في هذا اليوم، ظهر في العالم السابق الكبير، المولود من رحم أليصابات العاقر. إنّه الأعظم من بين الأنبياء؛ لم يظهر أكبر منه، لأنّه "السِّراجَ المُوقَدَ المُنير "الذي يسبق النور الفائق و"الصوت المنادي في البرية" الذي يسبق الكلمة. لقد قاد إلى المسيح الكنيسةَ عروسَه و"أعدّ لِلرَّبِّ شَعبًا مُتأَهِّبًا"، معمّدًا إيّاهم بالماء بانتظار الروح القدس.
من زكريّا وُلِدت هذه النبتة الشابّة، الأجمل من بين أبناء الصحراء، ونذير التوبة، ذاك الذي كان يطهّر بالماء أولئك الذين كانوا يضلّون الطريق، ذاك الذي حمل كسابق إعلان القيامة حتّى مثوى الأموات، والذي يتشفّع لنفوسنا.
أيّها الطوباوي يوحنّا، منذ وجودك في أحشاء والدتك، كنت نبي المسيح وسابقه: ارتكضْتَ ابتهاجًا عند رؤية الملكة تأتي إلى الخادمة، حاملة أمامك ذاك الذي ولده الآب من الأزليّة بدون والدة، أنتَ المولود من امرأة عاقر ومن رجل عجوز، وفقًا لوعد الربّ. تضرّع إليه كي يشفق على نفوسنا.
بمولد يوحنّا تكتمل عائلة زكريّا وإليصابات. وبحضور الجيران والأقارب يتّسع إطار العائلة، وتعمر الفرحة. ولكن بحضور العذراء مريم تبلغ فرحة العائلة ذروتها، لأنّ مولد يوحنّا يبشّر بميلاد يسوع!
1 - الرسالة (غل 4/21-5/1): يرى الرسول بولس أنّ المسيحيّين هم شعب الله الجديد بدل القديم. ويفسّر قصّة سارة وهاجر، مشدّدًا على أنّ ولادة إسماعيل من هاجر الجارية كان بقوّة الجسد، بينما ولادة إسحق من سارة الحرّة كان بقوّة الوعد، وهكذا كان أيضًا مولد يوحنّا المعمدان، وهو يرمز إلى ميلاد المسيح، وولادة المسيحيّين في العهد الجديد.
لن يكفي أحدًا أن يكون ابنًا لإبراهيم، مثل إسماعيل، من نسله الجسديّ، وبحسب الشريعة القديمة التي أعطاها الله للشعب اليهوديّ على جبل سيناء، وهذا ما ترمز إليه هاجر، بل يجب ان يكون ابنًا لإبراهيم مثل إسحق، المولود بقوّة الوعد، وبحسب روح إنجيل يسوع المسيح الذي فيه أعطانا الله عهدًا جديدًا، وحرّرنا من عبوديّة الشريعة القديمة، وهذا ما ترمز إليه سارة. وهكذا يتّخذ الرسول من الشريعة نفسها برهانًا على أنّ عهد الشريعة كان موقَّتًا ومهيِّئًا للعهد الجديد، للإيمان بيسوع المسيح.
أمّا قراءات الأسبوع فقد تمّ انتقاؤها من الرسالة إلى أهل روما (9-10)، حيث يعالج الرسول مشكلة اسرائيل اللاهوتيّة، وهو موضوع صعب شائك جدًا، وغالٍ على قلبه، فيصف لنا، في لوحٍ سلبيّ، شقاء شعب التوراة الذي رفض مسيحه، وخان حبّ الله، فوقع في تناقض خطير موجع، ولم يدرك أنّ يسوع حقّق له تصميم الله الخلاصيّ كلّه. ويشدّد الرسول هنا، كما في رسالته إلى أهل غلاطية، على أنّ الشعب المسيحيّ هو الشعب الحقيقيّ الروحيّ الجديد، بدل الشعب الجسديّ القديم، وهو نسل إبراهيم الحقيقيّ، لأنّه آمن مثله بالوعد الذي حقّقه الله بميلاد ابنه يسوع المسيح، وهو الشعب الذي تحقّقت فيه أقوال الأنبياء كافّة عن «البقيّة» الباقية من شعب إسرائيل، وعن البركة لجميع الشعوب.
2 - الإنجيل (لو 1/57-66): مولد الطفل يوحنّا غمر بالفرح بيت أبيه الشيخ وأمّه العاقر، والجيران والأقارب، فهو رحمة وافتقاد جديد من الله لشعبه. واسمه «يوحنّا» ، أي «الربّ الحنّان» يدلّ على مرحلة جديدة، في تدبير الله الخلاصيّ، وعلى صدق وعد الله لشعبه. والتعبير «كانت يد الله معه» تعبير كتابيّ قديم، يدلّ على حمايّة الله ودعوته له إلى رسالة نبويّة خاصّة، مثل إيليّا والأنبياء كافّة، لأنّه سيهيّئ للربّ «شعبًا مُعَدًّا خير إعداد» (لو 1/17).
كان مولد يوحنّا، بقوة الوعد، رمزًا إلى ميلاد المسيح، لكنّ مولده من عاقر يبقى رمزًا بعيدًا جدًّا إلى ميلاد المسيح من عذراء، ليكون ابنًا وأخًا في كلّ عائلة بشريّة مؤمنة، بغير حدود، وبدون استثناء!
أمَّا قراءات الأسبوع فقد تَمَّ انتقاؤها كما يلي: للاثنين: نشيد زكريَّا والد المعمدان، إكمالٌ لإنجيل الأحد (لو 1/67-80)؛ وللثلاثاء، مديح يسوع للمعمدان (متى 11/11-15)؛ وللأربعاء، يسوع يُعطي المعمدان دور إيليّا النبيّ (متى 17/9-13)؛ وللخميس، إعلان يسوع لصدق معموديّة يوحنّا المعمدان (متى 21/23-27)؛ وللجمعة، يسوع يبرّر المعمدان ويبرّر نفسه (متى 11/16-19)؛ وللسبت، يسوع يُصادق على شهادة المعمدان له (يو 5/31-36).
من كتاب الإنجيل الطقسيّ (بكركي-2005)
الإنجيل اليوميّ بحسب الطقس الماروني السرياني / أحد مولد يوحنّا / الأحد 08 كانون الأوّل/ديسمبر 2013