد الركن جابر علي كاظم 16 ــ العقيد الركن فيصل العرس 17 ــ المقدم الركن عبد العزيز جعفر الصندوق 18 ــ العقيد الركن فائق مهدي البغدادي 19 ــ اللواء الركن طالب محمد كاظم 20 ــ اللواء الركن محمد مجيد الشوك 21 ــ العقيد الركن عامر حسك أما قصة اللواء الركن حميد سيد حصونه فقد رسب في الامتحان هو واثنان من السنـَّة وهما صبري ألنعيمي وعبد الكريم محمد وكان معدل النجاح في قانون الكلية 65 فما فوق وبعـد رسوبهم بسنين تعدل القانون وأصبح المعدل 60 فما فوق. واستغلوا صداقتهم بعبد الكريم القاسم وقدموا له عرائض طالبين أن يشملهم القانون الجديد حيث كان معدلهم أزيد من 60 فوافق عبد الكريم ومنحهم شهادة الركن، وبذلك خالف القوانين، حيث لم يكن للقانون اثر رجعي...ا أنا لم أقل بأن العراق خال من الطوائف فالطائفتين السنية والشيعية موجودتان والمذهب الجعفري احد المذاهب الإسلامية الخمسة والإمام جعفر الصادق من أشهر من اجتهدوا في الدين الإسلامي وكثير من الأئمة تتلمذوا في مدرسته. ولكني أنكر واستنكر السلوك الطائفي والتفرقة ** سواء في التوظيف أو توزيع المناصب الكبرى، واعتقد أن هذا السلوك لم يُمارس في المدة من سنة 1921 حتى سنة 1968...ا فمنصب رئيس أركان الجيش لم يشغله احد إخواننا الشيعة لأن من يشغله يكون أقدم الضباط رتبة والذين شغلوه حتى سنة 1953 كلهم كانوا من ضباط الجيش العثماني، وإخواننا الشيعة كانوا يستنكفون إرسال أبنائهم إلى المدارس العثمانية، وهم دخلوا إلى الكلية العسكرية العراقية عندما تأسست سنة 1924، وأول رئيس أركان جيش من هذه المدرسة هو رفيق عارف الذي كان أقدم ضابط من خريجيها وتعين رئيساً لأركان الجيش في سنة 1953 وبقي في هذا المنصب حتى نهاية العهد الملكي...ا وكان الأمر في الوظائف المدنية كذلك، حتى أن الملك فيصل الأول لما كان يختار وزراءه من إخواننا الشيعة اختارهم من رجال الدين كهبة الدين الشهرستاني، والطباطبائي، ومحمد رضا الشبيبي، ومن كبار التجار كجعفر أبو التمين، وعبد الحسين الجلبي، وعبد المحسن شلاش، وبقي الأمر كذلك إلى سنة 1930 حتى بدأ الشباب الشيعة يتخرجون من الكليات فأخذ يختارهم من خريجي الكليات...ا وفي عهد عبد السلام كان مرافقه وسكرتيره وكاتم أسراره والشخص الذي يعتمد عليه اعتماداً مطلقاً هو الرائد عبد الله مجيد وهو شيعي مخلص جداً لعبد السلام. ولما طلب مني اختيار احد موظفي وزارة الخارجية ليكون رئيس تشريفات القصر الجمهوري، اخترت له السيد عبد الجبار الهداوي وهو شيعي، فرحب الرئيس عبد السلام بهذا الاختيار وتعين عبد الجبار في هذا المنصب الهام...ا وفي وزارة طاهر يحيي الثالثة في عهد عبد السلام التي تشكلت في 14 تشرين الثاني (نوفمبر) 1964 تقرر اختيار وزراء قوميين مؤمنين بالقيادة السياسية التي تشكلت أخيرا بين العراق ومصر فضمت الوزارة سبعة وزراء شيعة هم:- 1 ــ اللواء الركن ناجي طالب وزير الخارجية 2 ــ اللواء الركن محسن حسين الحبيب وزير الدفاع 3 ــ الدكتور عبد الحسن زلزلة وزير الاقتصاد 4 ــ الدكتور عبد العزيز الحافظ وزير التخطيط 5 ــ فؤاد الركابي وزير البلديات 6 ــ عبد الرزاق محي الدين وزير الوحدة 7 ــ عبد الصاحب علوان وزير الإصلاح الزراعي وفي زمن عبد الكريم قاسم تشكل مجلس الخدمة الذي كان واجبه تعيين الموظفين في وزارات الدولة، وسحب هذه الصلاحية من الوزراء وأناطها بهذا المجلس، وكان أول رئيس لمجلس الخدمة ومدته خمس سنوات، هو عبد الجليل برتو.. وفي سنة 1963 تم تعين الدكتور محمد حسين آل ياسين، وهو شيعي، رئيساً له، ولما أكمل المدة، تم تعين السيد مشكور أبو طبيخ في محله، وهو شيعي. وبعـده، في السبعينيات، تم تعين خير الله طلفاح والغي المجلس في عهده...