الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 61346مزاجي : تاريخ التسجيل : 21/09/2009الابراج : العمل/الترفيه : الأنترنيت والرياضة والكتابة والمطالعة
موضوع: ماذا تفعل إيران في كردستان ؟ الأحد 20 يونيو 2010 - 2:17
ماذا تفعل إيران في كردستان ؟
بقلم: إبراهيم الزبيدي
من دون قوة العراق، حين تعود إليه، لن تكون كردستان العراق في مأمن من جارتيها الكبيرتين. فلا تركيا ولا إيران ستحترمان حدود كردستان، إذا ما اقتضت مصالحهما دخول أراضيها والعبث بأمنها واستقلالها، عند أول منعطف سياسي أو عسكري.
ميدل ايست اونلاين
بالعقل وبدون انفعال عنصري قومي، عربي أو كردي، علينا أن نعترف بأن التجربة أثبتت أن تحالف القادة الأكراد مع شيعة السلطة، على أساس المصلحة المستفادة، لم ولن يمكنهم من مطالبهم، بشكل نهائي غير قابل للنقض ولا للمشاكسة.
وبالتالي فإن الحالمين الأكراد بكردستان المستقلة، لن تصبح دولتهم آمنة ومحمية ومستقرة، بدون ضمان علاقة أخوية صادقة وحميمة مع القوى الوطنية الديمقراطية العراقية التي لا تقيم علاقاتها الداخلية والخارجية وفق ما تمليه القوى الخارجية، بل وفق مصالح الوطن العليا العادلة.
إن هذه القوى الديمقراطية موجودة، وهي الأوسع والأقوى، ولكنها متناثرة ومهمشة ومغيبة من قبل أحزاب سلطة الطوائف. والديمقراطيون موجودون في كل مفصل من مفاصل المجتمع العراقي، بل إن قسما كبيرا منهم دخلوا الأحزاب الدينية ** الشيعية والسنية، على حد سواء، لعدم وجود البديل.
وسوف يتحقق الحلم الكبير لو أطلق هذا المارد من قمقمه الكبير، ولو وَضَعت مسيرةُ الديمقراطيين قدمَها على أول الطريق، واتضحت وجهتها، وبان معدنها الوطني النقي. ويتحمل القادة الأكراد جزءا كبيرا من مسؤولية إطلاقها، بطاقاتهم وإمكانتاهم الواسعة، إذا ما اعتبروها قضية مركزية من قضاياهم التي تمس مصير الشعب الكردي ذاته، قبل سواه. فليس هناك ضمان لمصالح الشعب الكردي وأمنه وازدهاره واستقراره إلا من خلال هذه القوة الثالثة المغيبة. فهي التي ستعيد للعراق قوته وهيبته، وهي التي ستردع أي معتدٍ من المساس بأي جزء من أراضيه، أو أراضي الإقليم.
ومن دون قوة العراق، حين تعود إليه، لن تكون كردستان العراق في مأمن من جارتيها الكبيرتين.
وقد جاء توغل القوات الإيرانية، أخيرا، داخل أراضي كردستان وقصفها المناطقَ الحددودية، ليعطي الدليل الأكيد على صحة هذه النظرية.
فبكل المقاييس لن تكون كردستان العراق، بوضعها الحالي، أو في حال انفصالها، إلا ريشة صغيرة بين أقدام اللاعبين الكبار. كما أن الدولة العراقية، لن تكون قوية عزيزة الجانب بدون كردستان العراق وشعبها الأصيل وأرضها الغنية المعطاء وعمق تاريخها النضالي في سبيل التحرر والانعتاق من أي لون من ألوان العبودية والهيمنة الأجنبية عبر التاريخ.
وقد ثبت بما لا يقبل الشك أن عرب العراق أرحم على الأكراد وأكثر حبا واحتراما من غيرهم من الجيران. فهم أول من آمن بمظلومية الأكراد، في المنطقة، وأصدق من أيد نضالهم من أجل التحرر ومن أجل تحقيق أهدافهم النبيلة في الحرية والكرامة وحق تقرير المصير.
