أحد بشارة العذراء تعليق على الإنجيل القدّيسة تيريزيا - بينيديكت الصليب (إيديث شتاين) (1891 - 1942)، راهبة كرمليّة وشهيدة وشفيعة أوروبا وليمة عرس الحمل
«لأَنَّها أُمُّ كُلِّ حَيّ» (تك 3: 20)
"ورَأَيتُ المَدينَةَ المُقَدَّسة، أُورَشَليمَ الجَديدة، نازِلَةً مِنَ السَّماءِ مِن عِندِ الله، مُهَيَّأَةً مِثلَ عَروسٍ مُزَيَّنَةٍ لِعَريسِها" (رؤ21: 2). وكما أنّ الرب يسوع المسيح نزل من السماء إلى الأرض، كذلك الأمر بالنّسبة للكنيسة، عروسه، فإنّها قد انحدرت من عند الله؛ لقد نشأت بنعمة الله ونزلت مع ابن الله متّحدةً به إلى الأبد. هي مبنية من "حجارة حيّة" (1بط 2: 5)؛ ووُضع حجر الزاوية (أف 2: 20) يوم اتخذت كلمة الله الطبيعة البشريّة في أحشاء العذراء. ومن ساعتها، عُقد رابط وحدة عميقة بين روح الطفل الإلهي وروح أمّه الطاهر، وندعوه الرّابط الزّوجي. لقد نزلت أورشليم السماوية إلى الأرض مخفية عن العالم أجمع. ومن هذا العُرس الأوّل، يجب أن تنشأ كلّ الأحجار التي ستضاف إلى البناء القويّ، والنفوس التي ستُعيدها النعمة إلى الحياة. وهكذا تصبح الأم العروس أم جميع النّفوس المُخَلَّصة.
************************************************
الأحد 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2013 أحد بشارة العذراء
الانتقال من بشارة زكريّا إلى بشارة العذراء مريم هو انتقال من العهد القديم إلى العهد الجديد. وحدث بشارة العذراء هو الذي أعطى لجميع آحاد زمن الميلاد اسم زمن البشارة.
1 - الرسالة (غل 3/15-22): اختار الرسول بولس مثلاً بشريًّا، أي وصيّة الوالد لأولاده، بالميراث من بعده، وطبّقه على الوعد الذي أعطاه الله لإبراهيم أبي الآباء، بأن يبارك بنسله جميع شعوب الأرض، وكان وعدًا أبديًّا لا يتبدّل ولا يُزاد عليه، لأنّه صادر عن الله مباشرة دون وسيط. أمّا الشريعة فقد أُضيفت إلى الوعد الأساسيّ على أيدي وسطاء، موسى والملائكة، وهي، وإن كانت إلهيّة، لا يسعها ان تحقّق قصد الله الخلاصيّ الشامل لجميع البشر، لأنها شطرت البشريّة إلى قسمَين: يهودًا وأممًا! أمّا يسوع المسيح ابن العذراء فهو ابن الوعد، نسل إبراهيم (في صورة المفرد، لا «أنسال» الجمع)، وهو البركة والخلاص لجميع الشعوب، والوسيط الوحيد بين الله والبشر. إذًا فقصد الله لا يتحقّق إلاّ بالإيمان بيسوع المسيح.
أمّا قراءات الأسبوع فقد تمّ انتقاؤها من الرسالة عينها (3-4)، في الإطار المباشر لرسالة الأحد: يوبّخ الرسول أهل غلاطية على تنكّرهم للإيمان بيسوع المسيح، وهو على حدّ تعبيره الحياة بالروح، وعودتِهم إلى الشريعة وهي الحياة بالجسد. بالإيمان بيسوع يصبح كلّ إنسان ابنًا لإبراهيم المؤمن، حاصلاً على البركة، وناجيًا من اللعنة، ووارثًا للوعد الأبديّ. إذًا في المسيح تُلغى جميع الحواجز التي تفصل البشر: العرقيّة (يهوديّ ويونانيّ)، والاجتماعيّة (عبد وحرّ)، والطبيعيّة نفسها (ذكر وأنثى)، لأنّ المسيح يوحّد فيه جميع المؤمنين، ويجعلهم أعضاء جسده السرّيّ الواحد. ويعتبر الرسول أنّ كل من يخضع لشريعة موسى هو طفل قاصر، وعبد، لأنّ الشريعة موقَّتة، وقد انتهى وقتها بمجيء المسيح مولودًا من العذراء مريم، فحرّر الوثنيّين واليهود معًا، وجعلهم أبناء الله وارثين متساوين.
2 - الإنجيل (لو 1/26-38): كتب لوقا الإنجيليّ مشهد بشارة العذراء مريم في صورة متوازيّة مع بشارة زكريّا، قاصدًا بذلك أن يُظهر العلاقة الوثيقة بين البشارتين، وفي الوقت عينه، لكي يبيّن سمُوّ بشارة العذراء على بشارة زكريّا، ويُظهر علاقة الله بالإنسان، والإنسان بالله، أجدّ وأعمق، فإنها علاقة تتخطّى حدود العائلة البشريّة، والحسب والنسب، والمكان والزمان، وهي علاقة حوار حرّ، فالله الحبّ المطلق يعرض نفسه على مريم فتبادله بالمثل، وهي علاقة عطاء ذات الله لنا دون حدود، بتجسّد ابنه من العذراء مريم، سرًّا فائقًا كلّ انتظار لتحقيق وعد الله في ملء الزمن، وهي أيضًا علاقة عطاء ذاتنا لله بعطاء متبادَل مثل مريم: وهكذا تبقى مريم العذراء مثلاً حيًّا سخيًّا لكلّ مؤمن، لأنّ نعمة الله، التي وجدتها في البشارة، قد وجدتها لنا أجمعين.
الإنجيل اليوميّ بحسب الطقس الماروني السرياني / أحد بشارة العذراء / الأحد 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2013