روما / أليتيا (aleteia.org/ar) - إذا كان من الضروري الذهاب إلى "الضواحي الجغرافية" لحمل البشرى السارة للبشر، فإن المبشرين غالباً ما يعرضون حياتهم للخطر في قيامهم بذلك. ففي الكاميرون اختُطف الأب جورج فاندينبوش ثم أخلي سبيله في نهاية ديسمبر 2013. كان قد أراد الذهاب إلى إفريقيا "لمساعدة الأكثر حرماناً على معرفة يسوع المسيح ومحبته". وعلى الرغم من أن قصته توجت بنهاية سعيدة، إلا أنها تذكرنا بالمخاطر والمصاعب التي يواجهها المرسلون.
على مر القرون، استُشهد مرسلون كثيرون. فلنتذكر المرسلين الأوائل في آسيا الذين انطلقوا نحو المجهول متحملين أجواء وعقليات عدائية لحمل البشرى السارة. وعلى مثال شفيعهم القديس فرنسوا كزافييه، يختار المرسلون الذهاب إلى أماكن أبعد من الحدود الثقافية ليعرّفوا شعوب العالم أجمع بالمسيح.
عمل المرسل لا يخلو من الخطورة لطالما تعرض المرسلون لأخطار كبيرة لأن حمل الإيمان ليس مجرداً من الأذى، والحرية الدينية بعيدة المنال. وكانت وكالة فيدس قد أفادت عن مقتل 22 مرسلاً حول العالم سنة 2013، معظمهم في أميركا اللاتينية ومناطق الصراع. من هنا، تعتبر الأرقام مثيرة للقلق لأنها تضاعفت مقارنة بسنة 2012. بدوره، ذكر موقع "صوت أميركا" أن "عدد الكهنة والراهبات والعلمانيين المنتمين إلى الكنيسة الكاثوليكية الفرنسية والذين يعملون في الخارج يقارب الثلاثة آلاف. هذا العدد يشهد تراجعاً حاداً بالمقارنة مع القرون السابقة، ما يعكس النزعة العلمانية في أوروبا".
لمَ التوجه إلى الخارج إذا كان هناك نقص في الكهنة في الديار؟ غالباً ما تطرق البابا فرنسيس إلى هذه المسألة. يهدف الذهاب إلى "الضواحي الجغرافية" إلى إعطاء فرصة للبشر للتعرف على المسيح ونيل الخلاص. يجب ألا تنغلق الكنيسة على ذاتها، والعمل الإرسالي هو دعوة حقيقية تسهم أيضاً في التنمية البشرية. هذا وتبقى إرساليات باريس الأجنبية التي تأسست في القرن السابع عشر أقدم مؤسسة إرسالية. تبعث بمرسليها إلى آسيا للمشاركة في الكرازة الإنجيلية ولاحقاً في تنشئة رجال الإكليروس المحليين. ويُعتبر الانطلاق معها اختيار مسار جذري لأنه نهائي لكونها رسالة لمدى الحياة. كما تضم حالياً ما لا يقل عن 240 كاهناً في آسيا.
حماية أقل للمرسلين ابتداءً من القرون الأخيرة، ومع تطور العالم، تغيرت السياقات والمخاطر، وبات العمل الإرسالي سنة 2014 مختلفاً عما كان عليه في القرن السابع عشر. اعتبر موقع صوت أميركا أن المرسلين يحظون بحماية أقل مما كانت عليه قبل قرن، وبات الذهاب أصعب من الناحية اللوجستية. نذكر على سبيل المثال أن الحصول على تأشيرة الدخول يعقّد الأمور. وغالباً ما يُجبر المرسلون على طلب تأشيرات دخول كسياح أو معلمين مما يحد من حضورهم على أرض الواقع. فضلاً عن ذلك، أصبح التواصل والانتقال من طرف إلى آخر أكثر سهولة. ولكن يُطرح، في حالات الخطر، سؤال صعب عما إذا كان ينبغي على المرسل البقاء مع السكان المحليين معرضاً نفسه للخطر، أو الرحيل.
البقاء أو الرحيل في ظل الأخطار؟ ذكرت صحيفة La Croix في إحدى مقالاتها أن قرار العودة إلى الديار يعود إلى الراهب المعني، لكن قلائل هم الذين يقبلون بذلك. في هذا الصدد، نقلت الصحيفة أقوال الأب تورنييه، الناطق باسم مجلس رهبان وراهبات فرنسا، الذي شدد على أن العمل الإرسالي يهدف إلى إنشاء جماعة، الأمر الذي يتطلب عشر سنوات من العمل على الأقل. كما قال أن هذه الظروف تشكل جزءاً من حياة المرسلين الذين يبذلون أنفسهم في عملهم. من هنا، تعود بنا الذاكرة إلى مصير رهبان تيبحيرين الذين أصروا على البقاء في الجزائر على الرغم من التهديدات. كما نذكر ما كشفه الأب اليسوعي الهولندي فرانس فان دير لوغت، البالغ 75 عاماً، والمقيم في سوريا منذ خمسة عقود، لوكالة فرانس برس عن اختياره البقاء في حمص على الرغم من أعمال العنف المرتكبة بحق المسيحيين: "أنا رئيس دير. كيف أهجره؟ هل أترك المسيحيين ورائي؟ هذا مستحيل".
رسالة البابا فرنسيس ليوم الإرساليات العالمي لسنة 2013 ذكر البابا في رسالته بمناسبة اليوم العالمي للإرساليات لسنة 2013 بأن المرسلين منارات، مرجعيات ثابتة بالنسبة إلى السكان المحليين. واعتبر أنه يجب أن ننقل "لهذا العالم شهادتنا ومحبة الرجاء الذي يمنحه الإيمان! فالطابع الإرسالي للكنيسة ليس تبشيراً متحمساً بل شهادة حياة تنير الدرب وتحمل الرجاء والمحبة". أمام الصعاب وأعمال العنف، ذكر بكلمات يسوع المعزية "ثقوا! أنا قد غلبت العالم" (يو 16، 33).