قد يجعلنا هذا المثل نتساءل لماذا يرى الرجل الثري لعازر في حضن ابراهيم بدل أن يكون في حضن أي شخصٍ صالحٍ آخر، والسبب هو أن ابراهيم كان خير مثالٍ على استضافة الغرباء، فظهر بجانب لعازر ليتهم الثري ببخله. في الواقع كان ابراهيم، يحاول التقاط أبسط المارين ليستقبلهم تحت خيمته (تك 18)، بينما الرجل الثري لم يشعر سوى بالازدراء تجاه من كان يقطن قبالة منزله الخاص مع أن لديه الوسائل، مع كل الثروة التي يملكها، لكي يؤمن سلامة الرجل الفقير. ولكنه استمر، يوماً بعد يوم، بإهماله له ولم يقدم له العون الذي كان بحاجة إليه.
لكن ابراهيم لم يتصرّف على هذا النحو، بل على العكس! فقد كان يمد يده لكل المارين من أمام خيمته، كما يمد الصياد الشبكة في البحر ليصطاد السمك وأحياناً أيضاً يلتقط الذهب والأحجار الكريمة، كذلك كان من الممكن أن يجد ابراهيم من خلال جذبه للناس في شبكته ملائكة وأروع الأمور من دون أن يفطن إلى ذلك.
حتى أن كاتب الرّسالة إلى العبرانيين قد أدهشه تماماً هذا الأمر فقال حاثًا العبرانيين: "لا تَنسَوُا الضِّيافَة فإِنَّها جَعَلَت بَعضَهم يُضيفونَ المَلائِكَةَ وهُم لا يَدْرون" (عب 13: 2)، وهو كان حق عندما قال " وهُم لا يَدْرون"، فلو عرف ابراهيم أن من يستقبلهم بكل هذه المحبة هم ملائكة، ما كان استقباله لهم بكل هذه الضيافة ليعني أي أمر عجيب أو مُلفت... ولكنه حصل على هذا المديح لأنه كان يجهل هوية المارين؛ فهو كان يعتبر هؤلاء الزوار الذين يدعوهم بحرارة الى داخل خيمته رجالاً عاديين. أنت أيضاً تعرف كيف تظهر حماسةً حين تستقبل شخصاً مهماً وشهيراً، ولكن الأمر لا يدعو للدهشة... في المقابل، سوف يكون من المُلفت والرائع أن تقدّم هذا الاستقبال لكل الواصلين، للغرباء وللناس العاديين.
بعد تذكار الموتى الأحبار والكهنة، والأبرار والصدّيقين، تذكر البيعة جميع أبنائها الموتى المؤمنين الباقين، الّذين انتقلوا منها إلى الله، مزوّدين بالصليب والعماد والقربان، على رجاء الحياة الأبديّة. وتذكّرنا بالحقائق الأساسيّة المرتبطة بالحياة والموت على ضوء إيمانها.
1 - الرسالة (ا تس 5/1-11): هذا أوّل تعبير مكتوب عن إيمان الكنيسة الأولى ونظرتها إلى حقيقة الموت، في أولى رسائل القدّيس بولس، وأقدم كتب العهد الجديد. لقد سبق الرسول فشجّع مؤمني تسالونيكي، بأنّ يسوع الذي مات وقام سوف يأتي ليدين الأحياء والأموات ويخلّص جميع المؤمنين به. وهنا يتابع تحريضهم على السهر حتّى مجيء الربّ، لأنّ الربّ يسوع لم يحدّد زمن مجيئه. لكنّه أوصى بالسهر والاستعداد له، لئلا بفاجئهم كالسارق ليلاً، أو كالمخاض للحبلى. ويحذّر الّذين كانوا يترقّبون مجيء الربّ سريعًا، مشدّدًا على الفضائل الإلهيّة الثلاث، الّتي تختصر الحياة المسيحيّة وتميّز حياة المؤمن كلّها، فيعيشها في انتظار مُفرح لمجيء الربّ، لكي يحيا مع الربّ إلى الأبد. وحياتنا المسيحيّة على الأرض إنّما هي النواة والبدء للحياة الأبديّة والشركة الكاملة مع المسيح الظافر على الشرّ والألم والموت إلى الأبد.
أمّا القراءة الأولى في الأسبوع فهي المقطع السابق لرسالة الأحد: فيه يشجّع الرسول كنيسة تسالونيكي، وهي لا تزال حديثة الإيمان، وقد عاودتها عاطفتها الوثنيّة إزاء الموت، حزن شديد ويأس وتساؤل حول مصير موتاها! وجوهر تفكير الرسول يكمُن في العبارة «وهكذا نكون مع الربّ دائمًا»، لا في الأوصاف الرؤيويّة الخارجيّة (4/13-18). وتلي ثلاث قراءات متواصلة من الرسالة الثانية إلى أهل تسالونيكي، فيها تشديد على تحمّل الألم والموت من أجل الملكوت، على رجاء طيّب برضوان الله في يوم الدين العادل، ووصف لظهور الربّ ومكافأة المؤمنين باشتراكهم في مجد الله (1/1-12)؛ ثمّ يدعو الرسول المؤمنين إلى عدم الأخذ بالإشاعات حول قرب مجيء الرب، مُبيّنًا علامات المجيء، محدّدًا ما يعوقه، وواصفًا مجيء الربّ ومجيء الإنسان الأثيم، وظفر الربّ يسوع، بلحظة مجيئه، كما النور يبدّد الظلام بمجرّد ظهوره (2/1-12)؛ وفيها فعل شكران لله، وتحريض للمؤمنين على الثبات والأمانة للتقليد الرسوليّ، وصلاة وتمنٍّ للمؤمنين مع طلب صلاتهم (2/13-3/5). وأخيرًا قراءتان من الأولى إلى قورنتس، حيث يُشدّد بولس على حقيقة الموت وضرورته من جهة، وعلى حقيقة القيامة بعد الموت من جهة ثانية، ولكن في جسم جديد روحانيّ غير هذا الحاليّ المادّيّ (15/35-44أ)، ثمّ يشرح ذلك التحوّل من لحم ودم وفساد، إلى عدم موت وفساد، منشدًا نشيد الظفر، وشاكرًا لله، ومحرّضًا ومشجّعًا للمؤمنين (15/51-58).
