فساد المقاولين والموظفين
الحكوميين يعيق جهود الإعمار في العراق
مشروع إسكاني في العراق لا ترسو مناقصة على مقاول إلا بعد أن يدفع الرشاوى
للوسطاء والموظفين الحكوميين، وعندها ينفذ المقاولة بالحد الأدنى من الجودة ليؤمن
لنفسه ربحًا، بعد أن يذهب معظم المال المرصود إلى جيوب الفاسدين. وهذا ما يعيق جهود
إعمار العراق.وسيم باسم بغداد: Elaph
يضطر المقاول أحمد الليثي
في كل مرة إلى تقديم مبالغ وهدايا لموظفين ومسؤولين لمنحه تسهيلات تفضي إلى إرساء
المقاولات عليه. وإذ يعترف الليثي بذلك، فإنه يشير إلى مئات المقاولين الذين
يبتكرون أساليب الواسطة والرشوة للحصول على مناقصات المقاولات. وبحسب الليثي، يشمل
ذلك المقاولات الكبيرة التي تقدر عمولاتها بملايين الدولارات، اضافة إلى المقاولات
الصغيرة.
ويعترف الليثي أيضًا بأن
إنجاز المشاريع لا يتم بإخلاص وكفاءة وفي الوقت المحدد، "لكن ذلك لن يكون مصدر قلق
طالما يمكن اغراء المسؤولين والجهات الرقابية". ومنذ العام 2003، ذهبت البنية
التحتية ضحية الغش والفساد، وما زال الناس يعانون من سوء تعبيد الطرق وندرة المدارس
والمشاكل في شبكة الصرف الصحي.
منافع شخصية
على الجانب الاخر، يشير
المهندس قحطان خيون، الذي عمل مع مقاولين عدة منذ العام 2003، إلى أن الفساد لا
يتعلق بالمقاول فحسب، بل يتعداه إلى الموظف والمسؤول، اللذين يستغلان المراكز
الوظيفية لتحقيق منافع شخصية، ويتجسد ذلك في عدة صور منها الرشوة ومحاباة
المقاولين.
ويؤكد خيون، الذي فشل مرات
في الحصول على مقاولات في مجال بناء المدارس وتعبيد الطرق، أن اغلب اصحاب الشركات
الانشائية التي تحصل على المقاولات ليست حقيقية ولا تتمتع بالخبرة، "بل هي شركات
مسجَّلة بأسماء تجار بعضهم لا يجيد القراءة والكتابة، كما انهم لا يستعينون
بالمهندسين في إنجاز المشاريع، وبعضهم لا يمتلك الادوات والمكائن اللازمة لإنجاز
المقاولة".
يقول: "ما إن ترسو المقاولة
على أحد هؤلاء، والتي يحصل عليها بالرشوة والاتفاقات خلف الكواليس، حتى يستعين
بعمال بسطاء ويؤجر او يشتري المكائن والوسائط الميكانيكية الضرورية لانجاز
العمل".
عمل عشوائي
يؤكد خيون أنه عمل مع مقاول
في مدينة كربلاء قام بتعبيد مئة كيلومتر من الطرق، من دون أن يستعين بمختبرات فحص
التربة وفحص المواد التي تستخدم في تبليط الشوارع. يقول: "كانت النتيجة شوارع معبدة
بشكل عشوائي ومن دون أرصفة أو مجارٍ، واللجان الرقابية اعطته شهادة الانجاز التام
للمشاريع بفضل الاغراءات المالية".
يلقي عباس ناصر حساني، رئيس
لجنة الاعمار في مجلس محافظة كربلاء، بمسؤولية التأخير في مشاريع الإعمار على شركات
المقاولات، إذ يشير إلى أنها تتقاعس في انجاز المشاريع في الوقت المحدد، على الرغم
من استلامها مستحقاتها المالية.
ويتحتم على الشركات العاملة
في العراق حيازتها هوية تحمل تصنيف "ممتاز" من وزارة التخطيط، كشرط للمشاركة في
مناقصات المشاريع المختلفة التي تعلنها المؤسسات في العراق. كما تحدد التعليمات رقم
(3) للعام 2009 الخاصة بتسجيل وتصنيف شركات المقاولات، تصنيف المقاولين بين الدرجة
الممتازة إلى الدرجة العاشرة.
