الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 24429مزاجي : تاريخ التسجيل : 31/01/2010الابراج :
موضوع: فاتن حمامة تطرق باب الثمانيين الثلاثاء 1 يونيو 2010 - 1:24
بسم الاب والابن والروح القدس الاله الواحد امين
«سيدة الشاشة العربية» وعطاء فني متجدد سيدة الشاشة العربية تطفئ شمعتها الثمانين القاهرة: طارق الشناوي غدا، تكمل فاتن حمامة سيدة الشاشة العربية عامها التاسع والسبعين وتنطلق إلى الثمانين من عمرها المديد بإذن الله لتشع دائما إبداعا ونورا على حياتنا.
لست من أنصار حزب زمن الفن الجميل.. أقصد هؤلاء الذين دائما ما يبخسون حق الحاضر من أجل الماضي.. يعتقدون أن الجمال كأنه زرع ينبت في زمن ثم يتغير المناخ فلا تعد أرض الإبداع تطرح جمالا.. إنها بالتأكيد نظرة قاصرة جدا تظلم الحاضر وتؤكد في نفس الوقت أن الماضي لم يكن يحمل بداخله جينات الاستمرار أي إنه ماض عقيم غير قادر على الإنجاب وهذا بالطبع يتنافى مع حقيقة الحياة.. لأن لكل زمن إيقاعه ومفرداته وقانونه ونجومه وأيضا جماله، إلا أنه تظل دائما هناك استثناءات، إنه الفنان الذي يعيش معنا في زمن ويظل محتفظا بمكانته في زمن آخر.. الفنان الذي لا ننتظر منه حضورا مباشرا ليظل حاضرا.. هذا التوصيف يتجسد أمامي دائما في فاتن حمامة!! إنها الطفلة الصغيرة في فيلم «يوم سعيد» التي لم تبلغ التاسعة عام 1940 حتى وصلت إلى مسلسل «وجه القمر» في آخر ظهور فني لها قبل نحو 10 سنوات.. نعم طال زمن الغياب ولكن مثلما عرفها الناس وهي طفلة ونضجت معهم فإن غيابها لا يعني أبدا أنها لم تعد تشغل مساحة في أعماقهم إنها لا تزال أيضا في القلب.. عرف الجمهور فاتن حمامة باعتبارها طفلة خفيفة الظل قادرة على الاستحواذ على اهتمامه فكان الحب من أول لقطة فالجيل الذي شاهدها وهي طفلة كبر معها والأجيال التي لم تشاهدها أصبح لديها سجل كامل حافل بكل سنوات عمر فاتن حمامة.. إنها السينما عندما تحفر في ذاكرة الناس ملامح وأحاسيس تكبر معهم مثلما هم أيضا يكبرون.. هذا هو ما حدث بالضبط مع فاتن حمامة، بالطبع لم يطلب منها أحد التخطيط لذلك، ولا هي فكرت في أنه مع الزمن سوف تدعم تلك اللقطات، وهي طفلة مشوارها عند الناس إلا أن المؤكد أن وقوفها مبكرا أمام الكاميرا منحها حميمية ودفئا في كل لقاءاتها التالية مع الجمهور.
نعم، الطفلة لم تعد طفلة.. فقد أراد لها الناس أن تنمو بينهم سينمائيا.. إن هناك مواهب أخرى تبرق في زمن الطفولة ثم يخفت بريقها ولدينا الأمثلة الكثيرة «شيرلي تمبل» الطفلة المعجزة، النموذج العالمي، «فيروز» الطفلة المعجزة، النموذج العربي، لكن الناس في أحيان كثيرة تريد أن تثبت ملامح الطفل عند عمر محدد كأنه «دمية» لا تكبر.. هم يكبرون ولكنهم لا يريدون لهذه الدمية أن تكبر معهم بل تظل رمزا لطفولتهم!!.
فاتن حمامة هي نموذج للطفلة الاستثناء التي سمحوا لها بأن تواصل مشوارها معهم وبنفس البريق، لأنهم اعتبروها فنانة من لحم ودم وليست مجرد حالة مرحلية وشاهد حي على زمن طفولتهم.. إنها واحدة من العائلة ولهذا بمجرد أن تعدت سنوات الطفولة واصل مكتشفها (محمد كريم) مشواره معها لتشارك في بطولة فيلمه «دنيا» ثم قدمها «حسن الإمام» في أول أفلامه الروائية «ملائكة في جهنم» وهي في الخامسة عشرة من عمرها ثم «اليتيمتين» بعده بعامين وتتواصل الرحلة مع الناس ولا تتوقف إلا لأسباب قهرية ولمدة لم تتجاوز 4 سنوات من عام 1966 إلى عام 1970.
