[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] — 29 March 2013
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]شهور من المحادثات توجت بدعوة وقف اطلاق النار
عبد الفتاح العربيأنهى عبد الله أوجلان بإعلانه وقف القتال مع الجيش التركي مرحلة قاتمة من صراع سقط فيه الكثير من الضحايا من الجـانبين، فـقد عبر في رسالة تم قراءتها في ديار بـكر أمام مئات آلاف الأشخاص عن التـوصل إلى حل النزاع الكردي وطلب مـن مقاتلي حزب العمال الكردستاني إلقاء السلاح والانسحاب قائلا: “لقد وصلنا مرحلة يجب أن يسكت فيها السلاح ويجب أن تنسحب العناصر المسلحة إلى خارج حدود تركيا”. دعوة الزعيم الكردي التـركي المعتقل لم تكن وليدة اللحظة بل جاءت بعد شهور من المحادثات مع ضباط المخابرات التركية، وسياسيين أتراك، فـي سجنه الواقع بجزيرة في بحر مرمرة.
ويعتبر أوجلان الرجل الأول في حزب العمال الكردستاني كما أنه صاحب القرار الأخير فيما يتعلق بقـضيتهم رغـم مرور 14 عاما على سجنه وهو إنسـان وطنـي ذو مـزاج ثـوري ومناضل يحبّ شعبه، ناضـل لسنوات طويلة من أجـل تحقيق حكم ذاتي لشعبه ومـن ثم الانفصال عن الدولة.
وقد عد ما أعلنه أوجلان دعوة قوية سترج كل الظروف المحيطة بالقضية الكردية وتدفع نحو تحول في المعادلات القائمة في المنطقة برمتها.
ونعود هنا لنكشف المزيد من التفاصيل في حياة الرجل ونلامس وقع القرار على أحلام الأكراد.
“فترة المقاومة المسلحة فتحت الباب لعملية سياسية ديمقراطية، التضحيات لم تذهب سدى إنها ليست نهاية المعركة إنها بداية معركة جديدة”، هذه من أهم الجمل التي جاءت في رسالة عبد الله أوجلان وهي جمل تلخص رغبة الرجل في فتح صفحة جديدة عنوانها التفاوض السياسي السلمي مع حكومة أنقرة وإسكات لغة السلاح التي تكلمت كثير ولم تجلب النتيجة المرجوة، المعركة بالنسبة للزعيم الكردي أصبحت بأشكال أخرى وتحت مسميات بعيدة كل البعد عن منطق القوة والنزاع المسلح. هذا الموقف الجديد للزعيم الكردي يجعلنا نسأل عن أسرار هذا التبدل وغرابة شخصيته مما دفعنا للعودة إلى حياته لعلنا نجد الإجابة فمن هو عبد الله أوجلان؟
في بلدة أوميزلي في محافظة سانلي الواقعة على الحدود التركية السورية ولد عبد الله أوجلان لأسرة فلاحين عام 1949. درس العلوم السياسية في جامعة أنقرة لكنه لم يكمل دراسته وعاد إلى مدينة ديار بكر. وتأثر بالقومية الكردية ونشط في الدعوة لها ومن الجامعة انطلقت رحلة نضاله مع جملة الأفكار التي آمن بها وعمل على تحقيقها. كانت بدايته مع تجربة السجن سنة 1972 لمدة سبعة أشهر بتهمة نشاطه المؤيد للأكراد.
وبعد خروجه من السجن أسس عبد الله أوجلان حزب العمال الكردستاني وهو منظمة ماركسية ـ لينينية، يسعى من خلالها إلى أقامة دولة كبرى للأكراد، الذين يبلغ عددهم نحو 22 مليون كردي، والذين يعيشون في الأراضي التركية والسورية والعراقية والإيرانية. ويتّخذ الحزب من شمال العراق مقرا له لشنّ الهجومات على مواقع الجيش التركي، الذي رفضت حكومته العسكرية إجراء أي حوار مع الأكراد أو الاعتراف بهم كشعب.
ثم غادر تركيا ليعمل من المنفى وخاصة من دمشق وسهل البقاع اللبناني، الذي يخضع للسيطرة السورية،وهناك أقام أوجلان معسكرات التدريب لأعضاء حزبه، لكنّ هذه المعسكرات سرعان ما أغلقت بضغط من أنقرة.
حاول أوجلان إقناع حكومة تركيا بفتح حوار مع الأكراد وهو على رأسهم، وتعهّد بأن يتم وقف إطلاق النار من حزب العمال الكردستاني إذا استجابت تركيا إلى هذا الطلب لكنّ أنقرة ظلّت ترفض مطالبه ومطالب حزبه.
