الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 10384تاريخ التسجيل : 07/10/2009
موضوع: المرتزقة يرتدون البدلات الأنيقة في العراق السبت 12 يونيو 2010 - 3:35
المرتزقة يرتدون البدلات الأنيقة في العراق هيفاء زنكنة
6/12/2010
سيقدم فريق العمل في الامم المتحدة حول المرتزقة مشروع اتفاقية دولية لتنظيم عمل الشركات الأمنية والعسكرية الخاصة الى مجلس حقوق الإنسان في جنيف، في أيلول/سبتمبر المقبل. وتهدف الاتفاقية التي تنص على رقابة السلطة التشريعية والتدابير القضائية لمعاقبة شركات الأمن الخاصة عن أية أعمال غير قانونية، الى محاولة وضع حد لانتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها هذه الشركات على نطاق واسع، وعلى تجاوزها سيادة وقوانين الدول التي تنشط فيها وخاصة بعد ازدياد انتشارها في مناطق الحروب وعمليات حفظ السلام (الأمم المتحدة نفسها تستخدم هذه الشركات لحماية موظفيها احيانا)، فضلا عن كونها اداة تستغلها الدول الكبرى في خصخصة الحروب والهيمنة على الدول وتكريس الاحتلال كما يحدث في العراق وافغانستان. وتعتبر الشركات الامنية والعسكرية الخاصة مرحلة متطورة من مراحل عمل المرتزقة وعلى مستوى الدول. من معالمها الرئيسية مايطلق عليه أسم 'الشراكة العامة الخاصة' أي إسناد الدولة لمهامها إلى شركات القطاع الخاص، التي تنقسم عادة إما إلى شركات عسكرية خاصة أو شركات أمنية خاصة. وقد توسع مجال عمل الشركات العسكرية والأمنية الخاصة خارج ما يذكر في العادة من مهام حماية الديبلوماسيين والموظفين والقواعد العسكرية، ونقل العتاد والمؤونة من المؤانىء وفيما بين القواعد، وهي المهام الأصلية التي تسمح لهم بأسلحة متطورة ثقيلة ومروحيات ومراكز خاصة بهم مستقلة، أحيانا، ومرتبطة أحيانا إخرى بالجيش الأمريكي، وشبكات إستخباراتية وعلاقات تمويل وتجارة مع المتواطئين المحليين بشكل أقوى من الجيش الأمريكي نفسه، وخارج قواعد القوانين الدولية. وقد تطور هذا الدور الى المشاركة في التدريب والاستشارة والشؤون القضائية وحتى السياسية مثل نقل الأسرى والسجناء والتحقيق معهم، واحتلال موقع المستشارين الرسميين (حالما يرتدون البدلات الانيقة) في علاقاتهم مع الموظفين العراقيين والأفغان مثلا. وقد تم الكشف، أخيرا، عن عقود لجهود إستخباراتية، وضمن ذلك تصفية عناصر طالبان في أفغانستان وباكستان. هكذا غابت تدريجيا الحدود بين ما هو سياسة أمريكية يمكن السؤال عنها في الكونغرس والصحافة وبين التصرفات الخاصة لشركات تعمل في الظل وبالامكان نفيها أو تبنيها حسب الحاجة. وقد بدأ هذا التطور في خصخصة الحرب والأمن منذ قبيل ولاية الرئيس الامريكي ريغان ورئيسة الوزراء البريطانية ثاتشر، أي قبل أكثر من ربع قرن، كحماية لسيطرة اليمين على إستراتيجية الأمن والدفاع بصرف النظر عن العملية السياسية والإنتخابات. ويكاد الوحش الذي ربته الديمقراطيات الغربية لأغراض السيطرة على دول العالم الثالث، ومنها الدول العربية، ان يصبح خارج سيطرتها. وكان خوزيه لويس غوميز ديلباردو من فريق العمل الدولي واضحا في ربطه ما بين المرتزقة والشركات، اذ قال: 'ان الجوانب الجديدة لعمل المرتزقة قد عمل على ازدهار الجيوش الخاصة وشركات الحراسة الخاصة التي تنشط وفقا لمنطق تجاري، أي الحصول على أكبر قدر من الربح'. وقد ارتفعت صناعة شركات الحماية من 33 مليار دولار في عام 1990 الى 200 مليار في 2010 حسب تصريح متحدثة باسم فريق العمل. وبلغ اعتماد الدول على هذه الشركات حدا دفعها الى تنظيم عقود عملها وفق تشريعات خاصة توفر لها حرية الحركة والافلات من المسؤولية القانونية. ففي العراق، مثلا، منحت الادارة الامريكية، باسم حاكمها بول بريمر، شركات الحماية الامنية والعسكرية الخاصة أو من تسميهم بالمتعاقدين، حق الحصانة من القضاء العراقي ولاتزال الحصانة مستمرة بعد توقيع الاتفاقية الأمنية. وهو وضع يصفه فريق عمل الامم المتحدة، بانه: 'في العديد من حالات الصراعات المسلحة أو ما بعد هذه الصراعات تُمنح هذه الشركات الخاصة حصانة عن طريق إبرام اتفاقات حكومية ثنائية أو مراسيم حكومية، وهي الحصانة التي تتحول في العديد من الحالات الى إفلات من العقاب'. وأحد الامثلة على ذلك جريمة ساحة النسور، في بغداد. حيث اطلق عناصر من شركة بلاك ووترالامنية، في 16 أيلول/ سبتمبر النار على مدنيين مما سبب قتل 17 مدنيا من ضمنهم أطفال