2 - الإنجيل (لو 16/19-31): مثل الغنيّ ولعازر خاصّ بلوقا، فيه خير تفسير لما علّم يسوع في خطر الغنى على الإنسان؛ فهو ربّ ثانٍ، وباب هلاك أبديّ! لا يحرّم يسوع الغنى بل يحذّر منه. وخطيئة الغنيّ هي أنّه لم يُشرك الفقير في غناه. وفي المثل فكرتان أساسيّتان: الأولى هي أنّ تقرير مصير الإنسان النُهْيَوِيّ يتمّ حالاً بعد موته؛ والثانية هي التوبة، لا بواسطة معجزة، كأن يعود مائت لينذرنا، بل بالإيمان بما علّم الأنبياء والرسل في الكتب المقدّسة، وهو مختصر تعليم الكنيسة المقدّسة. والأمثولة اللاهوتيّة هي أن الحياة في العالم الثاني تُصبح نقيض الحياة في عالمنا، عندما لا نجعل من حياتنا اليوم صورة للعالم الثاني!
أمّا قراءات الأسبوع فهي قراءة متواصلة للوقا 12، فيه يركّز يسوع على الحكم والدينونة، وكأن الجموع المحتشدة حوله هي جموع الخليقة كلّها لدى منبر المسيح الديّان! يطلب الربّ من تلاميذه أن لا يخافوا الإنسان الذي يستطيع أن يقتل فحسب، لكنّ الله وحده هو الذي يُهلك المرائين (1-7)؛ ويحثّهم على أن يشهدوا له جهرًا، رغم الاضطهاد، ويثقوا بالروح القدس الذي يعلّمهم كلّ شيء (8-12)؛ ويدعوهم إلى إنفاق غناهم في سبيل الله فيدّخرون كنزًا في السماء، لا غلاّتٍ في الأهراء (13-21)؛ ويوطّد ثقتهم بعنايّة الله الأبويّة، تجعلهم يواجهون مهامّ الحياة اليوميّة بهدوء واطمئنان، ويقتنعون اقتناعًا عميقًا بتقديم العمل من أجل الملكوت على أيّ عمل دُنيويّ، وخصوصًا في المأكل والملبس (22-32)؛ ويأمرهم بإنفاق الغنى على الفقراء، وأن يظلّوا متأهّبين منتظرين مجيء الربّ (33-40)؛ ويثبتوا على حبّه أكثر من كلّ شيء وكلّ أحد، بل أن يموتوا في سبيله، مستعدّين لحكم الله الديّان (49-59).
من خلال كلّ هذه الحقائق والمواقف الأساسيّة من الموت والحياة، تدعونا الكنيسة إلى سلوك الطريق الآمنة الّتي توصلنا إلى السعادة، بالسهر والإيمان بالمسيح والشوق الدائم إلى ساعة اللقاء الدائم معه في الحياة الأبديّة.
********************************************
مار بوليكربوس الشهيد
هو مِن تَلاميذِ يوحَنا الحَبيب. إستُشهِدَ في 23 شباط سنة 155. وَصَلت إلَينا أعمَالَ شَهادَتِهِ بِالتَفصيلِ، جاءَ فيها ما يَلي: قالَ القاضي للأسقُف! "إلْعَنِ المَسيح" فأجابَ بوليكروس:"إنَّني أخدُمُهُ مُنذُ سِت وثلاثين سَنة وَلَم يُسِئ إليَّ في شيء فَكيفَ أجَدِّفُ عَلى مَلِكي ومُخلِّصي؟ إني مَسيحي". وتَذكَرُ أعمالُ شهادَتِهِ أنَّ الفَرَحَ كانَ يَطفَحُ عَلى وجهِهِ، وَعَيناهُ تَشُعَّانِ بِالنورِ الحَقيقي. وَكانَتِ المُحاكمَةِ عَلَنِيَّةِ أمامَ اليَهودِ والوَثنيين الصارِخين:"هَذا هو ابو المَسيحيين وهادِمُ آلهتِنا، فليُحرَق بوليكروس حَياًّ". زُجَّ الأسقُف في النار، فَلَم تَمُسَّهُ. حِينئذٍ طَعَنَهُ الجَلادُ بالخَنجَرِ، فَسالَت دِماؤُه الطاهِرَة، وَأضرِمَتِ النارُ حَولَهُ، فَصارَ مُحرَقََةِ المَسيح. لَهُ المَجدُ والاكرامُ الى الأبد، آمين. من كتاب الإنجيل الطقسيّ (بكركي-2005)
الإنجيل اليومي بحسب الطقس الماروني/أحد الموتى المؤمنين/الأحد 23 شباط/فبراير 2014