عودة إلى بغداد مركز الصدع المتسع في صفوف المسلمين
July 8, 2013
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][rtl]بغداد ـ من سامية نخول ـ (رويترز) – في المرة الأخيرة التي كنت فيها في بغداد غادرتها محمولة على محفة. كان ذلك في 11 إبريل نيسان عام 2003 أي بعد أربعة أيام من دخول القوات الأمريكية العاصمة العراقية في نهاية حملة خاطفة للإطاحة بصدام حسين.[/rtl]
[rtl]وكانت القوات الأمريكية قصفت بغداد على مدى أسابيع قبلها ومع دخول الدبابات الأمريكية إلى المدينة مسرعة أصبحت من بين المصابين إلى جانب عشرات من القتلى والجرحى العراقيين.[/rtl]
[rtl]وفي يوم سقوط بغداد كنت في انتظار جراح عراقي سيجري لي جراحة لإزالة شظية ونثار عظام مفتتة من دماغي. وبالفعل لقد أنقذ حياتي.[/rtl]
[rtl]ولم يمض وقت طويل حتى وجدتني أرنو من طائرة مشاة البحرية الأمريكية التي أقلتني إلى مستشفى ميداني على حدود الكويت إلى أرتال المدرعات الأمريكية على الأرض تنتشر في المدينة معلنة نهاية حقبة أخرى يعمها الاضطراب من تاريخ الشرق الأوسط وبداية مرحلة أخرى أكثر غموضا ويصعب تلمس معالمها.[/rtl]
[rtl]وفي أواخر الشهر الماضي عدت إلى بغداد أخيرا بعد مرور عشر سنوات على إجلائي منها. لم تكن عودة لمجرد مواجهة ذكريات أليمة بل وكذلك بحثا عما يمكن أن يستدل به على مستقبل المنطقة.[/rtl]
[rtl]لقد بات العراق الآن محطما تسري الشقوق العميقة في جسد مجتمعه. فعاد السنة والشيعة العراقيون إلى العنف الطائفي المروع الذي فجره الغزو. والاحتلال الأمريكي الذي روج له على أنه سبيل للتخلص من طغيان صدام الوحشي ووضع حد لخطر أسلحة الدمار الشامل وإحلال السلام والديمقراطية إنما أجج الإحن القديمة بين أبناء المذهبين بداية في العراق ثم سرى في شتى أنحاء المنطقة الآن.[/rtl]
[rtl]وعلى مدى السنوات الأخيرة شهدت المنطقة صدامات بين أبنائها من الأغلبية السنية والأقلية الشيعية فوقعت اشتباكات في العراق ولبنان والبحرين.[/rtl]
[rtl]وقبل أسبوعين أقدم مئات السنة في مصر بعد أن أججت مشاعرهم أقوال دعاة متشددين على قتل أربعة من الشيعة من بينهم زعيم ديني وسحل جثثهم في شوارع قريتهم.[/rtl]
[rtl]وفي سوريا تحولت الانتفاضة المناهضة لحكم بشار الأسد إلى حرب طائفية تجتذب أصحاب أدوار من شتى أنحاء الشرق الأوسط الذي رسمت حدوده بطريقة تعسفية قبل قرن على أيدي مسؤولي الاستعمارين البريطاني والفرنسي.[/rtl]
[rtl]وإذا نظرنا إلى الأحداث من المنظور الآني لتبين لنا أن الغزو كان لحظة فارقة في توازن القوى القائم منذ قرون بين الطائفتين. والعراق هو أول دولة عربية كبيرة يديرها الشيعة منذ ما يزيد على ثمانية قرون. وقد زاد ذلك إيران جرأة وروع السنة زعماء وسكانا.[/rtl]
[rtl]وقد أضحى الانقسام بين الطائفتين في بغداد ملموسا بالمعنى الحرفي. إذ عزلت المباني الحكومية في العاصمة بجدران خرسانية واقية تحميها من التفجيرات الانتحارية التي تقترب الآن من حيث عددها وعدد من تقتلهم مما كانت عليه في أوج العنف الطائفي في 2006-2007.[/rtl]
[rtl]ويشير بعض سكان المدينة إلى أشجار جديدة زرعت بامتداد طريق المطار وإلى إزالة الجدران الواقية وإعادة المساحات المفتوحة. وتقام بعض المراكز التجارية الصغيرة والمستشفيات.[/rtl]
[rtl]لكن بغداد تبدو في عيني مدينة يطغى عليها الموت واليأس. وشعور الخوف بين المواطنين العاديين الذين أضناهم وروعهم الاحتلال الأجنبي وسنوات الاقتتال بين أبناء الوطن شعور طاغ. وفي شتى أنحاء العاصمة بيوت مهجورة وتكتظ السفارات الأجنبية بطالبي اللجوء أو الهجرة الذين يسعون للحاق بما يزيد على مليوني مواطن تركوا البلاد بعد عام 2003.[/rtl]
[rtl]وعلى مدى أربعة أيام مررت في انتقالاتي بالسيارة على حديقة عامة للأطفال تناولتها يد التجديد والرعاية في شارع أبو نواس الذي يمتد على ضفة نهر دجلة وكان يوما قلب المدينة النابض. وكانت الحديقة خالية في كل يوم من الأيام الأربعة وكذلك المقاهي الكثيرة المطلة على الشارع.[/rtl]
[rtl]ويشغل الآن كثيرا من الفيلات المطلة على دجلة سكان جدد بعد أن أجبر العنف الشيعة والسنة على طلب المأوى الآمن في الأحياء التي يمثلون فيها أغلبية مضمونة.[/rtl]
[rtl]كذلك يشغل القصور والفيلات الفارهة التي كانت لصدام واتباعه المقربين سكان آخرون ينتمون عادة إلى الطبقة الجديدة من الزعماء الشيعة وما يحيط بهم من حراس شخصيين وميليشيات.[/rtl]
[rtl]وتغيرت ملامح وجه العاصمة. فقد أفسح الوجه السني من عهد صدام ونظام الأقلية الذي كان يتزعمه السبيل للرموز الشيعية. وتصطف الآن على الجدران في الطرق الرئيسية ملصقات تصور بعض الأئمة الشيعة. وتذاع صلاة الشيعة من مكبرات الصوت في المساجد وأماكن العبادة الشيعية وسيارات الميليشيا بعد أن صمتت تلك الميكروفونات طويلا.[/rtl]
[rtl]ويرأس الحكومة الآن رئيس الوزراء نوري المالكي وهو إسلامي شيعي من حزب الدعوة الذي حارب صدام من خلال حملة سرية طويلة ومكلفة. ولم تستطع حكومته القيام بمصالحة وطنية بين السنة والشيعة.[/rtl]
