البيت الآرامي العراقي

مرةً أخرى، مع الطائفية: مسبباتها وآثارها! Welcome2
مرةً أخرى، مع الطائفية: مسبباتها وآثارها! 619888zqg202ssdr
البيت الآرامي العراقي

مرةً أخرى، مع الطائفية: مسبباتها وآثارها! Welcome2
مرةً أخرى، مع الطائفية: مسبباتها وآثارها! 619888zqg202ssdr
البيت الآرامي العراقي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

البيت الآرامي العراقي

سياسي -ثقافي-أجتماعي


 
الرئيسيةالرئيسيةبحـثس .و .جالتسجيلarakeyboardchald keyboardدخول

 

 مرةً أخرى، مع الطائفية: مسبباتها وآثارها!

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
siryany
عضو فعال جداً
عضو فعال جداً
avatar


مرةً أخرى، مع الطائفية: مسبباتها وآثارها! Usuuus10
مرةً أخرى، مع الطائفية: مسبباتها وآثارها! 8-steps1a
الدولة : الدانمرك
الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 8408
مزاجي : أكتب
تاريخ التسجيل : 13/09/2012
الابراج : الجوزاء

مرةً أخرى، مع الطائفية: مسبباتها وآثارها! Empty
مُساهمةموضوع: مرةً أخرى، مع الطائفية: مسبباتها وآثارها!   مرةً أخرى، مع الطائفية: مسبباتها وآثارها! Icon_minitime1الأحد 30 يونيو 2013 - 21:12






مرةً أخرى، مع الطائفية: مسبباتها وآثارها!
مرةً أخرى، مع الطائفية: مسبباتها وآثارها! Klimus

لا أحد ينكر مقت المجتمعات المتحضرة ومثقفو الشعوب لكلّ ذي صلة بآفة الطائفية أو ما هو ناجم عنها أو منادٍ بها. والمعنى المعروف عن الطائفية، انسياق الشخص وراء تعصّبٍ لكل ملّة أو دينٍ أو جماعةٍ أو إثنيةٍ، دون الأخذ بنظر الاعتبار والاحترام لما حوله من بشر مختلفين عنه بها، أو مشاركين له بها في الأرض والوطن والثروة، هويةً ومصيرًا. إلاّ أن الأحداث المتسارعة قد عجنت هذه الظاهرة المقيتة مع مفاهيم وأفكار وفلسفات، كان الدين والسياسة على السواء من عناصرها الأساسية والسبب في تفرقة الشعوب والأوطان وفي انقسام الأخيرة وتمزّقها. وما يخيف أكثر، نزوع الساسة إلى هذا الفكر الهدّام في تنفيذ مآربهم للوصول إلى المثلث المرموق والطموح اللامحدود: في الجاه والمال والسلطة، مهما كانت النتائج، رغم عدم الاعتراض المبدئي على حق الفرد في تبيان أصول طائفته وتاريخها وقدرتها على استيعاب الحاجات والمتطلبات دون الإضرار بغيرها. فالدعوة للتأييد شيء، وفرضها شيء آخر، ففي الأخيرة إقصاء وتهميش واستبعادٌ ونكران للوجود والحق في هذا الوجود. فهل تحول الصراع بين الأديان إلى صراع للطائفية والمذهبية أيضًا؟

