من هو سرجون الذي قتل الأمام الحسين بن علي (سلام الله عليه)
كاتب الموضوع
رسالة
الشماس يوسف حودي مشرف مميز
الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 7038مزاجي : تاريخ التسجيل : 02/01/2010الابراج :
موضوع: من هو سرجون الذي قتل الأمام الحسين بن علي (سلام الله عليه) الأربعاء 15 مايو 2013 - 18:00
من هو سرجون الذي قتل الأمام الحسين بن علي (سلام الله عليه) حسب إدعاء السيد مقتدى الصدر؟؟
أبرم شبيرا
قرأت موضوع الأخ تيري بطرس المعنون (واخيرا ظهر ان سرجون هو قاتل الامام الحسين بن علي في واقعة الطف) المنشور في موقعنا العزيز عنكاوه وهنا أرى مدى إهتمام الأخ تيري في متابعة كل صغيرة وكبيرة متعلقة بمسائل تخص امتنا وإهتمام بقية اخوتي الذين أغنوا الموضوع توضيحاً وتعليقاً ومن هذا المنطلق أيضاً يأتي إهتمامي بهذا الموضوع ولكن من جانب آخر يفتح مسلكاً يقودنا إلى معرفة من هو سرجون وما صحة مقتل الإمام الحسين على يده كما صرح به السيد مقتدى الصدر نقلاً عن والده رحمه الله كما جاء في كلمته المتلفزة. مع العلم بأن السيد مقتدى الصدر له مواقف مشرفة وجريئة يثنى عليها كثيرا في دعمه للمسيحيين في العراق خاصة في توفير الحماية لبعض كنائسهم أثناء الإحتفالات بأعيادهم وتحديداً في المناطق الحساسة والمتوترة مثل منطقة النعيرية والكيارة حيث الكثافة السكانية للمسيحيين في بغداد. فمن خلال حديثه يظهر بأنه لم تكن نية السيد مقتدى الصدر الإساءة والتجريح للمسيحيين من خلال إتهام سرجون بالعمالة للبيزنطينيين وبمقتل الإمام الحسين خاصة في عدم الإشارة إليه في كونه مسيحي بل جلً نيته من إتهام سرجون بهذه التهمة هو أنه حاول تهدئة وتلطيف الصراعات الدموية القائمة بين الطائفتين الشيعية والسنية في العراق وتبرئة ساحة السنة من هذه التهمة وإلقاءها على سرجون. ولكن مع الأسف الشديد لم تكن هذه المحاولة تتماشى مع المنطق والواقع والحقائق التاريخية وبناء تهمة قتل الإمام الحسين على سرجون. فلو كان للسيد مقتى الصدر معلومات عن سرجون وعن علاقة المسيحيين المشرقيين بالمسلمين وتحديداً مع الشيعة لكان للسيد موقف وتصريح آخر يختلف كلياً مما صرح به.
أنه من متطلبات الحضارة والعصرنة أن تكون هناك حوارات مسيحية إسلامية في مختلف مجالات الحياة ولكن مع الأسف الشديد هناك حقائق تاريخية كثيرة يحاول بعض الفقهاء والمجتهدين الإسلاميين حجب أو تجاهل أو عدم المعرفة بها ويقودهم ذلك إلى بناء مواقف وممارسات لا تخدم مثل هذه الحوارات. فعلى سبيل المثال معظم مفكري الإسلام ينكرون وجود وثيقة عهد وأمان من الرسول العربي محمد (ص) إلى البطريرك الآشوري في عهد بداية الرسالة الإسلامية والتي تأكدت وتجددت هذه الوثيقة في عهد الخلفاء الراشدين والأمويين والعباسيين. فقبل سنوات كتبت موضوعاً عن هذه الوثيقة ونشر في جريدة الخليج الإماراتية فإنهالت عليً ردود وكتابات تًكذب هذه الحقيقة التاريخية وبعضها وصلت إلى إتهامي بتزوير التاريخ والكفر. أما بخصوص دور المسيحيين خاصة من أتباع كنيسة المشرق في الحضارة العربية الإسلامية فالحديث عنه ما هو إلا تكراراً لما هو مؤكد في الكثير من الكتب والمراجع ولا يستوجبه التفصيل. وهنا أود أن أشير إلى مدى التفاعل الفكري والحضاري بين المسيحيين والمسلمين ومن خلال حقيقة واحد لها علاقة بموضوعنا هذا. فعندما نقل الأمام علي (رض) عاصمة الدولة الإسلامية في عهد خلافته إلى الكوفة كان يدرك كامل الإدراك بإن هذه المنطقة هي مسيحية بالتمام والكمال وأنها زاخرة بالكنائس والأديرة