[rtl]ورد المالكي مرارا وتكرارا على اتهامه بأنه يتبع سلوكا استبداديا بالقول إنه تولى السلطة بانتخابات ديمقراطية وليس بانقلاب عسكري. ويقول إن العراق بحاجة إلى حكومة مركزية قوية وإن منح سلطات كبيرة للمحافظات يقوض السلطة المركزية.[/rtl]
[rtl]وقال علي الموسوي مستشار المالكي الإعلامي إن الانقسام بين الشيعة والسنة لم يكن موجودا في عهد صدام إلا في هيكل السلطة ولم يكن موجودا في المجتمع العراقي. وأضاف أن بعض الأخطاء التي ارتكبتها سلطات الاحتلال الأمريكي والحكومة التي تولت السلطة بعد الإطاحة بصدام أدت إلى هذا الانقسام في المجتمع.[/rtl]
[rtl]وأرجع الموسوي كذلك العنف الطائفي إلى تدخل “المنظمات الإرهابية” المرتبطة بالقاعدة والتي تتبع أشد المذاهب السنية محافظة والتي قال إنها قامت بأكبر دور في التحريض الطائفي في العراق.[/rtl]
[rtl]وفي الوقت نفسه سرت العداوة وعدم الثقة كالسم في الجسد في ظل حكومة المالكي التي تبدو بالنسبة إلى كثير من الزائرين أشبه بكيان جامع للقوى والتنظيمات الشيعية أكثر من كونها سلطة مركزية لكل العراقيين من شيعة وسنة وأكراد على حد سواء.[/rtl]
[rtl]ويقول دبلوماسيون وسكان إن التمييز ضد السنة في العمل والحياة العامة متفش على نطاق واسع بينما تغمض الحكومة عينها عن الميليشيات الشيعية الراديكالية.[/rtl]
[rtl]وتكتظ صفوف الشرطة والجيش اللذين أعيد بناؤهما بعد أن حلتهما سلطات الاحتلال الأمريكي بالشيعة ومن بينهم أعضاء سابقون في الميليشيات ويحتفظ ببعض المواقع ذات الرتب الصغيرة كحصص للسنة أي عكس الوضع الذي كان قائما في عهد صدام.[/rtl]
[rtl]ولا يمكن تحميل المسؤولية عن كل المظالم للمالكي الذي ورث بعض تلك الانقسامات لكن منتقدين يقولون إنه لم يتصد للاستياء الذي تسببه بل وفعل أحيانا ما يسبب تزايد هذا الاستياء.[/rtl]
[rtl]ونتيجة شعور أبناء الأقلية السنية وكأنهم مواطنون من الدرجة الثانية قاموا باحتجاجات حاشدة في محافظة الأنبار وفي شتى أنحاء المنطقة الوسطى في العراق. ويمثل السنة زهاء 20 في المئة من سكان العراق البالغ عددهم 32 مليون نسمة مقابل 60 في المئة للشيعة.[/rtl]
[rtl]ويشعر السنة الذين يحرمون من نيل الوظائف ومعاشات التقاعد بالاستياء الشديد من المالكي لتجاهله اتفاق اقتسام السلطة الذي تم التوصل إليه بعد انتخابات عام 2010.[/rtl]
[rtl]وكان المقصود بهذا الاتفاق أن يتيح اقتساما شبه اتحادي للسلطة بين الشيعة والسنة والأكراد الذي يديرون منطقتهم المتمتعة بالحكم الذاتي في الشمال. لكن السنة يقولون إن المالكي انتزع السيطرة على المناصب الأمنية والقضائية الكبرى واستخدم شرطته في استهداف كبار خصومه من السنة.[/rtl]
[rtl]وبات طارق الهاشمي نائب الرئيس العراقي وأرفع سياسي سني الآن هاربا من حكم بالإعدام صدر عليه بعد إدانته بتهمة إدارة فرق اغتيال وهي تهمة يعتقد أبناء طائفته الذين يشعرون بالاضطهاد أنها ملفقة.[/rtl]
[rtl]لكن مسؤولي الحكومة من الشيعة يحملون السنة المسؤولية عن العنف. وقال نائب شيعي بارز قريب من المالكي “معظم الزعماء الإسلاميين السنة… يعتقدون أن تأجيج الصراع المسلح بين السنة والشيعة هو أفضل سبيل للعودة إلى السلطة.”[/rtl]
[rtl]ولا تقتصر أسباب الشكوى على السنة. فالأكراد الذين يمثلون ما يقرب من 20 في المئة من السكان باعد بينهم وبين الحكومة في بغداد تقاعس المالكي عن تحديد طريقة اقتسام عائدات النفط الكبيرة – إذ يصدر العراق 2.5 مليون برميل في اليوم – مع حكومة كردستان الإقليمية المتمتعة بالحكم الذاتي.[/rtl]
[rtl]ولما كان لدى الأكراد قوات مسلحة عالية التدريب فقد اقتربوا في إحدى المراحل من الصدام العسكري مع بغداد في إطار النزاع على مناطق حدودية غنية بالنفط مثل كركوك.[/rtl]
[rtl]وقال دبلوماسي غربي رفيع “رفض المالكي اقتسام السلطة. وسيطر على الجهاز الأمني بأكمله ووزارة العدل وجعلهما أداة لسياسته. ولم يحصل الأكراد على ما وعدوا به في قانون الغاز والنفط أو على حل للنزاع على الأراضي.?”?[/rtl]
[rtl]وأضاف دبلوماسي إقليمي آخر “هذه الحكومة (يفترض أنها) أقيمت على أساس المشاركة. كان المفترض أن يكون كل مكون من مكونات الشعب العراقي ممثلا لكن لم يحدث شيء. ما أن شكلت الحكومة حتى كف المالكي عن الاستماع إلى آراء شركائه.”[/rtl]
[rtl]ويرفض المتحدث باسم المالكي هذه الاتهامات وقال إن قرارات الحكومة تتخذ بالتصويت ولرئيس الوزراء صوت واحد. وأضاف أنه ما من طائفة دينية أو عرقية يمكنها أن تحكم العراق منفردة “لقد أصبح هذا غير محتمل.”[/rtl]
[rtl]وقال إن السنة يشغلون مناصب أساسية من بينها منصبي نائب الرئيس ونائب رئيس الوزراء لكن بعض الشركاء السياسيين من السنة يحاولون جمع مزيد من الأنصار حولهم لتعميق فكرة أنهم يتعرضون للتهميش والتجاهل وغير ممثلين في السلطة.[/rtl]
[rtl]وتابع أنهم يحرضون الناس على الحكومة لتحقيق مكاسب سياسية برغم أنهم في الحكومة وأثر ذلك بشدة على أداء الحكومة والعملية السياسية في العراق.[/rtl]