فاتن حمامة هي حلم المخرجين من جيل نهاية الأربعينات والخمسينات.. وحتى جيل التسعينات.. مثل حسن الإمام، وصلاح أبو سيف، وهنري بركات، وكمال الشيخ، ويوسف شاهين، الذين تعودنا أن نطلق عليهم مخرجو العصر الذهبي للسينما.. وحتى تصل لجيل داود عبد السيد، وخيري بشارة من نجوم مخرجي الثمانينات والتسعينات، وكانت لها أيضا مشروعات لم تكتمل مع كل من عاطف الطيب ومحمد خان وشريف عرفه.
كان محمد كريم هو مكتشفها في طفولتها عندما قدمها في «يوم سعيد» أمام الموسيقار محمد عبد الوهاب ثم وهي تقف على أبواب المراهقة في فيلم «دنيا» ثم بدأت مشوارها مع حسن الإمام وتجسد في فترة المراهقة مع فيلمه الأول «ملائكة في جهنم».. أما باقي المخرجين فإنهم جميعا كان حلمهم مع أول تجاربهم في فاتن حمامة.. وليس صدفة أن في أول أفلام يوسف شاهين «بابا أمين» يفكر على الفور في فاتن حمامة.. وأول أفلام كمال الشيخ يصعد على الفور اسم فاتن حمامة في «المنزل رقم 13» وعندما يريد صلاح أبو سيف أن يغير مساره الفني - أو بتعبير أدق - عندما يعثر أبو سيف على موجته السينمائية الصحيحة، وهي الواقعية، يجد على الفور أحلامه في التغيير تتجسد مع فاتن حمامة من خلال فيلم «لك يوم يا ظالم».
ثم مع عز الدين ذو الفقار هذا المخرج الذي نسج مع فاتن أجمل أفلام تاريخه وتاريخها أيضا.. حيث كانت مع تباشير البداية لعز الدين ذو الفقار وبعد عام واحد من تلك البداية في فيلم «خلود» عام 1948.
واللقاء بين عز وفاتن هو حالة خاصة.. إنه لقاء لا يعترف إلا بالنجاح الطاغي مثل «موعد مع الحياة»، «موعد مع السعادة»، «بين الأطلال»، «نهر الحب» وهو لقاء فني - أو التقاء فني - لم يتأثر إطلاقا بالطلاق والانفصال الشخصي الذي وقع بين فاتن وعز في منتصف الخمسينات.. بل إن «بين الأطلال» و«نهر الحب» وهما ذروة نجاح هذا الثنائي ثم إنجازهما بعد الانفصال!! فاتن حمامة هي صاحبة أعلى أجر بين نجمات جيلها وأكثرهن تحقيقا لإيرادات الشباك ورغم ذلك لم تقع أسيرة لأرقام إيرادات الشباك فقد كان لديها دائما شيء أبعد من مجرد أن يحقق فيلمها أعلى الأرقام.. لم تصنع الأرقام حاجزا بينها وبين أن تراهن على المجهول.
لقد استطاعت أيضا أن تقهر تلك الصورة الذهنية التي كانت هي الطابع المميز لمرحلتي الأربعينات والخمسينات وحتى الستينات.. إنها الصورة التي يتم تصديرها إلى الجمهور وترتبط بالفنان دائما في كل أدواره، عندما تراه تتجسد أمامك فورا تلك الصورة، وهكذا مثلا تجدها في مرحلة مبكرة جدا من عمرها في منتصف الخمسينات تلعب بطولة فيلم «طريق الأمل» لعز الدين ذو الفقار وتؤدي دور «فتاة ليل» صحيح أنها ضحية قهر اجتماعي فرض نفسه عليها وتظل متعاطفا معها باعتبارها تنويعة درامية على شخصية «المومس الفاضلة».. إلا أنها ولا شك جرأة منها أن تكسر نمط الفتاة المثالية المنكسرة الملائكية في سلوكها مهما كان للمجتمع وللظروف الاقتصادية التي تعيشها من سطوة.. كما لعبت بعد بضع سنوات دور زوجة خائنة في «نهر الحب» لعز الدين ذو الفقار وحطمت للمرة الثانية الصورة الذهنية التي تسيطر على الفنان ولا تسمح له بالخروج عليها.. هذه الصورة تفرض ملامح محددة على الشخصية الدرامية.. والجمهور عادة لا يتجاوز الخط الفاصل بين الدراما والإنسان لهذا فإن فاتن التي جسدت كل قيم التضحية والوفاء في أفلامها لا يقبل منها الجمهور ببساطة أن يراها في دور المرأة الخائنة.. صحيح أن السيناريو في فيلم «نهر الحب» كان حريصا على ألا يشاهد الجمهور اللقاءات مباشرة بين البطلين للدلالة على الخيانة.. فرغم سفرهما ضمن أحداث الفيلم معا إلى بيروت إلا أن كلا من عمر الشريف وفاتن حمامة كان يقيم بغرفة منفصلة.. كما أن السيناريو حرص على أن يظل الجمهور متصاعدا في كراهيته لزكي رستم (الزوج)، ورغم ذلك فالناس عادة لا ترضى للبطلة التي يحبها أن تمارس حتى حقوقها الطبيعية، إنما يريدها دائما مثالية ملائكية لا تعرف شيئا اسمه الرغبات حتى المشروع منها فما بالكم بغير المشروع.. ولولا أن فاتن لديها كل هذه المصداقية ولولا أن عز لديه كل هذه الحساسية كمخرج لما استطاعا عبور هذا المأزق.