أمثلة من التاريخ
شهد العالم، مآسٍ كثيرة، كانت الطائفية سببها الرئيسي، ومنها ما عانته أوربا في العصور الوسطى، إبّان النهضة الدينية على يد "المصلحين" البروتستانت ضدّ كلّ شيء اسمُه الكنيسة الكاثوليكية. كما عانت منطقتنا الشرقية في فترة معينة من أبعاد الطائفية وتأثيراتها بين الكاثوليك والأرثوذكس والآثوريين (النساطرة سابقًا)، وما لحقها من تجاوزات أدبية ومن تبادل مخجل للحرمات وغيرها من التصرفات غير المقبولة أحيانًا كثيرة. وهناك أمثلة أخرى، كانت الطائفية وقودها المستعر في حروب دامية، كما حصل في إيرلندة وفي لبنان في سنوات ليست ببعيدة. وفي السنوات الأخيرة أيضًا، لا ننسى ما حصل في السودان ومازال يحصل في مصر. وحادثة القتل الطائفي الأخيرة فيها والتنكيل بالجثث، عارٌ على الإنسانية وكلّ مَن يدّعي عبادة الله، وهو يقتل باسمه! وما نشهده اليوم في العراق بعد التغيير في 2003، ليس إلاّ صراعًا ذا نهج طائفي بامتياز. ولكن، قد نسأل: لماذا؟ و ما هي الدوافع لهذا المدّ الطائفي في العراق؟ وهذا ما يهمنا أكثر.
لقد عرف الغرب  كيف يستفيد من أخطائه ويستفيق من غفوته حين استخدم العقل والعلم والروية في معالجة هذه الآفة من خلال انتهاج نظام العلمنة الضامن لحقوق الجميع والبعيد عن أية منغصات جانبية في الدين والإثنية. وبهذه الخطوة، كسب الرهان، فاتحد وتطور وبنى، إلاّ الدول التي كانت ما تزال تستلهم أفكار المدّ الشيوعي في بنيتها القومية المتراكمة وسياساتها الطائفية الملغومة، مثل يوغسلافيا السابقة. فهذه الأخيرة، حين طالها التحديث، لم تحتمل التطور. لذا تشظّت وانقسمت بسبب الفوضى العارمة التي ضربتها والكمّ المتراكم من الترسبات القومية والطائفية التي كانت نخرت أسسها وفرّقت شعوبها المختلفة. أمّا الشرق العربي والإسلامي، فقد لبسته هذه الآفة من رأسه حتى أخمص قدمه، وغرق في بحورٍ آسنة يصعب الخروج منها بريئًا نقيًا، طالما لا يمتلك قادتُه وسادتُه وشعوبُه على السواء، الشجاعة الكافية للخروج من خازوق النعرة القومية سياسيًا والطائفية دينيًا، وهذا ما ينبئ بمراحل قادمة من التجزئة المتوقعة في حالة عدم التوصل إلى حلول توفيقية لمصلحة الوطن والمنطقة وشعوبها. فالمنطقة تمر اليوم، بذات الظروف وكأنّ  التاريخ يعيد نفسه! فهل نبني أم ننهار وننقسم فنتوارى؟ إنه امتحان عسير، لن نتمكن من الخروج منه معافين، إلاّ بواسطة الإرادة الشجاعة والنية الصافية والضمير الحيّ والكلمة الصادقة والقلم الرصين وبتلاحم المتنورين من أهل العلم والثقافة والوعي، ومَن هم مِن خارج قوقعة الطائفية والسياسة، من الذين اتخذوا من الدين غطاء كاذبًا لتمرير أجندات خارجية أو داخلية دخيلة لا تخدم سوى مصالح ضيقة وخاصة.