[rtl]بل أن حتى كثيرا من الشيعة يضيقون صدرا على الحكومة. فبرغم الدخل النفطي الهائل – إذ أن العراق هو ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وثالث أكبر منتج في العالم – فلم تتمكن بغداد من توفير التيار الكهربي المنتظم والمياه النقية والخدمات الصحية والتعليمية.[/rtl]
[rtl]ولم يتمكن أي مسؤول من أن يفسر لي لماذا لا يتمكن بلد بمثل هذا الثراء من إعادة التيار الكهربي المنتظم بعد عشر سنوات.[/rtl]
[rtl]وتمتد رغبة المالكي في السيطرة فيما يبدو إلى طريقة معاملته للأحزاب الشيعية المنافسة التي عمل على شق صفوفها أو استبعادها من السلطة. وقد بدأت بضعة من هذه الأحزاب تتكتل معا ضده وتفعل ذلك في بعض الأحيان مع أحزاب سنية.[/rtl]
[rtl]وقال الدبلوماسي الإقليمي “بالنسبة إلى المالكي 50 في المئة مسألة طائفية أما الخمسية في المئة الأخرى فبسبب شخصيته وتصميمه على السيطرة على السلطة كلها.”[/rtl]
[rtl]وذكر الدبلوماسي الغربي أن رئيس الوزراء يتوخى السرية – ربما نتيجة قضائه سنوات في المنفى وفي العمل السري – إلى حد أنه “عندما يغادر مكتبه يغلقه بالمفتاح ويضع المفتاح في جيبه.”[/rtl]
[rtl]وهذا المبعوث من ضمن عدة دبلوماسيين وساسة منافسين يتكهنون بأن المالكي بتركيزه كل هذا القدر من السلطة في يديه ربما يكون قد تمادى كثيرا إلى حد يهدد فرصه في الانتخابات العامة التي تجرى العام القادم. صراع إقليمي[/rtl]
[rtl]وقد سلط قرار إيران إلقاء ثقلها العسكري والسياسي وراء حكومة بشار الأسد في سوريا التي يهيمن عليها العلويون الشيعة مزيدا من الانتباه على الطبيعة الطائفية للحياة السياسية في العراق.[/rtl]
[rtl]ويقتنع الدبلوماسيون في بغداد بأن المالكي حاول أن ينتزع مزيدا من السيطرة على البنك المركزي في أكتوبر تشرين الأول الماضي للسماح لحكومته بتوفير دولارات لإيران الخاضعة لعقوبات دولية ضمن جهود لدعم الحكومة في سوريا.[/rtl]
[rtl]ونفى مكتب المالكي هذه المزاعم بشدة. وقال المتحدث باسمه لرويترز “لم نحاول على الإطلاق تحويل أي دولارات إلى الإيرانيين. نحن ملتزمون بقرارات المجتمع الدولي. هذه محض أكاذيب. كل الحديث عن هذه المسألة له دوافع سياسية. نحن نتحدى أي طرف أن يقدم ما لديه من أدلة.”[/rtl]
[rtl]وقال وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري إن بلاده تتعرض للهجوم من جانبي الحرب الأهلية في سوريا الأمر الذي يعرض سياسة الحياد التي تتبعها بغداد رسميا في تلك الحرب للخطر.[/rtl]
[rtl]وأضاف متحدثا إلى رويترز أن قدرة العراق على الاستمرار في اتباع هذه السياسية مرهون بالتطورات. وتابع “العراق في أصعب وضع في هذا الاضطراب الإقليمي وقد صار الصراع في سوريا صراعا إقليميا بكل المعايير.”[/rtl]
[rtl]ويقول الدبلوماسيون إن إيران أقامت “ممرا بريا” من أراضيها إلى سوريا عبر الأراضي العراقية “لنقل الأسلحة والمقاتلين”. وتعتقد واشنطن كذلك أن رحلات جوية وبرية لنقل شحنات من إيران إلى سوريا عن طريق العراق تتم كل يوم.[/rtl]
[rtl]ويرفض العراق اتهامه بأنه يسمح لإيران بنقل عتاد عسكري أو مقاتلين عبر أراضيه وقال إن تفتيش بعض الطائرات الإيرانية المتوجهة إلى سوريا انتهى إلى أنها لا تحمل سوى سلع مدنية.[/rtl]
[rtl]لكن ما لا شك فيه أن مقاتلين عراقيين من الشيعة والسنة يتوجهون إلى سوريا.[/rtl]
[rtl]ويقول الزعماء الشيعة إن الشيعة العراقيين إنما حفزهم قتل أفراد من طائفتهم ونبش مراقد شيعية مقدسة في سوريا على أيدي متعصبين من السنة.[/rtl]
[rtl]وقال حسين أبو سجاد وهو عراقي قال إنه يحارب في سوريا لكنه في فترة راحة في العراق إن الستة عشر مليون شيعي متفانون في حماية دينهم وسيحشدون آلاف المقاتلين لحماية دينهم ومراقدهم.[/rtl]
[rtl]ويخشى الزعماء الشيعة في بغداد وطهران أن تنشأ في سوريا إذا سقط الأسد حكومة سنية معادية تقوض النفوذ الشيعي في الشرق الأوسط.[/rtl]
[rtl]وفي الوقت نفسه يرى السنة العراقيون فرصة. ويكتسب جناح القاعدة في العراق الذي جدد الصراع السوري نشاطه قوة ومجندين جددا من بين السنة العراقيين.[/rtl]
[rtl]وحتى السنة الذين لا يثقون في الاتجاهات الجهادية يشعرون بخيبة الأمل في حكومة المالكي. ويريد بعضهم اتباع المثال الكردي وإنشاء منطقة منفصلة داخل العراق بينما يتطلع آخرون إلى سوريا على أمل أن يتمكن السنة من الفوز بالسلطة هناك.[/rtl]
[rtl]وقال الدبلوماسي الكبير “إنهم يحلمون بالتغيير في سوريا بأن يكون في دمشق سلطة سنية تدعمهم. ويعتقد المتطرفون أنهم سيتمكنون بدعم من السنة في دمشق من استعادة السلطة في العراق.”[/rtl]
[rtl]البحث عن مخرج[/rtl]
[rtl]في أحياء بغداد السنية يشكو الناس من ميليشيات شيعية سرية يرتدي أفرادها قمصانا سوداء وسراويل ذات لون كاكي ويقيمون نقاط تفتيش زائفة ويفحصون بطاقات تحقيق الشخصية ويقبضون على من يشتبهون بهم.[/rtl]
[rtl]وهذا هو أكبر فرق بين عام 2003 وبين الآن. فآنذاك أبدى العراقيون مزيجا من الإيمان بالقضاء والقدر والتحدي والأمل في مستقبل أفضل. أما الآن فلا أمل لكثير من العراقيين سوى الخروج من البلاد.[/rtl]
