بيروت- تشهد الساحة اللبنانية اختراقا نسبيا في الأزمة السياسية التي تشهدها البلاد منذ أشهر، وكذا هو الشأن بالنسبة للوضع الأمني وتحديدا ملف العسكريين والأمنيين الذين اختطفوا من قبل النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية. فعلى الصعيد السياسي يرى المتابعون حصول توافق نسبي بين الفرقاء اللبنانيون حول جملة من القضايا الرئيسة لعل أهمها ضرورة التمديد لمجلس النواب بعد أن أدرك الجميع صعوبة تحقيق انتخابات نيابية في هذا الظرف الدقيق الذي تمر به البلاد. وهنا ذكرت مصادر مقربة من الحزب الاشتراكي عن تبني كل من الحزب بقيادة وليد جنبلاط وحزب الله لخيار التمديد وذلك خلال لقاء جمع بينهما، مؤخرا، مع الإشارة إلى اقتناع شبه كلي لدى قيادات 14 آذار بضرورة اتخاذ هذا الخيار لصعوبة إجراء الانتخابات، لعدة أسباب أولها دستورية وهو أنه لابد من إجراء الانتخابات الرئاسية قبل النيابية، وثانيها أمنية وتتعلق بالمخطر المحدقة من كل جهة بهذا البلد. فيما يلتزم نبيه بري رئيس المجلس وزعيم حركة أمل الشيعية (الذي كان لا ينفك في الفترة الماضية عن التأكيد على رفضه التمديد) الصمت الأمر الذي قرأه المتابعون على أن بري استجاب لدعوات المستقبل بشأن إعادة جلسات التشريع مقابل السير في التمديد (وهو ما حصل قبل يومين عندما اجتمع المجلس للمرة الأولى بعد أشهر لإقرار عدد من القوانين ومن بينها مسألة الرتب التي لم تحسم بعد). مع العلم أن لقاء كان جمع مؤخرا بين فؤاد السنيورة رئيس كتلة المستقبل في مجلس النواب ورئيس المجلس نبيه بري، وقد سربت أنباء عن ان اتفاق التمديد تم خلال هذا اللقاء. ليبقى الرافض الوحيد للتمديد لمجلس النواب رئيس كتلة التغيير والإصلاح ميشال عون، لاعتقاده بأن إجراء الانتخابات البرلمانية ستمكن من رفع أسهمه في البرلمان المنتخب للوصول إلى رئاسة الجمهورية، ولكن مصادر مقربة منه كشفت أنه وإن كان يرفض هذا الخيار فإنه لن يعمد إلى عرقلته. وبالتالي يصبح التمديد للبرلمان الذي تنتهي ولايته في 20 أكتوبر أمر واقع لا جدال فيه، وهو التمديد الثاني على التوالي للمجلس النيابي في سابقة من نوعها في لبنان. أما على مستوى انتخابات رئاسة الجمهورية فإن الفرقاء اللبنانيين يبدو أنهم حسموا أمرهم في ركن هذا الملف في الرف إلى حين ظهور تطورات جديدة على الساحة الإقليمية، تعيده إلى الاضواء مجددا.
وائل أبو فاعو: المفاوضات (حول إطلاق سراح العسكريين) قطعت أشواطا جيدة جدا
ويرى المحللون والخبراء في الشأن اللبناني أن هذا الاختراق الذي حصل في ملف مجلس النواب تحديدا، لا يعدو كونه محاولة من الفرقاء لتوفير الحد الأدنى من استمرارية مؤسسات الدولة، لإدراكهم بأن الفراغ على مستوى المجلس التشريعي سيؤدي إلى انهيار الدولة التي تشهد تحديات كبرى خاصة على المستوى الأمني. ويقول هؤلاء إن الساسة اللبنانيون يحاولون التأقلم سياسيا مع الواقع الإقليمي الملتهب، خاصة وأن اللاعبين الإقليميين والدوليين ليس في قمة أولوياتهم البحث في أزمات لبنان الحالية، في ظل الوضع المتفجر في سوريا والعراق والحرب الدولية المعلنة على تنظيم الدولة الإسلامية، ما لم يطرأ جديد يعيد هذا البلد إلى دائرة الضوء. ويرى متابعون أن هذه الهدنة الهشة والمؤقتة سياسيا بين فريقي 14 آذار و8 آذار انعكست بدورها على المشهد الأمني وتحديدا في ملف العسكريين اللبنانيين المختطفين لدى كل من النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية. وفي هذا السياق كشفت مصادر مطلعة على ملف العسكريين المختطفين عن بوادر حل يترائ في الأفق للأزمة. يأتي ذلك في وقت يواصل فيه أهالي المختطفين احتجاجاتهم وقطعهم للطرق في مسعى للضغط على الحكومة للتسريع في حركة التفاوض مع الخاطفين. وتقول هذه المصادر أن عودة الوسيط القطري إلى التفاوض مع النصرة وداعش، وقرار الحكومة بقبول مبدأ المقايضة، بالمقابل تعهد الجهتين الخاطفتين، بعدم التعرض لباقي الأسرى لديها، كل ذلك دفع بعجلة المفاوضات إلى السير في الاتجاه الصحيح. وفي هذا الصدد أعلم وزير الصحة العامة وائل أبو فاعور أهالي العسكريين المخطوفين المعتصمين، أمس الخميس، أمام السرايا الحكومية في رياض الصلح، تزامنا مع انعقاد جلسة مجلس الوزراء أن “الأمور تتحرك في شكل ايجابي والمفاوضات انطلقت ودخلت مرحلة ايجابية جديدة، مشيرا الى ان الحكومة تتابع القضية باهتمام بالغ، كما ان كل القوى السياسية مجمعة على ايجاد حل سريع لهذه المعاناة التي يعانيها العسكريون والأهالي”. وشدد أبو فاعور على أن “المفاوضات قطعت أشواطا جيدة جدا ومن المتوقع أن نشهد تطورات إيجابية”. هذا التفاؤل بخصوص ملف العسكريين لا ينسحب وفق مصادر مطلعة على باقي الملف الأمني في ظل تواتر التقارير الاستخبارية التي تتحدث عن تهديدات أمنية حقيقية في الفترة المقبلة تستهدف لبنان، وربما هذا أيضا ما دفع بالقادة اللبنانيين إلى التهدئة سياسيا التي ذكرناها آنفا. كما أن الهبة الإيرانية وسعي طهران إلى ترسيخ نفسها في أرض لبنان وهذه المرة عبر بوابة الجيش، كل ذلك يدفع المتابعين والقادة اللبنانييون إلى النظر ا بعين الريبة، لهذا “الكرم الإيراني”. يذكر أنه ومنذ إعلان علي شمخاني أمين مجلس الأمن القومي الإيراني عن تقديم هبة للجيش اللبناني وعديد الشخصيات السياسية والدينية اللبنانية لا تنفك تبدي قلقا وتخوفا من الاهداف الكامنة خلف هذه الهبة. وفي هذا الصدد اعتبر عضو كتلة المستقبل عاطف مجدلاني أن “الكثير من الغموض يلف الموضوع وطبيعة هذه الهبة، وماذا تحوي، أسلحة، ذخائر، أعتدة، ثياب، لا أعلم”. من جانبه رأى مفتي جبل لبنان الشيخ محمد علي الجوزو أنّ إيران تستغل الواقع الموجود أي التحالف الدولي وتذر الرماد في العيون وتقول إنها تقدم هبة”، مشيرا إلى أنه “في الواقع لا شيء لله إنما لأهداف اعلامية”.
الحرب على داعش تؤجل الخلافات السياسية بين القيادات اللبنانية