ورهبان فلاسفة من أتباع كنيسة المشرق يتقنون أرقى أنواع العلوم والمعرفة ولهم مكتبات زاخرة بإمهات الكتب والمراجع العلمية وفي مختلف الحقول. والإكتشافات الأثارية السابقة والحالية في هذه المنطقة والمعروفة بـ "بحر النجف" تبين بأنها كانت زاخرة بالكنائس والأديرة المسيحية. والأمام علي (رض) لم يكن محارباً شجاعاً ومقاتلاً مقداماً في سبيل الإسلام وإنما كان أيضا حكيماً وعالماً ويظهر بأنه أطلع وقرأ الكثير من الكتب والمراجع التي كانت تكتظ بها خزائن الكنائس والأديرة المسيحية في هذه المنطقة. ومن يقرأ كتابه الموسوعي "نهج البلاغة" ويقارنه بحكمة وأقوال الفيلسوف الآشوري أخيقار الذي كان مستشاراً للملك الآشوري سنحاريب ((705 - 681 ق.م.) لأدرك على الفور التشابه لا بل التطابق بين الشخصين في إفكارهم وفلسفتهم وحكمتهم مما يدل بدلالة واضحة بأن الأمام علي (رض) كان مطلعاً بل متأثراً بحكمة الفيلسوف أخيقار... ولكن أي عالم من علماء الإسلام يملكون شجاعة كافية لكي يقروا بهذا؟ لا بل كم منهم سمعوا أو قرأوا للحكيم أخيقار؟؟؟ ولو أفترضنا بأنهم فعلاً سمعوا أو قرأوا لأخيقار فأن التعصب الديني والطائفي يمنعهم من البوح بذلك.
ولعل أكثر ما يواجهها الكثير من المسلمين وعلماءهم هو صعوبة التفريق بين المسيحيين المشرقيين والمسيحيين الغربيين وفي الكثير من الأحيان يلقون مساوئ ومشاكل الغرب على المسيحيين المشرقيين في الوقت الذي لا يعرفون بأنهم عانوا الكثير من الويلات والمصاعب والإنشاقات من جراء تدخل المسيحيين الغربيين في شؤون المسيحيين المشرقيين. وهناك الكثير من الأمثلة والسوابق التاريخية في الخلط وعدم القدرة على التمييز بين حضارة المسيحيين المشرقيين وحضارة المسيحيين الغربيين ولكن حتى لا نبتعد كثيرا عن موضوعنا ونقترب أكثر من فاجعة مقتل الإمام الحسين أورد مثالاً ولو كان له جانب من الطرافة البريئة.. هناك الكثير من الشواهد تأكدها الروايات الكثيرة في مقتل الأمام حسين في منطقة كربلاء ومنها رواية نصراني الذي نصر الحسين حينما كان مطعوناً بالعديد من الطعنات وكل أصحابه وأقاربه وأصدقاءه فروا منه وتركوه على حافة الموت خوفاً من بطش جنود زيد بن معاوية بن أبي سفيان. أتذكر هذه الرواية ونحن في مرحلة الصبا كنا نذهب إلى المواكب الحسينية في منطقة "تسعين" في كركوك حيث كانت تتلى الروايات وتمثل أيضا حادثة مقتل الحسين على مسرح بسيط وحينما كان الراوي يروي رواية النصراني الذي نصر الحسين كان يظهر على المسرح رجل بكامل لباس رعاة البقر "كابوي" واضعاً قبعة على رأسه ولابساً حذاء (جزمه - بوت) مثلما كان يلبسه رعاة البقر الأمريكان وفي يده إناء (طاسه) بإعتباره نصراني يسقي الماء للشخص الراقد على أرض المسرح بأعتباره الأمام الحسين الغارق في دماءه الذي طعن بطعنات عديدة وقتل أخيراً من قبل سنان بن أنس وشمرين ذي الجوشم وليس سرجون كما يدعي السيد مقتدى الصدر. هذا التصور في عدم إمكانية الكثير من المسلمين التمييز بين مسيحيي الشرق وحضارتهم وثقافتهم وعقليتهم عن مسيحيي الغرب وحضارتهم وثقافتهم وعقليتهم يذكرني برواية أخرى في هذا السياق رواها لي صديق إذ يقول بأنه عندما كان شاباً في كركوك يدخل مع غيره من الشباب الآشوري في عراك مع شباب مسلمين من منطقة أخرى وعندما ينهزمون هؤلاء الآخيرين يبدأون برشق الشباب الآشوري بشتى السباب والإهانات للملكة إليزابيت الثانية ملكة بريطانيا وجون كيندي الرئيس الأسبق للولايات المتحدة معتقدين بأنهم من أقارب أو أولاد عم لهؤلاء الآشوريين المسيحيين.