ويعترف خيون بأن الكثير من
المقاولين والمهندسين يستسلمون للأمر الواقع، ليصبحوا حلقة في سلسلة مقاولات فساد
تتضمن بناء مدارس وتبليط طرق وشق أخرى جديدة.
ظاهرة عامة
تشير شيماء حسن، الباحثة
الاقتصادية والأكاديمية، إلى أن الفساد اصبح ظاهرة عامة يحرص عليها أشخاص متنفذون،
وأن أي محاولة لإيقاف هذه الظاهرة تبوء بالفشل لأنها جهود فردية أمام فساد
جماعي.
وبينما هناك أميون اصبحوا
بين ليلة وضحاها مقاولين معروفين، فإن الآلاف من المهندسين العاطلين عن العمل ظلوا
خارج ماكنة المشاريع الكبرى بسبب الفساد.
ومنذ العام 2003، أنفِقت
مليارات الدولارات في عمليات اعادة العمران في العراق عبر شبكات من المتعاقدين
المحليين والدوليين، لكن سجلات لجنة النزاهة النيابية تشير إلى أن حجم الأموال
المسروقة، المسجلة في الأشهر الستة الأولى من العام 2011، وصل إلى 59 مليار دولار
أميركي.
وسطاء فاسدون
يحرص المقاول سليم الجبوري
على تقديم صورة مشرقة للمقاول العراقي، فيقول: "الغرض من المقاولات هو الربح وفق
القوانين والأنظمة، لكن هناك وسطاء يتقاضون اموالًا لرشوة موظفين كبار، فهؤلاء لا
يعطون المقاولة التي ترسو على مستثمر الا بعد اتفاق معه من وراء
الكواليس".
يضيف: "فثمة مقاولون لا
يقلقون لأنهم يدخلون المزايدة متحصنين باتفاقات مسبقة حيكت في الظلام، تعتمد أغلبها
على رشوة المسؤولين والموظفين". وبحسب مصادر نيابية، فإن العام الماضي شهد قضايا
فساد مالي تورط فيها حوالى 25 الف موظف.
وتؤكد الباحثة الاجتماعية
كريمة خاتم تصاعد وتيرة مشاريع الاعمار، "لكن للأسف يصاحبها سرقات وهدر كبير في
المال العام". وقد سجلت لجنة النزاهة النيابية 38 ألف قضية فساد، ليضع هذا الرقم
العراق بين أكثر دول العالم فسادًا.
بالحد الأدنى
حصل المقاول ماجد شاكر على
مقاولة بناء مدرسة في العام 2009، ولم يكرر الامر. يقول إنه عايش هذا العالم الذي
تشوبه صفقات فساد وعدم صدق، مؤكدًا أن البعض يعتبر المقاول من رموز الفساد، "لكن في
الحقيقة هو اقل المستفيدين في سلسلة المسؤولين والوسطاء، إذ تتراوح العمولات التي
يتقاضونها بحسب التأثير المعنوي وحتى السياسي لصاحب العمولة، فتُدْرج العمولات
والرشاوى من المبالغ الكبيرة إلى الصغيرة والتي تكون من حصة الموظف الاصغر في
السلسلة".
ويرد ماجد توقفه عن العمل
في مجال مقاولات مشاريع الاعمار إلى اكتشافه أن المبلغ المرصود للمقاولة كان أعلى
بكثير من المبلغ الذي رُصِد له من وسيط كلفه بإكمال المشروع.
يضيف: "كان عليّ أن اختار
بين الامتناع عن المقاولة أو التلاعب بالمواصفات الفنية المطلوبة وإنجاز المشروع
بأقل التكاليف وادنى نوعية، لكي اضمن لي ربحًا جيدًا، فمن مجموع مئتي الف دولار
رُصدت للمشروع، كان يتوجب علي أن انجزه في حدود سبعين الفًا، وهذا يعني أن ما يزيد
كثيرا عن نصف المبلغ المرصود ذهب إلى جيوب الوسطاء والموظفين".
ويتابع قائلًا: "حين شرعت
في الحصول على مقاولة اخرى لشق طرق وتبليط أخرى، اشترط علي احد الوسطاء مبلغ خمسين
ألف دولار لإرساء المناقصة علي".