في تشرين الأول 1998 تم إبعاد أوجلان من سوريا، وذلك تحت الضغوط التركية الشديدة، التي كادت أن تتحوّل إلى حرب بين البلدين، بحجة اتهام تركيا لسوريا أنها تسمح لأوجلان ولحزب العمال الكردستاني بالتدرب والانطلاق من أراضيها ومن سهل البقاع اللبناني.
وقد اضطرّ أوجلان عندها أن يتوجه إلى أوروبا، حيث حاول الحصول على حق اللجوء السياسي لكنه أخفق.
وبعد مجهودات مضنية نجحت المخابرات التركية باعتقاله يوم 15 / 2 / 1999 في نيروبي، عاصمة كينيا. واتهم الأكراد وقتها المخابرات الإسرائيلية بالضلوع في عملية رصده.
ثم نقل أوجلان إلى جزيرة إمرالي وسط إجراءات أمنية مشددة، وقد دفع منظره وهو مختطف ومكبّل أنصاره وأنصار القضية الكردية إلى التظاهر في العواصم الأوروبية أمام السفارات الإسرائيلية والأميركية والتركية.
وخلال المحاكمة قام أوجلان، وبصورة مفاجئة، بتقديم الاعتذار لأسر الضحايا من الأتراك الذين قتلوا في أعمال العنف التي نفّذها حزبه.
كما طالب أعضاء حزبه بتسليم السلاح وترك أعمال المقاومة المسلحة، وأبدى استعداده لأن يكون وسيطا بين تركيا وبين الأكراد بشرط عدم إعدامه .
ورغم هذا العرض من جانبه إلا أن المحكمة العسكرية التركية، التي تمّ تشكيلها خصيصاً لمحاكمته، رفضت عرضه، وأصدرت عليه قرار الحكم بالإعدام شنقاً، لكن الحكم حُوّل إلى الحبس مدى الحياة عندما ألغت تركيا وبشكل مشروط عقوبة الإعدام في آب/أغسطس 2002.
الصراع والتوظيف في خضم رحلة الصراع مع السلطات التركية التي عرفت الكثير من التجاذبات، عانى حزب العمال الكردستاني في محاولاته المستمرة لتحقيق مطالبه التي غالبا ما كانت ترفضها تركيا متذرعة بالكثير من الحجج. لكن الحزب في كل تلك الفترة لم يستسلم وواصل رفع السلاح في وجه الجيش التركي ورغم الخسائر التي كان يتكبدها إلا أنه لم يفكر يوما في إلقاء سلاحه. ذلك لأن تحركه كان انطلاقا من إحساس بالظلم الذي تمارسه عليه حكومة أنقرة. فقد حرمت تركيا ولسنوات عديدة الأكراد من أبسط حقوقهم القومية والثقافية والإدارية واللغوية مما جعل النقمة تزداد في صفوف الأكراد البالغ عددهم 15مليونا ما يشكل حوالي ربع سكان تركيا.
وهذه المطالب لم تتفهما تركيا وظلت تراوح مكانها في السبل والكيفية التي يتعايش بها الأكراد وسط المجتمع التركي الموسع . وكان على أردوغان أن يفهم النفسية التي تحرك أوجلان وحزبه وكان عليه أيضا أن يثبت النموذج الذي تحاول تركيا أن تؤسسه والذي يضمن حقوق الجميع ويحاول أن يبني ديمقراطية تستوعب الجميع بمختلف مكوناتهم وعرقياتهم وانتماءاتهم. وذلك ما حاول أردوغان تحقيقه من خلال التوصل إلى حل مع عبد الله أوجلان طيلة مرحلة التفاوض معه من داخل سجنه.
أعلن أوجلان الذي منذ بدء حركة التمرد في 1984 أربع مرات وقفا لإطلاق النار من جانب واحد، وحتى الآن لم تسمح هذه المبادرات بتسوية النزاع الذي أودى بحياة أكثر من 45 ألف شخص بالإضافة إلى مفقودين وأسرى من الجهتين.
وهاهو الآن يفتح صفحة جديدة مع حكومة أردوغان لإيمانه أن الحلول بلغة السلاح قد تضاءلت وربما تكون هذه الخطوة بداية الانفراج للمعضلة الكردية.
ويذهب البعض إلى أن خطوة أوجلان والالتقاط التركي لها قد تساهم في إيقاف النزيف الذي طال أكثر من اللازم وقد تنهي حربا مفتوحة لا رابح فيها وأن تركيا قد أنهت مخططات بعض الدول الإقليمية التي كانت توظف في الورقة الكردية للضغط على حكومة أنقرة وابتزارها.
وخاصة أن دولتين كدمشق وطهران عملتا على صب الزيت على فتيل الصراع التركي الكردي الجاري على الأرض. وبإيقاف القتال بين الطرفين و إبعاد منطق السلاح تكون إيران قد خسرت أداة كانت تحاول من خلالها إرباك تركيا كدولة إقليمية منافسة لها على المستوى الاقتصادي والأمني على وجه الخصوص.