[rtl]وهذا الشعور أكثر حدة بين السنة الذين يشعر كثير منهم بأنهم يدفعون ثمنا هائلا لما تعرض له الشيعة والأكراد من مذابح وقمع في عهد صدام.[/rtl]
[rtl]وقال سني يدعى أحمد “لي ابن اسمه عمر. عندما ولد سميته عمر لكن وقتها لم تكن هناك كراهية طائفية مثل الآن. واسمه وحده يمكن أن يعرض حياته للخطر… أريد أن أهاجر إلى الولايات المتحدة. نحن الآن ضيوف غير مرغوب فيهم في العراق. وأخاف على أبنائي فلا مستقبل لهم هنا.”[/rtl]
[rtl]وقال أحمد الذي رفض ذكر اسمه الكامل إن جيرانه الشيعة رحلوا من فترة طويلة. “خطر عليهم أن يأتوا إلى منطقتنا وخطر علينا أن نزورهم. نحن نتواصل بالهاتف أو من خلال فيسبوك.”[/rtl]
[rtl]ومن بين سكان بغداد السنة كذلك ريم (37 عاما) التي فرت مع زوجها وابنيها إلى مدينة حلب السورية بعد أن ألقت القوات الأمريكية القبض على والدها بتهمة مساعدة المقاومة السنية في العراق. وقد عادت الآن إلى بغداد لكنها ما زالت تعتقد أن حياتها ستكون أفضل في سوريا.[/rtl]
[rtl]وقالت “اضطررنا للعودة من سوريا بعد أن اشتد القتال (هناك). وأندم على العودة إلى العراق. فالوضع أسوأ. السنة يتعرضون للتمييز والقمع أكثر من ذي قبل.”[/rtl]
[rtl]حروب أكبر[/rtl]
[rtl]أما بالنسبة لي فقد أحيت بغداد ذكريات ذات شجون طاغية تكاد تكون حفرت في رأسي حرفيا ولم أستطع أن أغادرها دون مقابلة صديقة عراقية وهي سعاد التي مكثت قبل عشر سنوات بجانب سريري ليل نهار وأنا أرقد جريحة حريقة محمومة.[/rtl]
[rtl]ووصلت مع أبنائها الثلاثة: شهد (15 عاما) وبشار (13 عاما) وريهام (عشرة أعوام). وقد تركت سنوات المشقة والمكابدة أثرها في وجهها. وعددت أفراد أسرتها الذين قتلوا في جرائم طائفية ومن بينهم أمها.[/rtl]
[rtl]وقالت إنها القت هي وزوجها تهديدات فاضطرا لترك حيهما. وذهب ذات مرة لشراء بعض الحاجيات ولما عادت وجدت المبنى الذي تسكن به مغلقا وبه آثار طلقات نارية حيث اقتحمت القوات الأمريكية الشقق بحثا عن أشخاص مشتبه بهم. ولم تعرف إلا بعد ساعات ما إذا كانت ابنتاها اللتان تركتهما في المنزل ما زالتا حيتين.[/rtl]
[rtl]لكن الموضوع الذي كانت سعاد أشد رغبة في الحديث عنه هو احتمال أن تهاجر من العراق هي وأسرتها نهائيا. وفرص أن يتحقق ذلك لها ضعيفة للغاية خصوصا مع مطالب آلاف اللاجئين السوريين الذين يسعى كثير منهم للجوء السياسي أو يطلبون تأشيرات هجرة.[/rtl]
[rtl]وكان علي أن أقوم بزيارة واحدة أخيرة قبل أن أتوجه إلى المطار وهي زيارة للطابق الخامس عشر من فندق فلسطين حيث الغرفة رقم 1503 التي أصابتها قذيفة الدبابة عند دخول القوات الأمريكية العاصمة العراقية.[/rtl]
[rtl]لم يعد بمقدوري آنذاك أن أرى الأحداث من مكتب رويترز في الطابق الرابع ومن ثم ذهبت إلى مكتب التلفزيون في الطابق الخامس عشر حيث أستطيع أن أرى الدبابات الأمريكية تتخذ مواقع على جسر الجمهورية الاستراتيجي على بعد ما يقرب من كيلومترين من الفندق.[/rtl]
[rtl]واتصلت بمكتبنا في دبي لأبلغهم بأن بغداد تسقط. وفجأة رأيت وهجا برتقاليا. كان ذلك قذيفة الدبابة الأمريكية التي أصابت مكتبنا فقتلت زميلي الذي كان يعمل في التصوير التلفزيوني تاراس بروتسيوك وزميلا آخر في الطابق الواقع تحتنا مباشرة وهو خوسيه كوزو من قناة تلي 5 التلفزيونية الأسبانية.[/rtl]
[rtl]وأصبت أنا وزميلان آخران بجروح خطيرة.[/rtl]
[rtl]وعندما دخلت فندق فلسطين مترددة لم أجده كما ألفته يعج بالصحفيين وأطقم التصوير التلفزيوني والمرافقين من وزارة الإعلام. كان خاليا إلا من بضعة من رجال الأعمال.[/rtl]
[rtl]وأبدى موظف الاستقبال وكان من العاملين القدامى في الفندق ترحيبا حارا. وكان الطابق الخامس عشر مغلقا لأعمال التجديد لكنه عرض أن يفتحه لي.[/rtl]
[rtl]كانت الغرف مظلمة متربة. لم يتغير فيها شيء غير بعض الإصلاحات الطفيفة. وقد أزيلت الدماء من المكان.[/rtl]
[rtl]لا أدري ما الذي جعلني أشعر بضيق النفس والغثيان أهو الرائحة العطنة في الغرفة المتربة أم ذكريات ذلك اليوم أم الخوف من أن تنتابني من جديد نوبة هلع من تلك النوبات التي ظلت تعاودني لسنوات.[/rtl]
[rtl]وفي الطائرة وأنا عائدة إلى بيروت فكرت في كل الحروب التي عشتها وغطيتها: الحرب الأهلية اللبنانية وحرب الخليج عامي 1990 و1991 والغزو الأمريكي في 2003 فضلا عن الثورات في تونس ومصر والبحرين واليمن وليبيا والآن في سوريا والتي تحولت إلى ما قد يكون أسوأها جميعا. زيارتي هذه اعادتني بالذاكرة الى دمشق الى دمشق التي قصدتها في ابريل نيسان.[/rtl]
[rtl]الآن لا يمكني أن أقرر أيهما أسوأ: أدمشق في الحرب أم بغداد في الديمقراطية. وكما قال لي صديق ذات يوم: الحروب في الشرق الأوسط لا تجلب السلام بل تجلب حروبا أكبر.[/rtl]
بغداد 5 يوليو تموز (رويترز) – في المرة الأخيرة التي كنت فيها في بغداد غادرتها محمولة على محفة. كان ذلك في 11 إبريل نيسان عام 2003 أي بعد أربعة أيام من دخول القوات الأمريكية العاصمة العراقية في نهاية حملة خاطفة للإطاحة بصدام حسين.
