بقلم : خليل المتبولي .. كثرة هم المؤرخون والأدباء الذين درسوا ظاهرة الصعلكة في التاريخ العربي ، فالصعالكة هم طائفة من المخلوعين والمنبوذين من مجتمعاتهم وقبائلهم وذلك لأسباب عدة منها : أعمالهم التي تُعتبر خروج عن القانون القبلي أو خروج عن العهود والأعراف الاجتماعية ، كما عرف أسباب أخرى للصعلكة مثل عدم معرفة نسبهم مما جعلهم يتسمون بأسماء أمهاتهم ،وينتسبون لهن و يتجهون نحو الصعلكة . ومن الصفات العامة للصعاليك هي نقمتهم على مجتمعهم ... ومنهم مَن كان ينقم على أبيه أو أمه لأسباب أخلاقية أو فكرية أخرى . امتهن الصعاليك أعمالاً غير مألوفة عند العرب مثل السرقة والسطو بالقوة والإغارة على القوافل وقطع الطرق مما يؤدي الى قطع أرزاق الناس ، وكانت الصحراء مأواهم ، وبالوقت نفسه كان الصعاليك يحاولون تجميل صورتهم من خلال توزيع بعض المسروقات على الفقراء والضعفاء والمساكين وهذا ما كوّن لهم نوع من التعاطف بين هذه الطبقات الاجتماعية آنذاك ، إذ أن الصعاليك استفادوا واستغلوا الهوّة الموجودة بين الفقراء والأغنياء ، وكان بعض الصعاليك يتمتعون بسمات متعددة : فمثلاً الصعلوك عروة بن الورد كان يتمتع بصفات قيادية جعلته يسمى بعروة الصعاليك ، ولا يغيب عن البال شيخ الصعاليك عبد الله من نجد وهو صديق الشاعر العربي أبو العتاهية الذي تصعلك لفترة من حياته، و سليك بن سلكة الذي كان سريعاً جدا بالركض مما جعله مضرب مثل عند العرب فيقال أعدى من سليك ، وكثير من الصعاليك كانوا شعراء أغنوا ديوان الشعر العربي بكثير من القصائد مثل الشنفري وتأبّط شراً . وبعد ظهور الاسلام ضعفت ظاهرة الصعلكة ولكنها لم تنته ، فبقي الصعاليك يمارسون أعمالهم نفسها في الجاهلية ، ومن أشهر صعاليك صدر الاسلام الخطيم بن نويرة . وعبر العصرين الأموي والعباسي وباقي العصور كانت ظاهرة الصعلكة تضعف وتقوى لعدة أسباب منها ما يتعلق بالدولة والمجتمع ومنها ما يتعلق بالصعاليك أنفسهم ، فإذا ما ضعفت الدولة تتزايد الصعاليك وتقوى شوكتهم وتكثر حججهم وتبريراتهم لأعمالهم غير الانسانية وغير المنطقية . واذا زادت قوة الدولة أو السلطة الحاكمة ضعفت ظاهرة الصعاليك ، وخفت صوتهم وقلّ عددهم وعدد المغرر بهم الذين يبدون التعاطف اللا فكري نحوهم . أما بالنسبة للصعاليك أنفسهم فالسمات والصفات التي كانت موجودة في الجاهلية استمرت بعد ذلك وخاصة حب البروز وعدم قبولهم لمجتمعهم وعدم رضاهم عن عائلاتهم واعتبار أن الناس المحيطة بهم أناس سيئون وخاصة أبائهم وأمهاتهم ، اذ أن أكثر الصعاليك عبر التاريخ حتى الأن لا يبدون الاحترام الكبير لأبائهم وأمهاتهم بحق وبغير حق ، فتتكون لديهم حالة نفسية مرضية تؤدي بهم الى الصعلكة اذا ما سمحت لهم الظروف العامة بذلك . والصعاليك كانوا وما زالوا يعتمدون على محاولة تغيير كل الثوابت الأخلاقية والأعراف الاجتماعية وإيجاد حيثية لافكارهم ولأشخاصهم ، حتى ولو كان هذا الاعتداء على الناس ومصالح الناس وقطع طرقهم ومسالكهم وقطع أرزاقهم ومضايقتهم في تنقلاتهم وأعمالهم وإزعاجهم في حياتهم اليومية . ولكن في نهاية الموضوع و رغم بعض الحسنات التي تتصف بها ظاهرة الصعلكة مثل الشعر وغير ذلك ، تبقى الصعلكة عملاً مقيتاً يكرهه الناس ولا تناسب حياتهم المدنية ... المصــدر / أون لايـــــــن .