لمدينة (القدْس) الشريف، المبارَكة المقدّسة، أسماء عدّة، منها: (يبّوس) نسبةً إلى اليبّوسيين الذين كانوا بطنًا من بطون العرب الكنعانيين، نزحوا لحمايتها في أوائل الألف الثالث ق.م.، فسُمِّيت بإسمهم، وكان السور الأول لهذه المدينة من تشييدهم. وقد ورد هذا الأسم في أسفار التوراة: (القضاة ـ الملوك ـ ألأخبار)، وشيّدوا فيها حصنًا سُمِّيَ (حصن يبّوس) أو (جبل صَهيون)، إذ حتى “صهيون” إسم كنعاني، والكنعانيون عرب إستوطنوا بلاد الشام (سوريا الكبرى) وضمنها فلسطين؛ فأُطلق هذا الأسم على رابية (فهي ليست بجبل)، بل حتى (إسرائيل) إسم كنعاني، يعود زمنُه إلى قبل عصر موسى النبي ونشأة العبرانيين في التاريخ (أنظر: العرب واليهود في التاريخ. أحمد سوسة ـ ص142). وحوالي العام 1250 ق.م. وفدت على أرض فلسطين قبائل العبرانيين النازحين من مصر، وقدّر بعض الباحثين عددهم 6000 ـ 7000، ماتَ بعضهم خلال التيه في صحراء سيناء زهاء أربعين عامًا، وبعد ردح إستخلص العبرانيون (الذين عُرفوا ببني إسرائيل) من أيدي الكنعانيين والفلسطينيين مدينة (يبّوس) أو (يروسالم) أو ( يروشاليم) التي تعني ” مُنشأة لله سالم أو شالم قبل قدوم العِبريين إلى أرض كنعان بأكثر من ألفي سنة”؛ ومن هذا الإسم الكنعاني ـ العربي، أُشتُقّ إسمُها العِبري (أورشليم) وإسمها الغربي (جيروزاليم) واسمها الأرمني (يروساغيم).
دام حكم العبرانيين المُوَحّد سبعين عامًا، فكانت (يبّوس) أي (أورشليم القُدس) عاصمة حكمهم الموَحّد، بدءًا من الملك داود النبي في القرن 11 ق.م.، الذي رمّم سور القدس الأول، وانتهاءً بابنه الملك سليمان النبي في القرن 10 ق.م.، وهو الذي بنى “الهيكل” على “جبل صهيون”، ويُعرف أيضًا بجبل النبي داود. بيدَ أن العبرانيين لم يُنشِئوا حضارة في أرض كنعان ، فهم في ذلك يُماثلون العثمانيين الأتراك الذين إستوطنوا بلاد الأناضول “آسيا الصغرى”، حيث وجدوا أنفسهم وسطَ أقوام عديدة مُتحَضِّرة، فالعِبريون لم يجدوا في أوائل عهدهم أمنًا واستقرارًا، وتأثّروا بحضارة الكنعانيين ، واقتبسوا منها، حتى أخذوا حروفَهم الأبجدية، فكتبوا بها أوّلاً أسفار “العهد القديم” من الكتاب المقدّس، وتأثّروا بأسلوبهم الحياتي وبموسيقاهم وبديانتهم. وسِفر “تثنية الإشتراع″ يؤكّد أخذَهم حضارة الكنعانيين بدون أن يُسهموا في إنشائها، حتى في عهد سليمان وبعده في عهد ملوك انقسام المملكتين: الشمالية والجنوبية (كتاب أحمد سوسة ص 143).
ولما انشطرت مملكة العبرانيين إلى شطرَي (السامرة) و(يهوذا) غدت (أورشليم) عاصمة “يهوذا” وحدَها، وحفلت (التوراة) بأنباء التصارع بين الدولتين العبرانيتين من جهة، وبينهما وبين الكنعانيين والفلسطينيين من جهة أخرى، حتى باتت البلاد ميدانًا للفوضى والإحتراب، إلى أن إنهارت دولة الشمال على يد العاهل الآشوري سرجون عام 721 ق.م.، ثم قضى العاهل نبوخذنصّر الكلداني البابلي على مملكة الجنوب “يهوذا”، ودمّر المدينة والهيكل، وسبى العبرانيين من سكّانها إلى بابل، فأضحت المنطقة المحيطة بمدينة (القدس) مستعمرة بابلية، حتى سنح كورش الفارسي في القرن 3 ق.م. لبعض المسبيين في بابل بالعودة إلى فلسطين وبناء السور والهيكل.
