انتهاكات حقوق الانسان في ايرانهيفاء زنكنة
June 7, 2013
من السائد، حاليا، ان يتجنب معظم الكتاب العراقيين والعرب الكتابة عن حقوق الانسان بايران. واسباب ذلك عديدة لعل اهمها تخوف الكاتب من الاتهام بالطائفية أولا.
والتخوف من الأتهام بمحاباة الشيطان الأكبر والعدو الصهيوني باعتبار
ايران دولة الجهاد ضد
اسرائيل وقلب تحرير
فلسطين، ثانيا. وتلقي ألف الف درهم من محور
السعودية وقطر، ثالثا. لذلك يختار معظم الكتاب، في البلدان العربية، السكوت على وقائع انتهاكات حقوق الانسان وجرائم النظام ضد مواطنيه.
ويمتد الصمت ليشمل معظم الشخصيات والمنظمات اليسارية الغربية لأنها لا تريد ان تساهم في الحملة الامبريالية المستهدفة لواحدة من دول العالم الثالث، مهما كانت سياستها ضد مواطنيها، خاصة مع تصاعد الاستخدام الامبريالي، بقيادة
امريكا، للتدخل الانساني كسلاح لتغيير الانظمة.
هذه الاسباب بتعقيداتها وتشابكاتها لم تمنع بعض منظمات حقوق الانسان من الكتابة عن حقيقة ما يجري في ايران من انتهاكات وجرائم تستهدف المواطن الايراني، لتكسر بذلك حاجز الخوف من ان تتهم بانها موالية لامريكا او الكيان الصهيوني او (وهذا عامل جوهري) خشية ان تستخدم الحقيقة كأداة لتبرير الهجوم الامبريالي على ايران.
من بين المنظمات التي تتابع الاوضاع الايرانية، وتنشرها ضمن تقريرها السنوي الشامل عن حقوق الانسان في ارجاء العالم، ومن بينها دول العالم العربي، منظمة هيومان رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية. وغالبا ما تثير تقارير هذه المنظمات غضب الحكام والمسؤولين من السعودية والبحرين والعراق الى دول
المغرب وتركيا واسرائيل، لان تفاصيل التقارير الموثقة تمزق الكثير من الادعاءات الرسمية حول تعاملها بانسانية مع المعتقلين.
غير ان آخر التقارير عن انتهاكات حقوق الانسان بأيران، لم يصدر عن هاتين المنظمتين بل عن منظمة أخرى تدعى ‘الحرية من التعذيب’ Freedom from Torture، وهي منظمة حقوق انسان دولية بالاضافة الى كونها واحدة من اكبر مراكز علاج وتأهيل ضحايا التعذيب في العالم. تهدف المنظمة، ايضا، إلى المساهمة في الجهود الدولية لمنع التعذيب وتحميل الحكومات المسؤولية من خلال اعداد تقارير عن البلدان التي يتم فيها التعذيب استنادا الى شهادات الضحايا الذين ترعاهم عبر استخدام الأدلة الطبية وعلى أساس البحث في أنماط التعذيب.
‘ سنجعلك تنسى كل شيء: التعذيب في ايران منذ انتخابات 2009 ‘، هو عنوان التقرير. ويمكن الحصول عليه، كاملا، من موقع المنظمة الالكتروني. يستند التقرير على شهادات 50 ضحية موثقة من قبل الطب الشرعي والقانوني وحسب القوانين الدولية. تم ارتكاب التعذيب بين عامي 2009 و2011، وشملت أساليب التعذيب الجسدي المستخدمة ضد الخمسين معتقلا: الضرب والجلد (100′ من الحالات)؛ التعذيب الجنسي بما في ذلك الاغتصاب، التحرش الجنسي، تعريض الأعضاء الجنسية للعنف و/ أو الأغتصاب باداة 60′، التعليق والاوضاع المنهكة 64′، استخدام المياه 32′؛ الحرق 12′؛ الصدمات الكهربائية 10′؛ الخنق 10′ والتعذيب الدوائي أو الكيميائي 8′.
من بين الحالات التي شملتها العينة، تم اغتصاب 60′ من النساء و 23′ من الذكور. أما أشكال التعذيب النفسية والبيئية، والتي كانت واسعة الانتشار في العينة، فقد شملت ولم تقتصر على الإذلال 82′، الحبس الانفرادي 68′، الاعتداء اللفظي 64′، التهديد بالقتل 44′ ، تهديدات أهل المعتقل 30′، الحرمان من النوم 24′، وعمليات إعدام وهمية 14′.
يبين التقرير ان عددا من المعتقلين (13 حالة) لم يحدث ومارسوا نشاطا سياسيا قبل 2009. كما اتهم بعض المعتقلين بالعمل لصالح ‘جهات أجنبية’، واعتقل آخرون لأن احد افراد عائلتهم ناشط سياسيا. ألقي القبض على سبعة وعشرين من الحالات اثناء مشاركتهم في المظاهرات والاحتجاجات في أعقاب الانتخابات الرئاسية.