إنّي لأعجبُ من ضعف تناول هذه الأزمة المشتدّة والمستعرة، التي تكاد استفحلت وأصبحت آفة يصعبُ اقتلاعها وعلاجها على المدى القريب والمتوسط. فقد كان الأجدر، بأصحاب العلوم الاجتماعية والنفسية والفلسفية وحتى الدينية منها، تناولها في بحوث وتحليلات  ودراسات أعمق، وتقديم حلول لها إلى أصحاب القرار وذوي الشأن وحتى على مستوى المؤسسات التعليمية والمنظمات. فهذه بمجملها، لو اتسعت مجالات تعاطيها على المستوى الوطني العام، من شأنها أن تكون دليلاً وعاملاً مساعدّا في تغيير الأوضاع والتعريف بكوارثها الكثيرة والكبيرة على جميع الصعد وعلى مستقبل ومصير أبناء الوطن الواحد. كما قد تكون وسيلة ضغطٍ أكبر على أصحاب الشأن من المتورطين والداعمين والمثيرين لها على السواء، حين يتم فضحهم  وحملهم على القبول بأبسط الحلول المقدمة والحريصة على وحدة البلاد وتماسك العباد. فالطابع العام القائم فعليًا، هو أن الجميع يخاف، ولا يعلم من ماذا، ربما من كلّ شيء! كما أن الكل متوجس من الكل، بسبب فقدان الثقة وضعف النسيج في المجتمع الذي أرهقته الفتاوى والأحقاد وممّن يريد العودة للسلف التليد بفرض إرادات بالية لا تتناغم مع حتمية الحياة المعاصرة المختلفة عن روحية الماضي وجلابيبه الهرمة. ومن المؤسف له أن يصبح الفرد عدوا لجاره يخاف منه، بلْ يجب الخوف منه، لأن الطمع قد أغرى عباد اليوم وأهواهم بحيث أصبحت لغة الاستحواذ على ملكية الغير وحلاله وحقوقه سبيلاً للحياة اليومية الجديدة، باختصار موضة العصر المريب.
من هنا نلحظ ببساطة، كيف تغيرت ديمغرافية بعض المناطق والمدن، ومازالت الطريق سالكة في ذات الاتجاه. ولعلّ الانفجار السكاني المتنامي، كانت له آثاره الواضحة، لكونه توسّعٌ عشوائيٌّ غير مدروس، بل هو قائم على أعراف دينية بحتة ودعوات غير راشدة إلى التكاثر الكمّي "الرملي"، دون الأخذ بالحسبان محدودية وسائل التنمية وقصور البرامج الضرورية لاحتواء هؤلاء البشر وضآلة فرص الخدمات التي يستحقها المواطن في كلّ مكان أو مدينة أو قرية. وبحسب توقعات إحصائية لعلماء الاجتماع وباحثين، أن العراق ينمو بنسبة 2% سنويا، ما يعني بلوغ سكان العراق  50مليون نسمة تقريبًا في عام 2030. ولو نظرنا إلى مستوى المتوفر من برامج التنمية ومنها البنى التحتية الموضوعة وكذا الخدمات الأساسية وسلّة الغذاء المطلوبة لهذا الكمّ من البشر، نقول أن التوقعات لا تبشّر بخير، طالما بقيت ظاهرة الفساد مستشرية واللامبالاة قائمة إلى جانب ظاهرة هروب النخب من العقول والعلماء والمفكرين والمهندسين والمتنورين المتمدنين وسائر القوى البنّاءة التي آثرت خيار الهجرة سبيلاً لحياة أكثر أمنًا واستقرارًا وكرامةً، لأنها ببساطة لم تعد تحتمل الصبر إلى ما لا نهاية. والسبب في كلّ هذا وذاك، سيادة العنف الطائفي في كلّ مكان بدل وسيلة التعايش والتكافل التي عرفناها عبر السنين، وكذا بسبب غياب القانون وعدم تحرير دستور وطني خالص وغير مغرض. وهذان وحدهما كفيلان بضمان حقوق المواطن وتحقيق المساواة والعدالة والاستقرار في المجتمع العراقي الذي تشظّى وانقسم وفقد أهميته الحضارية والعلمية والسياسية والاجتماعية بين دون العالم، في غفلة من الزمن، كان الدخلاء الدوليون وأعوانهم في الداخل، هم السبب في إضعافه ونقله إلى حالته المزرية.

