الطبيعة والحروب تهددان آثار أور سلوى جراح في الوقت الذي تتربع فيه بغداد على عرش الثقافة العربية، وتقيم المهرجانات الثقافية، نشرت بعض الصحف العراقية ما صرح به خبير آثار في محافظة ذي قار، من أن زقورة أور والمقبرة الملكية والمعابد المحيطة بها في العاصمة التاريخية للحضارة السومرية، مهددة بالانهيار. وأكد أن آثار مدينة أور التي يعود تاريخها لأكثر من أربعة آلاف سنة، مهددة فعلاً بانهيار وشيك قد يكون مفاجئاً بسبب وجود تشققات في جدران الزقورة والمقبرة الملكية وعدد من المعابد، وأن هذه التشققات قد تتسبب بزوال المدينة برمتها، إذا لم تتم معالجتها بشكل عاجل. وكان العديد من خبراء الأثار قد حذروا من التصدعات في الزقورة بعد أن أقحمت في الحروب التي شهدها العراق منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي. فقد حدثت أضرار جسيمة للزقورة عام 1991 خلال حرب الخليج الاولى حين أصابتها أكثر من أربعمئة رصاصة ما زالت آثارها واضحة على الجدران كما القيت بالقرب منها العديد من القنابل هزت انفجاراتها البناء وصدعته. ثم تأثرت المدينة التاريخية بحركة الآليات العسكرية الثقيلة والطائرات التي كانت تستخدمها القوات الأمريكية بعد دخولها العراق عام 2003، كما استعمل جزء كبير من المدينة كثكنة عسكرية، مما أثر على مبانيها التاريخية.، خاصة وأن هذه المباني لم تشهد أي عمليات صيانة منذ عام 1962 . كلمة زقورة مشتقة من اللغة السومرية، وهي في الأصل تمين ني غورو التي تعني البيت ذي القاعدة المرعبة ، وسر ما تمليه من رعب هو ضخامتها وامتدادها واتساع قاعدتها وتعدد السلالم التي تصعد من القاعدة الضخمة إلى مبانيها. يعود تاريخ زقورة أور العظيمة قرب مدينة الناصرية في محافظة ذي قار، إلى بدايات العصر البرونزي أي قبل ألفين ومئة عام قبل الميلاد. بنى زقورة أور الملك أور نامو في أوائل الألفية الثانية قبل الميلاد خلال حكم السلالة الثالثة في أور. ومع مرور السنين لم يتبقى من الزقورة سوى قاعدتها الضخمة، التي يبلغ عرضها أربعة وستون متراً ويصل طولها إلى ستة وأربعين، ويقدر الخبراء ارتفاعها الذي لم يتبفى منه الكثير، بثلاثين متراً. بنيت الزقورة لتكون مركزاً للإدارة المحلية لمدينة أور ولتضم معبداً لإلاه القمر نانا حارس المدينة. وتم الانتهاء من البناء الضخم للزقورة في أوائل الالفية الثانية خلال حكم الملك شولغي الذي نصب نفسه إلاهاً وحكم على مدى ثمانية وأربعين عاماً وأصبحت أور خلال حكمه عاصمة دولة تسيطر على معظم أراضي ما بين النهرين. وفي تلك الفترة بنيت العديد من الزقورات من اللبن والطين. لكن عوامل الزمن لم تبق من تلك الزقورات ما بقي من زقورة أور. ولعل السبب في ذلك هو أنه أعيد ترميم زقورة أور في القرن السادس للميلاد. ما نشاهده اليوم من بقايا الزقورة يتكون من طبقتين الطبقة السفلى المبنية من اللبن والطين، والتي تعود إلى البناء الأصلي في حين أن الطبقتين اللتيين تعلو ذلك تعود للعصر البابلي حين تم ترميم البناء وإعادة مجده الغابر، أما الواجهة والسلالم، فقد أضيفت في القرن الماضي. ورغم أنه لم يتم العثور على مدونات تاريخية في المنطقة تعود لما قبل الفين وتسعمئة قبل الميلاد إلا أن علماء الآثار يؤكدون أن أقواماً غير سامية عاشت في المنطقة قبل أربعة آلاف وخمسمئة سنة قبل الميلاد. أقوام يعرفون بالعُبيديين لم يكونوا يتحدثون السومرية جاؤا من شمال ما بين النهرين وجففوا أجزأً من الاهوار للزراعة ونظموا التجارة وبنوا صناعات محلية كالحياكة وإعداد الجلود وعمل الأواني الفخارية. ثم تطورت الحضارة السومرية في أوروك في الالفية الرابعة قبل الميلاد. أما مدينة أريدو السومرية التي كانت قريبة من سواحل الخليج، فكانت أول مدينة في تاريخ الحضارة الإنسانية تتمازج فيها ثلاث حضارات في وقت واحد. إذ عاش فيها العُبيديون الذين امتهنوا الزراعة وطوروها وعرفوا وسائل عديدة لري الارض، والقبائل الرحل الذين يعيشون في خييم سوداء ويربون قطعان الخراف والماعز، وصيادو السمك الذين يسكنون بيوتاً من القصب في منطقة الأهوار. أي أن حضارة أوروك قامت على الزراعة وتربية الماشية وصيد السمك وكل المهارات المجتمعة من تلك المهن الاساسية في تاريخ الحضارة الإنسانية. وهذه هي الحضارة التي يرجح أن السومريين انحدروا منهم. في الألفية الثالثة قبل الميلاد بدأ تعاون وثيق بين الحضارتين السومرية والأكدية في كل مجالات الحياة خاصة في تطوير لغة جديدة. وفي الربع الأخير من الالفية الثالثة هاجم ملوك الامبراطورية الأكدية بلاد سومر وهزموها لتعود للظهور من جديد في مدينة أور في الالفية الثانية قبل الميلاد وهو الزمن الذي بنيت خلاله زقورة أور العظيمة. منذ أوائل القرن العشرين بدأ الاهتمام بزقورة أور لكن الحفريات لم تبدأ إلا بعد الحرب العالمية الاولى. وكانت أهم تلك الحفريات، بين عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي بإشراف السير شارلز لينورد وولي عالم الآثار البريطاني 1880 ــ 1960 الذي نال شهرة واسعة بعد أن قدم للعالم قطعة قيمة من تاريخ السومريين، خاصة وأنه كان من أوائل علماء الآثار في القرن العشرين الذين أهتموا بالبحوث العلمية وساهم في إشاعة مفاهيم علمية حديثة في التنقيب عن الآثار. ومنذ ذلك والوقت وزقورة أور العظيمة من أهم الآثار في العراق. والسؤال هل ستبقى زقورة أور قائمة للاجيال القادمة، أم أن الحروب التي سرقت الكثير من حياة العراقيين ستسرق منهم واحداً من أهم آثار تاريخهم العريق.