قبل انهيار الأسد.. انهيار البعد الديني للثورة السورية
كاتب الموضوع
رسالة
الشماس يوسف حودي مشرف مميز
الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 7038مزاجي : تاريخ التسجيل : 02/01/2010الابراج :
موضوع: قبل انهيار الأسد.. انهيار البعد الديني للثورة السورية السبت 10 أغسطس 2013 - 9:03
قبل انهيار الأسد.. انهيار البعد الديني للثورة السورية الحقيقة التي لا يمكن الهرب منها، هي أن السوريين جميعا ـ بكل أطيافهم ـ ساهموا في جلب المقاتلين الأجانب ممن يسمون بالمجاهدين إلى الأرض السورية.
طفلة سورية.. بأي ذنب اغتيلت براءتها
عنكاوا كوم/العرب
إنْ كنا ما زلنا نتمسّك بانتماء الثورة السورية العضوي إلى مناخ الربيع العربي، الذي بدأ بحادثة في أقصى المغرب العربي، في سيدي بوزيد، بفعل فردي، احتجاجي، غير ديني، تمثّل في قتل محمد البوعزيزي لنفسه حرقا، بعد أن ضاقت به السبل وأغلقت أمام شبابه الفرص لحياة كريمة، وإن كانت الثورة السورية التي بدأت بوقفات واعتصامات سلمية محدودة في أحياء دمشق، ثم انطلقت بسيطة وبريئة عبر كتابات أطفال درعا على الجدران "إجاك الدور يا دكتور" إن سلمنا بهذا كلّه، فسيكون من الصعب، بالنظر إلى الزاوية المتربصة التي اتخذها لأنفسهم إسلاميو سوريا، المسيسون وغير المسيسين، مع بداية الأحداث، والتي أرادت أن تبقي على ما أطلقوا عليه "صوت العقل" وشعرة معاوية ما بين المحتجين ونظام الحكم القائم في دمشق بقوة المخابرات والجيش ومؤسسات الهيمنة والسيطرة التي ابتدعها بدءا من نقابات العمال والكتاب والصحفيين والفنانين والمحامين إلى آخر وأحدث منظماته الشبابية والطلابية والاجتماعية. وقد امتدّت شعرة معاوية تلك ليتجلى فيها الانتحار الكبير للشيخ البوطي بوقوفه العلني والمتطرّف مع نظام بشار الأسد، ووصلت في أقصاها المناقض والبعيد إلى القطيعة الكلية في مواقف رجال دين مثل الشيوخ أسامة وسارية الرفاعي ومحمد علي الصابوني وكريم راجح وراتب النابلسي وآخرين وما كان منهم من تأسيس رابطة العلماء السوريين التي عملت وتعمل على الحرب الإغاثية على بشار الأسد بأشكال مختلفة، وصولا إلى العرعور الذي حرّم في البداية الخروج على الحاكم، ثم خروج معاذ الخطيب على تعهّد علماء الشام بعدم الانخراط في السياسة لأنهم كما قال بيانهم "ضمير الأمة"، ولا يصح أن يظهر من بينهم من يتصدّر منصبا سياسيا تتجاذبه فيه القوى والاتجاهات والمصالح.
