ملاحظة: سيادة المطران أعطى لي الصلاحية في نشر مقالاته مع الشكر له
مَا أَشْبَهَ اللَّيْلَةَ بِالبَارِحَةِ "
احتلال الرها حسب المفريان ابن العبري المطران حبيب هرمز
مقدمة
ولد مفريان المشرق غريغوريوس ابو الفرج الملطي سنة 1226م في ملطية، فعشق ينابيع العلم، فصنف عشرات الكتب في مختلف العلوم، حتى توفي في مراغة سنة 1286م فدفن في دير مار متى قرب الموصل.
ادناه ترجمة لمقالته في الاستيلاء على الرها والمنشورة في الجزء الثاني من كتاب المروج النزهية في ادب اللغة الارامية للمطران يعقوب اوجين منا، الصفحة 361-365، الفصل الثاني من الباب السادس والعشرون.
بإعتباري جيولوجياً حفظت مثلا سمعته في الجامعة حيث يقول: THE PRESENT IS THE KEY OF THE PAST
اي ان الحاضر هو مفتاح الماضي. فالتأمل في احداث التاريخ هو درس بليغ لنا. إنه يعطينا الحكمة لفهم ما جرى في الماضي فنسعى الى السعي لتدبير حياتنا اليوم وقراءة علامات الأزمنة. من المؤكد الصلاة وحدها لا تكفي. نحتاج الى الوحدة والعمل معا لتقوية جماعاتنا في كل الشرق الأوسط كي تعي بعمق فكري ما خطط ويخطط لها وفي نفس الوقت نزرع بذور المحبة والرجاء ليحل السلام بين ابناء ادم وابراهيم …ونكون بناة ثقافة حضارة المحبة لا ثقافة الموت كما بشر وتبشر بها شياطين العصر.
النص يتناول مرحلة تاريخية سوداء حيث تفصل بين سنوات الحروب الصليبية وتباشير غزو المغول. فالحضارة العباسية في تلك الفترة كانت في انحدار. ولا بل كان القرن الثاني عشر من اسوأ القرون للمسيحية. وكانت مدينة الرها الآرامية المسبية الواقعة شمال غرب زاخو في خطر غزو آخر من مدينة الموصل. كانت الرها مدينة ابجر مسيحية منذ القرن الميلادي الأول ويحكمها البيزنطينيون. والنص ادناه التي كتب بعد قرن من الحادثة الأليمة يكشف لنا عن قسوة البشر وحب التسلط واستعباد الناس المسالمين.
النص المترجم في سنة 1144م، وحبنما ذهب جوسلين حاكم الرها الى انطاكيا، اخبر ابناء حاران زنكي حاكم الموصل، ان مدينة الرها اضحت بدون قوة تحميها، فجمع زنكي القوات لاحتلال الرها.
وفي يوم الثلاثاء المصادف 28/11/1144م جاء القائد زنكي وحاصر الرها بعد ان ضرب معسكراته قرب كنيسة المعترفين في باب الساعات، واقام عليها سبعة منجنيقات. فشرعت القوات ترشق السهام كقطرات المطر، وكان ابناء المدينة كلهم كباراً وصغاراً ورهبان الجبل واقفين على السور ويحاربون. وكانت النساء على السور ايضاً يمددن الحجارة والماء والمأكولات للمقاتلين.
وحينما حفر الذين في الخارج تحت الارض ووصلوا السور، حفر الذين في الداخل ايضاً وخرجوا الى الذين في الخارج، وقتلوا الذين شاهدوهم في الحفر. بينما حفر الذين في الخارج تحت برجين اخرين.
وعندما اقتربت الابراج من السقوط أرسل الاتابك زنكي الى الرهاويين وقال: خذوا من عندنا رجلين، واعطونا رجلين ليشاهدوا كيف ان البرجين اقتربا من السقوط، وسلموا المدينة قبل ان تؤخذوا بالسيف فتبادون. لكن بابياس حاكم الافرنجيين في الرها لم يمتثل لهذا الطلب بسبب اتكاله على جوسلين وعلى ملك اورشليم ليتداركوا لمساعدته، لذلك استخف وسخر بزنكي.
