النصوص مأخوذة من الترجمة الليتُرجيّة المارونيّة - إعداد اللجنة الكتابيّة التابعة للجنة الشؤون الليتورجيّة البطريركيّة المارونيّة (طبعة ثانية – 2007)
تعليق على الإنجيل:
القدّيس هيرونيمُس (347 - 420)، كاهن ومترجم الكتاب المقدّس وملفان الكنيسة عن إشعيا، الفصل 11 "هو ذاكَ الَّذي يُعَمِّدُ في الرُّوحِ القُدُس"
"ويَخرُجُ غُصنٌ مِن جذعِ يَسَّى (والد النّبي داود) وَينْمي فَرعٌ مِن أُصولِه ويَحِلُّ علَيه روحُ الرَّبّ" (إش 11: 1-2). كلّ هذه النبوءة تتعلّق بالرّب يسوع المسيح... فالغصن والنّرجس اللذان خرجا من جذع يَسَّى يربطهما اليهود بالربّ نفسه: فهم يعتبرون أنّ الغصن هو رمز الصولجان الملكيّ والنرجس رمز جماله. أمّا نحن المسيحيّون فنرى مريم العذراء في الغصن الذي خرج من جذع يسّى، هي التي حبِلت من دون أن تعرف رجلاً. فالنبيّ أشار إليها فيما ورد سابقًا: "ها إِنَّ العَذْراء تَحمِلُ فتَلِدُ ابناً وتَدْعو اسمَه عِمَّانوئيل" (إش 7: 14). وإننّا نربط النرجس بالربّ مخلّصنا الذي قال في نشيد الأناشيد: " أَنا نَرجِسُ الشَّارون وسُوسَنَةُ الأَودِيَة" (نش 2: 1)... ويحلّ روح الربّ على هذا النرجس الذي يخرج فجأةً من جذع يسّى من خلال العذراء مريم لأنّ "فِيه يَحِلُّ جَميعُ كَمالِ الأُلوهِيَّةِ حُلولا جَسَدِيًّا " (كول 2: 9). وإنّه لا يحلّ حلولاً جزئيًّا كما يحلّ على القدّيسين الآخرين بل كما ورد في إنجيل متّى: " هُوَذا عَبْدِيَ الَّذي اختَرتُه حَبيبيَ الَّذي عَنهُ رَضِيت. سَأَجعَلُ رُوحي علَيه فيُبَشِّرُ الأُمَمَ بِالحَقّ " (مت 12: 18؛ إش 42: 1). ونحن نطبّق هذه النبوءة على المخلّص الذي حلّ عليه روح الربّ ما يعني أنّه اتّخذ منه مسكنًا أبديًّا... فإنّ الروح ينزل فيستقرّ عليه، كما شهد يوحنّا قائلاً: "رَأَيتُ الرُّوحَ يَنزِلُ مِنَ السَّماءِ كأَنَّه حَمامَة فيَستَقِرُّ علَيه. وأَنا لَم أَكُنْ أَعرِفُه، ولكِنَّ الَّذي أَرسَلَني أُعَمِّدُ في الماءِ هو قالَ لي: إِنَّ الَّذي تَرى الرُّوحَ يَنزِلُ فيَستَقِرُّ علَيهِ، هو ذاكَ الَّذي يُعَمِّدُ في الرُّوحِ القُدُس"... هو الروح الذي يدعى "روحَ الحِكمَةِ والفَهْم روحَ المَشورَةِ والقُوَّة روحَ المعرفةِ وتَقوى الرَّبّ" (إش 11: 2)... وهو فريدٌ ونبع كلّ العطايا.
***************************************
الأحد 12 كانون الثاني/يناير 2014
الأحد الأوّل بعد الدنح: إعتلان سرّ المسيح ليوحنّا المعمدان
مقدِّمة القراءات
عاش يسوع في الناصرة حياة خفيّة حتّى الثلاثين من عمره، ولم يُعلَن سرّه، حتّى اعتماده من يوحنّا المعمدان، الذي كان يعمّد بمعموديّة توبة جديدة، لها طابع مسيحانيّ نُهْيَويّ، تهيّئ المؤمنين المعتمدين مباشرةً ليكونوا الجماعة المسيحانيّة الجديدة للمسيح الآتي، موعود الأنبياء والعهد القديم. لذلك كان اعتماد يسوع من يوحنّا، واعتلان سرّه المسيحانيّ له، حدثًا مصيريًّا في تاريخ الخلاص.