القوى المدنية الشبابية أما القوى الحقيقية للثورة السورية والتي كانت المحرّك الحقيقي الحار لها ولفعالياتها ومظاهراتها وأعمالها الفنية ولافتاتها وألوانها الحمراء التي سكبت في نوافير الماء في ساحات دمشق، فلم تكن سوى القوى المدنية الشبابية، التي جمّعها الحرمان الشديد والطويل من أي عمل مشترك خارج سيطرة البعث والأجهزة الأمنية ومؤسساتها، فكان اندفاع تلك الجموع الشبابية إلى تأسيس الحلقات الضيقة في الأحياء والمناطق السورية بداية لخلق مشهد أسعفه ظهور التقنيات التي كانت ممنوعة في سوريا، وقد سمح بها وأتاحها ـ للغرابة ـ نظام الأسد مع بداية الإعلان الكبير للثورة السورية في آذار 2011، وانتقال ظاهرة الفيسبوك والتنسيقيات من مصر إلى سوريا، وتأسيس أولى التنسيقيات التي كان دورها خلق عالم افتراضي من التواصل السياسي الثوري بين من لا يمكن إقامة تواصل مادي حر فيما بينهم على الأرض السورية، وظهرت صفحة الثورة السورية ضد بشار الأسد على الفيسبوك، واستطاعت أن تحصد أكثر من مئة ألف معجب ومشارك خلال زمن قياسي، ثم تلتها الصفحات الأخرى بأشكالها المختلفة، في الوقت الذي أخذت فيه المظاهرات تتزايد وكانت ترفع شعارات مدنية سلمية، حضارية، تذهب إلى الغد، وتمارس ضبطا كبيرا لما يحدث على الفيسبوك، حيث كانت تجربة التعبير الحر عن النفس، بما تشتمل عليه من ذاتي أو موضوعي، أو خليط بينهما، فكري أو حياتي، طارئ أو أصيل، تتصاعد وتتفجّر، فكان كل ما يخطر على البال، من آيات قرآنية وأحاديث وحكم عن فضل الشام وعزّة أهلها، وروايات عن آخر الزمان، وأخبار متفرقة عاجلة ومتأنية، صنع بعضها باحتراف في دوائر النظام ومطابخه، شعر وخواطر وبطولات وسجالات وشتائم واتهامات لا تراعي الدقة والمسؤولية وتسابق في تكسير التابوهات اللغوية والممنوعات وأصول التخاطب وحتى قانونيته، كان هذا كلّه، يكتب على الصفحات، دون النظر إلى تأثيره الخطير أحيانا، والمؤذي والمثير والمحرّض في أحيان أخرى، وقد حاول كثيرون العمل على تهذيب ـ ولنقل تنوير أو توجيه أو حتى مقاومة ـ السيل الهائل من حرية التعبير في الحديث عن الشأن السوري من قبل السوريين أنفسهم، فكان مقبولا على سبيل المثال، أن يكتب عشرات بل مئات السوريين احتجاجا على اسم جمعة من الجمع (لن نركع إلا الله) ليقولوا إن الفكرة المطروحة لم تكن هكذا ولكنها كانت (لن نركع) وقع تحريفها بما يتلاءم مع التوجّه الديني لبعض القائمين على الصفحات، وبدأ جدلٌ طويل انتهى بزهد العلمانيين وغير المتدينين بجدوى الوقوف ضد إرادة شباب يحاولون التعبير بحرية عن موقفهم الثوري، حتى وصلت الأمور إلى ابتكار الشعار السوري بامتياز(يا الله مالنا غيرك يا الله) في المظاهرات وصفحات الثورة على الفيسبوك، بينما استمر نظام بشار الأسد على وجود المعتدلين والعلمانيين، عبر سلسلة طويلة ومستمرة من الاعتقالات والدفع إلى الهجرة واللجوء إلى بلدان شتى، وما يزال يعمل على صناعة خصمه عبر الإبقاء على المتطرفين في الواجهة وبالتأكيد دون التقصير في زج واستدراج واستيلاد الكثير من عناصر القاعدة في جسم الثورة التي ربطتهم بنظام الأسد علاقات طويلة وتاريخية وكان ملعبهم المشترك عراق ما بعد صدام حسين حتى في عز تحالفهم مع المالكي ونظامه الطائفي.
خطر إسلامي إرهابي
لم يتم التعامل بمسؤولية تجاه الانحراف الكبير الذي تتعرّض له الثورة السورية المدنية أصلا، وكان من دواعي سرور نظام الأسد تلقّف تلك الإشارات وإعادة تصديرها على شكل خطر إسلامي إرهابي تعمل عليه جماعات تكفيرية وإمارات في بانياس وحمص وغيرهما، وحديث عن فتنة مذهبية، وتصوير مفبرك لمقاطع أجّجت المشهد، وزادت فيه حريقا اتجاهات داعمي الثورة أنفسهم، بحيث يخرج الشيخ القرضاوي من على منبر جامع عمر بن الخطاب في الدوحة، ليقول: الشهيد البوعزيزي رحمة الله عليه! وكان هذا تطوّرا مفاجئا في الفهم الديني لفعل الانتحار، وربما كان لقطر والقرضاوي إدراك وتحليل خاص لطبيعة الصراع في العالم والمنطقة، غير أن هذا الفهم لم يكن عاما بين كل داعمي الثورة السورية، فتركيا رغم إسلامية الحزب الحاكم فيها، لم تكن تشجّع على التفسير الديني للصراع في سوريا، لأن هذا سيصبّ في ينابيع إشكالية في التكوين التركي ذاته، ولكنها بقيت ملتزمة بالخط الذي قادته قطر باندفاع، ووافقت عليه بقية دول العالم، بما فيها دول الخليج التي دعمت سرّا وعلانية فيما بعد، كتائب جهادية في طريقها إلى الكفاح المسلّح لـ (نصرة) أهل الشام، فيما نظرت الولايات المتحدة منذ البداية إلى الربيع العربي على أنه ربيع إسلامي، وكان هذا لم ينضج تماما في سوريا، فأصرت أميركا على إنضاجه عبر تأخير وعرقلة كل مساعدة للثورة السورية، لتتحول سوريا إلى (مصيدة الذباب) كما يحلو لمحللي الـCIA أن يطلقوا عليها، في إشارة إلى استدراج الإسلاميين إليها كما حدث في العراق وقبله أفغانستان.