لم تتوقف فاتن عند جيل واحد من المخرجين.. لقد التقت بكل الأجيال بداية من رائد السينما المصرية الأول محمد كريم ثم تتابع مع مشوارها أحمد كامل مرسي، وبركات، وحسن الإمام لتصل إلى مرحلة هامة في مشوارها لتلتقي مع حسين كمال في «إمبراطورية ميم» عام 1972.. ثم بعد ذلك تلتقي مع سعيد مرزوق في «أريد حلا» وذلك عام 1977.. وبعد ذلك عام 1988.. في «يوم مر ويوم حلو» مع خيري بشارة، ثم آخر أفلامها «أرض الأحلام» عام 1993 مع داود عبد السيد.
فاتن تعلم تماما أن النجم يتجدد من خلال عين جديدة للمخرج تكتشف شيئا أبعد مما يراه الآخرون.. وأعتقد أن فاتن بصمودها كل هذه السنوات باعتبارها النجمة الأولى في التوزيع الداخلي والخارجي أكبر دليل على أن القيمة الأدبية لفاتن حمامة كان لها مردودها المادي في أوراق شركات الإنتاج ومكاتب الموزعين.. لأنه مع كل موجة سينمائية جديدة تقتلع هذه الموجة كل ما هو سائد وتنشأ قيم وقوانين جديدة ونجوم جدد إلا أن فاتن كانت هي الاستثناء فلقد حافظت على قانونها ففاتن في «أرض الأحلام» 1993 إخراج داود عبد السيد هي فاتن التي شاهدها الجمهور في «اليتيمتين» لحسن الإمام 1948.
عندما يقع اختيار أهل السينما على لقب «سيدة الشاشة العربية» ليمنحوه «فاتن حمامة» ويقع اختيار أهل الغناء على اختيار أم كلثوم «سيدة الغناء العربي» وأهل المسرح يطلقون على يوسف وهبي «عميد المسرح العربي» وأهل الأدب على طه حسين «عميد الأدب العربي».. ألا يعني هذا دلالة ما؟ وهي أن هؤلاء في مواقعهم تجاوزوا حتى المنطقة الجغرافية والوطنية ليمتد تأثيرهم إلى كل عالمنا العربي.. ألا يعني هذا أيضا أن الزمن هنا منح أسماء هؤلاء دلالة أكبر من كونهم فنانين كبارا ليصبحوا رموزا دالة على الإبداع كله.
إنها الفنانة التي اختارها الجمهور والنقاد بإرادة حرة لتحمل لقب «سيدة الشاشة العربية».. لم تسع هي إلى ذلك ولكن عطاءها هو الذي حقق لها تلك المكانة، وفي عام 1996 عندما أقيم أول استفتاء لأفضل مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية حظيت فاتن حمامة بالمركز الأول ولها رصيد 10 أفلام.. الوحيدة التي كانت تلاحقها في الأرقام هي سعاد حسني بـ9 أفلام.. الأفلام العشرة حسب أسبقية عرضها جماهيريا هي «ابن النيل» ليوسف شاهين، «لك يوم يا ظالم» لصلاح أبو سيف، «المنزل رقم 13» لكمال الشيخ، «صراع في الوادي» ليوسف شاهين، «أيامنا الحلوة» لحلمي حليم، «بين الأطلال» لعز الدين ذو الفقار، «دعاء الكروان»، و«الحرام» لبركات، «إمبراطورية ميم» لحسين كمال، «أريد حلا» لسعيد مرزوق.
آخر ظهور لفاتن حمامة كان أثناء تكريمها في افتتاح «مهرجان دبي السينمائي» في ديسمبر (كانون الأول) الماضي عندما منحها عبد الحميد جمعة رئيس المهرجان درع تكريمها.. لم تحضر فاتن إلى دبي ولكن تم تصويرها في بيتها بالقاهرة.. كانت هذه الإشارة تحمل لي دلالة واضحة ومعنى مباشرا هو أن فاتن حمامة لم تعتزل الفن ولكنها لن تلتقي بالجمهور من خلال عمل فني تلفزيوني أو سينمائي فهي قد اعتذرت عن عشرات من الأعمال الدرامية طوال السنوات السابقة، ولكن من الممكن أن نرى تلك العودة عبر فقط الميكروفون إذا وجدت مسلسلا إذاعيا يحرك بداخلها تلك الطاقة الكامنة وسوف تلعب البطولة.. في هذه الحالة فقط ستعود فاتن حمامة إلى جمهورها.
فاتن حمامة، «كل سنة وأنت طيبة»، نقولها لها غدا وكل يوم!! الشرق الاوسط