لاتوجد شاهدة ولا رواية ولا وثيقة تقول بأن سرجون هو الذي قتل الإمام الحسين كما زعم السيد مقتدى الصدر. فالذين قتلوا الأمام الحسين معروفين في تاريخ الشيعة وآل البيت بشكل خاص وفي تاريخ الإسلام بشكل عام وليس سرجون. ولكن من هو سرجون وما علاقته بالموضوع؟ من المؤكد بأن إشارة السيد مقتدى الصدر إلى سركون ليس إلا المقصود سرجون بن منصور الذي عاصر فترة مقتل الإمام الحسين. وسرجون بن منصور هو من أشهر مسيحيي دمشق ومن أتباع الكنيسة السريانية الأرثوذكسية وكان المستشار المالي (وزير المالية) للخليفة معاوية بن أبي سفيان أول خلفاء الدولة الأموية في الشام وأستمر في هذا المنصب حتى في عهد يزيد بن معاوية الذي في عهده قتل الأمام الحسين في كربلاء. وتولى أبناء سرجون عدة مناصب إدارية ومالية في ديوان خلفاء الأمويين حتى مجئ الخليفة الوليد بن عبد الملك. ومن أحفاد سرجون بن منصور القديس يوحنا الدمشقي أحد أباء ومعلمي الكنيسة المشهورين. فكل الدلائل التاريخية تشير بأن سرجون وأولاده كغيرهم من المسيحيين المشرقيين الذين ساهموا في بناء الحضارة العربية الإسلامية لم يتدخلوا لا في المسائل العسكرية ولا في الشؤون السياسية للحكم الإسلامي، بل جلً جهودهم كانت علمية وإدارية ومنذ بداية الدولة الأموية في الشام لعب المسيحيون المشرقيون دوراً كبيرا في إدارتها من جميع النواحي خاصة المالية منها لهذا السبب فإن الدولة العربية الإسلامية في عهد الخلافة الأموية أمتدت إلى مساحات شاسعة وصلت حتى إلى الأندلس. إن إتهام سرجون الذي كان يخدم الخليفة الأموي بالعمالة للبيزنطينيين أمر مخالف مخالفة كبيرة للواقع والحقيقة والمنطق أيضا لأن في تلك المرحلة كانت الكنيسة السريانية الأرثوذكسية في خلاف مع الكنيسة البيزنطينية ليس بسبب العقيد وإنما أيضا بسبب إختلاف العقليات والحضارات واللغات بين الكنيستين لا بل تعرض أتباع الكنيسة السريانية الإرثوذكسية إلى إضطهادات ومطاردات من قبل الكنيسة البيزنطينية وإلى العديد من المحاولات للقضاء على إستقلالية الكنيسة وإخضاعها للأمبراطور البيزنطيني كما كان الحال سائداً في تلك الفترة في خضوع الكنائس للإمبراطور. هذا إضافة إلى إفتقار إتهام سرجون بمقتل الإمام الحسين إفتقاراً شديداً إلى المنطق حيث من المعروف بأن الدولة الأموية كانت في صراع مستديم مع البيزنطيين والخلاف أو الصراع بين يزيد بن معاوية والإمام الحسين لم يكن بسبب المذهب أو العقيدة وإنما كان بسبب أحقية آل البيت في خلافة المسلمين ورفض بني أمية لهذا الأمر. فأين المنطق من أن يكون سرجون عميل للبيزنطينيين ويقتل الإمام الحسين منافس يزيد على الخلافة في الوقت الذي كان من مصلحة البيزنطينيين أن تكون هناك مقاومة ضد يزيد والمتمثلة في ثورة الإمام الحسين ضد حكم يزيد لا بل المنطق يقول بأنه كان أيضاً من مصلحة البيزنطينيين دعم لمثل هذه المقاومة ومساندة قائدها ضد عدوهم اللذوذ المتمثل في الدولة العربية الإسلامية التي شارفت جيوشها على تخوم أمبراطوريتهم؟
وأخيراً لم يبقى إلا أن نقول ونؤكده بأن التاريخ أثبت وبحق وأمانة بأن المسيحيين في البلدان العربية والإسلامية بقوا طيلة حياتهم ومنذ أقدم العصور وحتى يومنا هذا من أكثر الناس إخلاصاً لوطنهم ولأبناء شعبهم وهو الإخلاص الذي لايمكن أن ينفذ من خلاله أية خيانة للوطن ولشعبه، فالمسيحيون المشرقيون خدموا المسلمين وحضارتهم أكثر مما خدموا أنفسهم ولكن هل هناك من يثمن مثل هذه التضحيات التي قدمها المسيحيون أم الأمر هو عكس ذلك تماماً فيتجاوز تجاهل هذا الأمر إلى حدود القتل والإختطاف والإقتلاع من جذورهم التاريخية كما هو حاصل في العراق وبقية الدولة العربية ذات الربيع الملبد سماءه بغيوم سوداء تزيد من عتمة طريق الحياة نحو المجهول.
من هو سرجون الذي قتل الأمام الحسين بن علي (سلام الله عليه)