الأنظمة السابقة والاحتلال وتداعياتُه
يجزم الكثيرون، أن الحكومات المتعاقبة على حكم العراق، هي السبب وراء كل هذا الكم من المشاكل الطائفية ومن الفوضى السياسية، بسبب غياب الوعي الوطني المتحضر من القيادات الدينية والسياسية على السواء وفشل اندماج الفكر التحرري مع ماهية الهوية الوطنية وكيفية صيانتها من الشوائب الجانبية، سواءً في حدود المنطقة أو من الدول المتجاورة، ناهيك عن الأطماع الدولية ونية الغزاة الجدد في ترسيخ السلوك الأصلح في نظرهم  والأسهل لهم، من خلال الدفع بمبدأ الانقسام والتفريق، أي طريقة الانكليز (فرّق تسد). فكلّما كانت العصي مجتمعة، تعسّر على الغريب والعدو كسرها، في حين لو تراخت وضعفت وتفرّقتْ، سهلَ ليُّها واختراقها والسيطرة عليها. هكذا، تعلّمنا ونحن صغارًا عن مبدأ صيانة القوّة في الوحدة والاتحاد، وبعكسه السقوط والضعف في التفرقة.
اليوم، مشروع "بايدن" الماكر، أو بالأحرى، مشروع الغازي الأمريكي، المتبجّح بنقل ديمقراطيته الهشّة على أرض الرافدين، يأتي في هذا السياق وضمن ذات المبدأ، وهو يسير وفق أجندته. كما يتبعه سياسيونا، سواء بعلمٍ منهم، وهذه كارثة تنسف الوطن والمواطن معًا، أو بجهلٍ منهم لأهدافه الخفية والخطيرة عن حقيقة ما يجري على أرض الواقع، وهنا الطامة الكبرى! بدأ الأمريكان مشوارهم التقسيمي والطائفي الخطير، على عهد الحاكم المدني "بريمر" الذي استعجل السياسيين العراقيين بكتابة الدستور وتمريره بتلك الطريقة (الديمقراطية؟) السمجة التي صفق لها الشعب المغلوب على أمره من حيث لا يدري ما في ذلك الدستور الذي فُرض فرضًا. ويا لهول ما فيه من قنابل موقوتة! لقد صاغه المشرّع الأمريكي، ومرّره للمشرّع العراقي من أجل شرعنته وإعطائه حكمًا دستوريًا، بعد أن نجح وبامتياز، في إقناع السنّة بالخروج تبجّحًا، عن الاجماع الوطني، ضامنًا بغيابهم عدمَ معارضتهم المتوقعة والرافضة لبنوده غير الوطنية والقابلة لتقسيم البلاد والعباد دون حياء وخجل.
حقًا، إن العراقيين، كما أظهروا بالأمس واليوم، لهم قصب السبق والانبهار والبداهة على غيرهم من شعوب العالم في كلّ شيء، إلاّ في حبهم لبعضهم البعض وفي توفير واستخدام طاقاتهم وثوراتهم وثرواتهم  لصالحهم  دون غيرهم. فالمال العراقي العام، أثبتت الأيام أنه ليس لهم ولشعوبهم ولتطور بناهم التحتية والعيش أسيادًا مرفهين بكامل الخدمات الآدمية على أرض الحضارات التي يفتخرون بها. من هنا يكونون قد فقدوا أسمى قيمهم المتمثلة بالهوية الوطنية التي عرفها عنهم التاريخ، ما دفع الغازي المحتلّ، لإثارة البدائل المخطَّط لها بعناية، من خلال التقوقع على اعتبارات جانبية لم يألفها الشعب من قبل والمتمثلة بإثارة عامل الطائفية والمذهبية والعرقية الضيقة التي لا تجمع، بقدر ما تفرّق. وبين هذه وتلك، ضاعت حقوقٌ لطوائفَ ومكوّنات قليلة العدد، ما اضطرّها للاحتماء بقوى أخرى اعتقدت أنها ستوفر لها الحماية وتضمن لها حقوقها. ولكنْ، هيهات أن يتنازل من جلس على الكرسي ومن بيده المال والجاه والسلطة، ولو بجزءٍ من الكعكة الكبيرة لغيره. فاليوم يومه، ولسان حاله يقول، كما تغنّى من قبلنا بالقول (هذا اليوم الجنّا نريده). هي بالأحرى، حرب حيتانٍ كبيرة تبلع  الأسماك الأصغر و"ماموثاتٌ" تجترُّ الأخضر واليابس، فلا تبقي ولا تذر!
من هنا، يكون الغزو الأمريكي- الدولي، غير المقنع في تبريراته  في 2003، ، قد أخرج الجيفة المكبوتة في الفكر والعقيدة والأحلام والطموحات لدى شرائح عديدة في المجتمع العراقي، سواء القومية أو الطائفية أو المذهبية منها، أو تلك التي سادتها مغالاة في الممارسات الدينية بعد عطش السنين المدفونة والملآى بالحسرات والتمنيات الممتزجة بالحقد والكراهية للحاكم المطلق وأعوانه الذي غالى هو الآخر، في كبح جماح العراقيين آنذاك، دون تمييز. لكن المحتلّ ، لم يختلف بفعلته هذه، عن المستعمر الإنكليزي في طريقة تعامله مع مجتمع متنوع الأعراق والأديان والمذاهب، من حيث ترسيخ الانقسام وزرع بذور الانفصال والخيفة والهاجس المتلازم عن الآخر المختلف. وهو لم يسمح البتة، أن يتسامى المختلفون على اختلافاتهم، بل عمل على دقّ الأسفين بين الجميع، في تأليب بعضهم على بعض أو دعم فريق دون آخر في الخفية، أو في إطالة أو تأجيل أو إفشال أي بصيص للمصالحة تبدو في الأفق. اليوم، الكل خائف، والكل متوجّس، والكل متربص للغير... فكيف سيُعاد بناء المجتمع من جديد إذا لم يُصلح ذاتُ البين وتصفى النوايا؟ اليوم، لا هوية واضحة، ولا ضوء منير يهدي السائرين في الظلام، ومِن ثمّ لا أمل لدى الكثيرين على المدى القريب والمتوسط! وهذا أحد الأسباب الرئيسية التي تشدّ المهاجرين لترك البلد وتجعلهم يعزفون عن التمسك بالأرض والبقاء في الوطن. وإلى متى هذه الحال؟