وكانت القوات الأمريكية قصفت بغداد على مدى أسابيع قبلها ومع دخول الدبابات الأمريكية إلى المدينة مسرعة أصبحت من بين المصابين إلى جانب عشرات من القتلى والجرحى العراقيين.
وفي يوم سقوط بغداد كنت في انتظار جراح عراقي سيجري لي جراحة لإزالة شظية ونثار عظام مفتتة من دماغي. وبالفعل لقد أنقذ حياتي.
ولم يمض وقت طويل حتى وجدتني أرنو من طائرة مشاة البحرية الأمريكية التي أقلتني إلى مستشفى ميداني على حدود الكويت إلى أرتال المدرعات الأمريكية على الأرض تنتشر في المدينة معلنة نهاية حقبة أخرى يعمها الاضطراب من تاريخ الشرق الأوسط وبداية مرحلة أخرى أكثر غموضا ويصعب تلمس معالمها.
وفي أواخر الشهر الماضي عدت إلى بغداد أخيرا بعد مرور عشر سنوات على إجلائي منها. لم تكن عودة لمجرد مواجهة ذكريات أليمة بل وكذلك بحثا عما يمكن أن يستدل به على مستقبل المنطقة.
لقد بات العراق الآن محطما تسري الشقوق العميقة في جسد مجتمعه. فعاد السنة والشيعة العراقيون إلى العنف الطائفي المروع الذي فجره الغزو. والاحتلال الأمريكي الذي روج له على أنه سبيل للتخلص من طغيان صدام الوحشي ووضع حد لخطر أسلحة الدمار الشامل وإحلال السلام والديمقراطية إنما أجج الإحن القديمة بين أبناء المذهبين بداية في العراق ثم سرى في شتى أنحاء المنطقة الآن.
وعلى مدى السنوات الأخيرة شهدت المنطقة صدامات بين أبنائها من الأغلبية السنية والأقلية الشيعية فوقعت اشتباكات في العراق ولبنان والبحرين.
وقبل أسبوعين أقدم مئات السنة في مصر بعد أن أججت مشاعرهم أقوال دعاة متشددين على قتل أربعة من الشيعة من بينهم زعيم ديني وسحل جثثهم في شوارع قريتهم.
وفي سوريا تحولت الانتفاضة المناهضة لحكم بشار الأسد إلى حرب طائفية تجتذب أصحاب أدوار من شتى أنحاء الشرق الأوسط الذي رسمت حدوده بطريقة تعسفية قبل قرن على أيدي مسؤولي الاستعمارين البريطاني والفرنسي.
وإذا نظرنا إلى الأحداث من المنظور الآني لتبين لنا أن الغزو كان لحظة فارقة في توازن القوى القائم منذ قرون بين الطائفتين. والعراق هو أول دولة عربية كبيرة يديرها الشيعة منذ ما يزيد على ثمانية قرون. وقد زاد ذلك إيران جرأة وروع السنة زعماء وسكانا.
وقد أضحى الانقسام بين الطائفتين في بغداد ملموسا بالمعنى الحرفي. إذ عزلت المباني الحكومية في العاصمة بجدران خرسانية واقية تحميها من التفجيرات الانتحارية التي تقترب الآن من حيث عددها وعدد من تقتلهم مما كانت عليه في أوج العنف الطائفي في 2006-2007.
ويشير بعض سكان المدينة إلى أشجار جديدة زرعت بامتداد طريق المطار وإلى إزالة الجدران الواقية وإعادة المساحات المفتوحة. وتقام بعض المراكز التجارية الصغيرة والمستشفيات.
لكن بغداد تبدو في عيني مدينة يطغى عليها الموت واليأس. وشعور الخوف بين المواطنين العاديين الذين أضناهم وروعهم الاحتلال الأجنبي وسنوات الاقتتال بين أبناء الوطن شعور طاغ. وفي شتى أنحاء العاصمة بيوت مهجورة وتكتظ السفارات الأجنبية بطالبي اللجوء أو الهجرة الذين يسعون للحاق بما يزيد على مليوني مواطن تركوا البلاد بعد عام 2003.
وعلى مدى أربعة أيام مررت في انتقالاتي بالسيارة على حديقة عامة للأطفال تناولتها يد التجديد والرعاية في شارع أبو نواس الذي يمتد على ضفة نهر دجلة وكان يوما قلب المدينة النابض. وكانت الحديقة خالية في كل يوم من الأيام الأربعة وكذلك المقاهي الكثيرة المطلة على الشارع.
ويشغل الآن كثيرا من الفيلات المطلة على دجلة سكان جدد بعد أن أجبر العنف الشيعة والسنة على طلب المأوى الآمن في الأحياء التي يمثلون فيها أغلبية مضمونة.
كذلك يشغل القصور والفيلات الفارهة التي كانت لصدام واتباعه المقربين سكان آخرون ينتمون عادة إلى الطبقة الجديدة من الزعماء الشيعة وما يحيط بهم من حراس شخصيين وميليشيات.