وأصاب (أورشليم) تدمير ثانٍ على يد الإمبراطور الروماني (بومبيوس) في عام 70 ق.م.، جَرّاء أعمال العبرانيين السيئة، وتحقيقًا لنبوءات أنبيائهم ، إثر ” فتنة يهودية”. ثم كان التدمير الثالث تدميرًا نهائيًا في عهد إمبراطور روما (هادريانوس) عام 136م. وعلى أنقاض المدينة َّبنى الرومان مدينة جديدة ، سَمَّوها (إيليا) نسبةً إلى الإمبراطور (إيليا هادريانوس). وقال إبن البطريق في تاريخه: ” وهذا آخر خراب بيت المقدس. فمن العبريين من هرب إلى مصر، ومنهم إلى الجبال والغور بمحاذاة البحر الميّت، وأوعز العاهل الروماني ألا يسكن المدينةَ يهودي واحِد، وأن يُقتَلَ ويُستأصَلَ جنسُهم، وأن يسكنَ اليونانيون المدينةَ، وأن تُسَمّى إيليا”. ومع كون المدينة المقدسة ـ كسائر مدن فلسطين ـ جزءًا من الحضارة الهيلّينيّة والبيزنطيّة، فالحياة الكنعانية ـ العربية، بكل صفاتها ومُكوّناتها، لم تحتجب عن فلسطين إبان الفترة التي سبقت الفتح العربي ـ الإسلامي،وبعد الفتح نصّت ” العُهدة العُمَرية” لبطريرك (إيليا) عام 17هـ /638م على آلآ يسكن في (القدس) مع المسيحيين أحد من اليهود. وبعد الفتح، شاعت لتسمية المدينة مُسَمَّيات عِدّة: القدس ـ المقدِس ـ بيت المقدس ـ القدس الشريف ـ المدينة المقدّسة، وكان أكثر الأسماء شيوعًا (بيت المقدس)، واسم (القدس) كان مُتداوَلاً بين أهل الشام وأطرافها. وقد أجمع المؤرّخون على تخريج الكلمة من مادة (قدس) بمعنى الطهر والطهارة، تأكيدًا على مكانتها في الإسلام باعتبارها أولى القِبلتين. ووردت تسمية (بيت المقدس) في المصادر العربية القديمة، وحظيت هذه المدينة المقدسة، منذ الفتح العربي ـ الإسلامي، بالتقديس والتكريم والرعاية، وقد أُعيد إصلاح المتهدِّم من أسوارها في عهد صلاح الدين الأيوبي، ثم الملك العادل والسلطان قلاوون. أما السور الحالي، فقد أقامه السلطان العثماني سليمان القانوني إبان الفترة 1536 ـ 1540م. ( أنظر مقال الدكتورة خيريّة قاسمية في نشرة الدراسات الدينية/عمّان ـ العدد16/عام 2000).
في ( موسوعة الكتاب المقدّس) ـ ص 173، وردت هذه السطور في شأن أورشليم ومملكة العبرانيين الجنوبية : ” لم يتعلّم بنو يهوذا من الدرس إلاّ نِصفَهُ. فنشأت في أذهانهم فكرةٌ تقول إنّ أورشليم مدينة الله، لا تُقهَر. وظنّوا أنهم في مأمن من أيّ عدوّ بوجود المدينة والهيكل. فلم يَهمّهم ما يفعلون.! وقد ظلّوا آمنين زمنًا لأنهم دفعوا الجزية للآشوريين المنهَمكين آنذاك بمحاربة سواهم من الأعداء ..”
وتعليقي على هذا النص، هو: حتى لو قَيَّض الله لهيكل أورشليم اليهودي أن يُعادَ بناؤهُ ـ وهذا إحتمال بعيد جدًا في اعتقادي، لأن طقوس المحرقات والذبائح والتقدمات المرسومة لإجرائها في الهيكل المذكورـ قد نُسِخَت تمامًا بمجيء المسيح وارتفاعه منتصرًا إلى الملأ الأعلى في أسمى منزلة؛ فإنّ بني الشعب العبراني سيلبثون هكذا، كما هم قديمًا وحاضرًا ومستقبلاً ، عازفين، مُعرِضين عن تعلّم الدرس “الكامل” الذي يُستقى من أخطائهم المصيرية وخطاياهم الجمّة ! والذين يعيشون يرون
لطفي الياسيني عضو شرف الموقع
الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 3438مزاجي : تاريخ التسجيل : 17/06/2014الابراج :
موضوع: رد: من أسماء القدس في أدوارها التاريخيّة الجمعة 25 يوليو 2014 - 15:45
اقف اجلالا لعبق حروفك وابحارك في مكنونات الذات الانسانية فاجدني عاجزا عن الرد حيث تسمرت الحروف على الشفاه جزيل شكري وتقديري لما سطرت يداك المباركتان من حروف ذهبية دمت بخير