قحطان العطار.. الفنان المترع بالحنين والجمال

أغانيه من فضة وصوته من ذهب ولكن تطاولت على رقة طباعه ووسامته قسوة الأيام والسنين وعذابات الغربة في المنفى الاضطراري بعيدا عن الوطن والأهل والأحبة.. استعجل الرحيل بعد محاولات السلطات آنذاك إحكام قبضتها الحديدية على صوته الذهبي الذي كان يحلق بأجنحة الفرح ويغفو على سماء الحرير كائنا رقيقا لا يستحق الاستغلال أبدا.
هو الفنان مرهف الحس الذي يحترم فنه وجمهوره بعد أن حاصرته مقولات الالتزام السياسي والإيديولوجي والتعبئة العسكرية التي تتنافى مع طريقته في التعبير عن موقفه الإنساني وأخلاقه الرفيعة هاجر عام1982 لينأى بنفسه عن التوجيه السياسي والأناشيد الحربية.
قدرة واستعداد فطري
برز قحطان العطار في مجال الغناء فأبدع فنيا لاكتسابه القدرة من الاستعداد الفطري الذاتي وساعدته موهبته في الاستحواذ على مشاعر المعجبين. ويمكن ملامسة ذلك في جمالية صوته الشجي وروعة أدائه واهتمامه بالجوانب الإنسانية في اختيار أغانيه التي حققت النجاح في الأوساط الفنية والإعلامية.
وعلى الرغم من بعد المسافات ظل العطار وفيا وحاضرا وجزءا لا يتجزأ من البيئة والمجتمع الذي عاش فيه فما زال مدركا لمشاكله وقضاياه فتعايش مع العراق باعتباره الوطن ومسقط الرأس ومنحه هذا الشعور القدرة على التعبير والتلحين والغناء فأصطف مع وطنه في محنته عندما ردد (كل عام وأنت طيب ياوطن الحنين) وظل ملتزما بفنه وخصائصه البعيدة عن الإثارة والانبهار الأجوف ولم يقترب من المناطق الغرائزية والذوق الرخيص, لأنه الفنان الذي يحترم رسالته ويقدر عمله الفني الذي يقوم على الجودة والرصانة والقيم الروحية والجمالية وعمق المضمون في إطار من الأداء الراقي والرومانسي وصدق المشاعر لمعرفته بخاصية الإحساس بالجماهير والاستجابة لهمومها والعزف على وترها الوجداني. وتعتبر أغانيه ناطقا جماليا لكل ما سكت عنه فغنى للوطن والأم والحبيبة.
بداية المشوار
بدأ قحطان مشواره الفني في برنامج ركن الهواة الذي كان يشرف عليه الفنان كمال عاكف في مطلع السبعينات من القرن الماضي أمام لجنة من الفنانين والملحنين يتوسطها الملحن كوكب حمزة وحينها استحوذ العطار بحضوره الأخاذ ودماثة خلقه وأدائه الرائع على اهتمام كوكب حمزة فحاول تقديمه إلى الوسط الفني والجماهيري من خلال أغنية (محطات) ولكن الظروف حالت دون مبتغاه, لصرامة ومزاجية الضوابط والتعليمات لمسؤولي الإذاعة والتلفزيون, ولحن له الفنان حميد البصري أغنية (الفرح جنحانه عشرة) للشاعر كاظم إسماعيل كاطع, وشكل العطار مع الملحن محسن فرحان ثنائيا ناجحا فغنى من ألحانه (آه يا زماني – زمان يا زمان – لو غيمت دنياي – شكَول عليك) فأحدث نقلة نوعية في هذه المرحلة وحقق شهرة وأثرا بالغا, لامتلاكه أدوات التشكيل الجمالي في الصوت والأداء.
الصمت الحزين
وفي عام 1976 سافر إلى أميركا وكانت رحلته الأولى وعاد إلى العراق بعد خمس سنوات ليدرس الموسيقى في معهد الفنون الجميلة وأجاد العزف على آلة العود, ولما دقت طبول الحرب وهبت عاصفة البارود أجبرته المؤسسة الفنية على ارتداء الزي العسكري لتقديم أناشيد المعركة فأضطر للرحيل ليدخل في تقويم سنوي طويل لغربة دامت أكثر من ثلاثين عاما من الحنين والشوق للوطن وأخيرا ابعد هذا الفنان يديه عن موقد الغناء الذي اكتوى بناره في رحلة ممزوجة بالمعاناة والألم ولاذ بصمت حزين إلى هذه اللحظة.
قالوا عنه
الملحن محسن فرحان
احتل قحطان العطار قلوب جيل السبعينات بلا منازع.. صوت حنين وشباب مشرق.. انسان مؤدب خجول ومبدئي.. وان سبب التزامي للعطار هو اخلاقه وادبه العالي.. عندما يغني يختار الاغنية من اجمل كلام اللغة العراقية المحلية واشدها تاثيرا على اذن المتلقي.. مصحوبة باجمل الالحان.. ثم يكمل الامر بصوته العذب المبحوح المطعم بتكسرات وعبرات جذلة.. حكم القدر فخرج قحطان العطار من العراق مبكرا وهو مازال في ريعان الشباب.. ولم يشبع بعد من ملاعب الطفولة والصبا.. وفتاة الاحلام والحب الاول.. ولم يعط بعد الى جمهوره كل الطرب الذي يبرع فيه... لقد فضل هذا الانسان المتصوف الاعتكاف والصمت ومعايشة حال شعبه العراقي النازف - على المال والشهرة والفصائيات والحفلات والصورعلى اغلفة المجلات - كما يفعل الكثير من اقرانه.
الكاتب احمد الشحماني
في احد الأيام وأنا أتجول في شارع الجمهورية لشراء بعض الملابس سمعت صوت قحطان العطار في أغنية (وعينيك يا بشرى) وعندما نظرت الى صاحب المحل وإذا به رجل مصري الجنسية, سألته هل تستمع لكل المطربين العراقيين - تبسم وقال فقط قحطان العطار - سألته لماذا قحطان العطار بالذات!- أجاب لأنه الوحيد الذي اشعر بأنه يغني من أعماق قلبه, بصدق وعذوبة تجعل المستمع يـتأمل كلمات اغنياته الجميلة باندماج تام بل وكأنه يحاكي نفسك ويأخذك الى شواطئ الذكريات ويعيد لحظات الأحبة والأصدقاء والأهل.
من أشهر أغانيه:
* زمان يازمان
* لعيونك أنت يا حلو
* يكولون غني بفرح
* لوغيمت دنياي
* انته انته
* آه يازماني
* متى الجية
* فرح يهل الفرح
* نطرته وراح
* بالكيف هو الفرح
* يا غريب الدار - كلمات زامل سعيد فتاح، ألحان كمال السيد
* لايحبيب لاتنساني
* أنا روحي وياك
* ياضوى ولاياتنا
* سلمت وأنت ما رديت السلام - كلمات الشاعر عريان السيد خلف ألحان كمال السيد
* ولفي وأريده من هله
* تتنور الأيام
* شكول عليك أكول أنساك روحي وياك