وتغيرت ملامح وجه العاصمة. فقد أفسح الوجه السني من عهد صدام ونظام الأقلية الذي كان يتزعمه السبيل للرموز الشيعية. وتصطف الآن على الجدران في الطرق الرئيسية ملصقات تصور بعض الأئمة الشيعة. وتذاع صلاة الشيعة من مكبرات الصوت في المساجد وأماكن العبادة الشيعية وسيارات الميليشيا بعد أن صمتت تلك الميكروفونات طويلا.
ويرأس الحكومة الآن رئيس الوزراء نوري المالكي وهو إسلامي شيعي من حزب الدعوة الذي حارب صدام من خلال حملة سرية طويلة ومكلفة. ولم تستطع حكومته القيام بمصالحة وطنية بين السنة والشيعة.
ورد المالكي مرارا وتكرارا على اتهامه بأنه يتبع سلوكا استبداديا بالقول إنه تولى السلطة بانتخابات ديمقراطية وليس بانقلاب عسكري. ويقول إن العراق بحاجة إلى حكومة مركزية قوية وإن منح سلطات كبيرة للمحافظات يقوض السلطة المركزية.
وقال علي الموسوي مستشار المالكي الإعلامي إن الانقسام بين الشيعة والسنة لم يكن موجودا في عهد صدام إلا في هيكل السلطة ولم يكن موجودا في المجتمع العراقي. وأضاف أن بعض الأخطاء التي ارتكبتها سلطات الاحتلال الأمريكي والحكومة التي تولت السلطة بعد الإطاحة بصدام أدت إلى هذا الانقسام في المجتمع.
وأرجع الموسوي كذلك العنف الطائفي إلى تدخل “المنظمات الإرهابية” المرتبطة بالقاعدة والتي تتبع أشد المذاهب السنية محافظة والتي قال إنها قامت بأكبر دور في التحريض الطائفي في العراق.
وفي الوقت نفسه سرت العداوة وعدم الثقة كالسم في الجسد في ظل حكومة المالكي التي تبدو بالنسبة إلى كثير من الزائرين أشبه بكيان جامع للقوى والتنظيمات الشيعية أكثر من كونها سلطة مركزية لكل العراقيين من شيعة وسنة وأكراد على حد سواء.
ويقول دبلوماسيون وسكان إن التمييز ضد السنة في العمل والحياة العامة متفش على نطاق واسع بينما تغمض الحكومة عينها عن الميليشيات الشيعية الراديكالية.
وتكتظ صفوف الشرطة والجيش اللذين أعيد بناؤهما بعد أن حلتهما سلطات الاحتلال الأمريكي بالشيعة ومن بينهم أعضاء سابقون في الميليشيات ويحتفظ ببعض المواقع ذات الرتب الصغيرة كحصص للسنة أي عكس الوضع الذي كان قائما في عهد صدام.
ولا يمكن تحميل المسؤولية عن كل المظالم للمالكي الذي ورث بعض تلك الانقسامات لكن منتقدين يقولون إنه لم يتصد للاستياء الذي تسببه بل وفعل أحيانا ما يسبب تزايد هذا الاستياء.
ونتيجة شعور أبناء الأقلية السنية وكأنهم مواطنون من الدرجة الثانية قاموا باحتجاجات حاشدة في محافظة الأنبار وفي شتى أنحاء المنطقة الوسطى في العراق. ويمثل السنة زهاء 20 في المئة من سكان العراق البالغ عددهم 32 مليون نسمة مقابل 60 في المئة للشيعة.
ويشعر السنة الذين يحرمون من نيل الوظائف ومعاشات التقاعد بالاستياء الشديد من المالكي لتجاهله اتفاق اقتسام السلطة الذي تم التوصل إليه بعد انتخابات عام 2010.
وكان المقصود بهذا الاتفاق أن يتيح اقتساما شبه اتحادي للسلطة بين الشيعة والسنة والأكراد الذي يديرون منطقتهم المتمتعة بالحكم الذاتي في الشمال. لكن السنة يقولون إن المالكي انتزع السيطرة على المناصب الأمنية والقضائية الكبرى واستخدم شرطته في استهداف كبار خصومه من السنة.
وبات طارق الهاشمي نائب الرئيس العراقي وأرفع سياسي سني الآن هاربا من حكم بالإعدام صدر عليه بعد إدانته بتهمة إدارة فرق اغتيال وهي تهمة يعتقد أبناء طائفته الذين يشعرون بالاضطهاد أنها ملفقة.
لكن مسؤولي الحكومة من الشيعة يحملون السنة المسؤولية عن العنف. وقال نائب شيعي بارز قريب من المالكي “معظم الزعماء الإسلاميين السنة… يعتقدون أن تأجيج الصراع المسلح بين السنة والشيعة هو أفضل سبيل للعودة إلى السلطة.”
ولا تقتصر أسباب الشكوى على السنة. فالأكراد الذين يمثلون ما يقرب من 20 في المئة من السكان باعد بينهم وبين الحكومة في بغداد تقاعس المالكي عن تحديد طريقة اقتسام عائدات النفط الكبيرة – إذ يصدر العراق 2.5 مليون برميل في اليوم – مع حكومة كردستان الإقليمية المتمتعة بالحكم الذاتي.
ولما كان لدى الأكراد قوات مسلحة عالية التدريب فقد اقتربوا في إحدى المراحل من الصدام العسكري مع بغداد في إطار النزاع على مناطق حدودية غنية بالنفط مثل كركوك.
وقال دبلوماسي غربي رفيع “رفض المالكي اقتسام السلطة. وسيطر على الجهاز الأمني بأكمله ووزارة العدل وجعلهما أداة لسياسته. ولم يحصل الأكراد على ما وعدوا به في قانون الغاز والنفط أو على حل للنزاع على الأراضي.?”?
وأضاف دبلوماسي إقليمي آخر “هذه الحكومة (يفترض أنها) أقيمت على أساس المشاركة. كان المفترض أن يكون كل مكون من مكونات الشعب العراقي ممثلا لكن لم يحدث شيء. ما أن شكلت الحكومة حتى كف المالكي عن الاستماع إلى آراء شركائه.”
ويرفض المتحدث باسم المالكي هذه الاتهامات وقال إن قرارات الحكومة تتخذ بالتصويت ولرئيس الوزراء صوت واحد. وأضاف أنه ما من طائفة دينية أو عرقية يمكنها أن تحكم العراق منفردة “لقد أصبح هذا غير محتمل.”