الصراع يقسم سوريا يبدو الانقسام السمة الغالبة على خريطة سوريا مع احتدام الصراع، الذي بلغ عامه الثالث، بين قوات نظام الأسد وقوات المعارضة، التي أصبحت بدورها منقسمة إلى فرق. وبحسب تقرير لمركز أميركي يختص في دراسات الإرهاب والتمرّد أصبحت سوريا مقسّمة إلى ثلاث مناطق كل منطقة لها علم خاص بها وسلطة وأنظمة منفصلة. هذه المناطق حسب تقرير مركز "آي إتش إس جينز" هي:
-منطقة تخضع لسيطرة النظام السوري بصفة مطلقة. وتمتدّ على محور يمرّ من الحدود الجنوبية مع الأردن وصولا إلى العاصمة دمشق ثم إلى ساحل البحر المتوسّط. وحقق الجيش السوري تقدّما في محافظة حمص الاستراتيجية خلال الفترة الماضية واستعاد السيطرة على أراض كانت خاضعة للمعارضة.
-المنطقة الثانية تسيطر عليها المعارضة وتشمل محافظتي إدلب وحلب شمال البلاد. وتمتدّ مناطق نفوذ المعارضة بطول نهر الفرات وفي الحدود العراقية شرق البلاد. ويشير التقرير الأميركي بخصوص هذه المنطقة إلى أنها بدورها تشهد انقساما داخليا بين المعارضة ومتشدّدين موالين للقاعدة، بالإضافة إلى المقاتلين الأكراد.
-المنقطة الثالثة التي أشار إليها التقرير توجد في شمال شرق البلاد وتخضع لسيطرة الأكراد الذين يشكّلون أكبر أقلية في سوريا. وتمكّن الأكراد من إقامة حكم شبه ذاتي في منطقتهم بعد أن ساعد الصراع الدائر في سوريا الأكراد على عزل مناطقهم وتأمينها قدر الإمكان. ويوضح التقرير أن أي طرف من هذه الأطراف الثلاثة تمكّن فعليا من إحكام سيطرته على منطقة نفوذه.
الحرب مذهبية
الحقيقة التي لا يمكن الهرب منها، هي أن السوريين جميعا ـ بكل أطيافهم ـ ساهموا في جلب المقاتلين الأجانب ممن يسمون بالمجاهدين إلى الأرض السورية، بموافقتهم على أن طبيعة الصراع (مذهبية)، أو بمسايرتهم لاتجاهات صفحات الفيسبوك من أجل (الشعبية) و(القبول) ومعظم ما كان يكتب عليها عبارة عن زفرات أو همسات مجروحة أو نجوى متألمة ونداءات تعالت، هنا وهناك، بأن سنّة الشام في خطر، وأن أهل السنة يبادون، وكانت بوابة تكريس الشخصيات السياسية في المسرح السوري، الظهور مع العرعور في برنامجه التلفزيوني فرأينا هيثم المالح وغيره من إعلاميين وعسكريين يعبرون تلك البوابة إلى التمثيل السياسي ورأينا ناشطات من طوائف مختلفة يتصلن بالعرعور هاتفيا من أجل كسب المزيد من الأصوات لدى الجموع المتشددة التي أخذت تنمو وتنمو، وكان الأجدر أن تعلو صرخات لنجدة السوريين وليس أهل السنة، رغم أن الخط الفاصل بين قصف النظام للمناطق السنية وغير السنية واضح صريح، ولكن النظام تمكّن من جرّ الثورة إلى التبصيم بأن الحرب مذهبية، واستعمل في هذا كلّ أدواته وأدوات حلفائه بما فيها حسن نصرالله ذاته، الذي أصبح ينفخ يوميا لتصعيد ذلك الأتون.