1 - الرسالة (2 قور 10/1-11): كان لبولس في قورنتس أخصام، اتّهموه بأنّه ضعيف، عندما يكون حاضرًا بينهم، ولا يُظهر جرأة عليهم إلاّ عندما يكون غائبًا عنهم! لكنّ بولس صلّى وقصد أن لا يكون جريئًا، ولم يُرد إلاّ أن يكلّم بثقةٍ أولئك المتَّهِمِين. وأثبت لهم أنّه لا يتصرّف تصرّفًا بشريًّا بحسب المظاهر، بل بقوّة السلطان الذي وهبه إياه الربّ، لبنيان المؤمنين، وهَدْم كلّ فكر خاطئ، وشموخٍ يرتفع ضدّ معرفة الله والطاعة للمسيح بالإيمان الذي بشّرهم به. وما أشبه شهادة بولس هذه بشهادة المعمدان: فإنّه ولو عمّد بالماء، بينما يسوع الآتي أقوى منه يعمّد بالروح القدس والنار، فمعموديّته كانت بوحي خاصّ من الله نَبَويّ، في شأن سرّ يسوع المسيح، الذي اعتلن له، وهو بدوره أعلنه وبشّر به بقوّة وسلطان!
أمّا قراءات الأسبوع فقد تمّ انتقاؤها من الرسالة عينها، في إطار رسالة الأحد، بقراءة متواصلة (10/12-12/16): فيها يدفع الرسول بولس عن نفسه اتّهامات أخصامه له، ويفاخر بآلامه في خدمة الإنجيل، وبرؤى وإيحاءات من الربّ له، مؤكّدًا اختباره الحقّ الشخصيّ العميق للمسيح، وصدقَهُ وإخلاصَه، وحبَّه الذي يدفعه إلى بذل نفسه من أجل المؤمنين. كلّ ذلك يجدر تطبيقه على المعمدان وجميع الأنبياء السابقين!
2 - الإنجيل (يو 1/29-34): الروح القدس هو العلامة المميّزة للمسيح وللزمن المسيحانيّ. وقد أعطاها الله ليوحنّا نبيّه، ليعرف بها المسيح الآتي بعده، وقد كان قبله، فيشهد له أمام الجميع، أنّه المسيح ابن الله المختار موعود الأنبياء،و مُرتَجى الشعوب جميعها. ويدعوه بلقب «حمل الله»، بمعنى الحمل القويّ المنتصر، كما جاء في الرؤيا (5/6؛ 7/17؛ 17/14)، وكما جاء على لسان المعمدان في كلامه على المسيح الآتي أقوى منه، في الأناجيل الإزائيّة (متى 3/10-12). لكنّ الإنجيليّ يوحنّا حمّلها أيضًا معنى الحمل الوديع، عبد الله المتألّم، في آشعيا (53/7)، والحمل الفصحيّ الذبيح الفادي. إذًا فيسوع يرفع خطيئة العالم، وفي الوقت نفسه يحملها، لأنّه شفى المرضى وأزال عن شعبه الآلام التي كان التقليد اليهوديّ يعتبرها نتيجة الخطيئة، وفي الوقت عينه، حمل هو بنفسه تلك الآلام عن شعبه بموته على الصليب!
أمّا قراءات الأسبوع فمنتقاة جميعها عن يوحنّا المعمدان: في مَرْقُس (1/1-8) هو الملاك المُرسَل أمام الربّ، وقد تمّت فيه نبوءة ملاخيا (3/1)، وهو صوت الصارخ، وقد تمّت فيه نبوءة آشعيا (40/3)؛ وفي يوحنّا (1/19-28) حيث يحتفظ المعمدان ليسوع وحده بالأدوار النُّهْيَوِيَّة الثلاثة: المسيح والحبر والنبيّ؛ وفي يوحنّا (3/22-30) آخر شهادة من المعمدان ليسوع، فيها يدعو نفسه «صديق العريس» وقد اكتمل فرحه به؛ وتتبعها حالاً شهادة ليسوع من الإنجيليّ (3/31-36)، وقد تكون كلامًا من يسوع، تابعًا لحديثه مع نيقوديموس؛ وفي متّى (14/1-12) حيث يتوّج المعمدان شهاداته باستشهاده؛ وأخيرًا في يوحنّا (10/40-42) شهادة أناس كثيرين آمنوا بيسوع بشهادة يوحنّا المعمدان.
من كتاب الإنجيل الطقسيّ (بكركي-2005)
الإنجيل اليومي بحسب الطقس الماروني/ إعتلان سرّ المسيح ليوحنّا المعمدان/الأحد 12 كانون الثاني/يناير 2014