وقد خلص التقرير الى ان السلطات الايرانية استخدمت التعذيب كأداة قمع رئيسية وكجزء من حملتها لسحق المعارضة، في
طهران وفي أماكن أخرى، في الأشهر التي سبقت وتلت الانتخابات الرئاسية في حزيران/يونيو 2009. وان حملة التعذيب ادت الى ترويع الناس، خاصة، ممن شاركوا، للمرة الاولى، في اي مستوى من النشاط السياسي أو اي شكل آخر من أشكال النشاط المدني. وان السلطات لجأت الى استخدام العديد من اساليب التعذيب الجسدية والنفسية والبيئية بطريقة منهجية للغاية خلال هذه الفترة. وغالبا ما استخدم التعذيب للحصول على معلومات حول الأفراد والشبكات المشاركة في التنظيم السياسي أو أي نشاط آخر يعتبر ‘مناهضا للنظام’. وإرغام الناس على توقيع ‘اعترافات’ أو بيانات اخرى تستخدم ضدهم قانونيا أو التي يمكن أن تستخدم حتى في المستقبل. ويساعد عصب العينين أو تغطية الرأس او الحبس الانفرادي على عدم تعرف الناجين من التعذيب على هوية المحققين والجلادين او تحديد مكان احتجازهم. مما يوفر للجلادين الحصانة من العقاب.
وقد اثبت التقرير صحة ادعاءات العديد من الناشطين المعتقلين، اثناء الحملة الانتخابية او بعدها، ذكورا كانوا او اناثا، بتعرضهم الى الاغتصاب نتيجة تشجيع ادارة المعتقلات للمجرمين باغتصاب الناشطين الشباب، كوسيلة لاهانتهم وسلبهم كرامتهم وشرفهم. ولأن من يتعرض للاغتصاب، يختار السكوت عادة حول محنته، لانه فعل يمس الشرف، تستخدم السلطات فعل الاغتصاب كاداة لتهديد الضحايا مستقبلا، اذا ما حدث وفكر احدهم بالانخراط باي نشاط مجتمعي او سياسي. والجدير بالذكر ان النظام الايراني، كان ينفي نفيا قاطعا حدوث التعذيب في معتقلاته، مماثلا بذلك كل الانظمة العربية تقريبا، مما يجعل من المستحيل معالجة المشكلة. الا ان ممثل ايران في مجلس حقوق الانسان بجنيف، اعترف، للمرة الاولى، في آذار/ مايو 2013، بوجود انتهاكات لحقوق الانسان في الفترة التي ذكرت بالتقرير.
وكانت صحيفة ‘ الغارديان’ البريطانية، قد تطرقت بالتفصيل الى موضوع اغتصاب الناشطين من النساء والرجال، بتاريخ 24 حزيران 2011، استنادا الى رسائل عدد من المعتقلين ممن اختاروا فضح اسلوب الترويع الهمجي. وتراوح فترة توقيف الناشطين وغيرهم من المتهمين بمعاداة النظام ما بين الاشهر والسنوات. ويماثل وضع المعتقلين الايرانيين ما يتعرض له المعتقل العراقي، الى حد الاستنساخ احيانا. كما يتماثل، كما لوكان هناك سباق بين النظامين، في تنفيذ احكام الاعدام. حيث بلغ عدد من تم اعدامهم بشكل علني 297 وبشكل سري 200، حسب تقرير المقرر الخاص للامم المتحدة المعني بحالة حقوق الإنسان في جمهورية إيران الإسلامية في مايو 2013.
من بين المعتقلين الذين تعرضوا للتعذيب، كان المغني الشعبي (لعل الاصح ان نقول المنشد) آريا آرامنجاد (28 عاما) الذي اعتقلته السلطات لانه غنى اغنية في فترة التظاهرات ومواجهتها بالعنف من قبل السلطة. وقد تم توقيفه بداية لعدة اشهر ثم صدر الحكم عليه بالسجن مدة عام بتهمة التحريض ضد الجمهورية الاسلامية وكونه خطرا على أمن الدولة!
فكيف أصبح آرا خطرا على أمن الدولة؟ لأنه غنى أغنية عنوانها ‘استيقظ يا علي’. وهي مغناة باسلوب التراتيل الحسينية، خاصة، وان التظاهرات صادفت في فترة عاشوراء. وفيها ينادي آرا الامام علي، رمز العدالة، ليستيقظ ويرى ما يمر به الشعب الايراني من قمع تحت نظام يدعي الاسلام واحترام المبادىء الاسلامية، مستجيرا به ليضع حدا للظلم. وقد تم وضع الاغنية على اليوتيوب مع لقطات تبين كيف واجهت السلطات المتظاهرين بشكل دموي. وهي لاتزال موجودة على اليوتيوب وانصح بالاستماع أليها ومشاهدة الفيديو. والسبب ؟ لأن الاغنية، على بساطتها، تمثل روح الشعب الباحث عن العدالة. كما يمثل الفيديو العنف الوحشي الذي يتعرض له كل مطالب بالعدالة. هذه المطالبة بالعدالة والحرية والكرامة، واحدة في جوهرها، سواء في ايران او اسرائيل أو
العراق او بقية الدول العربية. هذه المطالبة الانسانية هي التي تجعل متظاهري ساحات الكرامة بالعراق يستمرون باعتصاماتهم ضد النظام القمعي منذ ستة أشهر، وهي التي تجعل الفلسطيني لا ينسى والاسير لا يستسلم. وهي التي توحد بين الشعوب ضد الحكام المستبدين والانظمة القمعية، ايا كانت، بعيدا عن التعليب الايديولوجي، علمانيا كان او دينيا او طائفيا.
‘ كاتبة من العراق