وقال إن السنة يشغلون مناصب أساسية من بينها منصبي نائب الرئيس ونائب رئيس الوزراء لكن بعض الشركاء السياسيين من السنة يحاولون جمع مزيد من الأنصار حولهم لتعميق فكرة أنهم يتعرضون للتهميش والتجاهل وغير ممثلين في السلطة.
وتابع أنهم يحرضون الناس على الحكومة لتحقيق مكاسب سياسية برغم أنهم في الحكومة وأثر ذلك بشدة على أداء الحكومة والعملية السياسية في العراق.
بل أن حتى كثيرا من الشيعة يضيقون صدرا على الحكومة. فبرغم الدخل النفطي الهائل – إذ أن العراق هو ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وثالث أكبر منتج في العالم – فلم تتمكن بغداد من توفير التيار الكهربي المنتظم والمياه النقية والخدمات الصحية والتعليمية.
ولم يتمكن أي مسؤول من أن يفسر لي لماذا لا يتمكن بلد بمثل هذا الثراء من إعادة التيار الكهربي المنتظم بعد عشر سنوات.
وتمتد رغبة المالكي في السيطرة فيما يبدو إلى طريقة معاملته للأحزاب الشيعية المنافسة التي عمل على شق صفوفها أو استبعادها من السلطة. وقد بدأت بضعة من هذه الأحزاب تتكتل معا ضده وتفعل ذلك في بعض الأحيان مع أحزاب سنية.
وقال الدبلوماسي الإقليمي “بالنسبة إلى المالكي 50 في المئة مسألة طائفية أما الخمسية في المئة الأخرى فبسبب شخصيته وتصميمه على السيطرة على السلطة كلها.”
وذكر الدبلوماسي الغربي أن رئيس الوزراء يتوخى السرية – ربما نتيجة قضائه سنوات في المنفى وفي العمل السري – إلى حد أنه “عندما يغادر مكتبه يغلقه بالمفتاح ويضع المفتاح في جيبه.”
وهذا المبعوث من ضمن عدة دبلوماسيين وساسة منافسين يتكهنون بأن المالكي بتركيزه كل هذا القدر من السلطة في يديه ربما يكون قد تمادى كثيرا إلى حد يهدد فرصه في الانتخابات العامة التي تجرى العام القادم. صراع إقليمي
وقد سلط قرار إيران إلقاء ثقلها العسكري والسياسي وراء حكومة بشار الأسد في سوريا التي يهيمن عليها العلويون الشيعة مزيدا من الانتباه على الطبيعة الطائفية للحياة السياسية في العراق.
ويقتنع الدبلوماسيون في بغداد بأن المالكي حاول أن ينتزع مزيدا من السيطرة على البنك المركزي في أكتوبر تشرين الأول الماضي للسماح لحكومته بتوفير دولارات لإيران الخاضعة لعقوبات دولية ضمن جهود لدعم الحكومة في سوريا.
ونفى مكتب المالكي هذه المزاعم بشدة. وقال المتحدث باسمه لرويترز “لم نحاول على الإطلاق تحويل أي دولارات إلى الإيرانيين. نحن ملتزمون بقرارات المجتمع الدولي. هذه محض أكاذيب. كل الحديث عن هذه المسألة له دوافع سياسية. نحن نتحدى أي طرف أن يقدم ما لديه من أدلة.”
وقال وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري إن بلاده تتعرض للهجوم من جانبي الحرب الأهلية في سوريا الأمر الذي يعرض سياسة الحياد التي تتبعها بغداد رسميا في تلك الحرب للخطر.
وأضاف متحدثا إلى رويترز أن قدرة العراق على الاستمرار في اتباع هذه السياسية مرهون بالتطورات. وتابع “العراق في أصعب وضع في هذا الاضطراب الإقليمي وقد صار الصراع في سوريا صراعا إقليميا بكل المعايير.”
ويقول الدبلوماسيون إن إيران أقامت “ممرا بريا” من أراضيها إلى سوريا عبر الأراضي العراقية “لنقل الأسلحة والمقاتلين”. وتعتقد واشنطن كذلك أن رحلات جوية وبرية لنقل شحنات من إيران إلى سوريا عن طريق العراق تتم كل يوم.
ويرفض العراق اتهامه بأنه يسمح لإيران بنقل عتاد عسكري أو مقاتلين عبر أراضيه وقال إن تفتيش بعض الطائرات الإيرانية المتوجهة إلى سوريا انتهى إلى أنها لا تحمل سوى سلع مدنية.
لكن ما لا شك فيه أن مقاتلين عراقيين من الشيعة والسنة يتوجهون إلى سوريا.
ويقول الزعماء الشيعة إن الشيعة العراقيين إنما حفزهم قتل أفراد من طائفتهم ونبش مراقد شيعية مقدسة في سوريا على أيدي متعصبين من السنة.
وقال حسين أبو سجاد وهو عراقي قال إنه يحارب في سوريا لكنه في فترة راحة في العراق إن الستة عشر مليون شيعي متفانون في حماية دينهم وسيحشدون آلاف المقاتلين لحماية دينهم ومراقدهم.
ويخشى الزعماء الشيعة في بغداد وطهران أن تنشأ في سوريا إذا سقط الأسد حكومة سنية معادية تقوض النفوذ الشيعي في الشرق الأوسط.
وفي الوقت نفسه يرى السنة العراقيون فرصة. ويكتسب جناح القاعدة في العراق الذي جدد الصراع السوري نشاطه قوة ومجندين جددا من بين السنة العراقيين.
وحتى السنة الذين لا يثقون في الاتجاهات الجهادية يشعرون بخيبة الأمل في حكومة المالكي. ويريد بعضهم اتباع المثال الكردي وإنشاء منطقة منفصلة داخل العراق بينما يتطلع آخرون إلى سوريا على أمل أن يتمكن السنة من الفوز بالسلطة هناك.
وقال الدبلوماسي الكبير “إنهم يحلمون بالتغيير في سوريا بأن يكون في دمشق سلطة سنية تدعمهم. ويعتقد المتطرفون أنهم سيتمكنون بدعم من السنة في دمشق من استعادة السلطة في العراق.”
البحث عن مخرج
في أحياء بغداد السنية يشكو الناس من ميليشيات شيعية سرية يرتدي أفرادها قمصانا سوداء وسراويل ذات لون كاكي ويقيمون نقاط تفتيش زائفة ويفحصون بطاقات تحقيق الشخصية ويقبضون على من يشتبهون بهم.