بين السياسة والدين، طلاق بالثلاثة
من الصعب، الجمعُ بين السياسة والدين، لاسيّما إذا كانت الطائفية من بذورهما، بسبب اتساع الهوّة بين المفهومين في ضوء هذه الآفة الخطرة. لقد قالها المسيح للذين أرادوا تجربته وجرّه إلى السياسة في ذلك الزمان حول ولائه للقيصر: "أعطوا ما لقيصر لقيصر، وما للّه للّه". بهذه الكلمات يضع المسيح سيفًاً بين الدين والسياسة، بسبب الميل في كلّ الأحوال، إلى شيء خفي يقف وراءهما، وهو يتمثل اليوم بسيف الطائفية الدينية والإثنية في منطقتنا. لقد علّمتنا الأحداث، أنه حين تضيق الدنيا بأهل الدين، فإنهم يتجهون صوب السياسة لإفسادها باستغلالهم إياها طائفيًا. وبعكسه، حينما يضيق الساسة، فإنهم يتخذون من الدين والتديّن المزيّف ومن الطائفية التي تغذّي هذا الدين سبيلاً للوصول إلى مآربهم الضيقة بغية فرض أجنداتهم، بالوسائل المبتكرة. وقد قيل: إذا أردتً إفساد السياسة أي الحكومة، فوجّه عليها رجال الدين بكل ما أوتوا من زيفٍ وبهتانٍ. وإن أردتَ تحجيم الدّين ورجاله، فوجّه عليهم نيران الساسة بكل مكرهم ودهائهم!
حين العودة، إلى مفهوم الطائفية في الدين الاسلامي، نرى أنها كانت قائمة و "لكنّها بالمعنى الديني، كانت محصورة في جوانبها المعرفية والفقهية" فحسب، كما يرى الفقيه الشيخ طه جابر العلواني في مقالة له عن الطائفية (جريدة القبس/ 17 أبريل 2013). إلاّ إنّه بدخول السياسة على الخط، وعلى مرّ الأيام وبتفاعلها مع المستجدّات المحلية والإقليمية واستغلالها لأغراض سياسية ضيقة، أفسدت معناها. وهذه الذرائع أيّا كانت، بتبنّيها الوسائل التي عرفناها، ليست سوى وسائل توظيف لأجندات خارجية إقليمية أو مصالح فئوية خاصة لا تؤمن بمبدأ قبول الآخر المختلف، من أيّ طرف كان. المهمّ لدى من يصعد إلى السلطة، أن يثبت أركان حكمه بما يتلاءم مع فكره ويتناسب مع فئته وطائفته وحزبه دون غيرها. ومن يكون على هذه الشاكلة في التثبت بالكرسي، لا يمكن أن يؤمن بالديمقراطية ومفاعيلها، ببساطة لأنه لا يعرف معناها، بل ينساها تمامًا وينزعها عن بنات أفكاره.
هل يمكن أن ننكر، أن جميع  الشعوب ومنها في العراق، كانت على مرّ الأزمان متعايشة منذ فجر التاريخ باختلاف القوميات والأديان والإثنيات، لغاية الفترات الأخيرة من عصر الإسلام؟ لكنّ دخول الساسة على الخط، أفسد اللون والطعم وخرجت عن مداها التعايشي السلمي، ليصعد بها التعصّب والتشدّد أدراجَ الحياة العليا ويبقى هو اللون السائد طائفيًا. فهل يسأل مؤيدو هذا التيار، إذا عادوا ولو للحظات إلى رشدهم: ما طعم الحياة حين تتلوّن بلون واحد، أيّا كان؟ أعتقد أن عيونهم، سوف لن تستمتع بعدُ، بما بين ظهرانيهم وحولهم وأمامهم من اختلاف الألوان بكلّ زهوها وتنوعها وجمالها. فلن يروا غير الغبار الصحراوي الكثيف المتزايد يومًا بعد يوم، والذي يعمي الأبصار ويكمّ الأفواه ويحتبس المرأة ضمن اسوار البيت والفرد في حدود الجامع والحسينية بأزياء بيضاء وسوداء لا غيرها، لأن باقي الألوان ستكون دخلت ضمن خانة التحريم والحلال والحرام. وباختصار، لا أسهل من استخدام التخوين والتكفير عندما تفرغ جعبة الطائفيّ الانتهازي وتجدب قريحته ويبقى العقل والفكر معًا معطّلين عن التفكير والتطوير والتغيير نحو الأفضل: نحو التعددية واحترام الاختلاف في الراي واستمرار التعايش السلمي رغم كلّ ذلك، واتخاذ هذا السلوك منهجًا من أجل البناء والإصلاح، وليس من أجل الطعن والتدمير والاقتتال.
من هنا القول، أن السياسة لا يمكنها التفاعل والعيش بسلام مع الفكر الطائفي المبني على تفسير خاطئٍ للدين وأصوله وفق المعايير العصرية المطلوبة.