ا وفي أوائل سنة 1964، اصدر السيد مهدي الحكيم نجل آية الله محسن الحكيم، منشوراً فيه هجوم على الحكومة، فقال السيد طاهر يحيي: يبدو أن السيد زعلان علينا ويقصد بالسيد آية الله محسن الحكيم، وقال: فلنذهب إلى النجف ونلتقي به لنسمع منه سبب زعله.. فذهب إلى النجف ومعه أربعة وزراء هم: حسن الدجيلي، عبد العزيز الحافظ، عبد الكريم هاني، شامل السامرائي.. واستقبلهم السيد محسن بلطفه العربي وأخلاقه العالية. وسأله رئيس الوزراء عن سبب زعله فقال السيد المحترم (إنكم تصدرون القوانين خلافاً للشريعة الإسلامية)، فوعده رئيس الوزراء بأن الوزارة ستأخذ هذا الموضوع بجدية، وتحاول أن تقرب القوانين من الشريعة الإسلامية. ثم قال السيد إن الوزراء يفضلون في التعيين أبناء السنة على أبناء الشيعة، فنفي رئيس الوزراء ذلك، وقال له: (سيدنا) تعيين الموظفين للوزارات من صلاحيات مجلس الخدمة، وليس من صلاحيات الوزراء، عدا وزارة الخارجية؛ ورئيس مجلس الخدمة هو محل ثقتك وثقتنا هو الدكتور محمد حسين آل ياسين. فضحك السيد محسن الحكيم رحمه الله، وقال: لعنة الله على المنافقين والدساسين الذين يزودوننا بالأخبار الكاذبة، ثم شكر رئيس الوزراء والوزراء على زيارتهم وغادروا النجف الأشرف...ا وعندما كنتُ وزيراً للداخلية في أواسط سنة 1965، كلمني في الصباح الباكر في أحد الأيام الدكتور عبد المحسن زلزلة وزير التخطيط، وقال لي: لقد كلمني السيد مهدي قبل قليل وقال أن والده آية الله محسن الحكيم يرغب بأن يري مسؤولاً كبيراً في الدولة، ويفضل أن يكون وزير الداخلية. فقلت له: لنلتقي في القصر الجمهوري، لنأخذ موافقة رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء. ثم كلمتُ رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية، وأخبرتهم بالأمر. فالتقينا في الساعة السابعة والنصف وأمرنا رئيس الجمهورية بالسفر فوراً إلى النجف، وإجابة كل طلبات السيد محسن. فقلتُ له: قد تكون بعضها خارج صلاحياتي، فقال: أنا أمنحك كل صلاحياتي لهذا الغرض. فسافرنا أنا والأخ عبد المحسن زلزلة، والتقينا بالرجل الرزن العاقل المتزن الحكيم، وقال لي: لديّ سؤال واحد أرجو أن تشرحه لي بعناية، وهو: ما هي المشكلة الكردية، ولماذا هذا الاقتتال!؟ فشرحتُ له المشكلة بالتفصيل. وبعد عدة استفسارات من سماحته، اخرج من جيبه رسالة وسلمها لي وقال: اقرأ هذه الرسالة...ا وكانت الرسالة مرسلة إليه من الملا مصطفي البارزاني، يطلب فيها من سماحته إصدار فتوى موجهة للجيش العراقي، يحرم فيها أبناء الجيش بمقاتلة إخوانهم المسلمين من الأكراد...ا فسألت سماحته عن رده؛ فقال: أنا مرجع ديني، والمراجع الدينية لا تصدر الفتاوى جزافاً، ولكل من يريدها.. إن المرجع الديني يصدر الفتاوى إذا اقتضت الحاجة، وقد لا يصدر أية فتوى طيلة حياته. فقال لي ألا يمكن حل المشكلة دون سفك دماء المسلمين؟ فقلت له: لقد عجزنا يا سيدنا، وأرجو سماحتك أن تدخل وتكون وسيطاً وحكماً وتعاوننا وإخواننا الأكراد على هذه المشكلة، وأنا اطلب ذلك من سماحتك باسم رئيس الجمهورية. فوعدني سماحته بالتدخل، وسيخبر الدكتور عبد الحسن زلزلة إذا استجد ما يستوجب ذلك. إلا أني استقلت من الوزارة بعد شهر. وبعدها التقيت بالأخ عبد الحسن وسألته عن مساعي آية الله السيد محسن الحكيم، فقال: انه سحب نفسه من الموضوع، لأنه لم يتوصل إلى نتيجة مع إخواننا الأكراد...