في تِلْكَ الأَيَّام (بعد البشارة بيسوع)، قَامَتْ مَرْيَمُ وَذَهَبَتْ مُسْرِعَةً إِلى الجَبَل، إِلى مَدِينَةٍ في يَهُوذَا. ودَخَلَتْ بَيْتَ زَكَرِيَّا، وسَلَّمَتْ عَلَى إِليصَابَات. ولَمَّا سَمِعَتْ إِلِيصَابَاتُ سَلامَ مَرْيَم، ٱرْتَكَضَ الجَنِينُ في بَطْنِها، وَٱمْتَلأَتْ مِنَ الرُّوحِ القُدُس. فَهَتَفَتْ بِأَعْلَى صَوتِها وقَالَتْ: «مُبارَكَةٌ أَنْتِ في النِّسَاء، وَمُبارَكَةٌ ثَمَرَةُ بَطْنِكِ! ومِنْ أَيْنَ لي هذَا، أَنْ تَأْتِيَ إِليَّ أُمُّ ربِّي؟ فَهَا مُنْذُ وَقَعَ صَوْتُ سَلامِكِ في أُذُنَيَّ، ٱرْتَكَضَ الجَنِينُ ٱبْتِهَاجًا في بَطْنِي! فَطُوبَى لِلَّتي آمَنَتْ أَنَّهُ سَيَتِمُّ ما قِيلَ لَهَا مِنْ قِبَلِ الرَّبّ!».
النصوص مأخوذة من الترجمة الليتُرجيّة المارونيّة - إعداد اللجنة الكتابيّة التابعة للجنة الشؤون الليتورجيّة البطريركيّة المارونيّة (طبعة ثانية – 2007)
تعليق على الإنجيل:
القدّيس بِرنَردُس (1091 - 1153)، راهب سِستِرسيانيّ وملفان الكنيسة
عظة عن عيد الانتقال «فَطوبى لِمَن آمَنَت»
إن مريم طوباوية بالفعل، كما قالت نسيبتها إليصابات، ليس فقط لأن الله اختارها، بل لأنها آمنت، ويُعتبر إيمانها أجمل ثمرة للمحبة الإلهية. لكنّه كان لازمًا أن تمتلئ مريم بعمل الرّوح القدس الذي يعجز اللسان عن وصفه، حتى تتحدّ نفس عظيمة بهكذا تواضع، في سرّ قلبها البتول. يتشابه تواضع وعظم نفس مريم، كما بتوليتها وحملها، بنجمتين تشعّان باستمرار، لأن عمق تواضع مريم لا يسيئ بشيء الى عظمة نفسها والعكس كذلك. فمريم التي تحكم على نفسها بكل تواضع، لم تكن بالمقابل متواضعة بإيمانها بوعد الملاك لها؛ هي التي كانت تنظر الى نفسها فقط كالأمة المتواضعة، لم تشكّ قط بدعوتها للمشاركة بهذا السرّ غير القابل للفهم، بهذه الوحدة العجائبية وبهذا السرّ العميق المبهم. فهي آمنت على الفور بأنها ستصبح فعلياً أم الله الذي صار إنساناً. هذه هي نعمة الله التي تنتج الروعة في قلوب المختارين، فالتواضع لا يجعلهم خاشعين وحذرين، كما لا تجعلهم عَظَمة أنفسهم متكبّرين. والعكس صحيح، ونجد أنه لدى القدّيسين، هاتان الفضيلتان تقوّي إحداهما الأخرى؛ فكبر النفس لا يفتح الباب بأي شكلٍ من الأشكال للكبرياء، وهو الذي يُدخل النفس بشكلٍ خاص الى عمق سرّ التواضع. وبالفعل، نجد أن المنكبّين على خدمة الله هم الذين يخشون أكثر من غيرهم الرّب والأكثر امتنانًا للنّعم التي يتلقّونها. وعندما يكون التواضع في خطر، لا يُمكن للجبن أن ينسلّ الى القلوب. فكلّما قلّ ادعاء الفرد بقدراته الخاصّة، حتى ولو في أصغر الأمور، كلّما زادت ثقته بقدرة الله، حتى في أعظم الأمور.
*********************************
أحد زيارة العذراء
مقدِّمة القراءات
أحد الزيارة هو ذكرى حدث لقاء الأُمَّين مريم وإليصابات، والجنينَين يسوع ويوحنّا، والعهدَين الجديد والقديم. يذكّرنا بزيارة الله وافتقاده لشعبه على مدى تاريخه الخلاصيّ، ويبشّرنا بزيارته وافتقاده لنا في سرّ تجسّد ابنه وميلاده العجيب.