وهذا هو أكبر فرق بين عام 2003 وبين الآن. فآنذاك أبدى العراقيون مزيجا من الإيمان بالقضاء والقدر والتحدي والأمل في مستقبل أفضل. أما الآن فلا أمل لكثير من العراقيين سوى الخروج من البلاد.
وهذا الشعور أكثر حدة بين السنة الذين يشعر كثير منهم بأنهم يدفعون ثمنا هائلا لما تعرض له الشيعة والأكراد من مذابح وقمع في عهد صدام.
وقال سني يدعى أحمد “لي ابن اسمه عمر. عندما ولد سميته عمر لكن وقتها لم تكن هناك كراهية طائفية مثل الآن. واسمه وحده يمكن أن يعرض حياته للخطر… أريد أن أهاجر إلى الولايات المتحدة. نحن الآن ضيوف غير مرغوب فيهم في العراق. وأخاف على أبنائي فلا مستقبل لهم هنا.”
وقال أحمد الذي رفض ذكر اسمه الكامل إن جيرانه الشيعة رحلوا من فترة طويلة. “خطر عليهم أن يأتوا إلى منطقتنا وخطر علينا أن نزورهم. نحن نتواصل بالهاتف أو من خلال فيسبوك.”
ومن بين سكان بغداد السنة كذلك ريم (37 عاما) التي فرت مع زوجها وابنيها إلى مدينة حلب السورية بعد أن ألقت القوات الأمريكية القبض على والدها بتهمة مساعدة المقاومة السنية في العراق. وقد عادت الآن إلى بغداد لكنها ما زالت تعتقد أن حياتها ستكون أفضل في سوريا.
وقالت “اضطررنا للعودة من سوريا بعد أن اشتد القتال (هناك). وأندم على العودة إلى العراق. فالوضع أسوأ. السنة يتعرضون للتمييز والقمع أكثر من ذي قبل.”
حروب أكبر
أما بالنسبة لي فقد أحيت بغداد ذكريات ذات شجون طاغية تكاد تكون حفرت في رأسي حرفيا ولم أستطع أن أغادرها دون مقابلة صديقة عراقية وهي سعاد التي مكثت قبل عشر سنوات بجانب سريري ليل نهار وأنا أرقد جريحة حريقة محمومة.
ووصلت مع أبنائها الثلاثة: شهد (15 عاما) وبشار (13 عاما) وريهام (عشرة أعوام). وقد تركت سنوات المشقة والمكابدة أثرها في وجهها. وعددت أفراد أسرتها الذين قتلوا في جرائم طائفية ومن بينهم أمها.
وقالت إنها القت هي وزوجها تهديدات فاضطرا لترك حيهما. وذهب ذات مرة لشراء بعض الحاجيات ولما عادت وجدت المبنى الذي تسكن به مغلقا وبه آثار طلقات نارية حيث اقتحمت القوات الأمريكية الشقق بحثا عن أشخاص مشتبه بهم. ولم تعرف إلا بعد ساعات ما إذا كانت ابنتاها اللتان تركتهما في المنزل ما زالتا حيتين.
لكن الموضوع الذي كانت سعاد أشد رغبة في الحديث عنه هو احتمال أن تهاجر من العراق هي وأسرتها نهائيا. وفرص أن يتحقق ذلك لها ضعيفة للغاية خصوصا مع مطالب آلاف اللاجئين السوريين الذين يسعى كثير منهم للجوء السياسي أو يطلبون تأشيرات هجرة.
وكان علي أن أقوم بزيارة واحدة أخيرة قبل أن أتوجه إلى المطار وهي زيارة للطابق الخامس عشر من فندق فلسطين حيث الغرفة رقم 1503 التي أصابتها قذيفة الدبابة عند دخول القوات الأمريكية العاصمة العراقية.
لم يعد بمقدوري آنذاك أن أرى الأحداث من مكتب رويترز في الطابق الرابع ومن ثم ذهبت إلى مكتب التلفزيون في الطابق الخامس عشر حيث أستطيع أن أرى الدبابات الأمريكية تتخذ مواقع على جسر الجمهورية الاستراتيجي على بعد ما يقرب من كيلومترين من الفندق.
واتصلت بمكتبنا في دبي لأبلغهم بأن بغداد تسقط. وفجأة رأيت وهجا برتقاليا. كان ذلك قذيفة الدبابة الأمريكية التي أصابت مكتبنا فقتلت زميلي الذي كان يعمل في التصوير التلفزيوني تاراس بروتسيوك وزميلا آخر في الطابق الواقع تحتنا مباشرة وهو خوسيه كوزو من قناة تلي 5 التلفزيونية الأسبانية.
وأصبت أنا وزميلان آخران بجروح خطيرة.
وعندما دخلت فندق فلسطين مترددة لم أجده كما ألفته يعج بالصحفيين وأطقم التصوير التلفزيوني والمرافقين من وزارة الإعلام. كان خاليا إلا من بضعة من رجال الأعمال.
وأبدى موظف الاستقبال وكان من العاملين القدامى في الفندق ترحيبا حارا. وكان الطابق الخامس عشر مغلقا لأعمال التجديد لكنه عرض أن يفتحه لي.
كانت الغرف مظلمة متربة. لم يتغير فيها شيء غير بعض الإصلاحات الطفيفة. وقد أزيلت الدماء من المكان.
لا أدري ما الذي جعلني أشعر بضيق النفس والغثيان أهو الرائحة العطنة في الغرفة المتربة أم ذكريات ذلك اليوم أم الخوف من أن تنتابني من جديد نوبة هلع من تلك النوبات التي ظلت تعاودني لسنوات.
وفي الطائرة وأنا عائدة إلى بيروت فكرت في كل الحروب التي عشتها وغطيتها: الحرب الأهلية اللبنانية وحرب الخليج عامي 1990 و1991 والغزو الأمريكي في 2003 فضلا عن الثورات في تونس ومصر والبحرين واليمن وليبيا والآن في سوريا والتي تحولت إلى ما قد يكون أسوأها جميعا. زيارتي هذه اعادتني بالذاكرة الى دمشق الى دمشق التي قصدتها في ابريل نيسان.
الآن لا يمكني أن أقرر أيهما أسوأ: أدمشق في الحرب أم بغداد في الديمقراطية. وكما قال لي صديق ذات يوم: الحروب في الشرق الأوسط لا تجلب السلام بل تجلب حروبا أكبر.