حياة الناس معطلة
اليوم، وبسبب انشغال القيادات السياسية والدينية بهاجس الطائفية المتعاظم، لا أحد يتحدث عن المستقبل، وكأن الحياة قد توقفت واقتصرت على الواقع اليومي وعلى الزمن الذي يعيشه الإنسان في صومعة التقوقع الطائفي المتذبذب والكاره لكلّ انفتاح وقبولٍ للغير. أمّا المتباكين على الماضي، فبسبب فراغ جعبتهم من العلم والمعارف، والأنكى من ذلك، من محبة الغير وحب البناء والتطوّر مع العصر، ليس أمامهم اليوم، غير ما يجود غَرفُهم واستذكارُهم من الماضي الزاخر التليد المنتهي الصلاحية، رغم أن هذا الماضي ليس من شأنهم وليس لهم فيه من شرف البناء والجهد والإعمار. لقد دخل الصراع الطائفي حتى في الخدمات الآدمية وفي مناهج الدراسة وفي التعليم وأصوله، بل وفي أسس التركيبة التي تشكل دعاماته. ما سمعناه في أوقاتٍ سابقة، من ممارسات وقرارات غريبة في بعض المؤسسات العلمية والتعليمية ومنها الجامعية، يقزّز النفس وتقشعرّ له الأبدان حقًا. فهل نحن نسير عكسَ تطور الزمن؟ هل يُعقل أن نرجع بالتعليم وأساليبه إلى المراحل الأولى من نشأته بفصل الجنسين عن بعضهما وتشكيل مؤسسات علمية مستقلة للذكور وغيرها للإناث؟ في أي زمن نحن نعيش؟ أيُعقل أن نسمي كلّ تماس بين الجنسين حرام وضدّ الشرع ووووو، درءً للفتنة؟ أية فتنة هذه أن تدخل معايير طائفية معينة يُراد فرضها على مجتمع متعدد الألوان والأعراق والأديان؟ ماذا في حالة عدم تيسر العدد الوافي من تلك الهيئات؟ إن العلوم لم تتقدّم إلاّ باستبعاد مثل هذه الأفكار المتخلفة واستنكارها بشدّة ورفضها التام والحاسم. فالعيب ليس في الاختلاط، بل في النظرة غير البريئة التي نشأت من الخلفية البيتية والدينية والطائفية في المجتمعات المتخلفة، ومنها التراجع في النظرة الحديثة والمتطورة للأحداث في منطقتنا عمومًا، منذ فترة نهاية القرن العشرين ولغاية الساعة. أما في العملية التربوية الأساسية، فحدّث ولا حرج. فما تزال هناك آلاف المدارس غير مستوجبة المعايير التربوية في هيئات بنيتها المادية والعلمية على السواء، لأسبابٍ عديدة، منها دخول المحاصصة الطائفية وما شابها من عمليات فساد أيضًا على الخط. فقد سمعنا وشاهدنا حوارات ونقاشات واتهامات بصدد مدارس غير منجزة أو صفقات عقود لبنائها وفيها رائحة من الفساد. ومن نتائجها، تملّص متورطين من مسؤولياتهم في بناء مدارس حديثة بدل مدارس الطين والصفيح والقصب التي لا تليق ببلد يطفو شعبُه على بحيرات من نفط، لكنه محرومٌ منها. كما نسمع عن ميزانيات خيالية لتنفيذ مثل هذه المشاريع، إلاّ أنه في أرض الواقع، لا شيء محسوس. فالأصوات ما تزال عالية صارخة والأيادي ضارعة تطلب الإنصاف والاستهداء بالله والاسترشاد بالضمير وقطر دابر السبب الطائفي، ولكن ما من مجيب!
من هنا وأمام هذا المظهر المريع من النتائج التي أفرزتها الطائفية في الوطن، علينا أن نتعلم كيفية التخلّص من مخالبها، باستخدام فكر متنور ووسائل حضارية تلتف حول شيء أساس، إسمُه الوطن، كي يكون هذا الأخير خيمة وارفة وواقية للجميع من برد الشتاء العاتي وقيظ الصيف القاسي. ومعه، يمكننا أيضًا، أن نرسم هوية الوطن كما بريشة فنان مبدع، فنان عراقي أصيل من أمثال أولئك الذين نقشوا أفضل الرسوم وصاغوا أجمل الحلي لنساء العراق منذ سلالات فجر التاريخ حيث تشهد لها المتاحف وكتب التاريخ. وكذا على غرار أولئك الذين نحتوا تحف الثيران المجنحة أو خططوا وبنوا الجنائن المعلقة والزقورات وأبدعوا برسم بوابة بابل وعشتار  وغيرها كثيرٌ.