ا وفي أواسط سنة 1964 نقل السيد ناصر الحاني من منصب وكيل وزارة الخارجية إلى منصب سفير العراق في واشنطن بناء على إلحاح من رئيس الجمهورية الذي كان لا يطيق سماع اسم ناصر الحاني وهم من مدينة واحدة هي عنه... فقررت تعيين أقدم مدير عام في الوزارة في منصب وكيل الوزارة، وكان الدكتور العالم الفاضل مصطفي كامل حسين رحمه الله، وبعد موافقة رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وترحيبهما بهذا الانتخاب، أرسلت على الدكتور مصطفي وهو من إخواننا الشيعة، فرجاني أن أعفيه من هذا المنصب، وأصر على البقاء في منصبه مديراً للدائرة السياسية، لأنه كان يطمح أن يكون عضواً في محكمة العدل الدولية، ومنصبه الحالي يسمح له بالسفر عدة مرات، ويتصل بذوي الشأن في الدول والأمم المتحدة، وكان الذي يليه في القِـدم السيد كاظم الخلف، وهو أيضا من إخواننا الشيعة، فأخبرتُ رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، فقال رئيس الجمهورية: إن الدكتور مصطفي مفخرة للعراق إذا تعيَّن في محكمة العدل الدولية، وأن السيد كاظم الخلف جدير بمنصب وكيل وزارة الخارجية، فصدر مرسوم جمهوري بتعيين كاظم الخلف وكيلاً لوزارة الخارجية في 22 حزيران (يونيو) 1964...ا وفي سنة 1968 في عهد عبد الرحمن عارف، وكان طاهر يحيي رئيساً للوزارة، قرر السيد محسن الحكيم المرجع الديني الشيعي السفر إلى حج بيت الله الحرام، فخصص له شاه إيران طائرة خاصة، وخصص طاهر يحيى طائرة عراقية له. ففضل السيد المحترم المقام الطائرة العراقية، وسافر إلى الحج ولما عاد، كان رئيس الوزراء طاهر يحيي في استقباله في المطار، وكان بصحبته الأستاذ الفاضل عبد الحسين الجمالي مدير الدائرة العربية في وزارة الخارجية...ا أيها الأخ جلال أين ** وممارستها في كل هذا السرد والحقائق الموثقة...!؟
أما قصة خلافنا مع عبد السلام عارف رحمه الله، فهي طبيعية تحدث بين الأخوة، وقد تصل إلى استخدام السلاح البعض ضد الأخر...ا لقد حدث خلاف بينك وبين الأخ مسعود البارزاني، فاستعان مسعود بصدام حسين في أواسط العقد الأخير من القرن الماضي، فأرسل صدام كتيبة دبابات أخرجتك من أربيل، وسلمت المدينة إلى السيد مسعود ولا تزال تحت سيطرة السيد مسعود...ا واستعنتَ أنت أيضا بالأمريكان في حربك ضد أنصار الإسلام من إخواننا الأكراد، فقصفت الطائرات الأمريكية بعد احتلال الأمريكان للعراق (طويلة وبيارة) وأوقعت في أنصار الإسلام وهم من الشعب الكردي خسائر كبيرة...ا ولا تزال في كردستان دولتان الأولي في دهوك ورئيسها السيد مسعود البارزاني والثانية في السليمانية برئاستك ولكل منهما رئيس وزراء ووزراء...ا فالفيدرالية لمن وهل ستكون هناك فيدراليتين واحدة لك وواحدة للأخ مسعود!؟
وأخيراً لننسي ما مضي وكل الخلافات والادعاءات السابقة والحاضرة، وأن لا نطيل الجدل الذي بات يفرق ولا يوحد، ونحن اليوم اشد حاجة إلى الوحدة الحقيقية. ولنترك الكلام عن الفيدرالية. ومن هم الأكثرية، والأقلية، لأنه لا توجد وثيقة أو تعداد يثبت ذلك. ولنفكر فقط في الوطن المحتل، وكيفية إنقاذه من الاحتلال، وإعادة استقلاله وكرامته ووحدته المهددة إلى الضياع. ونعيد الأمن والاستقرار للشعب المنكوب، ولنعمر بلدنا بأيدينا، ونستعيد ثروتنا ونفطنا، ونـَحول دون تصرف الأمريكان فيه، ولننهي الاحتلال ونخرج أفواج الصهاينة التي تسرح في أرض العراق، سواء في المناطق العربية أم الكردية، فهدف هؤلاء وبعض العناصر التي دخلت من دولة مجاورة، هو لإشعال فتنة طائفية وعنصرية، ولنتكاتف عربا وأكرادا وتركمانا سنة وشيعة وننسي كل شيء، الوطن المحتل...ا ولقد سمعنا جميعا قبل أسبوع أو أكثر جورج بوش يقول (إنهم سيبنون ستة قواعد في العراق، وهذا يعني إنهم باقون عشرات السنين وستكون حتما قاعدتان منهما في كردستان العراق، وأن لا نصدق وعود وعهود الأمريكان، فإنهم جاءوا ليبقوا، ولا بديل لإخراجهم إلا وحدتنا واتفاقنا. وأرجو أن لا نشغل الجماهير بهذه الحوارات والخلافات، ولنثقفهم ثقافة وطنية ونغرس في قلوبهم حب الوطن، وحب بعضهم بعضا، ولننه سياسة الانتقام والثأر، وقتل العلماء، ولنتوجه جميعنا متكاتفين لإنهاء الاحتلال...ا وإن قيادة حركة التيار القومي العربي حاضرة للجلوس والحوار مع الأخ جلال، لنتحاور عن كيفية إنهاء وإعادة الاستقلال والكرامة للعراق...ا ولتبقي المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار وشكرا...ا