1 - الرسالة (اف 1/1-14): يضمّ هذا المقطع عنوان الرسالة والتحيّة والموضوع العامّ. الموضوع هو تدبير الله الخلاصيّ في نشيد شعريّ، هو صلاة بركة موجَّهة إلى الله الآب، الذي صمّم لخلاصنا، وباركنا بكلّ بركة روحيّة. ويذكر لنا هنا القدّيس بولس ستّ بركات: الأولى أنّه اختارنا له شعبًا جديدًا؛ والثانية أنّه تبنّانا في شخص ابنه يسوع المسيح؛ والثالثة أنّه فدانا بدم ابنه وغفر خطايانا؛ والرابعة أنّه عرّفنا سرّ مشيئته وتصميمه الخلاصيّ، إذ جمع الخلق كلّه تحت رأس واحد هو المسيح يسوع؛ والخامسة أنّه اختارنا ميراثًا له، لكي نحمل رسالة الرجاء إلى الشعوب كافّة؛ والسادسة أنّه دعا جميع شعوب الأرض إلى المشاركة في خلاصه الأبديّ. وهكذا يُضحي النشيد خلاصة إيماننا المسيحيّ، بالله الآب الذي صمّم للخلاص؛ وبالابن الذي نفّذ تصميم الآب الخلاصيّ في تاريخنا؛ وبالروح القدس الذي يكمّل فينا الخلاص شخصيًّا؛ وبالكنيسة ، أي الجماعة المخلَّصة.
أمّا قراءات الأسبوع فقد تمّ انتقاؤها من الرسالة عينها (1-4)، وهي إطار رسالة الأحد: المسيح الحيّ القائم الممجّد نال سلطانًا مطلقًا على الخلق أجمع؛ والعالم كلّه، الوثنيّ واليهوديّ معًا، نال الخلاص بالإيمان بيسوع المسيح؛ والبشريّة المنقسمة إلى عالمين متناقضين، يهوديّ ووثنيّ، قد صالحهما المسيح بصليبه؛ وصارت البشريّة جديدة في الكنيسة التي تجمع الشعوب كلّها في هيكل واحد، مسكنًا لله في الروح؛ وبولس نفسه صار خادمًا لهذا السرّ، وكان يصلّي ويطلب للمؤمنين التشديد بالروح القدس، ومعرفة محبّة المسيح في جميع أبعادها، والامتلاء من الله في قلب الجماعة الكنسيّة المؤمنة.
2 - الإنجيل (لو 1/39-45): في حدث بشارة العذراء نقلَنا لوقا من زكريّا في هيكل أورشليم، إلى مريم في ناصرة الجليل، فإذا هي هيكل الله الحقيقيّ الجديد! وفي حدث الزيارة، ينقل الإنجيليّ مريم من الناصرة إلى مدينة في يهوذا قريبة من أورشليم، إلى بيت زكريّا، فإذا هي تابوت عهد الله الحقيقيّ الجديد! يربط لوقا حدث الزيارة ربطًا واضحًا بحدث نقل تابوت العهد إلى أورشليم، على يد الملك داود (2صم 6/1-19):
أولاً، مبادرة مريم بزيارتها لإليصابات، هي أشبه بمبادرة داود بنقل تابوت العهد إلى أورشليم؛ ثانيًا، ارتكاض الجنين يوحنّا ابتهاجًا، هو أشبه برقص الملك داود وفرحه أمام تابوت العهد؛ ثالثًا، هتاف إليصابات بأعلى صوتها، هو أشبه بالهتاف الشديد وصوت البوق أمام تابوت العهد؛ رابعًا، جوّ البركة الذي غمر بيت زكريّا، وبقاء مريم فيه «نحو ثلاثة أشهر»، هو أشبه بالبركة التي غمرت بيت عوبيد، عندما أضاف تابوت العهد ثلاثة أشهر؛ خامسًا، كلمة إليصابات: «من أين لي أن تأتي إليّ أمّ ربّي؟» هي أشبه بكلمة الملك داود: «كيف ينزل تابوت الربّ عندي؟».
فهذا الربط الكتابيّ بين العذراء وتابوت العهد، يُدخلنا في المعنى اللاهوتيّ لحدث الزيارة: ترمز إليصابات العاقر إلى الإنسانيّة القديمة في علاقتها بالإنسانيّة الجديدة التي ترمز إليها مريم. إذًا فالعهد الجديد هو الذي يُعطي القديم كلّ معناه. ثمّ إن الروح القدس هو القوّة الفاعلة في مريم وإليصابات، وهو الذي حوّل اللقاء البشريّ إلى تسبيح وشكران وتسليم الذات لعمل الله الخلاصيّ. وهكذا تستبق زيارةُ العذراء لإليصابات، زيارةَ ابن الله المتجسّد فيها، ليزور أرضنا، ويجدّد خلقنا بسرّ ميلاده المخلّص!
أمّا قراءات الأسبوع فقد تمّ انتقاؤها كما يلي: للاثنين، نشيد العذراء، إكمالٌ لإنجيل الأحد (لو1/46-56)؛ وللثلاثاء: زيارة يسوع لمرتا ومريم (لو 10/38-42)؛ وللأربعاء، زيارة يسوع لزكَّا رئيس العشَّارين في أَريحا (لو 19/1-10)؛ وللخميس، زيارة يسوع لمدينة السامريّين (يو 4/39-42)؛ وللجمعة، زيارة يسوع لنواحي صور وصيدا (مر 7/24-30)؛ وللسَبت، زيارة يسوع للاويّ (أي متَّى العَشَّار) (لو 5/27-32).
من كتاب الإنجيل الطقسيّ (بكركي-2005)
الإنجيل اليوميّ بحسب الطقس الماروني السرياني / أحد زيارة العذراء/ الأحد 01 كانون الأوّل/ديسمبر 2013