هجرة العقول وخسارة الوطن
هناك من يعتقد، أن توغل الفكر الاسلامي السياسي في الحياة اليومية هو الذي أفسد قاعدة التعايش المشترك بين المواطنين، بحيث صار التضادّ وتهميش الآخر وعدم القبول بالمختلف هو البديل لحاملي هذا الفكر القاصر، بدل خيار الحوار ولغة الفكر التنويري والعلم والثقافة المتحررة. وبسبب هذا المدّ الجارف في هذا الاتجاه، فقد العراق جزءًا كبيرًا من القدرات المادية والعلمية والثقافية والمدنية لمواطنيه الذين هجروه قسرًا وظلمًا، بسبب تنغيص عيشهم، ما دفعهم لتفضيل الهجرة وبلدان الاغتراب بديلاً للاستقرار وراحة البال. وهذا بحدّ ذاته، خسارة كبيرة للعراق الذي يكون بغياب هذه النخبة الوطنية والإثنية المتنوعة، قد فقد الجزء الأهم من مقوماته البشرية، ما ساهم ويساهم في تردّي قدراته المستقبلية أيضًا في مواجهة التحديات القائمة. وهكذا تكون الهجرة قد تركت جملة من التغيرات السلبية المؤلمة في بيئتنا الحضارية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية.
إنّه وبالرغم من ناقوس الخطر الذي أنبأَ به ونبّه له السياسيون العقلاء وعلماء الاجتماع والمتنورون من محبي الحرية والداعمين للتغيير الديمقراطي الصحيح في أوصال البلاد، والمحذّرين من هول التداعيات الكارثية لهذه الهجرة الواسعة لشرائح معينة، ولاسيّما المسيحية منها ومن سواها من الأقليات الأخرى وحتى من ألوان الطيف العراقي السائد، إلاّ أن ساسة البلد لم يجهدوا النفس بقطع دابر تلك الأسباب أو الحدّ منها، عبر إيجاد ما يقنع المهاجر بالعدول عن قراره. ومن المؤسف له أن الكلّ يعلم أن هذه النخب كانت وما يزال من بقي منها صابرًا،  تشكل حلقة الوصل بين الحضارة المحلية والحضارات العالمية الأخرى بسبب ما تمتلكه من علاقات ومقومات متنوعة المهام والقدرات والكفاءات. ويشهد الجميع، بمقوّمات المجتمعات المسيحية قاطبة، من حيث إحاطتهم وإلمامهم وتفاعلهم مع مختلف الثقافات دون عناء، ما يشكل فيهم خير عامل للتحاور والتعايش والاستقرار المجتمعي والتناغم رغم الاختلاف القائم في العديد من الشؤون العامة الأخرى.

