في أيّامنا هذه، نجد أنّ المرض الأكثر فتكًا الذي يضرب الغرب ليس السلّ أو البرص، بل هو شعور المرء بأنّه مهمل، وغير محبوب ومتروك. نحن بارعون في معالجة أمراض الجسد من خلال الطبّ، لكنّ العلاج الوحيد للوحدة والبؤس واليأس، ما هو إلاّ الحبّ. يموت الكثيرون في هذا العالم نتيجة افتقارهم إلى لقمة الخبز، لكنّ عددًا أكبر بكثير يموت نتيجة افتقاره إلى الحبّ. في الغرب، هنالك نوع آخر من الفقر، ليس فقر الوحدة فحسب، بل هو فقر الروحانيّة. ونجد جوعًا إلى الحبّ كما نجد أيضًا جوعًا إلى
الأحد 09 آذار/مارس 2014 الأحد الثاني من الصوم الكبير : أحد شفاء الأبرص
مقدِّمة القراءات
هذا الأحد يذكّرنا بأعجوبة شفاء الأبرص، وهي الأولى في الإنجيل بحسب متّى. فيها عبّر يسوع عن عظم محبّته للإنسان المنبوذ بعيدًا عن ذويه ومجتمعه، لأنّ حنان الله اللامتناهي جعله يحنو على الضعيف، ويعطف على البشريّة المريضة، ويداويها برفق، ويكسر القيود التي كانت تفصل الإنسان عن أخيه الإنسان.
1 - الرسالة (روم 6/12-18): بالمعموديّة يموت المؤمن عن الخطيئة، لكنّه يبقى معرّضًا للخطيئة. فعليه أن يلتزم بالإيمان التزامًا جدّيًّا، ويموت حقًّا عن حياة الخطيئة، ليحيا حقًّا حياة النعمة في المسيح، مائتًا وقائمًا من الموت حيًّا. لقد حرّرنا المسيح من عبوديّة الخطيئة والشريعة ورسومها المادّيّة، فعلينا أن نخدمه بطاعة الإيمان والبرّ والقداسة بحرّيّة أبناء الله. والتطبيق على موضوع الأحد واضح، لأنّ البرص مرض رهيب، بالغ الأقدمون في الاحتياط ضدّ العدوى منه، حتّى اتّخذ طابعًا دينيًّا، إذ اعتُبر منجّسًا للإنسان، ينبذه عن الجماعة المؤمنة. ولكي يستعيد الأبرص مكانه في شعب الله المقدّس، كان عليه أن يؤكّد للناس شفاءه بتتميم بعض الفرائض الدينيّة الرسميّة.
أمّا قراءات الأسبوع فمتنوّعة، لكنّها كلّها مركّزة: قراءة الإثنين (1 تس 3/6-13) تركّز على فرح الرسول بولس بأخبار طيموتاوس الطيّبة عن إيمان كنيسة تسالونيكي الناشئة، رغم المشاكل المختلفة المطروحة فيها، بعد أشهر معدودة من تأسيسها، ويتمنّى بولس أن يكمّل إيمانهم، ويطلب لهم زيادة محبّة وثبات في القداسة حتى مجيء الربّ. وقراءة الثلاثاء (غل 2/11-17) تركّز على المشاركة في الموائد وفي الإفخرستيّا بين المسيحيّين من أصل يهوديّ والمسيحيّين من أصل وثنيّ في قلب الكنيسة الأولى، في أنطاكية، وعلى مداخلة بولس الذي رأى في موقف بطرس مساومة على المسيحيّين المهتدين من الأمم، وخطرًا يُهدّد الكنيسة بالانقسام، ومن ثمّ خروجًا على حقّ الإنجيل. وقراءة الأربعاء (روم 3/19-27) تصف انتصار الإنجيل على شقاء البشريّة الخاطئة، الذي حقّقه الله في المسيح يسوع، فمنح الغفران الكامل لجميع التائبين المؤمنين. وقراءة الخميس (فل 4/4-10) تركّز على أنّ الوجود المسيحيّ على الأرض هو فرح وعمل في الربّ، وانفتاح واستعداد لملاقاة وجه الله الكريم في كلّ حين، وعيش الفضائل كلّها. ورسالة الجمعة (روم 1/18-25) وصف سلبيّ لشقاء العالم الوثنيّ بدون الإنجيل: لقد عرف الله، لكنّه لم يعبد الله، بل عبد أصنامًا، واستسلم لكلّ أنواع الرذائل، نتيجة حتميّة لضلاله الدينيّ. ورسالة السبت (عب 12/28-13/9) تركّز على العبادة المرضيّة لله بخشوع وتقوى تليق بالعهد الجديد، وتعطي مبادئ عمليّة لمواقف مسيحيّة تجسّد العبادة المرضيّة لله، التي تتخطّى الطقوس الخارجيّة، إلى عمق ضمير الإنسان ووجدانه.