الحوار بغير لغة السلاح بين الطرفين لم يغضب الدول الإقليمية المعادية للسياسة التركية بل أغضب الداخل التركي ممثلا في نواب حزب “إن إتش بي” القومي المتشدد الذين وضعوا على مكاتبهم خريطة لتركيا ممهورة بالعلم التركي. وقال النائب محمد صندير: “هناك (في ديار بكر) تم تحدي الشعب التركي ودولته، لقد رفعنا في المجلس علم الثورة”.
وعرض عدد من نواب هذا الحزب تحت قبة البرلمان صور عسكريين سقطوا في معارك مع المتمردين الأكراد.
كما تشتبه المعارضة في أن أردوغان يريد منح الأكراد حقوقا جديدة مقابل دعمهم إياه لإعادة صياغة الدستور بما يعزز نفوذ الرئيس. فأردوغان المجبر على مغادرة منصبه يأمل في تولي منصب الرئاسة في 2014.
وقد يعني انتهاء الصراع بين الجانبين أن تمنح الحكومة التركية الأقلية الكردية المزيد من الحقوق عبر سلسلة من الإصلاحات، من بينها دستور ديمقراطي جديد ينص على الحقوق المتساوية للأكراد، وقد يزيد السلطات الممنوحة للإدارات المحلية في البلاد، لكن الأكراد أيضا يسعون إلى إطلاق سراح مئات الناشطين المعتقلين لصلاتهم بحزب العمال الكردستاني، وتحسين وضع أوجلان الذي يقضي عقوبة السجن مدى الحياة و المطلب الأهم لحزب العمال هو ضمان عدم مهاجمة مقاتليه خلال انسحابهم من الأراضي التركية.
وقع القرار على أحلام الأكراد إيمان عبد الله أوجلان بالحل السلمي ربما كان عن طريق وعود من الحكومة التركية بتقديم بعض التنازلات في اتجاه تكريس حقوق الأكراد على عدة مستويات، لكن أيضا يمكن أن يكون توجه جديد لحزب العمال الكردستاني الذي رأى أن الوقت قد حان لحل قضيته عبر الحوار وأنه الطريق الأسلم للوصول للغاية، ولو بتدرج وعلى مراحل.
لكن هذا التوجه لم يرض الجميع ذلك أنه سينهي أحلام البعض بكردستان الموحد الذي يجمع أراضي كردية في العراق وإيران وسوريا وتركيا، كما تصبح الدعوة إلى استقلال كردستان العراق أمرا غير قابل للتحقق رغم حرص القيادات الكردية في الإقليم على تحويله إلى أمر واقع في ظل ضعف حكومة المالكي.
فالأكراد بنوا أحلاما كثيرة عبر تحقيق الانفصال تُمكّن من بناء دولتهم الموعودة التي من خلالها سيتمكنون من تحقيق كل أحلامهم التي طالبوا بها وتمسكوا بها سنينا طويلة.
والخطوة التي قام بها أوجلان هدمت تلك الأحلام وحولتها إلى سراب ذلك أن المصالحة التركية الكردية وإرساء سلام دائم لن يمكن الأكراد من الحصول على غاياتهم المتعددة.
إلا أن هذه الرؤى والمقاربات المتشائمة لا تمثل كل الأكراد بل هناك من رأى في ما أقدم عليه أوجلان خطوة على المسار الصحيح والتي ستمنح تركيا إمكانيات كبيرة للعمل وتحقيق المطالب عبر لغة العقل والحوار كما قد تمكن من الحصول على ما عجزت عن تحقيقه لغة القوة .
المشهد التركي – الكردي فُتح الآن على نوع آخر من التواصل، تواصل سيغيب فيه صوت الرصاص لفترة غير معلومة المدة قد تدوم طويلا وقد تتوقف في أية لحظة. ويذهب مراقبون أن أوجلان بدعوته وقف العمل المسلح قد ألغى فكرة أسلوب التغيير عن طريق الثورات التي تؤمن بالكفاح المسلح وتحمل أفكارا ثورية مستمدة من الفكر اليساري.
ويمكن القول أن الحوار التركي – الكردي الذي فتح بابه أوجلان سيتخذ العديد من الأشكال التي ستؤشر على النوايا الحسنة للطرفين في الخروج من صراع لا غالب فيه ولا مغلوب. فهل تقدر حكومة أردوغان على احتواء الحراك الكردي الثوري وإدماج الأكراد في الدولة التركية كمواطنين كاملي الحقوق وتنجح بالتالي في توظيف لغة أوجلان الناعمة؟