لا أتحدث هنا عن الحكومات العراقية المتعاقبة التي وقعت مع القادة الأكراد اتفاقات الحكم الذاتي أو غيرها من الاتفاقات التي كان هدفها سياسيا مرحليا ومصلحيا عابرا في كثير من الأحيان، ثم نكصت عنه، ولم تحترم حبره، وانقلبت ضده. بل أتحدث هنا عن جماهير شعبية عريضة تظاهرت مع الأكراد، في وجه أعتى قوى البطش والاستبداد والديكتاتورية، وحاربت معهم، ودخلت السجون ضمن سجنائهم، دفاعا عن مبادئ الحرية والديمقراطية، ولضمان الحياة الحرة الكريمة لجميع العراقيين، على اختلاف أعراقهم وطوائفهم وأديانهم.
فلا تركيا ولا إيران ستحترمان حدود كردستان، إذا ما اقتضت مصالحهما دخول أراضيها والعبث بأمنها واستقلالها، عند أي منعطف سياسي أو عسكري تتعرض له تلك المصالح.
ولا نظن قادة الأكراد سينخدعون بالقبلات وبالسجاد الأحمر الذي يفرش لهم هذه الأيام في هذه العاصمة الغربية أو تلك. فالدنيا، من أيامها الأولى وإلى اليوم وستبقى كذلك، قائمة على المصالح والمنافع، ولا دوام لصداقة أو عداوة، أبدا. فلم تكن العلاقة بين صدام وفرنسا وروسيا والصين بأقل قوة ومتانة مما يتمناه أي حاكم. لكننا رأينا أيضا كيف تخلت عنه هذا الدول الصديقة، في أحرج أوقاته، وتركته يواجه الريح وحده دون معين. وحالُ إيران اليوم أشبهُ بيوم بارحةِ صدام حسين. فقد تخلى عنها أقرب الدول إليها، وأكثرها استفادة من اقتصادها المنهوب. الناس مع الواقف. فلا ساركوزي ولا أوباما ولا غيرهما سيرسل طائراته ودباباته وجنوده لطرد إيران من كردستان، ولن يرسل جيوشه لمقاتلة تركيا ومنعها من اجتياح أراضي كردستان، إذا ما حكمت مصالحها بذلك.
شيء آخر. لو تأملنا الدوافع التي جعلت إيران تدفع بقواتها العسكرية المسلحة إلى داخل أراضي كردستان العراق، وتقصف حدودها، وتروع أمن مواطنيها، وتهين هيبتها، سنجد أن أهم دافع، وفي هذا التوقيت بالذات، هو أن الصراع القائم بين إيران الولي الفقيه وبين أميركا والغرب، عموما، قد احتدم مؤخرا، وفاقت سخونته كل ما سبق، بسبب العقوبات الأميركية والأوربية الأخيرة.
كما أن تدخلات أميركا في دعم أياد علاوي وفرضه رئيسا للوزراء، هي الأخرى كانت دافعا مضافا إلى دوافعها الأخرى. فهيمنة السنة على رئاسة الوزارة، بقيادة علاوي، تعني الكثير لإيران. وأول ما تعنيه أن نفوذها في العراق سيصبح في مهب الريح، وقد يتحول العراق إلى سكين في خاصرتها النفطية الغربية المهمة. وهذا معناه أن غريمتها تمكنت من دحر أعوانها ومليشياتها، الأمر الذي سيقود حتما إلى محاكمات وفضائح تطاول زعماء حلفائها، بتهم الفساد والعمالة والقتل والاغتيال، تماما كما يجري حاليا لقادة النظام السابق، مهما قيل غير ذلك.
وفي ضوء هذا يصبح دخول الجيش الإيراني أراضي كردستان العراق رسالة عاجلة إلى اللاعبين الكبار.
مقالتي هذه نداء حار موجه إلى قادة كردستان العراق، وفيهم عقلاء وذوو نفوس نقية وعفيفة وشريفة، لكي يسارعوا إلى التحالف مع الوطنيين الديمقراطيين في العراق لأنه آخر الدواء المتاح.
أما تفاصيل ذلك، وكيفية إنجازه، فعلى عاتق الآخرين من أصحاب النوايا الطيبة وذوي الخبرة والدراية في السياسة وشعابها المظلمة، وليس علي.