[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]بابنيوز/ كتب ماجد الغرباوي في فيسبوك: لم يشهد التاريخ كذبة مدوية كـ "الانتماء الطائفي". كذبة استغلها رجلا الدين والسياسة، فكانت وقود الصراعات على طول التاريخ، حتى راح ضحيتها أعداد غفيرة من الناس الطيبين والبسطاء، بعد ان تمزقت شعوب كانت متماسكة لولا هذه الآفة البغيضة.لا مشكلة أن ننتمي لطائفة معينة، نعتز بانتمائنا لها، ونفتخر بتاريخها ورموزها، ونتمسك بمذهبها العقائدي والفقهي،خاصة أن الدين بعد وفاة الرسول تشظى إلى طوائف وفرق ومذاهب، كل له مبادئه وآراؤه، ومتبنياته العقائدية والفكرية، وإنما المشكلة في وعينا لهذا الانتماء، عندما نعتقد أننا على حق مطلق وغيرنا على باطل مطلق، يحق لنا نبذه وتكفيره، وجواز قتله، باعتباره من أهل النار، مرتدا أو منحرفا أو مشركا أو كافرا. لا يشاركنا في الحقيقة ولا بجزئها. وأعني بـ "الانتماء الطائفي"، شعور الفرد بالانتماء لطائفة بعينها على أساس أحقيتها، وامتلاكها الحقيقة دون غيرها، حتى تصبح الطائفة المقوّم الأساس لهويته، بل إن البعض لا يرى في هويته سوى انتمائه الطائفي، ويرى نفسه في اتحاد وتماهٍ كامل معها. من هنا راح كل من رجل الدين والسياسة يوظّف "الانتماء الطائفي" باتجاهين: داخلي، لتعميق الأواصر وخلق روح من التماسك والانسجام. وخارجي، للتحريض ضد الآخر الخصم والعدو. وبالتالي فالطائفي هو حطب معركة رجل الدين والسياسة وهو الخاسر الوحيد من خلال حجم التضحيات، التي تتناسب مع حجم إيمانه بثوابت ومقولات طائفته. ويمتاز "الانتماء الطائفي" عن غيره من النوازع ببعده العقائدي، الفكري، الديني، وقدرته على تعبئة وتجييش المشاعر الفردية والجماعية، وهذا لا يتحقق حتى بالنسبة للانتماء القومي إلا نادرا. فالشعور الطائفي أقوى وأقدر على استنهاض الهمم الدفاعية والقتالية. فقد يتنازل الإنسان عن جزء من وطنه أو يتراخى في الدفاع عنه، لكنه لا يتكاسل في الذب عن طائفته، والدفاع عن معتقداته، مهما كانت واهية وبسيطة. و"الانتماء الطائفي" في مخاضه فكرة بسيطة ثم تتضخم بفعل تراكم التهويل والأوهام، وعادة يلجأ له المتصارعون سياسيا، للمحافظة على كيانهم السياسي، ثم يأخذ طابعا فكريا – عقائديا تُرسخ جذوره دينيا بمرور الزمن، حتى يتحول" الانتماء الطائفي" إلى منظومة قيم ومفاهيم عقائدية – فكرية. ويبدأ التأسيس العقائدي من الرأس، من القائد والرجل الأول فتُنسج حوله حكايات وقصص،تمنحه بعدا أسطوريا، وتضفي على سلوكه شرعية مطلقة، وتصبح تحركاته (نجاحاته وانكساراته) مقدّرة في عالم الغيب. ثم بمرور الزمن يتواصل التراكم(معجزات، كرامات، مظلوميات، خوارق للطبيعة، علم بالغيب، عدالة مثالية، مناصب إلهية ...)