2 - الإنجيل (مر 1/35-45): إنّ البرص، في نظر اليهود، أشنع مرض، وأقسى عقاب يعاقب به الله الإنسان الخاطئ. فقد كان الأبرص يُمنَع من مخالطة شعب الله، ويُبعَد عن الجماعة المقدّسة. أتى الأبرص إلى يسوع متوسّلاً بثقة تامّة، غير عابئ بما تنصّ عنه التوراة، فمدّ يسوع يده ولمسه وقال له: قد شئتُ فاطهر! فطهُر بدون إسراف في الكلام، ولا إكثار في الحركات، بل ببساطة القادر ورأفة المخلّص. قبل شفاء الأبرص، كان يسوع قبل طلوع الفجر يصلّي، مخصّصًا وقتًا طويلاً للصلاة والتأمّل، ولعلاقته بالآب السماويّ، أمّا الناس فكان همّهم الأوّل أن يحصلوا على الشفاء من يسوع، ويسوع كان يشفيهم باللمس والكلمة. وهذا ما لا يزال يحدث للمؤمنين في ليتورجيّا القدّاس، في مناولة جسد الربّ، وسماع كلمته. وكما راح الأبرص ينادي بأعلى صوته ويذيع الخبر، هكذا على كلّ مؤمن عاش خبرة اللقاء مع يسوع، وعلى كلّ خاطئ شفاه يسوع من خطيئته وأعاده إلى فرح العيش ضمن الكنيسة بحرّيّة أبناء الله، أن يتحوّل إلى رسول يذيع البشرى!
أمّا قراءة الإثنين فتركّز على سلامة العين الروحيّة بنظرة إيمانيّة صحيحة وصلة روحيّة بالله والناس صافية، وحرّيّة القلب من حبّ المال (متى 6/22-24)؛ وقراءة الثلاثاء تشدّد على ضرورة الصلاة إلى الله الذي يمنح الصالحات للّذين يسألونه (متى 7/7-12)؛ وفي قراءة الأربعاء، يأبى يسوع أن يعطي سائليه آية كونيّة خارقة، بل أشار إلى آية موته وقيامته معبّرًا عنها بآية يونان النبيّ (متى 12/38-45). وقراءة الخميس تعطينا مثل الزارع الواثق من غلَّة أرضه رغم كلّ الأخطار. وكذلك البشرى بالملكوت تنتصر في النهاية على كلّ العقبات، ويسوع يدعونا إلى أن نكون تربة صالحة تثمر فيها كلمة البشرى (لو 8/4-15). وقراءة الجمعة تشدّد على الغفران في مثل العبد القاسي الذي عفاه سيّده من دين بستّين مليون دينار، ولم يعفُ هو بدوره لرفيقه من دين بمئة دينار فقط!! (متى 18/23-35). وقراءة السبت تركّز على التينة التي يبست، وهي في الأصل رمز للشعب الذي لم يؤمن، ولكنّها صارت في مفهوم الإنجيليّ دليلاً على مفعول الإيمان والصلاة (مر 11/19-25).
من كتاب الإنجيل الطقسيّ (بكركي-2005)
***********************************************
الشهداء الأربعون
«سيكون لكم في العالم ضيق، ولكن تشجّعوا: أنا غلبتُ العالم» (يو 16:33)
من كبادوكية قوّادٌ في فرقةٍ رومانيّة، تحت قيادة ليسياس الوثنيّ. توجَّهت فرقتهم لتقديم البخور للآلهة، فامتنع هؤلاء الأربعون عن تقديم الذبائح. إِستجوبهم الوالي أغريكولا فاعترفوا بأنّهم مسيحيّون. أخذ يتملّقهم ثمّ أمرهم بالسجود للآلهة فامتنعوا. جرَّدهم من جنديَّتِهم ووضعهم في السجن. أَمضَوا الليلَ في الصلاة دون أن يضعوا شيئًا في فمهم. أُلقوا إلى بحيرةٍ تجلَّدَ ماؤها. راحوا يشجعون بعضهم بعضًا. خرج أحدهم من البحيرة من شدّة البرد، فنزل جنديٌّ مكانه معترفًا بإيمانه. وظلّوا في البحيرة يعانون من الجليد إلى أن استشهدوا واحدًا فواحدًا، ونالوا إكليل الشهادة في التاسع من آذار سنة 320.
إحفظ يا ربّ لشبابنا المبادئَ القويمةَ والأخلاقَ الرفيعة، واحفظ لنا جميعًا بطولةَ الإيمانِ والمحبّةِ والتضحيةِ في سبيلِ الخيرِ وخلاصِ النفوسِ وتمجيدِ اسمِكَ إلى الأبد. آمين.