حينذاك بدأ الاتراك الدخول في الفجوة التي وقف عندها شعب المدينة مع بابياس والاساقفة من الداخل، ليمنعوا الاتراك كي لا يدخلوا، فامتلأت الفجوة من اكوام القتلى من الداخل والخارج. وعندما اجتمع الشعب كله عند الفجوة شاهد الاتراك ان السور قد فرغ من المحاربين فوضعوا السلالم وتسلقوه. وحينما شاهد الذين في الداخل الاتراك قد تسلطوا على السور ضعفت ايديهم، وشرعوا يهربون الى حصن المدينة، حينئذ أي فم يستطيع التحدث او أي اصبع لا يرجف عند الكتابة عن الجريمة التي صارت في الساعة الثالثة من يوم السبت الثالث من كانون الثاني.
لقد دخل الاتراك وسيوفهم مشهرة لتشرب دم الشيوخ والاطفال والرجال والنساء والكهنة والرضع والاختان والعرائس. يا لها من قصة مرة، فمدينة ابجر محب المسيح، صارت تداس بسبب شرنا، والويل من الضيقة، لقد كفر الابناء بأباءهم، والاباء ببنيهم، وتغافلت الام عن الرأفة ببنيها، فاسرع الجميع نحو قمة الجبل.
وعندما شاهد الكهنة والشيوخ الذين حملوا صناديق الشهداء الغضب ليتم ما قال النبي عنه: "اني اصبر غضب الرب لأنني خطئت"، لم يهربوا، ولا توقفوا عن الصلاة حتى اسكتهم السيف، وقد شوهدت زنودهم بعد ذلك ملطخة بدمائهم، وكثير من الامهات جمعن اولادهن كما تجمع الدجاجة فراخها، وكن ينتظرن منهم ان يموتوا بالسيف معاً او يؤخذون جميعاً للعبودية.
اما الذين هربوا الى الحصن، فان الحراس لم يقبلوا ان يفتحوا لهم الا بعد ان يروا وجه بابياس، وحيث انه لم يستطع ان يأتي مع الاوائل اختنق الالاف بالازدحام. وعندما جاء بابياس لم يقدر ان يدخل بسبب اكوام الجثث امام باب الحصن فاصيب بسهم من الاتراك ومات. وعندما شاهد زنكي الهول اوقف السيف. وحينئذ شوهد الاسقف باسيليوس وهو عرياناً وحافياً ومسحولاً بالحبل من قبل الاتراك. وعندما شاهده زنكي تعرف على شخصيته من وقار وجهه فسأل عنه، وحينما علم انه المطرافوليط امر ان يلبسوه ويدخلوه الى خيمته، فشرع يعاتبه لانه لم يسلمه المدينة وينقذ الشعب المظلوم من القتل. فاجابه المطران: "ان العناية الالهية شاءت ان تكون لك هذه القوة والاسم الكبير والمنتصر بين رفاقك الملوك، ولنا نحن المساكين الوجوه المكشوفة نحو الرب ان لا ننكل ولا نتجاوز على قسمنا".
لقد حسنت كلماته لدى الاتابك، فقال له: قلت الحق ايها المطران، ان الصابرين حتى الموت ويحفظون قسمهم لله وللبشر محترمون.
اما الذين كانوا في الحصن فقد اخذوا وعدا بحياتهم فاستسلموا بينما كان الاتراك يقتلون البيزنطيين حيثما وجدوهم وعاش اهلنا والارمن الباقين.
لا نستطيع ان نحكي تفاصيل قصة هذه الضربة بل نعود الى النبي ارميا وامثاله ليدعو الراثيات لينظموا باشعار تُعد للشعب المشفوق عليه.