|
| إنعام كجه جي “تلتقط” صورة للفردوس العراقي المفقود | |
| | كاتب الموضوع | رسالة |
---|
Dr.Hannani Maya المشرف العام
الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 61370 مزاجي : تاريخ التسجيل : 21/09/2009 الابراج : العمل/الترفيه : الأنترنيت والرياضة والكتابة والمطالعة
| موضوع: إنعام كجه جي “تلتقط” صورة للفردوس العراقي المفقود الأربعاء 3 يوليو 2013 - 2:40 | |
| الكاتبة تستعيد زمنا عراقيا مضى كرم نعمة لندن- تستعيد رواية “طشاري” لإنعام كجه جي المزيج العراقي المتآلف في زمن آفل ومتلاش من جغرافيا اليوم، لكنه أشبه بأغنية عتيقة في ذاكرة العراقيين، لتصل إلى ما هو “طشاري” وتجد له معادلا في ديوان شعري تكتبه عراقية مغتربة في باريس، لا ترثي قدر العراقيين بقدر ما ترسم صورة لأهل تفرقوا أيدي سبأ! تطشروا مثل طلقة البندقية التي تتوزع في كل الاتجاهات. تقول ابنة أخ الدكتورة وردية وهي تشرح معنى “طشاري” لابنها اسكندر المولود في باريس ولا يربطه ببلد آبائه غير المعلومات في الفضاء الافتراضي، “طشاري مالي والي” في استعادة من أغنية توغل عميقا في مآقي الدموع العراقية، كان محمود درويش يستعيدها كلما قابل عراقيا بعد سنوات طوق الحصار الأعمى إبان عقد التسعينات “جي مالي والي بوية أسم الله”. ومع ذلك فإن هذه الرواية ليست فيلماً تسجيلياً بل نهل من بئر الذات، والتقاط صورة المجتمع المنعكسة على صفحة روح الكاتب. إلا أن الكاتبة تؤكد أنها استوحت روايتها من صورة لطبيبة التقطت في صالة العمليات في المستشفى الجمهوري في الديوانية عام 1961 ألهمتها سيرتها بعض ملامح “طشاري”، “الصورة التي ثبتت على غلاف الرواية”. بلاد لم تعد لنا “طشاري” الرواية الثالثة لإنعام كجه جي، بعد “سواقي القلوب” و”الحفيدة الأميركية”، والصادرة قبل أيام عن دار الجديد في بيروت بدعم من الصندوق العربي للثقافة، “تتطشر” بين ثنايا الموت في عراق لم يعد كما كان لتروي سيرة أهله من عمان إلى دبي وباريس وتورنتو. فالدكتورة وردية صاحبة تلك الحكاية منذ أن ارتدت ومن ثم خلعت الكفوف البلاستيكية المعقمة في مستشفى الديوانية وتركت سرير الفحص، حتى نزولها بأرض “ساركوزي” فلم يتبق لها في بلدها ما يبقيها ولا ما يمسكها عندما رأت “السرسريّة” يحتلون الطرقات ويحكمون البلاد. لا تسرد الدكتورة وردية ابنة العائلة المسيحية القادمة من الموصل إلى بغداد من أجل دراسة أولادها بالجامعات، وأول دكتورة توليد تحط على أهل محافظة الديوانية في خمسينات القرن الماضي، تتآلف مع أهل المدينة مثلما تحبها نساءها وتدعي لها عند الأئمة والأولياء في كربلاء والنجف وتسقيها “شاي العباس″، ثم علاقتها بالعلوية شذرة وكيف تقرأ الأدعية الإسلامية على مولود المرأة المسيحية، لا تسرد سيرة مجردة لطبيبة عراقية، بقدر ما ترسم صورة باتت اليوم نادرة في عراق الأحزاب الطائفية والدينية، وكأنها تذكر باسطوانة مشخوطة بات العراقيون، كل العراقيين يعودون إليها كلما أرادوا اليوم تبرير طائفيتهم، وتسويغ أن الوطنية آخر ما يخطر على بالهم. وردية ليست وحدها البطلة في هذا العمل الروائي، الذي ينم عن قدرة متصاعدة في الكتابة عند إنعام كجه جي، الصحفية التي جعلت تسمية الروائية تتقدم عليها، فثمة روح عراقية ترف بين الأماكن والذكريات والديانات، في محاولة يائسة للتذكير أمام زمن منحط اجتماعيا، حتى الفتى اسكندر الذي ولد في باريس ولم يزر بغداد إلا مرة واحدة يكتشف ما هو غائب اليوم عن جغرافيا أهل آبائه، فيدفعه البعد عن بلاد لا يعرفها وشعوره بحنين أمه الشاعرة إليها، لتشييد مقبرة افتراضية على الانترنت لكل أقربائه، عله يجد ما يبرر به الدموع التي لم تكف عن الهطول من مآقيها. مقبرة إلكترونية ألا يبدو أن هذا الفتى بمقبرته الافتراضية هو البطل في “طشاري” أكثر بكثير من الدكتورة وردية، على اعتبار أن العراق أصبح أكبر مقبرة في العالم، كذلك سألتُ كجه جي، إلا أنها لا ترى ثمة أبطالا في الفواجع يا صاحبي! هكذا قالت “هي شخصيات تتحرك وتتباعد وتتقارب وتقهقه وتنتحب وتحاول كل منها التشبث بخيط، ولو كان