خرافة “ الوحدة الإسلامية ” بقلم / سهيل أحمد بهجت الإنسان كائن حرّ، ومهما نظّر عبّاد الأسلاف من رجال الدين وغيرهم في البرهنة الفقهية على أن الإنسان مجبر ومُسير بالقضاء والقدر فهم مخطئون لأن الواقع والمنطق و حتى النصوص الدينية المقدسة تكذبهم وتثبت العكس ، ولماذا من “ا لمُقدر ” لنا أن تجتمع فينا كل آفات الإنسانية من تخلف ودكتاتورية وكبت وانحراف أخلاقي ويكون “ مُقدّرا ” لغيرنا التقدم والنجاح والرفاهية ..؟ ! وربما يتساءل البعض “ ما علاقة الحرية الإنسانية بقضية الوحدة الإسلامية ” ؟ والجواب أن كل الأنظمة التوحيدية السياسية القائمة على الطوباوية والجبرية ـ مثل الوحدة القومية ـ تنتهي بالفشل لأنها لا تنظر في مشكلة الحرية وإيجاد حل جذري لمعاناة الفرد. ـ منذ قرنين ارتفعت صيحات القوميين ـ بدءا من أوروبا وانتهاء بالقوميين العرب وغير العرب في الشرق الأوسط ـ لخلق دول كبرى تقوم على النزعة العنصرية والعرقية وتخلت أوروبا عن هذا النمط من التفكيرمنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية ، ومشكلتنا نحن في الشرق الأوسط وبعد أن أخذت كفة القوميين في الانحدار في العقدين الأخيرين ، أخذت تبرز تنظير الإسلام السياسي في “ الدولة الإسلامية ” !! و“ الوحدة الإسلامية !! و“ دولة المليار مسلم ” !! وما إلى ذلك.. لكن هذا التنظير المثالي يواجه الآن ذات العقبات الواقعية التي أدت إلى فشل المشروع القومي ( العربي وغيره ) ومنذ إسقاط البعث وصنمه عام 2003 فإن أسباب الفشل التي قضت على التنظير القومي تؤدي في الوقت نفسه إلى إضعاف الإسلام السياسي ـ وهو منفصل قطعا عن الإسلام كدين ـ لأن كلا الأيديولوجيتين تنطلقان من أفكار مثالية شمولية مسبقة ولا تحمل أي استجابة لمطلب الحرية والحقوق . ـ هذه ( الخرافة ) التي تريد الاستعاضة عن المواطنة وحقوق المواطن بالنظرية الإيمانية لا تختلف أبدا عن القومية التي حطمت الفرد وجعلت منه أضحية يذبح أمام القضية المصيرية .. والدين من هنا يخرج عن كونه عقيدة وإيمان شخصيا يحق لكل فرد خوضه كتجربة ذاتية ليصبح نظرية مفروضة بالإكراه وليس برنامج إصلاح للمجتمع ، فالوحدة المطلوبة “ لاحظ معي الاتحاد الأمريكي والاتحاد الأوروپي ” إنما تتم بعد أن تصبح هناك مجموعة دولة أو حتى نظم إدارية غير مستقلة ـ مثل الاتحاد السويسري ـ تحترم حقوق مواطنيها وبعد أن تعطيهم الحقوق والحريات فإنها بالطبع تطلب منهم الالتزام بالواجب ، حينها سيكون من الطبيعي أن تتعاون مجموعة دول حرة لخلق اتحاد يحترم خاصية كل طرف رغم أن الصفة الكلية هي الحرية والديمقراطية . ـ إن الإسلام السياسي أهمل الفرد في فكره السياسي ولم يعطه أي قيمة حقيقية ، وكل التنظير الباهت حول “ لفرد الحر في النظام الإسلامي ” !! لا يعدو كونه تنظيرا لحرية السجين داخل زنزانته ، فالأصل في التكليف الديني أن الإنسان حر قبل كونه منتميا إلى أي دين أو قومية أوعرق، وما ذم الأديان للتقليد إلا إشارة إلى أن الإرادة الإنسانية يجب أن تكون حرة وعبر الحرية يمكن لهذه النفس أن تصل إلى الله وتطلع على التجربة الإيمانية ، لكن حينما تكبت وتقمع الحرية فإن إرادة أخرى هي التي تفرض نفسها بديلا عن الإرادة الإلهية التي لا تريد إلا قلوب الأحرار الذين يصلون إلى الله بملء إرادتهم . ـ يمكن للباحث أن ينظر إلى تجارب الأحزاب الدينية ليجد أن تركيبتها لا تختلف عن تلك القومية إلا في الشعار، بينما هي في تركيبتها وهيكلها التنظيمي تقوم على الولاء والطاعة العمياء وغيرالعمياء للقيادة وقياسهم دوما هو النبي بينما هذا القياس خاطئ لأن هؤلاء السياسيين الإسلاميين حالهم حال المواطنين ليسوا أنبياء أو معصومين ، إنما هم يعتمدون على إبقاء الشعب جاهلا بضرورات المنطق السياسي الواقعي الذي لا يعطي لأي مواطن أفضلية أو مسئولية إلا بموجب استحقاقه القانوني والانتخابي ، فالقدسية الدينية مسألة غيبية ميتافيزيقية لا يدركها إلا خالقها ، فربّما يكون شخص ما وليا من الأولياء عند مذهب من المذاهب ، بينما يعتبره مذهب آخر “ زنديقا من الزنادقة وكافرا مرتدا ” !! من هنا تقف الدولة بكل نظامها القانوني والسياسي موقف الحياد الإيجابي الذي يحترم الجميع دون أدنى تدخل في حرية تفكيرها وتنظيرها اللاهوتي وحتى السياسي بشرط أن لا تهدد الحريات الفردية والعامة . ـ ختاما فإن ما يشبه “ الطرفة ” حصل مع إحدى الإذاعات الإسلامية المحلية ، حيث كان برنامج صباحي يتحدث عن أبو يزيد البسطامي “ الزاهد العابد التقي الورع و القدوة ” !! وفي المساء كانت هذه نفسها تبث برنامجا عن أبو يزيد البسطامي ـ ذاته ـ “ الزنديق المرتد الذي كان يكفر بالله عبر شطحاته وأقواله” !!!.. فإذا كان حزب إسلامي سياسي يناقض نفسه في اليوم ذاته !! فكيف به إذا أقام “ نظاما سياسيا ” ، الأكيد أن المواطن قلبه بين إصبعين من أصابع الله فيصبح مواطنا ويمسي خائنــــاً !!. المصدر / منتـــدى دُروب .