، فيغدو كل ذلك حقائق مطلقة ومقدسة، ترسم معالم هوية الانتماء الطائفي، وبالتالي عندما تتفحص أي انتماء طائفي تجده مليئا بأساطير ترسخت بمرور الزمن فغدت حقائق في أذهان معتنقيها، فيستحيل التشكيك بها، بل تصبح هي المعالم الحقيقية لهذه الطائفة أو تلك. وتارة تصل الهشاشة في تلك المرتكزات العقائدية إلى درجة ان أي مقاربة تاريخية تطيح بكل مقوماتها، لهذا يتفادى خطباء الطائفة ومتكلموها أي مقاربة خاصة ضمن المناهج العلمية في قراءة التاريخ والحوادث التاريخية. والغريب رغم تناقض الأفكار والمعتقدات بين الطوائف (السنة والشيعة) أو (الكاثوليك والأرثوذكس) مثلا، إلا ان كل طائفة تعتقد أنها على حق مطلق، والآخر باطل مطلق، وكل طائفة تعتقد هي الفرقة الناجية يوم القيامة، والآخر مخلّد في النار من دون الالتفات إلى حجم الأوهام والأكاذيب في منظومة القيم والمعتقدات. والمشكلة الحقيقية عندما تدفع تلك الأوهام باتجاه التنابذ والكراهية والاحتراب. إن وعي الحقيقة بحاجة إلى قدرات عقلية وجرأة تتحدى الممنوع والمقدس، وتتوغل في أعماق الفكرة والمعتقد بعد مقاربات تاريخية جادة، حينذاك سيكتشف الفرد حجم الوهم والأساطير في مساحة واسعة من معتقداته، وهذا كان أول خطوة على طريق التصالح بين الكاثوليك والأرثودوكس. لكن ما زال السيف يقطع وتين المخالف بين طوائف المسلمين بعد تكفيره، وهي مأساة ترتبط بالوعي والنوازع السيئة لرجل الدين ومن ثم رجل السياسة. إن الحقيقة التي يعتقد كل منتم ٍ لطائفته بأنها حكر عليه، لا وجود لها إلا في ذهنه، وستتهاوى تلك الحقيقة عند أول اختبارٍ نقدي. ليس هناك حقائق مطلقة، إنما هي أوهامنا نضفي عليها ما يشبع حاجتنا للفكرة والمعتقد، خاصة تلك الأفكار التي تعالج يأسنا وإخفاقاتنا، وتمنحنا أملا كبيرا ولو مؤجلا. إنها قراءات ووجهات نظر وتلفيقات تغدو حقائق ومقدسات. وتبقى المشكلة اليوم عندما تجد نفسك محشورا في زاوية الطائفية خارج عن إرادتك، وعندما تجد نفسك مصنفا على هذه الطائفة أو تلك وأنت لا حول لك ولا قوة، ولا تستطيع الدفاع عن نفسك واستقلاليتك. وهو موقف صعب. إن الشعور بالاستقلالية يتناسب عكسيا مع عمق الانتماء الطائفي، حيث يصبح الفرد مسلوب الإرادة، أداة بين رجل الدين والسياسة، يتوجس من مخالفتهما ما دام الأمر مرتبطا بهويته وطائفته. إنه يراها مسألة مصير، بين الحياة والموت، فهو مستعد لكل شيء لأجلها، وهذا ما يريده رجلا الدين والسياسة أن ينقاد الشخص من حيث لا يشعر وفاءً لمبادئه وقيمه، لذا تجدهما يعزفان على مخيال الشعب، ويناشدان مشاعره وأحاسيسه من دون إيقاظ عقله ووعيه. لا عتب على الإنسان العادي حينما يندفع ضمن العقل الجمعي، أو ينساق لا إرادياً تحت وطأة المخيال الشعبي، لكن ماذا نقول عندما نشاهد مثقفا أو مفكرا يرفع راية الانتماء الطائفي، ويحشد لتعميقه؟ ألا يشعر بحجم المأساة، وحجم تداعيات الصدام الطائفي، وما يترتب عليه؟ فمتى نفيق؟