واهياً، من ماض يبدو بعيداً جداً رغم أنه كان بين العينين قبل عقود قصار. إن اسكندر حاول تطمين العمة وردية التي لا تريد أن تدفن في تربة أجنبية بعيدة عن رقاد زوجها وأهلها، وابتكر مقبرة إلكترونية تجمع عظام العراقيين الموزعين في الشتات مثل الطلق الطشّاري. لكن العظام تتمرد والموتى يقومون هاربين إلى تربة حقيقية لا وهمية. لابد من بصيص أمل لأن العراق أكبر من المقبرة التي صمموها له”. مثلما عملت الأُم طبيبة في أرياف العراق وترقبت زيارة البابا إلى أرض إبراهيم الخليل وخذلها في وقت كان الناس في أمس الحاجة إلى بركاته، فإن ابنتها لم تجد عملاً كطبيبة إلا في أرياف كندا، أي في المحميات المهملة والفقيرة للسكان الأصليين أو من يسمونهم بالهنود الحمر. لقد عاشت تجربة استثنائية خصوصاً وأن الحرب الأميركية قامت على العراق وهي هناك، حيث تعاطف معها أهل المنطقة الذين لا يميلون، أصلاً، إلى “الكاوبوي”. و”هندة” هي نموذج آخر من ملايين العراقيين الذين حولت الحروب مصائرهم من الاستقرار إلى الهجرة. وفي المنفى تكتشف في نفسها طاقات خبيئة، مكرهة لا بطلة، فتقيم من خلال الرسائل صلة أكثر عمقاً بوالدتها في بغداد، بعد أن أنضجتها الحياة. برعت إنعام في توظيف المفردة العراقية الدارجة بحس لغوي سائد وكأنها مستلة من أعمق دواوين العرب، هي المغتربة عن بلادها منذ أكثر من ربع قرن، اللهجة لم تخنها وكأنها تعيش واقعا لم تتركه أصلا، إذ لا تحضر باريس حيث تقيم وحيث تلجأ إليها الدكتورة وردية بقدر ما تحضر أجواء بغداد والديوانية والموصل، فما بين صفحة وأخرى “تنط” مفردة عراقية من قاموس المحلية الصرفة وبدلالة عميقة، إلا أن صاحبة “طشاري” تقول إن المفردات الدارجة لا تشكل أكثر من واحد في المائة من لغة الرواية، وهي ترد في بعض الحوارات، لا كلها، وأغلبها يستند إلى أصل فصيح. وتحتفظ بها لأنها تستمع إليها وتستخدمها كل يوم في دندناتها للأُغنيات القديمة، وكذلك في حديثها مع زوجها وأولادها، لاسيما مفردات الحب والتدليل أو القهر والغضب. “ويبدو لي أن الواحد منا، مهما تعلم من لغات غريبة فإنه يبقى يحلم في المنام بلغته الأُم وبها يطلق الشتائم”. قد يجد قارئ رواية “طشاري” ثمة ما يجمع بين الدكتورة وردية وبين بطلتي روايتيها السابقتين “كاشانية” في “سواقي القلوب” وجدة زينة في “الحفيدة الأميركية” وكأنها أعادت سيرة سرد امرأة واحدة، إلا أن إنعام تجمع بينهن بثلاثة صفات: التقدم في السن ومسقط الرأس في مدينة الموصل والانتماء إلى زمن عراقي كان مختلفاً في الرقيّ والتسامح والتفتح. وتفرّق بينهن حكاياتهن التي تسير كل منها في اتجاه. رواية توغل في مآقي الدموع العراقية كاشانية، في “سواقي القلوب” سيدة أرمنية تزوجت فرنسياً دون أن تنجح في فك الاشتباك بينها وبين مسقط رأسها. ورحمة في “الحفيدة الأميركية” جدّة لم تغادر العراق ويشقيها أن تعمل حفيدتها مترجمة مع الاحتلال الأميركي. أما وردية في “طشّاري” فقد عملت طبيبة في الديوانية ثم في بغداد لعدة عقود ولم تضطر إلى الهجرة إلى فرنسا إلا وهي في الثمانين. إنها ثلاث سيَر لثلاث عراقيات باسلات ومجهولات يحفظن في ذاكراتهن صورة وطن يتبدد. لأن الواقع العراقي يقدم للكاتب مادة روائية ثرية وتكاد تزدري أعتى المخيلات. وحيثما يتلفت المرء يجد قصصاً تستدرج المؤلفين لكي يسجلوها. تعترف إنعام كجه جي بأن الصحافة علّمتها الإنتباه إلى التفاصيل، وهي التي وضعتها في طريق شخصيات مختلفة ومتعددة الطبقات. ليس بالمعنى الأيديولوجي بل تراكمات المحن والمسرات وحفريات الأرواح. عن ذلك تقول “لقد عشت أربعين عاماً أكتب باللغة البرقية الموجزة. فلما حان وقت الرواية أطلقت لنفسي العنان في الفضفضة والكلام والتذكّر بل والثرثرات التي تصنع لحم الحدث، دون أن تترهل شحماً. وهنا لابد من التنويه بحصولي على منحة من الصندوق العربي للثقافة والفنون وبفضلها تمكنت من تأجيل بعض العمل اليومي والتفرغ لإنجاز الرواية”. | |
| | | | إنعام كجه جي “تلتقط” صورة للفردوس العراقي المفقود | |
|
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| |