وجرح العشرات. وهذه الجريمة هي واحدة من عدة جرائم أخرى، من بينها جرائم اعتداء واغتصاب واشتراك في التعذيب، ارتكبتها الشركات الامنية ومرت دون عقاب. ويمكن متابعة رد فعل 'الحكومة العراقية' على هذه الجرائم، كنموذج لغياب الدولة والسيادة معا. فقد أعلنت وزارة الداخلية، نتيجة الغضب الشعبي على جريمة ساحة النسور، في 25 ايلول/سبتمبر 2007 بانها 'انتهت من وضع مسودة تشريع ينهي الحصانة القضائية التي يتمتع بها المتعاقدون الأمنيون الذين يعملون في العراق'، وان مسودة القانون سلمت لمجلس الشورى لمراجعة الصياغة القانونية قبل طرحها على البرلمان لمناقشتها. وتعهد نوري المالكي، يومها، بتجميد نشاط شركة بلاك ووتر ومحاكمة موظفيها، غير انه وبعد ايام معدودة، تراجع عن تعهده، ليقول بانه 'لن يتخذ اجراء ضد بلاك ووتر حتى الانتهاء من تحقيق مشترك مع مسؤولين امريكيين'. وضمن لعبة الشد والجذب، قال مسؤول في الخارجية الامريكية إن 'وزيرة الخارجية الامريكية ونوري المالكي اتفقا على ضمان نزاهة وشفافية التحقيق الذي سيتم في هذا الحادث'. وبعد مرور خمسة اسابيع، وفي 30/10/2007، أكد المسؤولون الأمريكيون الذين تعهد المالكي باجراء تحقيق مشترك معهم ' بأن محققين تابعين لوزارة الخارجية الأمريكية منحوا الحصانة لعناصر شركة 'بلاك ووتر' الأمنية المتهمين، وذلك أثناء التحقيق ... وإنه بموجب هذه الحصانة المحدودة، يصبح من المتعذر محاكمة أو معاقبة معظم الحراس المتورطين في الحادث'. وتلا ذلك (في سباق يشبه دوران الطواحين الهوائية)، اعلان وزير الدفاع الامريكي روبرت غيتس بأنه 'أوفد فريقا مكونا من خمسة خبراء الى العراق لمراجعة كيفية عمل شركات الامن التي تتعاقد معها الوزارة'. هنا، اصبح الجلاد محققا وقاضيا، فتمت تبرئة مجرمي ساحة النسور. وتواصل الشركات الامنية والعسكرية الخاصة، اليوم، عملها في العراق كما تشاء ووفق قوانينها الخاصة، بعد ان جدد البنتاغون عقده مع شركة بلاك ووتر للعمل في العراق تحت اسم جديد هو أكس أي سيرفسز. ولم يتم تشريع قانون الشركات الامنية الاجنبية العاملة في على الرغم من جعجعة التصريحات البرلمانية التي امتدت منذ عام 2007 وحتى 'الانتخابات' في آذار/مارس 2010، والتي تضمنت كل انواع التشدق بمحاسبة الشركات وكيف ان 'الدم العراقي' ليس رخيصا كما يتصور القضاء الامريكي، كما هدد احد النواب بمقاطعة الاستفتاء على المعاهدة الامنية والذي لم يعد يتذكره احد! وجاء تخلي حكومة المالكي عن تعهدها برفع الحصانة عن الشركات الامنية متزامنا مع تسريبات حول دفع شركة بلاك ووتر مبلغ مليون دولار الى مسؤولين عراقيين ليوقفوا 'انتقاداتهم'. وتتواجد، في العراق، أكثر من 150 شركة أمنية اجنبية، تعمل بمنتهى الحرية في طول البلاد وعرضها، لم تسجل منها سوى نحو 25 شركة فقط، بحسب الوكيل الاقدم لوزارة الداخلية عدنان هادي الاسدي، في تصريح خاص لـ'الصباح' في 24 كانون الاول/ديسمبر 2009. وفي الوقت الذي تطبل فيه الادارة الامريكية بالاشتراك مع مستخدميها من العراقيين لجدولة انسحاب قوات الاحتلال، تمر زيادة أعداد المرتزقة بنسبة 28 بالمئة في اعقاب توقيع الاتفاقية الامنية واعلان اوباما جدولة الانسحاب كما يتم تمرير جرائم القتل والفساد الاداري والاخلاقي. ان تقديم فريق العمل في الامم المتحدة حول المرتزقة مشروع الاتفاقية الدولية لتنظيم عمل الشركات الأمنية والعسكرية الخاصة خطوة مهمة غير انها لن تجدي نفعا في العراق مادامت آلية تطبيق الاتفاقية والمعاهدة السابقة له أي معاهدة حظر استخدام المرتزقة غير متوفرة فيه. اذ يتطلب التخلص من المرتزقة بكل اشكالهم ومسمياتهم، التحرر من الامبريالية الامريكية المتشبثة حتى النخاع بالعراق كموقع استراتيجي وكمصدر للطاقة وكساحة لصراع القوى بحجة 'الحرب على ***'. كما يتطلب وجود دولة، تصفها كريستينا بورغنير نائبة مديرة دائرة القانون الدولي في وزارة الخارجية السويسرية، ومن الداعين الى وضع الاتفاقية، بانها ' يجب أن تكون على وعي كامل بمدى سماح القوانين الخاصة لديها لعمل تلك الشركات، والأنشطة التي لا يمكنها القيام بها، ومدى مطابقة قوانين السلاح فيها لأعمال تلك المؤسسات الأمنية الخاصة، وكيفية التعامل مع الخروقات والسلبيات التي يتسبب فيها عمل تلك الشركات في بلدانها'. وقد أثبتت سنوات الاحتلال السبع، بان الحديث عن وجود مثل هذه الدولة في ظل المحتل، هو محض هراء.