غير أن الدرس العظيم الذي يدفع الشهداء ثمنه، وتدفع الأمّة السورية، تكاليفه الباهظة، مستمر ومتواتر، يتنقل ما بين المظاهر والمدن والأرياف، وهو درس بدأ في أوائل الخمسينات من العصر السوري الحديث، حين أصرّ علماء الشام على إسلامية الدولة في الدستور، وكان أكبر من وقف ضدهم وخالفهم الرأي هو الدكتور مصطفى السباعي، الذي رأى أن الدولة ينبغي أن تكون مدنية، وأنه يمكن الاكتفاء بمنصب رئيس الجمهورية المسلم، وباعتماد الشريعة والفقه الإسلامي كمصدر أساسي للتشريع، ولم يقدّر للسباعي أن يواصل مشروعه الوطني الذي اختلف فيه كثيرا عن جماعة الإخوان المسلمين في مصر وبقية العالم الإسلامي، فقد أدركه المرض ثم الشلل والوفاة في الثالث من تشرين الأول- أكتوبر 1964 في دمشق، ثم حوصر خطّه الفكري وأبعد تماما عن المشهد السوري، ليحلّ محلّه التخبّط والمداورة وغياب المشروع المدني الذي استمرّ حتى اللحظة.
أخطاء المجاهدين
كان خروج تلك الإشكاليات إلى السطح، وظهورها بأعنف أشكالها في ظل صراع بدأ لإسقاط سلطة غير شرعية استبدادية ودموية، بوسائل متحضّرة، حافظ عشرات الآلاف من السوريين على طبيعتها، رغم شرعية حمل السلاح في جحيم حرب بات واضحا أن الخصم فيها لن يتوقف عن تدمير البشر والحجر والآثار والكنائس والمساجد والجامعات في انتقال غير معقول لدوره الوظيفي من مهمة إلى أخرى، وكان من الطبيعي أن يقاتل السوريون دفاعا عن أنفسهم وعن أهداف ثورتهم، مع التركيز والالتزام بالمنطلق والهدف، وسيكون لهذا الالتزام الدور المسرّع في تحطيم وهم البعد الديني للثورة السورية، وإعادة توصيفها من جديد، والتأكيد على مدنيتها رغم تمسّكها بهوياتها المتعدّدة، الدينية والعرقية، وإن المزيد من أخطاء المجاهدين والماضين في البعد الديني المفترض للثورة السورية، سيكشف غطاءهم بالتدريج، وباستمرار فقدان المصداقية يتفكك البعد الديني المذهبي أكثر فأكثر، فمن في سوريا اليوم يطمح إلى دولة الخلافة؟
ومن يمكن له أن يفكّر في إعلان دولة علي بن أبي طالب الإسلامية على أرض أعلن فيها معاوية بن أبي سفيان دولته وأصرّ على بقاء الحكم على الأرض بعيدا عن سلطة السماء حتى ولو كلّفه الأمر الكثير من الاستبداد وسفك الدماء؟ وسينهار البعد الديني للصراع من أجل الحرية في سوريا قبل انهيار الأسد، عاجلا أو آجلا ليحلّ محلّه السعي من أجل الدولة المكنة لجميع مواطنيها بلا استثناء عربها وكردها وتركمانها سنتها وشيعتها ومسيحييها، دولة لا دين لها، فالدولة جهاز لخدمة الشعب، ومن الخبل الحديث عن جهاز كومبيوتر أو ماكنة قهوة أو سيارة أو طائرة بأنها مسلمة أو مسيحية أو يهودية سنية أو شيعية! أما المستقبل السوري فسوف تصنعه التناقضات القائمة حاليا مجتمعة، في مناخ الكراهية الشديد الذي ساد ويسود ما بين السوريين أنفسهم، على مختلف الضفاف، وعلى كل الجبهات، ولكن تحت أوزار حرب واحدة يشنّها طرف واحد هو الأسد ودولة المافيا في دمشق.
قبل انهيار الأسد.. انهيار البعد الديني للثورة السورية