حلمٌ وخيال
قالتها بحسرة والدمعة تنزل من مآقيها وهي تغادر أرض الوطن: كنتُ أحلم أن أتزوج وأنجب صبيانًا وصبايا، وان يكون لي بيتٌ يلمُّ أسرتي في أرض آبائي وأجدادي. لكنّ القدرً خطفَ منّي حبيبي ورفيق عمري قبل أن أروي غليلي وأحقق حلمي، حينما أردتُه الصراعات الطائفية بهدية انتحارية من "مجاهدٍ" غريبٍ مجرم استلهم فعلته الإجرامية من فتاوى دعاة الطائفية. لم يعد هذا الحلمُ ملكًا لي، بعد أن تخلّينا عن بعضنا، وكأنّ ذلك الحلم الذي كان في خاطرة كلّ وطنيّ عراقي، كان ضربًا من الخيال. لقد تشرّدتُ وأطفالي ولم يكتمل حلمي ببيتي الخاص الذي وظّبتُ له مع زوجي ورصدنا له جهدًا ومالاً وهمّاً. لم يعد لي مكانٌ في هذا الوطن الذي يرفض أبناءه. بل لم يعد الوطنُ لي بيتًا يأويني وأطفالي ويحصّنني ويصون كرامتي وحريتي ويحترم حقوقي ويعترف بمساواتي ويحقق العدل متى انتهكت الحرمات وخرقت القوانين. أيُعقل أن يتحول وطني إلى غابة من الوحوش الكاسرة التي لا تؤمن بالقانون، وهو أول بلد صكّ القوانين وعرف مسلّة حمورابي التي ما تزال ماثلة يتداولها ويسترشد بها حماة القانون؟
أسئلة محرجةٌ، أثارتها هذه المرأة الشابة، ولم أجد لها جوابًا مهدّئًا. فكلّ الأجوبة والردود تسقط أمام مأساة من هذا النوع، ولا يبدو ينفع معها أية مقترحات او تطمينات، طالما أن الأمر يتعلّق بمصير حياة ومستقبل أفراد فقدوا كلَّ أملٍ بقدرة الدولة ومؤسساتها وساستها على تأمين وسائل العيش الكريم والأمان المرجو من كلّ فرد لم يعد يرى توفر هذه الوسائل في العراق الغارق في مستنقع الطائفية الآسن. متى الخلاص منها؟

لويس إقليمس
بغداد، في 28 حزيران 2013

 
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
مرةً أخرى، مع الطائفية: مسبباتها وآثارها!
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
البيت الآرامي العراقي :: من نتاجات From Syriac Member outcomes :: منتدى / القسم العام- FORUM / GENERAL DEPARTMENT-
انتقل الى: